تمہید لتاریخ الفلسفہ الاسلامیہ
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
اصناف
القسم الأول: مقالات الغربيين والإسلاميين في الفلسفة الإسلامية
1 - مقالات المؤلفين الغربيين
2 - مقالات المؤلفين الإسلاميين
3 - تعريف الفلسفة وتقسيمها عند الإسلاميين
4 - الصلة بين الدين والفلسفة عند الإسلاميين
القسم الثاني: منهجنا في درس تاريخ الفلسفة الإسلامية
1 - بداية التفكير الفلسفي الإسلامي
2 - النظريات المختلفة في الفقه الإسلامي وتاريخه
3 - الرأي وأطواره
ضميمة في علم الكلام وتاريخه
نامعلوم صفحہ
علم الكلام وتاريخه
القسم الأول: مقالات الغربيين والإسلاميين في الفلسفة الإسلامية
1 - مقالات المؤلفين الغربيين
2 - مقالات المؤلفين الإسلاميين
3 - تعريف الفلسفة وتقسيمها عند الإسلاميين
4 - الصلة بين الدين والفلسفة عند الإسلاميين
القسم الثاني: منهجنا في درس تاريخ الفلسفة الإسلامية
1 - بداية التفكير الفلسفي الإسلامي
2 - النظريات المختلفة في الفقه الإسلامي وتاريخه
3 - الرأي وأطواره
نامعلوم صفحہ
ضميمة في علم الكلام وتاريخه
علم الكلام وتاريخه
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
تأليف
مصطفى عبد الرازق
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية يشتمل على بيان لمنازع الغربيين والإسلاميين، ومناهجهم في دراسة الفلسفة الإسلامية وتاريخها.
والباحثون من الغربيين كأنما يقصدون إلى استخلاص عناصر أجنبية في هذه الفلسفة؛ ليردوها إلى مصدر غير عربي ولا إسلامي، وليكشفوا عن أثرها في توجيه الفكر الإسلامي.
أما الباحثون الإسلاميون فكأنما يزنون الفلسفة بميزان الدين.
نامعلوم صفحہ
ويتلو هذا البيان شرح لمنهج في درس تاريخ الفلسفة الإسلامية مغاير لهذه المناهج؛ فهو يتوخى الرجوع إلى النظر العقلي الإسلامي في سذاجته الأولى وتتبع مدارجه في ثنايا العصور وأسرار تطوره.
ويلي بيان هذا المنهج، تطبيق له وتوضيح بما هو أشبه بالنموذج والمثال.
ثم لهذا التمهيد ضميمة في علم الكلام وتاريخه، ليست مقطوعة الصلة به؛ إذ هي لا تعدو أن تكون نموذجا أيضا من نماذج المنهج الجديد.
هذا، وقد كنت أيام اشتغالي بتدريس الفلسفة الإسلامية وتاريخها في الجامعة المصرية، معنيا بدرس هذه الموضوعات واستكمال بحثها، ودونت فيها صحفا، طويتها على غرها منذ تركت الجامعة في صدر سنة 1939 وصرفتني الشواغل عنها.
واليوم، أعود إلى هذه الصحف؛ لأنشرها كما هي بصورتها يوم كتبت من غير تنقيح ولا تعديل، وفي صياغتها التعليمية، التي تراعي حاجة الطلاب إلى مراجعة النصوص الكثيرة، وحسن التدبر والفهم للأساليب المتفاوتة، وإن لم يخف ذلك على ذوق المطالعين جميعا.
وأرجو أن يكون في هذه الصفحات عون لباحث، أو فائدة لقارئ.
شوال 1363 / أكتوبر 1944
مصطفى عبد الرازق
القسم الأول
مقالات الغربيين والإسلاميين في الفلسفة
نامعلوم صفحہ
الإسلامية
الفصل الأول
مقالات المؤلفين الغربيين
لا بد للباحث في الفلسفة الإسلامية وتاريخها من الإلمام بمقالات من سبقوه في هذا الشأن، ليكون على بصيرة فيما يتخيره من وجهة النظر، وفيما يتحرى اجتنابه من أسباب الزلل.
