بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن (¬1)
الحمد لله الذي أسعدنا بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - سعادة لا تبيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الولي الحميد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الهادي إلى كل أمر رشيد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاة تليق بجلاله لا تزال تعلو وتزيد، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم المزيد، وبعد:
فإن الله تعالى يعلم أن كل خير أنا فيه ومن علي به فهو بسبب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتجائي إليه واعتمادي في توسلي إلى الله في كل أموري عليه، فهو وسيلتي إلى الله في الدنيا والآخرة، وكم له علي من نعم باطنة وظاهرة (¬2).
صفحہ 5
[وإنه] (¬1) بلغني أنه وقع كلام في بيع القناديل الذهب التي بحجرته المقدسة، التي هي على الخير والتقوى مؤسسة، ليصرف ثمنها في عمارتها وعمارة الحرم، فحصل لي من ذلك هم وغم، فأردت أن أكتب ما عندي من (¬2) ذلك، [وأقدم] (¬3) حديثا صحيحا، يكون في الاستدلال من أوضح المسالك.
فأقول وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق:
[2/ب]
صفحہ 6
أخبرنا علي بن محمد (¬4) بقراءتي عليه قلت له: قرئ على الحسين بن المبارك (¬5) - وأنت حاضر - أن أبا الوقت (¬6) أخبره / قال: أخبرنا أبو الحسن الداودي (¬7)، قال: أخبرنا ابن حمويه (¬8)، قال: أخبرنا الفربري (¬9)، قال: أخبرنا البخاري (¬1).
وأخبرنا جماعة آخرون قالوا: سمعنا الحسين بن المبارك بالإسناد المذكور إلى البخاري.
وزاد علي بن محمد: أنا أبو (¬2) عمرو ابن الصلاح (¬3) قال: أخبرنا منصور (¬4) قال: أخبرنا الفارسي (¬5) والشحامي (¬6)، والشاذياخي (¬7)، سماعا، وأبو جدي (¬8) سماعا وإجازة (¬9)، قال الفارسي - وهو محمد بن إسماعيل - وأبو جدي: أخبرنا سعيد الصوفي (¬10) قال: أخبرنا أبو علي الشيوي (¬11).
صفحہ 7
وقال الشحامي - وهو وجيه - والشاذياخي، وأبو جدي: أخبرنا الحفصي (¬1) قال: أخبرنا (¬2) الكشميهني (¬3)، قالا: أخبرنا الفربري.
ح - وأخبرنا علي بن عيسى بن سليمان الشافعي (¬4) قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا منجب (¬5) قال: أخبرنا أبو صادق (¬6).
صفحہ 8
وقال: أخبرتنا كريمة (¬7)، قال: أخبرنا الكشميهني، قال: أخبرنا الفربري، قال: أخبرنا البخاري، قال: باب كسوة الكعبة: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب (¬1) قال : حدثنا خالد بن الحارث (¬2)، قال: حدثنا سفيان (¬3)، قال: حدثنا واصل الأحدب (¬4) عن أبي وائل (¬5) قال: جئت إلى شيبة (¬6).
[3/أ]
صفحہ 9
قال البخاري، وحدثنا قبيصة (¬7)، قال: حدثنا سفيان، عن واصل، عن أبي وائل قال: جلست مع شيبة / على الكرسي في (¬8) الكعبة فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر، فقال: لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها (¬9)، قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال: هما المرآن أقتدي بهما (¬1).
وبالإسناد إلى البخاري قال: [كتاب] (¬2) الاعتصام بالكتاب والسنة، ثم قال في هذا الكتاب: باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقول الله تعالى: {واجعلنا للمتقين إماما} (¬3).
قال (¬4): أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدي بنا من بعدنا. وقال ابن عون (¬5): ثلاث أحبهن (¬6) لنفسي وإخواني: هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه، ويدعوا (¬7) الناس إلا من خير (¬8).
صفحہ 10
حدثنا عمرو بن العباس (¬9) قال: حدثنا [عبد الرحمن (¬1) حدثنا] (¬2) سفيان عن واصل عن أبي وائل قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد قال: جلس إلي (¬3) عمر في مجلسك هذا، فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين قلت: ما أنت بفاعل، قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك، قال: هما (¬4) المرآن يقتدى بهما (¬5).
