بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر
قال الشيخ الإمام الحافظ، أبو الفضل محمد بن ناصر البغدادي:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على سيد ولد آدم، محمد بن عبد الله، النبي الأمي عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد فإن الشيخ الحافظ أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي نزيل (نيسابور)، كتب إلينا على يدي الأمير الحافظ أبي نصر بن ماكولا، في سنة
صفحہ 141
ثمان وستين وأربعمائة بالإجازة عنه بجميع مسموعاته ورواياته من جميع العلوم، وأذن في الرواية على شرط الإجازة. فكان من جملة مسموعاته كتاب الغريبين، تأليف أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي المؤدب، صاحب أبي منصور الأزهري - الهروي مؤلف: تهذيب اللغة، رحمهم الله.
وأخبرنا به عن الشيخ أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي أحمد بن إبراهيم الصابوني عن مصنفه أبي عبيد.
ثم قدم علينا مدينة السلام الشيخ الحافظ أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد
صفحہ 142
الشحامي المستملي النيسابوري بإجازة في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، فنزل في رباط شيخ الشيوخ أبي البركات إسماعيل بن أبي سعيد الصوفي، ثم انتقل منه إلى رباط الشيخ الإمام برهان الدين علي بن الحسين الغزنوي بباب
صفحہ 143
الأزج على شط دجلة، فأكرم مثواه، وأحسن ضيافته، فحضرنا عنده هناك لنسمع منه أحاديث كان قد خرجها عن شيوخه العوالي في أجزاء، فقرأناها عليه في الرباط، وسمعها برهان الدين معنا، فذكر لنا أن الشيخ أبا عمر
صفحہ 144
عبد الواحد بن أحمد بن القاسم المليحي الهروي أجاز له رواية جميع مسموعاته، ومن جملتها كتاب أبي عبيد الهروي.
وسمعه المليحي من أبي عبيد، فحضر بعض طلبة الحديث ومعه من الأدباء الشيخ
الأديب أبو محمد الخشابي، فسألاه أن يسمعا منه الكتاب فأجابهما إلى ذلك، فقرأ الأديب أبو محمد على الشيخ أبي القاسم الشحامي كتاب أبي عبيد هذا، وكنت حاضرا أسمع القراءة عليه.
وأخبرنا أيضا به إجازة عن أبي عثمان الصابوني عن أبي عبيد، وأحضرت نسخة بالكتاب مسموعة من أبي عمر المليحي وأبي عثمان الصابوني، والنسخة وقف ، فقرئ عليه منه إجازة عن الشيخين عن المصنف في رباط الشيخ الإمام العالم برهان الدين علي بن الحسين الغزنوي، أيده الله، وحضر قراءة
صفحہ 145
الكتاب فسمعه أجمع، وأحضر نسخة له فعورض بها وقت القراءة، وكتبت فيها سماعنا بخطي، فعثرت فيه على كلمات في أحاديث قد وقع في ألفاظها تغيير وتصحيف، وقد فسرت على التصحيف بما لا يوافق الحديث ولا معناه، وسمعت فيه تفسير آيات غير جائز ولا مسموع، وتأويلات بعيدة من المعاني المذكورة في كتب المعاني التي قالتها علماء العربية ونقلة التفاسير عن السلف. ولا يليق ما ذكره بالقرآن والحديث، إذ القرآن لا يفسر بالرأي، وإنما يفسر بما نقل في السنة والأثر، ووافق لغة العرب. فأكثرت من ذلك تعجبي، إذ قال في ابتداء الكتاب: وليس لي فيه قول إلا أني جمعت فيه أقوال العلماء وألفت ذلك، ولم أر ما ذكره مما خالف فيه النقل والصواب مسطورا في كتاب مفسر غيره. فحضر عندي بعض أهل العلم، وله فهم بالتفسير والمعاني، فتفاوضنا ذكر ما وقع في الكتاب من الأغلاط والأوهام، فسأني أن
صفحہ 146
أفرد ذلك في جزء ليعرف، فاعتذرت إليه باشتغالي بقراءة الحديث والنسخ وغير ذلك. ثم إنه كرر علي السؤال، وهو ممن يوجب سؤاله، فعلقت منه ما وقع فيه التصحيف في حال القراءة والسماع، ولم أتتبع الكتاب بالنظر والاستقصاء، إذ فيه أشياء تحتاج إلى نظر وتأمل وتدبر، فجردت منه الألفاظ التي وقع فيها السهو والتحريف، والغلط والتصحيف، وإن كان الكتاب المصنف لا يعرى مصنفه من غلط وسهو.
