تنوير العقول
تنوير العقول لابن أبي نبهان تحقيق؟؟
اصناف
فإن قلت قال بعض أصحابنا أن تصديق شهرة قتل عيسى ابن مريم [56/أ] لا يجوز ، وهي شهرة توجب البراءة من أهل البراءة ، فأقول لا يجوز على من قامت عليه الحجة من كتاب الله ، أو من لسان نبي ، أو ممن تقوم به الحجة في الفتيا، و إلا فهم في حكم العقاب عليهم قاتلوه ؛ لأنهم معتمدون قتله ، فكيف لا يحكم عليهم بعقاب القاتل ، وليس قتل الأنبياء مما لا يجوز تصديقه ، بل قال تعالى : " فلم تقتلون أنبياء الله من قبل " (¬1) أي تتولون قاتلهم ، ومن صدق ذلك قبل قيام الحجة عليه بالسماع [100/ج]أنهم لم يقتلوه لم يهلك بذلك ، و إن لم يأته كذلك فالحق كذلك ، وإنما أخبرنا الله بحقيقة الأمر فيه ، وذلك أنه كان النبي عيسى في بيت يهودي وهم يريدون قتله ، فقال لهم صاحب البيت هو معي فذهبوا معه إلى بيته فنظرهم عيسى عليه السلام ، وخرج عنهم ، ولم يعلموا به ، فصور الله تعالى صاحب البيت على صورة عيسى عليه السلام ، فقتلوه ثم شكوا في[107/ب] قتله ، فقالوا إن كنا قتلنا عيسى فأين صاحب البيت ، وان كنا قتلنا صاحب البيت فأين عيسى فصاروا في شك من ذلك ، وليت شعري هل ظهر عيسى بعد ذلك مع أحد غيرهم من أنصاره أم أماته الله بعد ذلك .
فهذه الأصول الستة هي أصول الدين ، ومنها كان افتراق الأمة على مذاهب شتى ، ومنها هلك أهل كل مذهب ضل فيها ، ولم يكن له عذر هنالك ، ولا يجوز الاختلاف في هذه الأصول ، ولا الاختلاف في هلاك أهلها في مذهب أهل الاستقامة في الدين .
فإن قلت : إن القاضي إذا حكم بالأهزل ، وهو يرى الأعدل أنه يهلك ؟، فالجواب: أن ذلك داخل في معاني قولنا في الحالة الخامسة أنه مما يهلك به مخالفته للحق بعد قيام الحجة عليه بمعرفته ؛ لأن الحكم عليه لازم بما رآه أنه هو الأعدل ، وهو الحق معه وبرؤيته له قد قامت عليه الحجة بمعرفته .
¬__________
(¬1) سورة البقرة:91.
صفحہ 139