وأخبرنا الحافظ الإمام عبد المؤمن الدمياطي (¬6)، قال: أخبرنا ابن المقير (¬7) سماعا قال: أخبرنا الفضل بن سهل (¬8) إجازة قال: أخبرنا الخطيب أبو بكر (¬9) إجازة.
صفحہ 11
[3/ب] قال ابن المقير: وأخبرنا ابن ناصر (¬1) إجازة، قال: أخبرنا ابن السمرقندي (¬2) / وابن الفراء (¬3) والماوردي (¬4) سماعا.
صفحہ 12
قال ابن السمرقندي وابن الفراء: أخبرنا الخطيب سماعا. وقال الماوردي: أخبرنا أبو علي التستري (¬5)، قال الخطيب والتستري: أخبرنا أبو عمر الهاشمي (¬6)، قال: أخبرنا أبو علي اللؤلؤي (¬7)، قال: حدثنا أبو داود (¬8) قال: [باب] (¬9) في مال الكعبة، أخبرنا أحمد بن حنبل (¬10)، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي (¬1)، عن الشيباني (¬2)، عن واصل الأحدب، عن شقيق، عن شيبة؛ يعني ابن عثمان، قال: قعد عمر بن الخطاب في مقعدك الذي أنت فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة، قال: قلت : ما أنت بفاعل، قال: بلى لأفعلن، قال: قلت ما أنت بفاعل، قال: لم؟ قلت: لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رأى مكانه وأبو بكر، وهما أحوج منك (¬3) إلى المال فلم يخرجاه، فقام، فخرج (¬4).
صفحہ 13
[4/أ] وأخبرنا القاضي محمد بن عبد العظيم ابن السقطي (¬1) بقراءتي عليه، عن أبي بكر بن باقا (¬2) - إجازة -، قال: أخبرنا أبو زرعة (¬3) سماعا بهذا الحديث قال: أخبرنا أبو منصور المقومي (¬4) إجازة، إن لم يكن سماعا، ثم ظهر سماعه، قال: أخبرنا أبو طلحة الخطيب (¬5)، قال: أخبرنا ابن بحر (¬6)، قال: حدثنا ابن ماجه (¬7) قال: [باب] مال الكعبة، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (¬8)، قال: حدثنا المحاربي، عن الشيباني، عن / واصل الأحدب، عن شقيق قال: بعث رجل معي بدراهم هدية للبيت (¬1)، قال: فدخلت البيت وشيبة جالس على كرسي فناولته إياها، فقال [له]: ألك هذه؟ قلت: لا، ولو كانت لي لم آتك بها، قال: أما لئن قلت ذاك؛ لقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي أنت فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين، قلت: ما أنت بفاعل (¬2)، قال: لأفعلن، قال: ولم؟ (¬3) قلت: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رأى مكانه وأبو بكر، وهما أحوج منك إلى المال فلم يحركاه، فقام كما هو فخرج (¬4).
صفحہ 15
هذا حديث صحيح، أخرجه هؤلاء الأئمة الثلاثة (¬1) كما ذكرناه، وهو عمدة في مال الكعبة، ومال الكعبة: هو ما يهدى إليها، أو ينذر لها، وإياك أن تغلط فتعتقد أن ذلك يصرف إلى فقراء الحرم، فإنما ذلك فيما إذا كان الإهداء إلى الحرم أو إلى مكة، أما إذا كان إلى الكعبة نفسها، فلا يصرف [إلا] (¬2) إليها، ولهذا قال الشيخ أبو إسحاق (¬3) في المهذب: وإن نذر الهدي للحرم لزمه في الحرم (¬4). قال: وإن كان قد نذر الهدي لرتاج (¬5) الكعبة وعمارة (¬6) مسجد لزمه صرفه فيما نذر (¬7).
[4/ب]
وقال الرافعي (¬8): إذا نذر أن يجعل ما يهديه في رتاج الكعبة وتطييبها؛ قال إبراهيم المروروذي (¬9): ينقله إليها ويسلمه إلى القيم ليصرفه إلى الجهة المنذورة، إلا أن يكون قد / نص في نذره أن يتولى ذلك بنفسه (¬10).
فهذان النقلان يبينان لك ذلك.
