التأليف الطاہر فی شیم الملک الظاہر القائم بنصرۃ الحقق ابو سعید جقمق
التأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحقق أبي سعيد جقمق
اصناف
92و
من المصريين نائبي حلب والشام إذ قد انقطعت أمالهم من رأس يكون لهم بمصر فلم يجدوا إلا مراسلة هؤلاء النواب • فأما نائب حلب بكري برميش فإنه أبرز سخيمته وجاهر بالعداوة والتمرد وأظهر العصيان والطغيان • وشرع يستطيل على الرعية وعلى التجار • وأذى الكبير والصغير • ومديده إلى الحواصل السلطانية • وأما نائب الشام فإنه أضمر في نفسه ما هو عليه وشرع يتملق ويترقق ويخفي في نفسه ما الله مبديه • وأخذ يستخدم المماليك البطالة وأولاد الناس • ولقد كنت يوما في المنيبع عند المقر البهائي بن حجي عظم الله تعالى شأنه فجاء محمد الاستدار وجعل يشكوا ما فيه من الشدة والضيق فسئل عن سبب ذلك فقال كانت الجامكية ستين ألفا فصارت ثمانين ألفا قيل وفيما ذلك قال إن ملك الأمراء يريد زيادة المستخدمين والمماليك ويطلب منا ما لا يعطيهم وقد ضقت ذرعا وما أدري ما أعمل وجعل محمد الاستدار المذكور بسبب ذلك يستطيل على الناس ويفتق عليهم أنواع المظالم ويفتح أبواب الشر فكان الناس معه في شدة عظيمة وما كان يرفع لخزانة اينال دينارا ولا درهما إلا ويأخذ لنفسه أضعاف ذلك ولكن الله تعالى لطيف خبير وكان المقر الناصري سيدي محمد بن محك تغمدهما الله تعالى برحمته بالقاهرة فكان يتلافا قضايا النواب مهما أمكنه • وكان رحمه الله واسطة خير ومقصد نجاح فتعاطى أسباب إصلاح الأمور فإنه كان قد وقع في أفواه الخاص والعام أن نائب الشام سيعصي أو عصى والعامة لسان الفلك وكانوا يقيسون أمره على أمر نائب حلب ولكن ما كان أحد يجترئ على إشهار هذا الكلام • وكان نائب الشام اينال منتظرا قدوم المقر الناصري المشار إليه حتى يبني ما يريده من الأمور على ذلك • • ذكر مراسلة المصريين نائبي الشام وحلب •
92ظ
واستمر المنافقون من المصريين يراسلون نائبي الشام وحلب وكان من جملة ما أرسلوا اليهما أن هذا يعنون مولانا السلطان قد خالف الوصية المسندة إليه وقبض على ابن استاذنا الذي هو السلطان وهو الملك العزيز مع أنه رجل فقيه صوفي لا يصلح للسلطنة ولا لإقامة شعائر الرئاسة وصحبته دائما مع الفقهاء والعلماء والفقراء ولا يحترس كما كان غيره يحترس من الملوك والسلاطين • ولا يتمم هيبة الملك • ولا ناموس السلطنة • ونحن نريد لنا سلطانا يقيم حرمة الملك والسلطنة على عادة الملوك والسلاطين • ويقدم الترك والأمراء على من سواهم • وقد رأيتهم كيف فتك بإخوتنا من الأشرفية • وبرؤوس الأمراء • فإن صبرتم على هذا فقد أهنتم أنفسكم وأهنتمونا • وربما يتعدى إليكم منه ما تكرهون • وإن وافقتمونا على شيء فنحن منتظرون لما تبرز به مراسيمكم • ومتكفلون بجميع ما تشيرون به • فإنا نقدر ان نوقع به فعلا كيف ما أردنا لأنه يمكن التوصل إليه في كل وقت • وإيقاع الفعل به من غير مشقة • فلا ننها ونوافي رد الجواب • وتأملوا في هذه القضية وعواقب الأمور بعين