[٤٨٦] شُبْهَة أُخْرَى لَهُم: فَإِن قَالُوا: أَجمعت الْأمة على أَن الْمَجْنُون غير مُخَاطب، وَلَا مَأْمُور. وَبِه نطقت سنة رَسُول الله [ﷺ]، وَهُوَ أولى بتوجه الْأَمر إِلَيْهِ من الْمَعْدُوم فَإِذا امْتنع ذَلِك فِي الَّذِي لَا يعقل فَلِأَن يمْتَنع فِي الْمَعْدُوم أولى.
قيل لَهُم: هَذَا تلبيس مِنْكُم فَإنَّا على الْوَجْه الَّذِي لَا نجوز تَوْجِيه الْأَمر على الْمَجْنُون لَا نجوز توجه الْأَمر للمعدوم إِذا تحقق تَوْجِيه الْأَمر عَلَيْهِ وَلَكنَّا نقُول: الْمَعْدُوم مَأْمُور على شَرط الْوُجُود فَكَذَلِك الْمَجْنُون مَأْمُور على الْعقل.
[٤٨٧] فَإِن قَالُوا: الْمَعْدُوم هُوَ المنتفي فقولكم إِنَّه مَأْمُور يؤول عِنْد التَّحْصِيل إِلَى أَن الْمَأْمُور مُنْتَفٍ، قَالُوا: وَهَذَا أوضح على أصلكم فَإِن الْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْء عنْدكُمْ فكأنكم قُلْتُمْ الْمَأْمُور لَيْسَ بِشَيْء وَلَا فرق بَين ذَوي التَّحْقِيق بَين قَول الْقَائِل: لَا مَأْمُور أصلا، وَبَين قَوْله: لَا شَيْء أصلا هُوَ مَأْمُور، ويعد ذَلِك من متناقض الْكَلَام.
قيل لَهُم: كل مَا ذكرتموه ينعكس عَلَيْكُم فِي الْمَأْمُور بِهِ فَإنَّا نقُول لَيْسَ الْمَقْصُود من الْأَمر التَّسَبُّب إِلَى انْتِفَاء الشَّيْء فَإِنَّمَا الْمَقْصد مِنْهُ التَّرْغِيب والحث وَالدُّعَاء إِلَى الِامْتِثَال، ويستحيل الدُّعَاء إِلَى الانتفاء وَالْمَوْجُود عنْدكُمْ لَيْسَ بمأمور فَبَطل مَا قَالُوهُ جملَة وتفصيلا.
[٤٨٨] ثمَّ نقُول لَا خلاف أَن الْمَعْدُوم مَقْدُور وَلَيْسَ المُرَاد بِكَوْنِهِ