صفحہ 16
ونقل المهذب أصرح، وليس ذلك كما لو نذر الهدي وأطلق، فإنه لم يعين المهدى إليه، وهنا عينه وهو الكعبة، وإذا وجدنا مالا في الكعبة، واحتمل أن يكون من هذه الجهة حملناه عليها، عملا باليد، كما تبقى أيدي أرباب الأملاك على ما بأيديهم، فكذلك يبقى ما في الكعبة من المال على ما هو عليه، لا نحركه، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن قلت: فما مستند عمر - رضي الله عنه - فيما هم به؟ قلت: عمر - رضي الله عنه - إمام هدى، وأبو بكر - رضي الله عنه - أعظم منه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم منهما، والهدي كله فيما جاء به، فلا يلزمنا النظر فيما كان سبب هم عمر، وقد رجع عنه بمجرد ما سمع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وهو أعلم بهما وأطوع لهما.
قال ابن بطال: أراد عمر أن يصرفه في منافع المسلمين؛ نظرا لهم (¬1)، فلما أخبره شيبة، صوب فعلهما، وإنما تركاه لأن ما جعل للكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف (¬2)،
صفحہ 17
ولا يجوز تغيير الأوقاف، وفي ذلك أيضا تعظيم الإسلام وحرماته،
وترهيب العدو (¬1).
[5/أ]
وعن (¬2) الحسن قال: قال عمر: لو أخذنا ما في البيت - يعني الكعبة - فقسمناه؟ فقال له أبي بن كعب: والله ما ذلك لك، قال: لم؟ / قال: لأن الله قد بين موضع كل مال، وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: صدقت (¬3).
وقال ابن بطال (¬4) في صدر كلامه: إن عمر رأى أن ما فيها من الذهب والفضة لا تحتاج إليه؛ لكثرته، ويؤخذ من تبويب البخاري وإدخاله هذا الحديث فيه: أن حكم الكسوة حكم المال.
وقال ابن بطال أيضا في كتاب الاعتصام (¬5): أراد أن يقسم المال الذي تجمع وفضل عن نفقتها ومؤنتها، ويضعه في مصالح المسلمين، فلما ذكره شيبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر بعده لم يتعرضا له، لم يسعه خلافهما. ورأى أن الاقتداء بهما واجب (¬6).
فربما تهدم البيت أو خلق (¬7) بعض آلاته، فصرف ذلك المال فيه، ولو صرف ذلك في منافع المسلمين، لكان كأنه قد أخرج عن وجهه الذي سبل فيه.
صفحہ 18
فإن قلت: قد ذكر الفقهاء وجهين في صحة الهبة للمسجد، وأنه هل يملك أو لايملك؟ قلت: أصحهما الجواز، وأنه تصح الهبة، ويقبلها قيمه، ويملك ويؤخذ له بالشفعة (¬1).
والوجه الآخر ضعيف، ويرد عليه بالحديث، أو لا يرد عليه به، بل يكون الوجه خاصا بالهبة المفتقرة إلى إيجاب وقبول.
[5/ب]
وأما الإهداء إلى الكعبة فأصله معهود، قال الله تعالى: {هديا
بالغ الكعبة} (¬2)، وإن كان ذلك في الفداء (¬3)، لكنه عرف به مشروعية هذا النوع وإضافته إلى / الكعبة.
صفحہ 19
وإن كان ذلك وقد اختلف العلماء في الوقف على المسجد؛ هل هو وقف على المسلمين، أو على مصالح المسجد؟ (¬1) والأصح الثاني، والقائل الأول لا يريد أنه وقف على المسلمين يصرفونه فيما شاؤوا، بل يختص بالمسجد قطعا، وإنما حمله على جعله على المسلمين أنهم القائلون للتمليك، والجماد (¬2) لا يقبل التمليك. والجواب: أن الجماد إذا كان له جهة يصرف فيها، ويحتاج إليه، فذلك معنى الملك، فظهر بها القطع بثبوت اختصاص الكعبة بما يهدى إليها، وما ينذر لها، وما يوجد فيها من الأموال، وامتناع صرفها في غيرها، لا للفقراء، ولا للحرم الخارج عنها المحيط بها، ولا لشيء من المصالح، إلا أن يعرض لها نفسها عمارة أو نحوها، فحينئذ ينظر؛ فإن كانت تلك الأموال قد أرصدت لذلك، فتصرف فيه، وإلا فيختص بها الوجه الذي أرصدت له، فلا يغير شيء عن وجهه، فالمرصد للبخور لا يصرف في غيره، والمرصد للسترة لا يصرف في غيرها، والمرصد للعمارة لا يصرف في غيرها، والمرصد للكعبة مطلقا يصرف في جميع هذه الوجوه، وكذا الموجود ولم يعلم قصد من أتى به، لكنه يعد للصرف.
