فرفعت المرأة ذات الثوب الأسود نظرها إلى السماء، وجمعت يديها، وقالت: أنا مريم. - أمريم أنت؟ أجل، أنت نجمة البحار، وسلطانة الحياة والموت! ... أنا مديونة لك بولدي ... لأنك لم تزدري بي ... فكيف أشكرك؟ ثم نزعت طاقة زهر عطرية وقدمتها لمريم.
سقطت دمعة من عيني العذراء على ثنايا الأوراق الأرجوانية، فاستحالت إلى أزهار بيضاء! ...
مطوقة الطوباوي يوسف ده كوبرتينو
في مطلع القرن السابع عشر، كانت أسرة فقيرة من أسر العمال تعيش في مدينة كوبرتينو، القريبة من خليج تارانت.
كانت الحياة عبوسة في وجه هذه الأسرة، وكان القوت الضروري يمر مذاقه في أفواه أعضائها، إذ إن الحكمة الإلهية شاءت أن تكبلها بقيود ظالمة من الشقاء والتعاسة.
كان ديزه قد استدان مبلغا من المال، وعجز عن وفائه، فقامت عليه قيامة رجال العدالة وطردوه من كوخه، في حين كانت امرأته المسكينة تضع ولدها يوسف في أعماق مربط مظلم!
كبر الولد بين أحضان البؤس، وكان ذا جمال ينحط عن إدراكه تصور البشر؛ فالابتسامة العذبة كانت تطفو على وجهه الوردي، وعيناه الكبيرتان كانتا تلمعان بأشعة من أشعة الذكاء واللطف.
أما في المدرسة فكان شديد الانتباه، يصغي بدهشة وسرور إلى كلام المعلم عن الخالق وقديسيه، رافعا نظره إلى السماء كمن يضيع في نواح بعيدة عن هذا العالم، مستطلعا أفراح اللانهاية ... وأما رفاقه الأحداث الذين لم يكونوا يستطيعون أن يرتفعوا بعقلهم العاجز إلى ما فوق هذا العالم فكانوا يسمونه «الفم الفاغر».
كان ذكاؤه الفطري يخترق بدون إجهاد أصعب المسائل العلمية التي تدور حول محور النفس، فيستغرب أهله ومعلموه هذه الفطنة النادرة، وينظرون إليه بريبة قائلين في نفوسهم: ما يكون من أمر هذا الولد؟
كانت مخيلة يوسف مثقلة بأفكار غريبة، إذ إنه كان يفكر دائما بخطيئة الكبرياء، وبتمرد الملائكة، وبعقاب الجنة، وجبل الجلجلة ومزود البقر ... وكان قلبه يخفق ويضطرب لدى دفع الرغبات المجهولة، والأشواق إلى تلاشي قواه الذاتية، وإلى التضحية في سبيل العزة الإلهية.
نامعلوم صفحہ