التأليف الطاہر فی شیم الملک الظاہر القائم بنصرۃ الحقق ابو سعید جقمق
التأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحقق أبي سعيد جقمق
اصناف
66ظ
الطير فسأل يوما البازدارية ما سبب عمره قالوا لأنه يظلم الطيور والظالم عمره قصير قال فتنبه بهذه الكلمة وبنى أمور سياسته على قواعد العدل فصار أمره إلى ما صار واشتهر اسمه بالعدل وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولدت في زمن الملك العادل ونقل عن بعض الملوك أنه كبر فثقل سمعه فحزن لذلك حزنا شديدا وجعل يبكي ويقول ما أتأسف على ذهاب سمعي ولكن تلهفي وأسفي على أني لا أقدر أسمع صوت المظلوم والمستغيث • ثم قال إن حرمت ذلك من طريق السمع فلا جعلنه من طريق البصر • ثم أمر أن كل من كان له ظلامة وأراد إنهاءها فليلبس ثيابا حمرا وليقف في المكان الفلاني ليعرف أن له ظلامة فأمر فنودي بذلك وقيل أن السلطان نور الدين الشهيد رحمه الله لما أمر ببناء دار العدل بدمشق علم الأمير أسد الدين شركوه أنه لا يسامح أحدا إذا رفعت إليه محاكمة فجمع مباشري ديوانه وأقسم لمن شكى عليه من جهة أحد لينتقمن منهم وقال لهم إن السلطان لم يبن هذه إلا من أجلي وأجل أمثالي فما وسعهم إلا أنهم أرضوا جميع الخصوم الذين كانوا ظلموهم وروى أن بعض العقلاء غصبه بعض عمال المنصور ضيقة فاستعدى عليه إلى المنصور فقال أصلح الله أمير المؤمنين أذكر حاجتي أم أضرب لها قبل ذكرها مثلا فقال بل اضرب المثل قال اصلحك الله أن الطفل الصغير إذ أنابه أمر يكرهه فإنما يفر إلى أمه ويأوي إلى حضنها إذ لا يعرف سواها فيظن أنه لا ناصر له غيرها فإذا ترعرع واشتدوا وأوذي كان فؤاده وشكراه إلى أبيه لأنه قد علم أن أباه أقوى من أمه على نصرته فإذا بلغ وصار رجلا وحصل له أمر شكي على الوالي لعلمه أنه أقوى مما سواه وأنه لا يد فوق يده فإن لم ينصفه السلطان وحصل له من يظلمه شكي إلى الله تعالى لعلمه أنه أقوى من السلطان وقد نزل بي نازلة ولم ينصفني الوالي فشكوت إليك وليس فوقك أحد من المخلوقين ولا في المخلوقين والحكام
67و
أقوى منك وما بعدك إلا الله عز وجل وقد رفعت قضيتي إليك فإن انصفتني وكشفت ظلامي وإلا رفعتها إلى الله تعالى في الموسم فإني متوجه إلى بيته وحرمه فبكى المنصور وقال بل انصفك وأمر فكتب إلى واليه بأن يرد ضيعته إليه • ونظير هذه الحكاية ما أورده الشيخ علاي الدين البخاري رضي الله عنه في رسالة الملحمة ونقلته عنه في شرح عقيدتي التي نظمتها باسم مولانا السلطان المسماة بالعقد الفريد • في مسئلة24 التوحيد • في قوله تعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا • ثم بدا لي زيادة الإحساس والعلم أن يقفوا في معرفة الله تعالى والأمور الإلهية على القياس بالمحسوسات والوهميات فيقعوا في النخم والتشبه • وروى أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل الله تعالى في بعض مناجاته أن يريه نكتة من عدله فأمره ان يتوجه على المكان الفلاني فتوجه إليه فيجلس على شاطئ نهر مختفيا ليرى ما أراد فامتثل ما أمره به فجاء رجل بعد ساعة ونزع ثيابه ودخل في النهر وسبح وغلغل إلى أن غاب عن العين وكان معه هميان فيه مال فوضعه في ثيابه فجاء رجل على فرس فرأى