البصيرة والفكر الصحيح • وردوا الجواب سريعا • وإذا رضينا أن تكونوا لنا رؤوسا وظهورا • أفلا ترضون أن نكون لكم خدما وأعوانا • وفيما يدهمكم ويهمكم جندا وانصارا فواعدوهم على ذلك • ذكر عصيان نائب حلب بكري وبرميش وكسره وقتله وكان خير بكري وبرميش قد بلغ إلى القاهرة فإنه كان على أيام الملك الأشرف ذا تهور وتعد وفجور وظلم واستمر على ذلك فلما ولي حلب وأبعد عن الديار المصرية لم يتغير عن سجيته القديمة من الظلم والتعدي مع أن الملك الأشرف كان له عليه اعتماد وكان ذلك كان بواسطة معرفة قديمة أو سابقة أكيدة وكان الأمراء يكرهونه ويكرههم لأنه كان من التراكمة وما كان من جنسهم ولم
93و
يكن أيضا عنده مداراة يستهل بها خواطرهم فلما توفي الملك الأشرف لاح عليه إمارات العصيان ولما بلغ خبره الديار المصرية أرسل إليه مرسوم شريف ملكي ظاهري أن يتوصل إلى القاهرة فوصل المرسوم مع القاصد يوم الثلاثاء خامس عشرين شعبان سنة إثنين وأربعين بحضوره إلى الأبواب الشريفة • فلما وصل القاصد ورأى من نائب حلب إمارات العصيان لم يجسر أن يظهر المرسوم فتوجه إلى نائب القلعة السيفي خطط واجتمع به ليلة الجمعة تاسع عشرين شعبان فطلب القضاة والأمراء لقراءة المرسوم عليهم ليلا فلم يحضروا واعتذروا بأنه ربما يصل الخبر إلى بكري برميش فيضرهم وينكد عليهم ولعل ذلك أن يأخذ حذره ويفشوا الخبر إذ أحضروا واجتمعوا في غيبته فما وسع نائب القلعة إلا أنه رمي على بكري برميش من القلعة بعد العشاء الاخوة وأظهر معاداته وصاحوا على أنه عاص وباغ وركب الأمراء كلهم وتوجهوا إلى القلعة واختبطت الناس فركب بكري برميش وخرج من دار السعادة وحال بين الأمراء وبين القلعة واجتمع على جماعته وجماعة من المشاة وتفرقت أراء الأمراء وأخذ كل واحد منهم يجتهد في خلاص نفسه فتوجه السيفي بردي بك العجمي والأمير قطج صوب باب ىانقوسا فإذا هو مقفل فجاء شخص يدعى صاروخان ومعه الفأس فضرب القفل فكسره وفتحوا الباب وخرجوا طالبين البلاد الحموية فتوجهوا إليها وتوجه المقر السيفي سودون النوروري أمير التركمان بحلب وأمير دوادار السلطان بها إلى صوب البيرة وكان مدة نائبا بها على زمان الملك الأشرف فوصل إليها واستولى عليها وحصنها بأنواع العدد من جحف وقسي وأسلحة وغير ذلك نقله إليها من قلعة المسلمين وأخذ بكري برميش من تلك الليلة من محاصرة القلعة وعمل المدافع والمكاحل وجد في المحاصرة واستدعى بني عمه واخوته من التراكمة ورفقائه من البلاد فاجتمعوا إليه •
93ظ
ذكر الحيلة التي فعلها نائب حلب ورد الله تعالى كيده في نحره ثم إن بكري وبرميش أعمل الحيلة في أخذ القلعة ولكن ما تم أمره • ولا استب فكره • فحاق به سوء مكره • ورد الله كيده في نحره • وذلك أنه أرسل بن عمه مع جماعة من خواصه في خفية إلى من يعرف باب السر من القلعة والسرداب الواصل إليها مع واحد له دالة على الأمناء والحفظة بباب السر من البوابين والمقدمين • والتمس منهم أن يجتمعوا بالمقدم والبواب • ويرغبوهم بالأموال ليفتحوا لهم