والسابقون إلى النظر في الفلسفة الإسلامية فريقان: (أ)
فريق الغربيين من مستشرقين ومشتغلين بتاريخ الفلسفة. (ب)
فريق المؤلفين الإسلاميين.
وسنتناولهما على هذا الترتيب.
ليس من همنا أن نتقصى ما قاله علماء الغرب في الفلسفة الإسلامية منذ العصور البعيدة، فإن ذلك على ما فيه من عسر قليل الغناء.
لكنا نريد أن نتتبع جملة نظر الغربيين إلى الفلسفة الإسلامية وحكمهم عليها منذ استقرت معالم النهضة الحديثة لتاريخ الفلسفة إلى أيامنا هذه؛ أي منذ صدر القرن التاسع عشر، كما يؤيد ذلك قول الأستاذ برهيه:
نامعلوم صفحہ
1 «ولئن كان مفكرو القرن الثامن عشر قد حاولوا أن يدخلوا في تاريخ الفلسفة وحدة واطرادا، فإن كل الشطر الأول من القرن التاسع عشر قد شهد مجهودا في تشييد هذا الذي لم يكن إلا تخطيطا.»
2
ولنا أن نعتبر ما يقوله «تنمان».
3
في كتابه «المختصر في تاريخ الفلسفة»،
4
معبرا عن رأي مؤرخي الفلسفة في الفلسفة الإسلامية في بداية القرن التاسع عشر، ذلك بأن «بروكر».
5
الألماني المتوفى سنة 1770م هو أبو تاريخ الفلسفة، وتنمان هو الخليفة الحق لبروكر كما يقول كوزان.
6
نامعلوم صفحہ
ثم نتتبع بعد ذلك نماذج من تطور هذا الرأي حتى نصل إلى عهدنا الحاضر. (1) قول تنمان
يقول تنمان بعنوان «عرب»: «العرب شعب مجبول على استعدادات قوية وثابة، ولقد كان أولا صابئيا، ثم استمد حماسة دينية وحربية من دين محمد المتوفى سنة 632م، وهو دين شهواني وعقلي معا، ومن آثار خلفائه وتفاسيرهم لما يزعمونه وحيا أوحاه الله إلى هذا النبي. وفي قليل من الزمن تغلب العرب على قسم عظيم من آسيا وأفريقيا وأوروبا، وأخضعوه للإسلام، وكان اختلاطهم بالأمم المغلوبة، خصوصا السوريين واليهود واليونان، وتقدمهم في ألوان الترف وكل ما يستتبعه الترف، وحاجتهم إلى الاستعانة بصناعة الأجانب من الأطباء ومن المنجمين، وتأثير هؤلاء فيهم، كل أولئك ولد فيهم شهوة متأججة إلى تحصيل المعارف، وقد عاون هذه النزعات خلفاء العباسيين؛ المنصور الذي ولي الخلافة من سنة 753م إلى سنة 775م، والمهدي الذي توفي سنة 784م، وهارون الرشيد المعاصر لشرلمان، وكان خليفة ما بين سنتي 786، 808م، والمأمون الخليفة من سنة 813 إلى سنة 833م، والمعتصم المتوفى سنة 841م. هؤلاء الخلفاء أمروا بنقل كتب اليونانيين إلى العربية وأنشئوا المدارس ودور الكتب الحافلة.»
7
ثم يقول في الفصل نفسه: «يكاد يكون أرسطو مع شراحه إلى فيلوبنوس،
8
من بين سائر الفلاسفة، هو الذي استرعى أنظار العرب، وقد تلقوا جملة ما ألفه أرسطو، ولكنهم تلقوها على الحقيقة عن تراجم ناقصة جدا بوساطة خادعة هي وساطة المذهب الأفلاطوني الجديد، وأضافوا إلى هذا دراسة العلوم الرياضية والتاريخ الطبيعي والطب، لكن عدة عقبات ثبطت تقدمهم في الفلسفة، وهذه العقبات هي: (1)
كتابهم المقدس الذي يعوق النظر العقلي الحر. (2)
حزب أهل السنة، وهو حزب مستمسك بالنصوص. (3)
أنهم لم يلبثوا أن جعلوا لأرسطو سلطانا مستبدا على عقولهم، ذلك إلى ما يقوم دون حسن تفهمهم لمذهبه من الصعوبات. (4)
ما في طبيعتهم القومية من ميل إلى التأثر بالأوهام.