ثيابا لم يكن عندها أحد فنزل عن فرسه وفتشها فلقي الهميان فأخذه وذهب • ثم بعد ساعة أقبل رجل وعلى ظهره حزمة حطب • فلما وصل إلى الماء طرح الحضب عن ظهره وقعد يستريح وخرج الذي كان دخل إلى الماء سابحا فأخذ ثيابه ليلبسها فلم يجد الهميان ففتش عليه فلم يره • ولم يكن عنده غير صاحب الحطب فسأله فقال ما رأيت شيئا فقال هل كان معك أحد غيرك قال لا قال فهل رأيت أحدا في هذا المكان لما جيت إليه قال لا فقال إني وضعت الهميان هنا بيدي قبل أن أدخل إلى الماء ولم يكن هاهنا أحد ولم يأت غيرك فأنا لا أشك ولا أرتاب أنك أنت أخذته فشرع يحلف ويقسم بما يحلف به من أنواع الإيمان أنه لم يره ولم يعرف أحدا أخذه ولا يجد له سبيلا وهو لا يصدقه إلى أن قال له أقسمه بيني وبينك وإن شئت خذ منه ما تريد فجعل ذلك
67ظ يتألم ويتحرق ولم يجد سوى الإيمان الغلاظ الشداد والحلف فجعل يتألى ويحلف فقال له صاحب الهميان لا تكثر القيل والقال • فإني لا أصدقك ولو حلفت مهما حلفت • ولا تطل الكلام بيننا أما إن تظهر ما أخذته وهو الهميان وإما أقتلك • فلا يبقى لك ولا لي • فإني لا أشك ولا يختلج في صدري غير أنك أخذت المال فإن أخرجته وإلا قتلتك • فقال تقلد وافعل ما بدا لك • والله يحكم بيننا يوم القيامة • ففتشه وبالغ في التفحص عن ذلك منه فلم يجد شيئا • فاشتد حنقه عليه • وغلا قبله • فما وسعه إلا أن قتله ومضى لسبيله • كل ذلك وموسى عليه الصلاة والسلام يشاهد تلك الأحوال • فلما فرغ من ذلك قال يرب25 سألتك أن تريني نكتة من عدلك فأريتني هذا الحال وانت أعلى وأعلم فأطلعني على حقيقة الأمر فإن هذا في ظاهر الحال مخالف لطريقة العدل • فقال الله تعالى يا موسى إن المقتول هو قاتل أبي القاتل • والقاتل هو سارق الهميان من أبي الفارس الذي أخذه • ففي الحقيقة الذي ذهب بالمال إنما ذهب بمال نفسه المخلف • له عن والده • والقاتل إنما قتل قاتل أبيه • واستوفى حقه بالقصاص • وهذه الأحوال إنما ينكشف سرها يوم القيامة يوم تبلي السرائر وينادي لا ظلم اليوم إن الله قد حكم بين العباد • ونظير هذه الحكاية ما قصه الله سبحانه وتعالى عن موسى والخضر عليهما السلام في سورة الكهف في قوله تعالى وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين إلى قوله ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبر أفات ظاهر ذلك أي ما فعله الخضر عليه السلام من خرق السفينة • وقتل الغلام وبناء الجدار وإقامته مخالف للشريعة • ومقتضي الحكمة • وباطنه موافق للحكمة الإلهية • والعدل الحقيقي الذي لا يطلع عليه الا من أطلعه الله تعالى عليه • قال الله تعالى عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول وقيل من أيقن بحقية أربعة أشياء أمن من أربعة أشياء من أيقن أن الصانع
68و
