يسأل أبي «نادين» عن القسم الذي ستلتحق به السنة القادمة. تقول: فلسفة. يقترح عليها أن تقرأ من الآن بعض الكتب. يعطيها اسم كتاب في الفلسفة الإسلامية. وآخر في علم النفس. أشعر أنها تستخف باقتراحاته.
ينضم إلينا قريب لعمو «فهمي». طالب في السنة النهائية بكلية الحقوق. يرتدي بزة من قماش كحلي مقلم بزراير على الصفين. ربطة عنق دقيقة. نظارة نظر كبيرة مربعة الإطار. يخاطب أبي بلقب «أنيشتا» تتبعه أخته «سلوى» الطالبة في الكلية الأمريكية للبنات.
تنسحب الفتاتان وتختفيان في حجرة «شوقي وشيرين». يفد «علوي» الابن الأكبر للحاج «حمدي». سترة بيضاء بزرار واحد على جانب وياقتين طويلتين تنتهيان أسفل البطن. بنطلون رمادي بثنية وحذاء أبيض. يخلع الطربوش فيكشف عن شعر خفيف لامع ملتصق بجلد رأسه.
يسأله أبي عن أخبار والده الذي يحج للمرة الثانية. يقول: زمانه الوقت فوق جبل «عرفات». تحضر «خضرة» فناجين القهوة وزجاجات كازوزة «سباتس».
يخرج «علوي» من جيبه فنجانا صغيرا من الزجاج. يصفق «فهمي»: أهو جاب العدة. يقول «علوي»: عشان ما تكونش لك حجة. أعرف أنه يقرص «الزهر» ولا يلعب معه أحد إلا إذا ألقى الزهر من الفنجان كي لا يلمسه.
ينتقل الجميع إلى الفرانده. ترتدي «نبيلة» بلوفر قائلة إن الجو مائل إلى البرودة. تتردد قهقهات أبي عالية. أقترب من غرفة الأولاد. الباب موارب. أتلصص النظر. «شيرين» منحنية فوق الفراش تتصفح مجلة. أسمع صوت «سلوى» تقول بصوت خفيض إنها حصلت على رواية ل «يوسف السباعي». تريهما «شيرين» صفحة في المجلة عن رقصة أمريكية جديدة تدعى «الهولاهوب». تظهر «نادين» في مجال رؤيتي. تضع يدها على صدرها الصغير. تلتفت نحو الباب فأبتعد بسرعة. أسمعها تقول إن الأمريكان اخترعوا سوتيانا جديدا يشبك ويفصل من الأمام فلا تحتاج الواحدة لأن تلوي يدها خلف ظهرها كي تفكه. يضحكن في خجل.
أدفع الباب وأدخل. لا تلتفت إلي إحداهن. تقلب «شيرين» صفحة المجلة. تستعرض الأفلام الموجودة في السوق بصوت مرتفع: «الصيت ولا الغنى.» «محمد عبد المطلب» و«حسن فايق». «أميرة الجزيرة». «تحية كاريوكا». «بشارة واكيم». «إسماعيل يس» و«شكوكو». «رجل لا ينام» في «مترو» «يوسف وهبي» و«مديحة يسري». «نحو المجد» بطولة وإخراج «حسين صدقي». دمه تقيل. تضع المجلة جانبا. أتناولها. أقلب صفحاتها. تطالعني صورة الملك بالملابس العسكرية والنظارة العسكرية. تحت الصورة بخط الرقعة: «الفدائي الأول».
أغادر الغرفة ومنها إلى الردهة الخارجية. أتنصت بجوار الحائط الذي يفصلها عن المطبخ. صوت غسيل الصحون. باب غرفة الترسينة مغلق. أمضي في الطرقة المؤدية إلى الحمام البلدي. هناك نافذة مفتوحة تطل على الشارع. تتصاعد منه فرقعات البمب. أشب بقدمي. ألمح «شوقي» وفي يده بندقية صيد. أدخل الحمام البلدي. أتبول. أغادره. أفتح باب غرفة الترسينة. أدخل وأغلق الباب ورائي. أجذب المقبض النحاسي المكسور للدولاب الصغير. الأدراج فارغة. ببعضها ملابس قديمة. أغلق الدولاب. أهم بمغادرة الغرفة. صوت أقدام تجري. أفتح الباب في خفة وأواربه. «خضرة» مندفعة نحو باب الصالة. على وجهها أمارات الخوف. يندفع عمو «فهمي» خلفها قادما من المطبخ. يحتك المانتوفلي الذي يرتديه بالبلاط العاري. يحاول الإمساك بها. تلج الصالة وهو خلفها. أخرج إلى الردهة. أطل من باب الصالة. تصطدم نظارتي بالمصراع الخشبي. يلحق بها عند الكنبة . وجهه متضرج وعيناه تبرقان. يمد يده إلى صدرها. تزيحه عنها هامسة في لهوجة: لا يا سيدي. حرام تقطع عيشي. تدور حول المائدة. تمر من أمام غرفة الأولاد. تقترب من الباب المؤدي إلى الردهة الخارجية. أتراجع بسرعة. أختفي في الترسينة. أسمعها تفتح باب الشقة وتخرج. أغادر الترسينة إلى الصالة. عمو «فهمي» منحن أمام مرآة البوفيه. يتأمل وجهه. يسوي شعره. يعتدل واقفا. يدخل غرفة الضيوف في طريقه إلى الفرانده. يتلاشي صوت قدميه في البساط السميك.
5
يتكرر الطرق على الباب الخارجي. أمتطي جسم أبي النائم على ظهره وأهبط عن السرير. أرتدي شبشبي. أخرج إلى الصالة. أدير المفتاح في الباب. تدفعه «فاطمة» فيوشك على الاصطدام بوجهي. تتقدمني داخل الغرفة. - إنتم لسه نايمين؟
نامعلوم صفحہ