نامعلوم صفحہ
من أجل ذلك لم يستطيعوا أن يصنعوا أكثر من شرحهم لمذهب أرسطو، وتطبيقه على قواعد دينهم الذي يتطلب إيمانا أعمى، وكثيرا ما أضعفوا مذهب أرسطو وشوهوه؛ وبذلك نشأت بينهم فلسفة تشبه فلسفة الأمم المسيحية في القرون الوسطى، تعنى بالبراهين الجدلية المتعسفة وتقوم على أساس من النصوص الدينية.
ثم جاء التصوف
9
فعرض لهذا العلم المؤلف من اصطلاحات خاوية، وانضم إليه، خصوصا عند فرقة القائلين بوحدة الوجود من أهل التصوف الذي وضعه قبل القرن الثاني أو في ثناياه أبو سعيد أبو الخير
10
ولا تزال الفرقة منتشرة في فارس والهند.
على أن الآثار الفلسفية العربية لما تدرس إلا دراسة ضئيلة جدا لا تجعل علمنا بها مستكملا.»
11
ثم قال المؤلف نفسه في فصل عنوانه: «فرق الفلاسفة عند العرب»: «كان يوجد غالبا عند العرب طائفتان من الفلاسفة عظيمتان:
إحداهما:
نامعلوم صفحہ
طائفة الفلاسفة على الحقيقة، وهم من القائلين بالوجود المثالي،
12
يعتقدون تبعا للمذهب الأفلاطوني الإسكندري أن العالم قديم، ويبحثون عن سبيل لوضع هذه الفكرة بالدين المنصوص، ويدخل في هذا القسم الزهاد الذين هم الصوفية.
والثانية:
طائفة فلاسفة جدليين أهل نظر عقلي، هم المتكلمون أو المشاءون الذين تقوم عقائدهم على الأصول الدينية الواردة في القرآن، ثم يحاولون أن يبينوا مبدأ العالم على وجه فلسفي، وهم يقاومون الأولين، وعلمنا بأمر الفريقين لا يزال علما ناقصا.
ثم يعدون طائفة ثالثة: هي طائفة الأشعرية المؤلفة من جبريين لا يرون للأشياء عللا إلا إرادة الله.»
13
والذي يعنينا أن نلاحظه هو: (أ)
أن تنمان ينسب الفلسفة التي نحن بصددها إلى الشعب العربي. (ب)
ويعتبر هذه الفلسفة شاملة لما يسمى فلسفة على الحقيقة مع ما اتصل به عرضا في بعض الأطوار من منازع الإشراقيين
نامعلوم صفحہ
14
وشاملة لمذاهب المتكلمين. (ج)
ثم هو يجعل هذه الفلسفة ليست في الغالب إلا شرحا مضعفا لمذهب أرسطو ومفسريه، وإلا تطبيقا لهذا المذهب على قواعد الدين العربي. (د)
ويعدد العقبات التي عاقت سير الفلسفة عند العرب فيردها إلى دينية: وهي القرآن، وحزب أهل السنة؛ وقومية: وهي استعداد العرب للتأثر بالأوهام، وخضوع عقولهم لسلطان أرسطو. (ه)
ثم ينتهي إلى الاعتراف المكرر بأن مصنفات الفلاسفة من العرب لم تدرس حق دراستها. (2) روح العصر الدينية عند مؤلفي القرن التاسع عشر
وقد لا يخلو حديث تنمان عن العوامل المثبطة لرقي الفلسفة عند العرب من نفحة العاطفة الدينية، وتلك كانت يومئذ روح العصر، حتى عند الفلاسفة المشتغلين بتاريخ الفلسفة من أمثال «فكتور كوزان» الفيلسوف الفرنسي المتوفى سنة 1847م، الذي يقول في محاضراته في تاريخ الفلسفة بجامعة باريس:
15
قول كوزان
أيها السادة: «المسيحية التي هي آخر ما ظهر على الأرض من الأديان، هي أيضا أكملها، والمسيحية تمام كل دين سابق، وغاية الثمرات التي تمخضت عنها الحركات الدينية في العالم، وبها ختم الدين المسيحي ناسخ لجميع الأديان ... كذلك كان الدين المسيحي إنسانيا واجتماعيا إلى أقصى الغايات، ومن أراد دليلا فلينظر ماذا أخرجت المسيحية وجماعة المسيحيين للناس؛ أخرجت الحرية الحديثة والحكومات النيابية، ثم لينظر من دون المسيحية ماذا أخرجت منذ عشرين قرنا سائر الأديان.