باب السر • فاجتمعوا بهم وبذلوا لهم الأموال الجزيلة حتى رضوا ووافقوهم على ذلك وأعطوهم مائة وستين ألف درهم • ثم واعدوهم على وقت • فذهب واحد منهم وأخبر نائب القلعة بذلك فبعد أن استكتمه القضية أرسل يطلبهم واحدا بعد واحد حتى تكاملوا عنده ثم قررهم فأقروا على أنفسهم وعلى كل من معهم فلما تحقق ذلك أمر بصلب جماعة منهم على شرفات القلعة ووضع المقدم في المنجنيق ورمى به إلى بكري برميش فلما تحقق أن سعيه ضل حصل له من النعم والهم ما لا مزيد عليه وجد في محاصرة القلعة وأخذ في عمل المدافع والزحافات والمكاحل • واستمر ذلك من أول شهر رمضان وإلي ليلة العشر فتقاتلوا تلك الليلة من العشاء إلى الصباح • ولما أسفر الفجر وكان جماعة بكري برميش قد كلوا وأضناهم التعب والسهر تفرقوا إلى أماكنهم وذلك يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان المبارك وهو ثاني يوم عصى فيه اينال الحكمي في الشام ولما تفرق جماعة بكري برميش نزل أهل القلعة ورموا الزحافات وما كان أعده إلى الخندق وكسروا ما أمكنهم كسره وخرجوا جميع ما كان عمله بكري برميش وساعدهم على ذلك جماعة من عوام الناس واجتمع طائفة كثيرة من أهل البلد وأكثروا الغوغاء فلما بلغ البغاة ما فعله أهل القلعة وأهل البلد اجتمعوا ووضعوا أيديهم في العوام وجرحوا منهم وقتلوا منهم •
94و
ذكر قيام أهل حلب علي بكري برميش وخروجه من حلب مذموما مدحورا • فعند ذلك أخذت أهل حلب الحمية على عادتهم وكبر الناس عليهم يدا واحدة وتنادوا الغزاة يا مجاهدين • في أعداء الله الباغين • وتناولوهم بالحجارة والسهام وأصناف السلاح ورجموا بكري برميش وجماعته • وطائفة البغي كما فعلوا مع بن قصروة • وبن كبك التركماني • لما عصي في حلب في أواخر سنة أربع وعشرين وثمانمائة في ولاية الملك الظاهر تتر رحمه الله • وانزل الله تعالى نصره على المسلمين قولي بكري وبرميش المخذول ومن معهم الدبر وأخذهم الذلة والانكسار • فلم يسعهم إلا الخروج إلى خارج البلد • ولما ولي الدبر أخذ الناس فيهم قبضا ونهيا • وقتلا وسلبا • فخرجوا من باب انطاكية على أسأم طالع • وأنحس تقويم • فوصلوا إلى الميدان • ونزل أهل القلعة وساعدوا العوام على ما عم فيه وقبضوا على من قدروا عليه من عساكر البغي وكفى الله المؤمنين القتال واغلقوا أبواب المدينة وتضام المسلمون وتحصنوا واحذوا حذوهم وأسلحتهم • واتم بكري برميش يوم في الميدان • وكان قد قرب قفل من حلب من بلاد الروم فنهبهم بكري برميش وجماعته وأخذوا قماشهم وبضاعتهم ودوابهم • وكان ذلك من علامة خذلانه وكسره • ولما دخل الليل قصد بلاد شيزر وطلب بن سقلسين فأتى إليه وأواه • وكان ذلك من جملة خطائه فإن الملك الأشرف ومولانا السلطان الملك الظاهر ما فعلا مع بن سقلسين ما يقتضي عصيانه والخروج عن الطاعة لكنه أخطأ ولزم غلطه فاستمر بكري برميش عند بن سقلسين مدة أيام • • ذكر توجه بكري برميش إلى طرابلس • ثم ان بكري برميش ضم التراكمة وحشد واجتمع عليه جماعة من المفسدين
نامعلوم صفحہ