وأما وقوع العدد على الزمان، فالأزمنة ثلاثة: حال وماض (١) ومستقبل فهذا وجه من وجوه وقوع العدد على الزمان. وأيضا فالزمان هو مدة بقاء الجرم ساكنا أو متحركا، والحركات معدودة بأولى وثانية وهكذا إما زاد، فالعدد لازم وواقع عليه من هذا الوجه، وإلا فالزمان ليس عددا محضا مجردا لكنه مركب من جرم وكيفيته في سكونه أو حركته ومن عدد تلك الكيفية.
وأما القول: فإنما اراد الأوائل بذلك عدد نغم اللحون، وعدد معاني الكلام، فان لكل ذلك عددا محصورا في ذاته، فمنه ما نعلمه ومنه ما يغمض عنا. وأرادوا بذلك أيضا الحروف المسموعة بالصوت المندفع من مخارج الكلام، وهي التي تسميها العامة: " حروف الهجاء " وهي التي تبتدئ بأبجد وبألف ب، ت، ث؛ وهي محصورة معدودة لا مزيد فيها في الطبيعة البتة، وان كان قد تفاوتت أعدادها في اللغات، فهي في العربية ثمانية وعشرون حرفا، إلى ذلك انتهى تحصيلنا فيها؛ واخبرني المخبر، وهو أبو الفتوح الجرجاني انها تبلغ في اللغة الفارسية أربعين حرفا، ولم استخبره عن الكيفية في ذلك، الا إن كانوا يعدون منها الأصوات الحادثة من إيشاع الحركات الثلاث التي هي الرفع والنصب والخفض، فحينئذ تبلغ واحدا واربعين حرفا، وللكلام في هذا المعنى مكان آخر.
واما العدد نفسه فهو: اثنان ثلاثة أربعة فما زاد، والواحد مبدأ وليس عددا، كما سنبينه في آخر هذا الباب، ان شاء الله ﷿.
واما ما ذكرنا آنفا ان من العدد ما هو متصل وما هو منفصل، وما ذكرنا في الفصل المشترك، فالمعنى في الفصل المشترك انه ما كان من انواع ما يقع عليه العدد له نهاية إذا التقت بنهاية شيء آخر من نوعه اتحد الشيئان معا، أي صارا شيئا واحدا، كالمجرمين فانهما إذا التقيا بعد ان كانا مفترقين، وتمازجا، فانهما يصيران جرما واحدا كماء جمعته إلى ماء، فصار ماء واحدا، وترابا،
_________
(١) وماض: وماضي.
1 / 48