ماذا أنتج الدين البرهمي والدين الإسلامي، وسائر الأديان التي لا تزال قائمة فوق ظهر الأرض؟
نامعلوم صفحہ
أنتج بعضها انحلالا موغلا، وبعضها أثمر استبدادا ليس له مدى.
أما أوروبا المسيحية فهي لا سواها مهد الحرية، ولو أن المقام والوقت يسعدان، لأثبت لكم أن المسيحية التي كانت الحكومات النيابية ثمرة لها هي التي تستطيع وحدها أن تقوم هذه الصورة العجيبة من صور الحكم التي تؤلف بين النظام والحرية، والمسيحية أيضا هي التي بعد أن صانت ذخائر الفنون والآداب والعلوم بعثتها بعثا قويا، المسيحية هي أصل الفلسفة الحديثة.» (3) روح العصر من ناحية التعصب للجنس
أما التعصب الجنسي على العرب الذي تبدو له بوادر في كلام تنمان فقد كان أيضا في روح العصر، ولم يلبث «إرنست رنان».
16
الفيلسوف الفرنسي المتوفى سنة 1892م أن زخرف له لباسا علميا من أبحاثه في تاريخ اللغات السامية، ثم جعله حملة شعواء تصوب كتبه سهامها إلى الجنس السامي كله، وشاركه في حملته المستشرق الألماني «كرستيان لاسن».
17
المتوفى سنة 1876م. (3-1) ساميون وآريون
وتقسيم الناس إلى ساميين وآرييين هو من صنع علماء تاريخ اللغات في القرن التاسع عشر.
والسامي نسبة إلى سام، على ما جاء في التوراة من أنه كان لنوح أبناء ثلاثة: سام وحام ويافث، فسام أبو الإسرائيليين وإخوانهم، وحام أبو الزنوج، ويافث أبو بقية البشر.
أما الآري فمنسوب إلى آريا، وآريا اسم شعب كان مهده النجد الفارسي من بلاد الأفغان وما إليها، ثم انحدر فيما حوالي 2000 عام قبل المسيح إلى الشمال الغربي من الهند، ومعه دين جديد من أديان الشرك هو دين الفيديين، له كتاب مقدس هو مجموع مزامير موجهة إلى الآلهة تسمى: فيدا، وهو اليوم دين البراهمة ودين الهندوسيين لم يدخله إلا تغير يسير.
نامعلوم صفحہ
وقد كان لمزامير هذا الدين المقدسة وما ألهمته من فلسفة أثر كبير في حياة آسيا العقلية، ووصل صدى ذلك إلى أوروبا منذ القدم.
لذلك لم يكد يستقر الاستعمار الأوروبي في بعض أنحاء الهند حتى أقبل علماء أوروبا على دراسة الفيدا، وقد راعهم ما لاحظوا من التشابه بين اللغة السنسكريتية التي هي لغة الفيدا وبين اللغات الأوروبية.
وهكذا نشأ علم مقارنة اللغات،
18
فصنفت اللغات أصنافا، وردت كل مجموعة منها إلى أصل واحد، ثم جعل العلماء هذه الأنساب اللغوية أنسابا للأمم التي تتكلم بها.
