يطلب منها نقل المخدات إلى الجانب الآخر من الفراش؛ لنكون في مواجهة باب البلكونة ونحصل على بعض الهواء. أشم رائحة شواء رنجة. أسأله لماذا لا نأكلها. يقول إنها أكل الفقراء.
أقف في البلكونة. عيني على شقة العروس. تلج الحارة عربة كارو فوقها عدد كبير من الكراسي والسواتر الملونة التي تستخدم أيضا في المآتم. يجري نقلها إلى سطح المنزل المقابل. يسمح لي أبي بالخروج. أنضم إلى الأولاد المتحلقين حول المدخل. نصعد السلم حتى السطح ثم ننزل. تختفي الشمس فيشعلون الكلوبات. يجربون الميكروفون: آلو. آلو. واحد. اتنين. تلاتة. نتزاحم حول مائدة الشربات. نحتل كراسي الصفوف الأولى فينهروننا. يبعدوننا إلى الخلف. ننتظر في لهفة. يظهر العروسان أخيرا في مدخل السطح. تبدو «حكمت» جميلة في ملابس الزفاف. العريس أقصر منها وأكثر سمنة. في بزة سوداء وربطة عنق على شكل الفراشة. يجلسان في كوشة في طرف السطح.
تصل الراقصة. سمراء قصيرة. يلقي الطبال عدة مونولوجات ل «شكوكو» و«ثريا حلمي». تختفي الراقصة ثم تظهر في بزة الرقص. ذراعاها عاريان. ألمح أعلى ثدييها. نصفق لها. ترقص على أغنية «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي.» تستدير أمام العروسين. تنحني إلى الخلف وهي ترقص. تضع رأسها في حجر العريس. تنفرج بزتها للحظة عن أعلى فخذيها. تجلس في الصف الأول لتستريح. يعطيها أحد الجالسين قطعة من الكرتون تحرك بها الهواء أمام وجهها وصدرها. أتسلل بين الكراسي مقتربا منها. أقف خلفها تماما. أمد يدي وألمس ساعدها الممتلئ عند الكتف. أتوقعه ساخنا. أفاجأ ببرودته.
7
يسألني الدكتور «عزيز»: عملت إيه في الملحق؟ يرد أبي: نجح والحمد لله. المهم ميعملهاش تاني. تتجه جميع الأنظار إلى امرأة سمينة في بنطلون على الرصيف المقابل. تسقط أضواء الدكاكين على ظهرها فيبدو ترهل إليتيها. يقول الشيخ المعمم: شوف الولية اللي متختشيش. كل حاجة باينة. يخبط القس كفا بكف قائلا: الدنيا باظت. يقول الشيخ المعمم: تفتكروا إحنا انهزمنا في «فلسطين» من شيء شوية؟ ده عقاب من ربنا. يقول «رأفت»: المدافع بتاعتنا كانت بتنفجر فينا. يقول أبي: الملك «عبد الله» كان شغال مع اليهود. يقول الدكتور «عزيز»: اليهود شردوا نصف مليون عربي في «شرق الأردن» و«سوريا» و«لبنان» و«مصر». و«عزام» باشا يقولك سيصلاها اليهود نارا حامية. يضحكون.
يقول «رأفت» مستنكرا وهي هزيمتنا في أوليمبياد «لندن» برضه عقاب من ربنا؟ يقول «عبد العليم»: ده اتصرف على بعثتنا آلاف الجنيهات. راحت كلها على فاشوش. يقول «عبد العليم»: حقنا نسميها النكبة الأوليمبية. وبعدين يقولوا إننا حنستعد من الوقت لأوليمبياد 52.
يعرض عليه الشيخ ما اشتراه للحج: كيس من القماش لماء الشرب والاغتسال وحزام عريض من الجلد اسمه «الكمر» يعقده المسافر على وسطه تحت الملابس ويضع فيه ماله. يبدي أبي إعجابه بالقميص الجديد الذي يرتديه «رأفت» أفندي. - جبته منين؟ - من «شملا» ب 58 قرش.
يقترب منا رجل ممتلئ أسمر البشرة. الطربوش في يده. شعر رأسه أسود غزير. رأسه ضخم ووجهه عريض. ينهض الحاج «عبد العليم» و«رأفت» أفندي: تفضل يا «مندور» بيه. يلكزني أبي لأترك مقعدي له. يقول «عبد العليم»: الدكتور «مندور» بلدياتي من «منيا القمح»، واشترك في ثورة 19. يقول الدكتور «مندور» في خجل: الحقيقة أنا كنت وقتها عيل صغير. كنت راجع من المدرسة على حمار. وفوق كوبري «مطوبس» شفت مظاهرة من الفلاحين والأفندية بيهتفوا للاستقلال ول «سعد». خرج عساكر إنجليز من نقطة البوليس وضربوا عليهم نار. يوميها اتصاب أكتر من مية مات منهم كتير. رجعت البلد بالخبر. الناس اتجمعت وحملوا الفوس علشان يكسروا سكة حديد الحكومة. لحقهم «عثمان باشا أباظة» أكبر مالك في المنطقة وهداهم.
يقول «رأفت»: برضه حنعتبرك من رجال الثورة وننتخبك عن الدايرة. يضحك «مندور»: ده لو فيه انتخابات. يقول «عبد العليم» للقس: وانت يا مقدس تنتخب مين؟ يقول القس: والله أنا تعاهدت مع «جرجس صالح» مرشح الحزب السعدي. يقول أبي: أنا كمان. يقول الدكتور «عزيز»: البلد محتاجة انتخابات نزيهة وحكومة جديدة. يقول «رأفت»: ده مستحيل في ظل الأحكام العرفية. يقول أبي: الأحكام العرفية ضرورية علشان الاغتيالات السياسية والحرب. لو اتلغت وحصلت انتخابات حييجي «الوفد».
يقول «مندور» محتدا: طب وفيها إيه ؟ - حنرجع للرشاوى واستغلال النفوذ.
نامعلوم صفحہ