فيخرج البغي مخرج الظلم حرفا بحرف فإنه إذا ساغ في اللسان والمعتاد أن يسمى مالك الكثير إذا طلب من المقل قليله ظالما فلا غرو أن يسمى باغيا
ولو أن رجلا كان له عبدان مطيعان له مستقيمان غاية ما يمكنهما من وجوه الاستقامة فأحسن إلى أحدهما وأعطاه ووسع عليه ورفه معيشته ولم يحسن للآخر بعين ما ألزمه الله مما يتعين للعبيد على السادة لسمى العقلاء هذا السيد ظالما باغيا من حيث إنه أحسن لأحدهما ولم يحسن مع الآخر مع تساويهما في الطاعة والنصيحة والسيد مع هذا التخصيص بالإحسان لأحدهما لم يأت في الشرع بمحظور ولا بمكروه بل كل ما فعل معهما مباح له
فهذا وجه من وجوه التخلص من هذه الأقوال وأنها مباحة لقائلها وفاعل ما وقع منها من غير أن يلحقه ذم من الشرع ولا ثلب
وأما قوله {وقليل ما هم} فمقصوده الأكابر الأفراد من المحسنين المؤثرين فإنهم يحسنون في المباحات كإحسانهم في المشروعات فيتعاونون في العشرة ويتناصفون في الخلطة كما قال تعالى {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}
ثم قال {وقليل ما هم} فإنهم الكبريت الأحمر وهذا آخر خطابه للملائكة
فصل
والذي يكمل به هذا التفسير ويعضده نكتة شريفة وذلك أن الله تعالى أخبر بما وقع بين داوود عليه السلام وبين الخصم من محاورة ومراجعة
صفحہ 35