ونبتت في القرن التاسع عشر نظرية شعب آرى هو أصل للأمم الأوروبية ولبعض الأمم الآسيوية، ممن ترجع لغاتهم إلى أصل واحد هو اللغة السنسكريتية أو غيرها. (3-2) رأي رنان في الساميين والآريين من الناحية الفلسفية
ويصرح رنان في كتاب «تاريخ اللغات السامية»
19
بأنه أول من قرر أن الجنس السامي دون الجنس الآري، وتأثر برنان بعض معاصريه، ومن جاء بعده؛ لوثوقهم بمعرفته في هذا الشأن؛ إذ هو قد عرف لغات سامية، وزار الساميين في بلادهم.
ومما ورد في كتاب رنان: «ابن رشد ومذهبه»: «ما يكون لنا أن نلتمس عند الجنس السامي دروسا فلسفية، ومن عجائب القدر أن هذا الجنس الذي استطاع أن يطبع ما ابتدعه من الأديان بطابع القوة في أسمى درجاتهم لم يثمر أدنى بحث فلسفي خاص، وما كانت الفلسفة قط عند الساميين إلا اقتباسا صرفا جديبا وتقليدا للفلسفة اليونانية.»
نامعلوم صفحہ
20
وبذلك أدخل رنان في المباحث المتعلقة بتاريخ الفلسفة عند العرب دعوى الطبيعة السامية وجعلها أساسا للحكم على تلك الفلسفة.
وعنده كما ورد مفصلا في كتاب «تاريخ اللغات السامية» أن خواص النفس السامية تتجلى في انسياق فطرتها إلى التوحيد من جهة الدين، وإلى البساطة في اللغة والصناعة والفن والمدنية.
أما النفس الآرية فيميزها ميل فطري إلى التعدد وانسجام التأليف (ص165). (3-3) نقد رأى رنان
ورأي رنان في الفلسفة عند العرب لا يخلو من اضطراب؛ فهو يقول في مؤلفه «تاريخ اللغات السامية»:
21 «ومن الخطأ وسوء الدلالة بالألفاظ على المعاني أن نطلق على فلسفة اليونان المنقولة إلى العربية لفظ «فلسفة عربية»، مع أنه لم يظهر لهذه الفلسفة في شبه جزيرة العرب مبادئ ولا مقدمات، فكل ما في الأمر أنها مكتوبة بلغة عربية، ثم هي لم تزدهر إلا في النواحي النائية عن بلاد العرب مثل إسبانيا ومراكش وسمرقند، وكان معظم أهلها من غير الساميين.»
وهو يقول في كتابه «ابن رشد ومذهبه» مرة، هذا القول: «لا يزال حكمي بأن مباحث العقائد الدينية لم يكن لها كبير شأن في نشأة هذه الفلسفة العربية حكما جازما، وما صنع العرب شيئا إلا أنهم تلقوا جملة المعارف اليونانية في صورتها التي كان العالم كله مسلما بها في القرنين السابع والثامن.»
22
ثم نجده يقول مرة أخرى: «اتخذ العرب من تفسير آراء أرسطو وسيلة لإنشاء فلسفة ملأى بالعناصر الخاصة، المخالفة جد المخالفة لما كان يدرس عند اليونان، وكذلك فعل فلاسفة القرون الوسطى.»
23
نامعلوم صفحہ
ويقول غير ذلك: «إن الحركة الفلسفية الحقيقية في الإسلام ينبغي أن تلتمس في مذاهب المتكلمين.»
24
ويستخلص من أقوال رنان المختلفة بعد تجريدها من زينة البلاغة، وخيال الشعر، وثبات الحماسة، والهوى، والتناقض أن هناك فلسفة عربية هي تعريب الفلسفة اليونانية، وهناك فلسفة إسلامية هي علم الكلام. ويصرح رنان في كتبه بأن في هذه الفلسفة الإسلامية موضعا للطرافة.