[6/أ]
فإن قلت: الشيخ أبو إسحاق إنما قاله في الهدي للرتاج، أما المهدى / للكعبة مطلقا فلم يذكره، وقد ذكر في المهدى المطلق وجهين. قلت: الوجهان في الهدي المطلق من غير ذكر كعبة ولا غيرها، أما الهدي للكعبة فهو مقيد.
صفحہ 20
فإن قلت: قد يقال إن العرف الشرعي يقتضي تفرقته على مساكين الحرم، كما في الذبائح، قلت: ذاك ظاهر فيما يهدى إلى الحرم، أعني مكة وما حولها، فإن القرينة تقتضي أن الإهداء لأهله، وكذا فيما يهدى إلى مكة، ويحتمل أن يطرد فيما يهدى إلى الكعبة من غنم وإبل وبقر؛ لأن القرينة تقتضي ذبحه وتفرقته، أما مثل ذهب أو فضة فلا عرف يقتضي ذلك فيه، فوجب قصره على مقتضى اللفظ، واختصاص الكعبة بخصوصها به.
ويشهد له الحديث الذي صدرنا كلامنا به، وقد تكلم الفقهاء في تقييد مكان الهدي الذي يهدى [إليه من الحرم أو غيره من البلاد، وفي تعيين نوع الهدي الذي يهدى] (¬1)؛ هل هو نعم (¬2): إبل أو بقر أو غنم، أو غيرها، وفي إطلاق الهدي وعدم تقييده بهذا أو بهذا؟ وأما إطلاق الهدي للكعبة عن التقييد بمصارفه فلم أقف عليه، ولكني ذكرت ما قلته تفقها، والحديث المذكور يعضده.
صفحہ 21
[6/ب] تنبيه: محل الذي قلته من الصرف إلى وجوه الكعبة إذا كان المال علم من حاله ذلك، أو كانت عليه قرينة بذلك، مثل كونه / دراهم ودنانير، أما القناديل التي فيها، والصفائح التي عليها فتبقى على حالها، ولا يصرف منها شيء، وقول عمر - رضي الله عنه -: صفراء أو بيضاء، محتمل للنوعين، ولم ينقل إلينا صفتهما التي كانت ذلك الوقت، وقد قيل: إن أول من ذهب البيت في الإسلام الوليد بن عبد الملك، وذلك لا ينفي أن يكون ذهب في الجاهلية وبقي إلى عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬1).
ويقال: إن الذي عمله الوليد بن عبد الملك - على بابها صفائح، والميزاب، وعلى الأساطين التي في بطنها والأركان - ستة وثلاثون ألف دينار، وفي خلافة الأمين زيد عليها ثمانية عشر ألف دينار (¬2)، وأول من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك (¬3)، ولما عمل الوليد ذلك كانت أئمة الإسلام من التابعين موجودين، وبقايا الصحابة، ولم ينقل لنا عن أحد منهم أنه أنكر ذلك، ثم جميع علماء الإسلام والصالحون وسائر المسلمين يحجون ويبصرون ذلك ولا ينكرونه على ممر الأعصار.
صفحہ 22
[7/أ] وقال (¬1) في كتاب النذر: ستر الكعبة وتطييبها من القربات، فإن الناس اعتادوهما على مر الأعصار، ولم يبد من أحد نكير، ولا فرق بين الحرير وغيره، وإنما ورد تحريم لبسه في حق الرجال، وذكرنا في كتاب الزكاة أن الأظهر أنه لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما، وكان / الفرق استمرار الخلق على ذلك دون هذا، فلو نذر ستر الكعبة وتطييبها صح نذره (¬2). وهذا الذي قاله الرافعي في ستر الكعبة وتطييبها صحيح، وأما الذي ذكره في باب الزكاة من أن الأظهر أنه لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة.
وقال أيضا في باب الزكاة: هل يجوز تحلية المصحف بالفضة؛ وجهان: أحدهما: لا؛ كالأواني، وأظهرها: نعم، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله؛ إكراما للمصحف. وقال في سير الواقدي ما يدل على حظرها، وفي القديم والجديد عن حرملة ما يدل على الجواز، وفي تحليته بالذهب ثلاثة أوجه: أحدها الجواز، إكراما، وبه قال أبو حنيفة. والثاني: المنع؛ إذ ورد في الخبر ذمها. والثالث: إن كان للمرأة يجوز، وللرجل لا يجوز.