وقد سبق العلماء إلى أخذ بعضهم على بعض فيما وقع منهم في كتبهم من سهو وتصحيف.
وقد صنفوا كتبا، فهذا أبو سعيد عبد الله بن الوليد صعوداء الكوفي قد أخذ على أبي عبيد القاسم بن سلام
صفحہ 147
البغدادي ألفاظا في غريب المصنف الذي صنفه أبو عبيد وجعله كتابا. وكذلك أبو محمد بن قتيبة الدينوري قد أخذ على أبي عبيد في غريب الحديث ألفاظا وسماه: غلط أبي عبيد في جزء كبير. وكذلك الزجاج أبو إسحق النحوي قد أخذ على
صفحہ 148
ثعلب في كتاب الفصيح أوهاما نحوا من عشرة أحرف قد ذكرت في جزء وهو سماعنا وقد أخذ أبو بكر بن الأنباري على أبي حاتم السجستاني في كتاب الوقف والابتداء، ورد عليه في مواضع كثيرة.
صفحہ 149
وكذلك رد على أبي محمد ابن قتيبة في كتابه المسمى ب المشكل في أكثره في الكتاب الذي صنفه ابن الأنباري وهو روايتنا.
وكذلك أبو محمد بن درستويه النحوي أيضا قد رد على جماعة من العلماء، مثل قطرب وغيره. وكذلك أبو العباس المبرد النحوي قد رد على
صفحہ 150
سيبويه النحوي في كتابه، وصنف فيه كتابا. وكذلك غيرهم من علماء اللغة قد أخذ بعضهم على بعض، وكذلك أصحاب الحديث الحفاظ قد أخذ بعضهم على بعض، فهذا الخطيب الحافظ، أبو بكر صاحب تاريخ بغداد قد صنف كتابا سماه الأوهام، وهو أربعة عشر جزءا سماعنا، ذكر فيه ما وهم فيه الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج والإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل وغيرهم، مثل البخاري ومسلم ومن يجري مجراهما. وكذلك الحافظ الأمير أبو نصر بن ماكولا ألف كتابا في أوهام الحفاظ في كتب المؤتلف والمختلف في الأسماء، رد فيه على الشيخ أبي الحسن الدارقطني، والشيخ أبي محمد عبد الغني بن سعيد المصري، والشيخ أبي
صفحہ 151
بكر الخطيب الحافظ أيضا، والكتاب عشرة أجزاء بخطه، وهو روايتي عنه بالإجازة.
وقد وهم الأمير أبو نصر أيضا في كتابه الذي سماه: الإكمال في المؤتلف والمختلف في مواضع كثيرة، وصحف بعض الأسماء التي تجمع وتذكر في كتاب مفرد إن شاء الله تعالى.
وقد جمع أبو الحسن الدارقطني، رحمه الله كتابا في تصحيف العلماء والحفاظ نحو من عشر كراريس، وهو من سماعنا. وليس في ذلك عيب ولا نقص عليهم، إذ الإنسان قد جبل على الخطأ والنسيان، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما -: (إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه ينسى).
صفحہ 152
وأول من نسي أبونا آدم، عليه السلام.
صفحہ 153
وإنما تعد أغلاط العلماء وسقطات الفضلاء، فأما الجهال فلا يعبأ بهم وبقولهم. وإنما أخذ العلماء بعضهم على بعض فيما يقع سهوا أو خطأ، نصيحة منهم للعلم وحفظه، ولئلا تكون خيانة منهم لطالب العلم، ولم يقصدوا بذلك عيب بعضهم لبعض إذ كان الله سبحانه قد برأهم من ذلك ونزههم عنه.