ولعل رنان أول من استعمل في الغرب كلمة «الفلسفة الإسلامية». ثم إن رنان لا يرى رأي من سبقه في أن العرب آثروا أرسطو على من عداه من فلاسفة اليونان وخصوه بالتقدير؛ فهو يذكر في كتاب «ابن رشد ومذهبه»: «إن الأسباب التي يعللون بها في العادة إيثار العرب لأرسطو هي أقرب إلى التمويه منها إلى الحق، فإن العرب لم يؤثروا، إذا لم يكن ثمت اختيار عن روية، إنما تقبل العرب معارف يونان كما وصلت إليهم.»
25
وجملة القول: أن رنان الذي هو خصيم الجنس السامي والدين الإسلامي جميعا، كان فيما يتعلق بالفلسفة شديد الشكيمة على ما سماه «فلسفة عربية»، لكنه ألين جانبا لما دعاه «فلسفة إسلامية». (3-4) نقد معاصري رنان لحكمه
على أنا نجد من معاصري رنان الفرنسيين من يرميه بالحيف في حكمه على الفلسفة عند العرب.
ففي كتاب دوجا
26 «تاريخ الفلاسفة المتكلمين من المسلمين» المطبوع بباريس سنة 1889م نجد رواية ما يورده شمويلدرز
27
نامعلوم صفحہ
الألماني في رسالة له في المذاهب الفلسفية عند العرب نشرت عام 1842 من نحو قوله: «لا نستطيع أن نذكر قط فلسفة عربية على الوجه الدقيق لما يفهم من هذه العبارة كما نذكر فلسفة يونانية وفلسفة ألمانية ... إلخ، ومهما ذكرنا هذه العبارة، فإنا لا نريد شيئا غير الفلسفة اليونانية كما فهمها العرب.»
28
ثم نجد رواية ما قاله رنان في مثل هذا المعنى،
29
ثم يعقب المؤلف على ذلك بقوله: «فعند هذين العالمين ليست الفلسفة العربية إلا تقليدا للفلسفة اليونانية، ولم يكن لها أي نتاج خاص.
وهذه أحكام تذهب في البت إلى حد الشطط، ومصدرها سوء التحديد للفلسفة وجهلنا بما للعرب من مصنفات غير شروحهم لمؤلفات أرسطو.
وما أسوق إلا شاهدا واحدا:
فهل يظن ظان أن عقلا كعقل ابن سينا لم ينتج في الفلسفة شيئا طريفا، وأنه لم يكن إلا مقلدا لليونان؟
وهل مذاهب المعتزلة والأشعرية ليست ثمارا بديعة أنتجها الجنس العربي؟
وعندي أن طريقة العالم «منك»
نامعلوم صفحہ
30
في التعريف بهذه الفلسفة أدنى إلى السداد.»
31
وقول منك، على ما ذكره دوجا، هو: «يمكننا أن نقول في الجملة إن الفلسفة لدى العرب لم تتقيد بمذهب المشائين صرفا، بل هي توشك أن تكون تقلبت في كل الأطوار التي مر بها العالم المسيحي؛ ففيها مذهب أهل السنة الواقفين عند النصوص، ومذهب الشك، ومذهب التولد، بل فيها مذاهب شبيهة بمقال اسبينوزا
32
ومذهب وحدة الوجود الحديث.»
33
وبعدما بين دوجا اختلاف الأقاويل في الفلسفة والغرض منها اختار أن غرض الفلسفة هو تكوين عقائد جديدة، ثم قال: «من أراد أن يحكم في خصائص الفلسفة العربية حكما سديدا فعليه أن ينظر إليها من ناحية إصلاحها للعقائد، وتلك كما بينا آنفا حقيقة الغرض الذي ترمي إليه الفلسفة.
وعندي أن النظر العقلي العربي كان على الحقيقة محاولة لإصلاح القرآن، وتكميل الإسلام؛ حاول ذلك المعتزلة قادة الحركة الفلسفية لدى المسلمين ... وقد أنكروا عقيدة أن القرآن غير مخلوق؛ لكي لا يمسوا وحدانية الله ، وقرروا: عقيدة أن القرآن مخلوق ... وهم يقولون إنه كان من المستطاع أن يؤتى بخير
34
نامعلوم صفحہ
منه، وهذا التعرض لكتاب المسلمين المقدس بالبحث يكاد يكون من نوع ما فعل فلاسفة الأوروبيين في تمحيص التوراة والإنجيل كما تمحص سائر الكتب.
