ولما كان فعل هذه القوة فى الصورة المحسوسة احد فعلين اما تركيب واما تحليل وذلك انها اذا استرجعت الصورة التى قد احست، ففعلها انما هو تركيب. وذلك يكون كما قلنا بان تحضر كل واحدة من القوتين المعنى البسيط الذى يخصها احضاره، وتركب القوة الثالثة. واما التحليل والتفصيل، فانما يكون فى حد الشىء المحسوس ما دام محسوسا وذلك يكون بان يحس الحاس اولا الشىء خارج النفس، ثم يصوره المصورا نم يميز المميز معنى تلك الصورة من رسمها، ثم يقبل الحافظ ما ميز المميز. فان ذهبت، كان استعادتها على جهة التركيب. ولكون هذه القوى مختلفة الافعال، كانت مختلفة المواضع من الراس. ولما كان الحاس انما يحس اولا، ثم صور المصور، ثم يميز المميز، ثم يقبل الحافظ، وجب ضرورة ان يكون المصور فى افق الحاس من الدماغ. ثم يليه المفكر، وذلك فى الموضع الاوسط، ثم يلى المفكر الذاكر والحافظ، وذلك فى المؤخر من الدماغ. وذلك بحسب المشاهد من مواضع هذه القوى. فانه قد وقف بالحس على ان مواضع هذه القوى هى هذه المواضع بالاعتلال اللاحق لقوة قوة من هذه القوى باختلال موضع موضع من تلك المواضع. وذلك انه متى اعتل مزاج مقدم الدماغ فقط، اختل خيال ذلك الرجل، ولم يختل فكره ولا ذكره. واذا اعتل وسطه، اعتل فكره. واذا اعتل مؤخره، اختل ذكره وحفظه. وهذا معروف عند الاطباء. ولذلك كانت هاهنا مراتب خمس. اولها جسمانى، كثير القشر وهى الصورة المحسوسة خارج النفس. والمرتبة الثانية وجود هذه الصورة فى الحس المشترك، وهى اول مراتب الروحانية. والمرتبة الثالثة وجودها فى القوة المتخيلة وهى اكثر روحانية من الاولى. والمرتبة الرابعة وجودها فى القوة المميزة. والخامسة وجودها فى القوة الذاكرة وهى اكثرها روحانية، فانها تقبل لباب ما ميزته الثلاث وصفته من القشر. فقد تبين من هذا القول اى وجود وجود هذه القوة، وما جوهرها وانها غير المصورة وغيرالمميزة،وانها انما يتم فعلها بمشاركة المميز والمصور، وذلك اما فى حد التركيب او فى حد التفصيل. وتبين ان الحفظ انما هو استصحاب وجود معنى المحسوس فى هذه القوة من غير ان ينقطع، وان النسيان هو ذهابه، والذكر هو رجوعه بعد النسيان، وان التذكر هو استرجاعه وانه خاص بالانسان.
صفحہ 43