بعد مرور ساعتين مرت كوكبة من الخيالة تحيط بعجلة فخمة، فترامى الشعب على الركب، وعلا الهتاف والدعاء، فوقفت العجلة وخرج منها شيخ مسن مرتد ثوبا أسود، زنر بزنار أحمر، وعلى رأسه قبعة حمراء، وبعد أن بارك الشعب قال: من منكم يستطيع أن يحضر بعضا من الطعام لقداسة البابا؟ فلقد فرغ الطعام الذي كان معنا.
عند هذا شقت إحدى النساء صفوف الحاضرين فتبعها ولد صغير، وعندما وصلت إلى العجلة تلفظت ببعض كلمات أمام الكردينال، وبعد هنيهة نزل بيوس السابع من العجلة، وعلى شفتيه ابتسامة عذبة فبارك الشعب، وصعد إلى عرش كان الجمهور قد أعده لقداسته، فسجدت المرأة والولد أمام البابا، وقدما له بعضا من الأثمار والحلويات وقدحا من النبيذ ... فشكرهما قداسته، ثم وضع يده على كتف الولد وسأله قائلا: ما اسمك يا بني؟
فأجابت المرأة خاشعة الرأس: لويس، أيها الأب الأقدس! - أهو ولدك؟ - نعم أيها الأب الأقدس! - حسنا، حسنا، إني أباركك يا بني أنت وجميع أهلك، فليحرسك الله وليساعدك! ما اسم والدك؟
فرفع لويس رأسه، وقال مفتخرا: والدي؟ لقد مات ساعة أقدم على إنقاذ الملك، وهو ذاهب إلى المقصلة، كان والدي شجاعا!
عند هذا أشار البابا إلى الكردينال، فجاء بعد فترة ثم نظرة إلى الولد، وقال: إن كأس الماء التي تعطى إلى الفقراء لا تذهب بلا أجر يا ولدي، فاقبل مني هذا الكتاب، فهو ذخيرة مقدسة، لقد مات والدك في سبيل ملكه، فخذ هذا الكتاب الملطخ بدم ملكك الشهيد.
فبكت الأم، وأخذ الولد كتاب الفرض فقبله، أما الشعب فكان يهتف هتافا عظيما، وقد تفطر من هذا المشهد الجميل المؤثر، وبعد أن بارك البابا الأقدس شعبه الأمين صعد إلى عجلته، وذهب ... أما ذلك الولد فقد أمسى اليوم شيخا نبيلا. - ألا يزال في قيد الحياة؟ - بلى، وأنت تعرفه يا سيد يوسف، فهو جدي.
الناسك
كان في سالف الزمان ناسك يسكن الصحراء.
كان هذا الناسك ابن أسرة عريقة في القدم.
ذات يوم، وهو صغير كان يلعب على ضفاف البحر تحت حراسة عبد يوناني، فمر من هناك جمع من الرجال والنساء يتقدمهم كاهن ذو لحية كثيفة وهيئة وحشية، فسمعهم الولد ينشدون ويهتفون بأصوات مرتفعة، وقد بسطوا أذرعهم الطويلة في الفضاء، فدهش لدى هذا المشهد، وأخذ يضحك بملء شدقيه.
نامعلوم صفحہ