وكذلك صنع داود اشتروس
35
ورنان في مؤلفاتهما.»
36
ومنك إذ يقول: «إن الفلسفة العربية تقلبت في جميع الأدوار التي مرت بها الفلسفة المسيحية» يخالف قول تنمان: «إن كتاب الإسلام المقدس يعوق النظر العقلي الحر»، ويثبت أن الإسلام ليس دون المسيحية اتساعا لنمو الفلسفة وتطورها، وهو أيضا بقوله هذا لا يؤيد دعوى انحطاط الجنس السامي عن الجنس الآري فيما يتعلق بالبحث الفلسفي.
ولمنك رأي مخالف لرأي رنان في اختيار المسلمين لأرسطو يبينه كما يلي: «اختير أرسطو من بين الفلاسفة؛ لأن منهجه التجريبي أدنى إلى موافقة ميل العرب العلمي الوضعي من منهج أفلاطون المثالي، ولأن منطق أرسطو كان يعتبر سلاحا مجديا في المنازعات المستمرة بين أهل المذاهب الكلامية.»
37
ومقال منك هذا يناقض رأي رنان في سبب إيثار العرب لأرسطو، ويناقضه أيضا في دعوى الطبيعة السامية المجدبة في الفلسفة، فإن الطبيعة العلمية الوضعية التي تلائم طبيعة أرسطو لا تكون جدبة من الناحية الفلسفية إلا إذا كانت طبيعية أرسطو المعلم الأول جدبة من الناحية الفلسفية. (4) تلخيص اختلاف الرأي ما بين بداية القرن التاسع عشر ونهايته
كان الرأي العلمي عند الغربيين في الفلسفة العربية مستهل القرن التاسع عشر مبنيا في جملته على القضايا الخمس التي استخلصناها من مقال تنمان، والتي كانت يومئذ تكاد تكون من المسلمات فيما يظهر. وفي أواخر ذلك القرن اختلف النظر في تلك الأحكام، ولم تعد مسلمة ما عدا قضية واحدة لعلها لا تزال إلى اليوم غير مكذبة: وهي أن مصنفات الفلاسفة الإسلاميين لما تدرس حق دراستها؛ فلا اتفاق على التعبير بالفلسفة العربية نسبة إلى الجنس العربي، ولا على بيان ما تشتمل عليه هذه الفلسفة، ولا على أن الفلسفة العربية بأقسامها شرح مضعف مشوه لمذهب أرسطو ومفسريه، وتطبيق لهذا المذهب على نصوص الدين الإسلامي، ولا اتفاق على ما دعوه عقبات ثبطت رقي الفلسفة الإسلامية.
نامعلوم صفحہ
دخلت كل هذه النظريات في دور تمحيص علمي، وهدأت رويدا سورة العصبية والهوى. (5) آراء الغربيين في الفلسفة الإسلامية في القرن الحاضر
وجاء القرن الحاضر، فماذا كان شأن الفلسفة الإسلامية عند الغربيين في القرن الحاضر؟ (5-1) الخلاف في التسمية: إسلامية أو عربية؟
لا يزالون مختلفين في الوصف الذي يصفون به هذه الفلسفة؛ فمنهم من يقول: «فلسفة عربية»؛ لأن رجالها كانوا يكتبون آثارهم بالعربية، كما فعل موريس دي ولف
38
الأستاذ بجامعة لوفان في كتابه «تاريخ فلسفة القرون الوسطى»
39
الذي نعتمد على طبعته الخامسة سنة 1925، وكما فعل الأستاذ برهيه الأستاذ بالسربون في كتابه الكبير في «تاريخ الفلسفة» الذي ظهر أول أجزائه عام 1926.