وليس ذكرهم ذلك غيبة، وإن كان ذلك في المذكور، لا وإنما قصدهم النفع لحملة العلم، ولولا ذلك لما ذكرت مما عثرت عليه حرفا. والفضل لمن سبق من أهل العلم وهم القدوة لمن جاء بعدهم، فبقولهم نهتدي، ولهديهم نقتفي، وبعملهم نقتدي، فرحمة الله عليهم ورضوانه، وجزاهم عنا أفضل الجزاء، وأعلى درجاتهم في الجنان، وجعلنا من العاملين بالعلم، والمتتبعين لأهله بفضله وكرمه، إنه سميع الدعاء، جزيل العطاء.
فمما وقع تصحيف في لفظة وخطأ في تفسيره، قال في باب الباء مع الشين: في الحديث: ما من رجل له إبل وبقر لا يؤدي حقها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر، ثم جاءت كأكثر ما كانت وأبشره، أي أحسنه.
قلت: وهذا حديث رواه أبو هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور صحيح معروف.
صفحہ 154
وقد وقع في هذه اللفظة تصحيف، وهو قوله:
(وأبشره)، وإنما هو: (آشره) يعني: أنشطه، مأخوذ من الأشر، وهو النشاط والمرح، لا من البشر الذي هو الحسن. ولفظ الحديث: (كأغذ ما كانت وآشره) من قولهم: أغذ في السير، أي أسرع وجد، يعني أن الإبل التي لم تؤد زكاتها يبطح لها صاحبها بأرض مستوية يوم القيامة فتطؤه بأخفافها، وتجيء كأغذ ما كانت وآشره، أي كأسرع ما تمشي وآشره، أي أنشطه ليكون أقوى لوطئها، لا أن الإبل تكثر وتحسن، هذا لا معنى فيه لعذابه، وهو مبين في الحديث. وهذا الحديث فيما رواه أبو بكر بن المفيد، عن أحمد بن عبد الرحمن
صفحہ 155
السقطي، عن يزيد بن هارون.
وقد أخبرناه الشيخ الصالح أبو الحسين، المبارك بن أبي القاسم
صفحہ 156
الحمامي، قراءة عليه من كتابه، قال: أنبا أبو القاسم عبد العزيز بن أحمد القرميسني، قراءة عليه، قال: ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد
صفحہ 157
المفيد في شوال سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ، قال: ثنا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن السقطي، قال: حدثنا أبو خالد يزيد بن هارون الواسطي قال: ثنا شعبة عن قتادة، عن أبي عمر الغداني، عن أبي هريرة قال: مر به رجل من بني عامر فقيل له: هذا من أكثر الناس مالا. فدعاه أبو هريرة فسأله فقال: نعم لي مائة أدماء، ومائة حمراء، ولي كذا وكذا، فقال له أبو هريرة: إياك وأخفاف الإبل وأظلاف الغنم، فإني سمعت
صفحہ 158
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: ما من رجل له إبل لا يؤدي حقها في نجدتها ورسلها: عسرها ويسرها، إلا برزت له يوم القيامة بقاع قرقر فجاءت كأغذ ما يكون وآشره وأسمنه أو أعظمه، تطؤه بأخفافها، كلما جازت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله. وما من رجل له بقر لا يؤدي حقها في نجدتها ورسلها، قال رسول الله: ونجدتها ورسلها: عسرها ويسرها، إلا برزت له بقاع قرقر، فجاءته يوم القيامة كأغذ ما كانت، وآشره وأسمنه، أو أعظمه، تطؤه بأظلافها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين
الناس فيرى سبيله. وما من رجل له غنم لا يؤدي حقها في نجدتها ورسلها، قال النبي، صلى الله عليه وسلم، ونجدتها ورسلها: عسرها ويسرها، إلا برزت له يوم القيامة بقاع قرقر فجاءته كأغذ ما تكون وآشره وأسمنه، أو أعظمه تطؤه بأظلافها، وتنطحه
صفحہ 159
بقرونها، كلما جازت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله. قال الأعرابي: وما حقها؟ قال: تمنح الغزيرة وتعطي الكريمة، وتحمل على الظهر، وتسقي اللبن.
صفحہ 160