والمقدر لم يغلط ولم يخط أمن من العيب • الثاني من أيقن بأنه لم يمل في قسمة الرزق أمن من الحسد • الثالث من أيقن أن المقدور كائن أمن من الغم • الرابع من عرف أصله أمن من الكبر والعجب • كتب عالم حمص إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن حمص تهدمت واحتاجت إلى الإصلاح • فكتب عمر رضي الله عنه في جوابه إليه أن حصنها بالعدل • وفق طرقها من الجود والسلام • وقيل أمير بلا عدل كغيم بلا مطر • وعالم بلا ورع كأرض بلا نبات • وشاب بلا توبة كشجرة بلا ثمر • وغنى بلا سخا كقفل بلا مفتاح • وفقير بلا صبر كسراج بلا ضوء • وامرأة بلا حيا كطعام بلا ملح • وقيل إن المأمون ركب يوما هو والقاضي يحي بن أكتم وخرجا يسيران بين البساتين وكان المأمون في الذهاب في الظل والأشجار من ضوئه وناحيته والقاضي في الشمس فلما رجع أراد القاضي يحيى أن يستمر في الشمس والمأمون في الظل فانتقل المأمون إلى الشمس وقال للقاضي انتقل إلى الظل فدعا له وقال بل أنت أولى يا أمير المؤمنين أن تكون في الظل وكون المماليك تحت ظل أمير المؤمنين يكفي فقال له بل العدل يقتضي أن تكون أنت في الظل وأنا في الشمس لأن في الذهاب أنا كنت في الظل وأنت في حر الشمس ولم يزل عليه حتى نقله إلى الظل ومشى هو في الشمس وليعلم أن هذه الشريعة المطهرة وردت بالعدل وهو الوسط من الأمور مثلا النصارى لا يتحامون الحائض أيام حيضها ولا فرق عندهم بين الحائض وغيرها واليهود يجتنبونها رأسا بحيث لا يواكلونها ولا يشاربونها ولا يضاجعونها ولا يساكنونها فجأت الشريفة المحمدية بما هو وسط بين ذلك فيوأكلونها ويفعلون معها جميع الأمور إلا قربان ما تحت الازار • وفي بعض الملل على العامل القصاص لا غير وفي بعضها الدية لا غير • وملة الإسلام كل مشروع فيها • وعلى هذا قال الله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوبا
68ظ
عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث والإعلال التي كانت عليهم • واعلم أن العدل يدخل به أكثر الصفات المحمودة كما أن الصبر يدخل في جميع الطاعات • والعدل في التواضع لمن يخالط الناس إذ لا بد من مخالطتهم أن لا يرى لنفسه مقدارا فوقهم فيسمى إذ ذاك متكبرا • ولا يمتهن نفسه بينهم بحيث ينقصها حقها فيسمى إذ ذاك ذليلا ومستحقرا ومتضعا • وليبغ بين ذلك سبيلا • والعدل في ذلك سلوك أمر بين التكبر والضيعة • والعدل في الشفقة ولين الجانب أن لا يتجاوز الحدود في أجرائها ومراعاة أمر الله تعالى به من اتباع شرائعه فيسمى إذ ذاك علو أو استكبارا ولا يقص عن ذلك شيئا بحيث يفوت شيء من إقامة حد • أو أمر بمعروف • أو نهي عن منكر • فيسمى إذ ذاك ركاكة ورخاوة مثلا من يستحق العفو لا يضربه • ومن يستحق الضرب لا يقطعه • ومن يستحق القطع لا يقتله • ومن يستحق القطع والقتل لا يعفوا عنه بل يحري أمور الشرع • وأحكام الله تعالى على ما ورد به الشرع الشريف ويروي أن جعفر بن محمد دخل على الرشيد وقد استخفه الغضب فقال له يا أمير المؤمنين إنك إن كنت لا تغضب إلا الله فلا تغضب له أكثر من غضبه لنفسه يعني أنه حد لكل شيء فلا تتجاوز حدوده وهذا من باب جوامع الكلم وقيل ينبغي للملك أن لا يصفح عن ثلاثة أولهم من يفسد في الحريم • الثاني من ينازع في الملك • الثالث من يفشي سره • وعلى كل حال فالإنسان ليس في إجراء حدود الله تعالى أشفق على عباده منه • والعدل في الإعطاء والإمساك أيضا أن لا يتجاوز حدود الجود للإعطاء • ولا يقصر إلى التفتير في المنع • قال الله تعالى والذين إذا اتفقوا لم يسرفوا ولم يفتروا وكان بين ذلك قوما وقال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا
69و
نامعلوم صفحہ