وكلام الصيدلاني والأكثرين إلى هذا أميل.
وذكر بعضهم أنه يجوز تحلية نفس المصحف (¬3) دون غلافه المنفصل، والأظهر التسوية، وأما سائر الكتب فقال الغزالي: لا يجوز.
وفي تحلية الكعبة والمساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما، فيها وجهان مرويان في الحاوي (¬4) وغيره، أحدهما: الجواز؛ تعظيما، كما في المصحف، وكما يجوز ستر الكعبة بالديباج. وأظهرهما المنع، ويحكى عن أبي إسحاق؛ إذ لم ينقل ذلك عن فعل السلف.
[7/ب]
وحكم الزكاة مبني على / الوجهين، نعم لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة فيه بحال. انتهى ما ذكره الرافعي رحمه الله.
صفحہ 23
فأما المصحف فمن قال بالمنع فيه إما مطلقا، وإما للرجل؛ فلعل مأخذه أن القارئ فيه والحامل له مستعمل للذهب أو الفضة التي فيه، ولا يأتي هذا المعنى في الكعبة، ولو فرض مصحف لا ينظر فيه رجل ولا امرأة فذلك نادر، ولم يوضع المصحف لذلك، لكن لينتفع به، فلا يلزم من جريان الخلاف في المصحف جريانه في الكعبة، وإن كان المصحف أفضل؛ للفرق الذي ذكرناه.
وأما التسوية بين الكعبة والمساجد، فلا تنبغي؛ لأن للكعبة من التعظيم ما ليس للمساجد، ألا ترى أن ستر الكعبة بالحرير وغيره مجمع عليه، وفي ستر المساجد خلاف، فحينئذ الخلاف في الكعبة مشكل، وترجيح المنع فيها أشكل، فكيف يكون ذلك، وقد فعل في صدر هذه الأمة (¬1).
صفحہ 24
[8/أ] وقد تولى عمر بن عبد العزيز عمارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوليد، وذهب سقفه (¬1)، وإن قيل: إن ذلك امتثال لأمر الوليد، فأقول: إن الوليد وأمثاله من الملوك إنما تصعب مخالفتهم فيما لهم فيه غرض يتعلق بملكهم ونحوه، أما مثل هذا وفيه توفير عليهم في أموالهم فلا تصعب مراجعتهم فيه، فسكوت عمر بن عبد العزيز، وأمثاله، وأكبر منه، مثل: / سعيد بن المسيب، وبقية فقهاء المدينة، وغيرهما دليل لجواز ذلك (¬2)، بل أقول: قد ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بعد ذلك، وأراد أن يزيل ما في جامع بني أمية من الذهب، فقيل له: إنه لا يتحصل منه شيء يقوم بأجرة حكه، فتركه، والصفائح التي على الكعبة يتحصل منها شيء كبير، فلو كان فعلها حراما لأزالها في خلافته، لأنه إمام هدى، فلما سكت عنها، وتركها، وجب القطع بجوازها (¬3)، ومعه جميع الناس الذين يحجون كل عام ويرونها، فالقول بمنعها عجيب جدا، على أنه قل من تعرض لذكر هذا الحكم فيها، أعني الكعبة بخصوصها، ورأيتها أيضا في كتب المالكية، وفي الذخيرة القرافية، وليس في كلامه تصريح بالتحريم، وهذا الذي قلته كله (¬1) في تحلية الكعبة بخصوصها بصفائح الذهب والفضة ونحوها، فليضبط ذلك ولا يتعدى، ولا أمنع من جريان الخلاف في التمويه والزخرفة فيها؛ لأن التمويه يزيل مالية النقدين اللذين هما قيم الأشياء، وتضييق النقدين محذور؛ لتضييقه المعايش، وإغلائه الأسعار، وإفساده المالية، ولا منع من جريان الخلاف أيضا في سائر المساجد في القسمين جميعا؛ التمويه والتحلية، على أن القاضي الحسين جزم / بحل تحلية المسجد بالقناديل من الذهب ونحوها، وأن حكمها حكم الحلي المباح، وهذا أرجح مما قال الرافعي؛ لأنه ليس على تحريمها دليل ، والحرام من الذهب إنما [هو] (¬2) استعمال الذكور له، والأكل والشرب، ونحوهما من الاستعمال من أوانيه، وليس في تحلية المسجد بالقناديل الذهبية ونحوها شيء من ذلك (¬3).
صفحہ 26