ويقتفي الأستاذ لطفي باشا السيد أثر هؤلاء في تصديره لتعريب كتاب أرسطو «الأخلاق إلى نيقوماخوس»؛ فهو يعبر بالفلسفة العربية.
ومنهم من يقول: «فلسفة إسلامية»، مثل هورتن
40
نامعلوم صفحہ
الألماني العالم بالإسلاميات ومحرر الفصل الذي عنوانه «فلسفة» في دائرة المعارف الإسلامية، ومثل دي بور
41
في كتابه في تاريخ الفلسفة الإسلامية، ومثل جوتييه،
42
والبارون كارا دي فو،
43
وغيرهم.
ويظهر أن هؤلاء يرون أن هذه الفلسفة ليست عربية؛ لأن جمهرة أهلها لم يكونوا من أصل سامي، ويرون أنها أحق أن تضاف إلى الإسلام لأن له فيها أثرا ظاهرا، ولأنها نشأت في بلاد إسلامية وعاشت تحت راية الإسلام.
وقد رأيت للدكتور جميل صليبا الدكتور في الفلسفة من جامعة باريس، كتابا عنوانه: «بحث في الفلسفة الإلهية لابن سينا»،
44
نامعلوم صفحہ
طبع بالفرنسية في باريس سنة 1926، ناضل فيه نضالا قويا عن الفلسفة العربية، وهذا الكتاب هو رسالته التي نال بها الدكتوراه من السربون.
ومن أمثلة نضاله فيما نحن بصدده قوله: «إن الذين يجحدون وجود فلسفة عربية يثبتون وجود فلسفة إسلامية، بيد أن الإسلام، برغم كل ما نفذ إليه من العناصر الأجنبية، ظل أثرا من آثار العبقرية العربية.
أما أن أكثر الفلاسفة من أصل غير عربي؛ فلا نكران له، لكن الذي لا نجد له مستساغا هو القول بأن الفلسفة التي يسميها العامة فلسفة إسلامية ليست تستند إلى الجنس العربي، نحن نتكلم عن فلسفة عربية كما نتكلم عن دين عربي.»
45
وقد يصدق هذا القول على رنان الذي جعل فلسفة عربية وفلسفة إسلامية.
أما أهل هذا العصر الذين يعبرون بالفلسفة العربية مرة وبالفلسفة الإسلامية أخرى لمعنى واحد، فما أحسبهم يرمون بذلك إلى الغرض الذي ينكره المؤلف.
ومثلهم كمثل الجامعة المصرية نفسها، التي كانت إلى عهد قريب تستعمل في قوانينها ومناهجها ومكاتباتها العبارتين على أنهما مترادفتان.
وللأستاذ كارلو نلينو
46
رأي يمس هذا الموضوع، بسطه في محاضراته في «علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى» بما نصه: «قد قلت في الدرس الماضي: إن محاضراتي ستدور على تاريخ علم الهيئة عند العرب في القرون الوسطى؛ أي لغاية سنة تسعمائة للهجرة النبوية تقريبا، فينبغي الآن تعريف من يطلق عليه لفظ «العرب»، كلما يكون الكلام عن زمان الجاهلية أو أوائل الإسلام. لا شك أن كلمة «العرب» مستعملة بمعناها الحقيقي الطبيعي، المشير إلى الأمة القاطنة في شبه الجزيرة المعروفة بجزيرة العرب، ولكن إذا كان الكلام عن العصور التالية للقرن الأول من الهجرة، اتخذنا ذلك اللفظ بمعنى اصطلاحي وأطلقناه على جميع الأمم والشعوب الساكنين في الممالك الإسلامية، المستخدمين اللغة العربية في أكثر تآليفهم العلمية، فتدخل في تسمية (العرب) الفرس والهند والترك والسوريون والمصريون والبربر والأندلسيون وهلم جرا، المتشاركون في لغة كتب العلم وفي كونهم تبعة الدول الإسلامية، ولو لم نطلق عليهم لفظ «العرب» كدنا ما نقدر نتحدث عن علم الهيئة عند «العرب» لقلة البارعين فيه من أولاد قحطان وعدنان.»
نامعلوم صفحہ