تملک فرانسوی قطار مصریہ
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
اصناف
وعند الصباح في تاسع صفر نهار الإثنين ابتدأت تنتقل العساكر من بر الجيزة وإمبابة إلى مصر، فعندما قدم أمير الجيوش بونابارته فخرجت العلماء والأعيان والنصارى والإسلام لملتقاه، وكان يترحب بهم ويلتقيهم بالبشاشة والإكرام، ويوعدهم بالخير والنظام، ثم أمر أن يفرشوا له منزل بقرب النيل، ففرشوا له منزل محمد بيك الألفي الكاين على شاطئ بركة اليزبكية، ونزل كبير الأقباط المتسلمين الأقاليم المصرية؛ وهو جرجس الجوهري، وباشر بفرش المنزل، وفي يوم الثلاثة دخل أمير الجيوش ونزل بذلك المنزل، ودخلت جميع تلك العساكر التي ليس لها أول من آخر.
وأمر أمير الجيوش أن جميع أهالي مصر يضعوا على رءوسهم أم صدورهم علامة المشيخة وهذا النشان، هو من الحرير الأبيض والكحلي والأحمر قدر زهرة الورد، وقد وضعتها جميع الناس من الرجال والنساء وأطلق المناداة: أن كل من دخل من دون علامة يجب له القصاص، وحين دخلت العساكر الفرنساوية كانوا ينهبون من بيوت الغز والمماليك، فأمر أمير الجيوش برفع النهب، وكانت الغز قد دفنت أموالها تحت الأرض ولم يبق سوى الفرش والأمتعة، وقد نهبت أهالي المدينة منهم شيء كثير، وفي 12 ارتفع النهب واطمأنت الناس في أماكنها، فهذا ما كان من دخول الفرنساوية.
وأما إبراهيم بيك وباكير باشا؛ فإنهم بعد خروجهم من مصر ساروا إلى مدينة بلبيس وهم في الذل والتعكيس، وأما مراد بيك فسار إلى أراضي الصعيد، وفارقت الغز الكنانة وبليوا بالذل والإهانة، وقد وقعوا بالشتات والخبال، وانتهب أموالهم وسبيت أعيالهم، وناحوا على فراق مصر وتفرقهم في كل قطر، وأرموا من رءوسهم القواوين الصفراء، ولم يبق القووق الأصفر في مملكة مصر آثار، وذاقوا من الغربة أمر كاس وبقوا كعامة الناس.
وكان أمير الجيوش بونابارته بعد دخوله إلى أرض مصر أحضر تجار ديوان البهار المعروف بديوان البن الوارد من الأقطار، وطلب منهم ألف وستماية كيس، وطلب من الأقباط المباشرين الدواوين ألف وستماية كيس، ومن تجار النصارى ثمانماية كيس، وتسلم تلك الأربعة آلاف كيس في ستة أيام، وأوعدهم بوفائها عندما يروق الحال ويتسع المجال.
وبعد ذلك ابتدأ في النظامات في مدينة مصر كما يأتي ذكره، فأحضر أولا خمسة أنفار من العلماء الكبار؛ وهم الشيخ عبد الله الشرقاوي، والشيخ خليل البكري، والشيخ مصطفى الضاوي، والشيخ محمد المهدي، والشيخ سليمان الفيومي، وأحضر معهم اثنين من الأوجاقات وواحد من التجار؛ وهم علي كتخدا باشي، ويوسف شاوش باشي، والسيد أحمد المحروقي، وأفرز إلى هؤلاء محلا معينا، وعين لهم علايف شهرية، وأقامهم رؤساء في ديوان خصوصي، وكانوا في كل يوم يجتمعون، وأقام معهم رجلا فرنساويا مترجما من اللغة الفرنساوية إلى اللغة العربية.
ثم إن أمير الجيوش بونابارته رتب ديوانا ثانيا سبعة أنفار من التجار، ومعهم رجلا فرنساويا مترجما؛ وذلك ليكون ديوان البحر، وأفرز لهم محلات معلومة لاستماع دعاوى التجار والمتسببين، وأحضر أمير الجيوش محمد كتخدا المسلماني، فهذا كان أصله أرمنيا وأسلم وترقى في زمان المماليك إلى أن صار كتخدا إبراهيم بيك الصغير الذي غرق في النيل يوم الحرب، فجعل هذا الرجل أغة الإنكشارية، وأحضر أيضا رجلا من الأوجاقات وجعله على الاحتساب، وأحضر أيضا رجلا يسمى علي أغا وجعله واليا على البلد، ثم أمر أمير الجيوش بأن تفرز محلات معينة لأجل المطابع التي أحضرها معه من رومية، وهي تطبع بجميع اللغات كما قدمنا ذكره، وجعل لذلك محلات على شاطئ اليزبكية.
ثم إن أمير الجيوش قسم البلد خطوطا، وجعل لكل خط حاكما فرنساويا، وكانت الولاة من الفرنساوية واقفين على باب المدينة ليلا ونهارا، وخارجا إلى حدود بولاق وإلى حدود الجيزة، وانقطعت جنس اللصوص والخطافين والعربان والسراقين، وكانت حكام الخطوط في كل سبة يطلقون المنادات على الرعايا بكناسة الطرقات والشوارع ورش الماء لأجل النضافة ونظام الطرقات، ورسموا أن على كل باب بيت أو باب وكالة يكون قنديلا شاعلا كل الليل، وكانت حكام الخطوط تدور في الليل فكل باب لم يجدوا عليه قنديلا فكانوا يضربون عليه مسمارا، وفي الغد يقع على صاحبه القصاص وكانت المدينة تضيء في الليل كالنهار.
ثم إن أمير الجيوش أحضر مصطفى أغا كتخدا باكير باشا وآمنه وألبسه فروا، وجعله أمير الحاج، وأمره أن يباشر لوازم الحاج وما يحتاج إليه، وقال: لماذا الوزير فر هاربا مع المماليك؟ ألم يعلم أننا متحدين مع الدولة العثماينة؟ ونحن ما حضرنا إلى هذه الأمصار إلا بالإذن من السلطان سليم والاختيار، ثم أمر إلى مصطفى أغا أن يحرر إلى باكير باشا بأن يرجع إلى القلعة، كما كان وله الكرامة والأمان، ورجع مصطفى آغا من أمامه وهو منشرح الصدر مستغربا هذا الأمر.
ثم إن أمير الجيوش شغل الضربخانة في القلعة، كما كانت، وأمر أن يضع اسم السلطان سليم حسب العادة، وأمر أيضا أمير الجيوش أن يفرزوا محلات للمرضى والمجروحين المعروف بالاسبستار، وأفرزوا لذلك قصر المعنى الذي على شاطئ النيل بين القاهرة ومصر القديمة، فجعلوا أماكن لأجل صنع الأدوية، وأقام هناك رئيسا للأطباء ورئيسا للجرايحية.
وبعد ذلك أمر أمير الجيوش بونابارته بتفريق الجنراليات على الأقاليم المصرية، فأقام الجنرال ديزه على إقليم بلاد الصعيد، وكان هذا الجنرال برج مشيد وبطل عنيد، ثم أقام الجنرال مورا وكان من الأبطال الشداد، وقلده أحكام إقليم القلوبية، وكان شابا بالسن بديعا بالحسن، ثم أقام الجنرال لانوس الرجل الوديع المانوس، وكان خبيرا بالحروب ومقداما على الشدايد والخطوب، وقلده إقليم المنوفية من الجهة الغربية، ثم أحضر الجنرال دكا الحسن السورة صاحب الوقايع المشهورة، وقلده أحكام المنصورة، وهي بلد مشهورة، وإقليمها واسع وبرها شاسع.
نامعلوم صفحہ