أذهب إلى غرفتنا. تنادي علي بعد قليل. أقول إني أرتدي ملابس الخروج. تقول: مش ضروري، خليك بالبيجامة. - طب الجزمة؟ - خليك بالشبشب. أذهب إلى غرفتها. أجدها قد ارتدت الفستان المشجر والحذاء الأبيض. تلف نفسها بملاءة سوداء. تسوي طرفها فوق رأسها لتغطي شعرها. تحبك لفها حول وسطها. تتأمل نفسها في المرآة تستدير قليلا لترى ظهرها. أقترح أن تكتب ورقة لأبي تخبره بخروجنا. تقول: اكتبها إنت. أنا معرفش أكتب. أمي تبري القلم الرصاص. ينكسر السن. تعطيه لأبي مع البراية. يضع البراية جانبا. يحضر الموس ويبري القلم بعناية. لا ينكسر منه السن أبدا. تفتح صفحة جديدة في دفترها الكبير.
أكتب الورقة وأضعها فوق فراشنا. أغلق باب الحجرة. أضع المفتاح في جيبي. نغادر المنزل. نبلغ الشارع فنتجه يسارا. المقلة والمكوجي. الرءوس تستدير نحونا. العيون تتابعنا. أحد الجالسين أمام دكان فسخاني يصيح: «يا باشا.» أدرك أن صيحته موجهة إلينا. أنظر إلى الأرض. تسير في ثبات دون أن تعبأ. دكان منجد أمامه أكياس القطن. يعمل في لحاف مفروش وسط الدكان. يجلس في الصالة. يضرب القطن بسلك مثبت في عصا كبيرة. تفتح أمي شباك المنور لتطرد الغبار. يفرش قماش المرتبة. أخفي عنه المقص. يبحث عنه في لهوجة.
نعبر شارعا فسيحا. نمر من أمام كنيسة. ندلف إلى حارة مظلمة. حارة أخرى. حانوت تصطف أمامه براميل الطرشي. مدخل قذر ومظلم. نصعد سلما ضيقا. رائحة عفن. أتعثر في إحدى الدرجات. تلحقني بيدها وتضمني إليها. نتوقف أمام باب شقة. تدق الباب. تفتح لنا فتاة صغيرة. تحمل مصباح زيت. تقودنا إلى صالة خالية من الأثاث. غرفة مفتوحة بها فراش عريض. امرأة ممددة تحت الأغطية. في عمر ماما «تحية» أو أكبر قليلا. هناك منديل حول عنقها. تقول ماما «تحية»: ما لك يا «صباح»؟ تجيب في صوت مبحوح: شوية برد. تنظر إلي مبتسمة. - ابنه؟
تضحك «ماما تحية»: لا إبني أنا. - لا يا شيخة. - ابن الجيران.
تخلع الملاءة وتضعها فوق كرسي. تتأمل «صباح» فستانها. تسألها «ماما تحية»: إيه عاجبك ؟ - قوي. هو اللي جابهولي. تجلس على حافة الفراش وأجلس إلى جوارها. تلتقط مجلة مصورة من فوق الأغطية. تفتحها على صفحة أزياء. تشير إلى فستان حريري تزينه الورود فوق كرانيش كبيرة متكررة من أعلى إلى أسفل. بجواره حقيبة يد من الخوص. تقول: أنا نفسي في فستان زي ده. تقول «ماما تحية»: يجنن. تضع «صباح» المجلة جانبا وتسأل عن الكونستابل. تقول «ماما تحية»: نقلوه الصعيد. - ليه؟ - عشان إضراب البوليس. - وهم أضربوا ليه؟ - عاوزين يتساووا في المعاملة والرواتب مع الجيش.
تقول «صباح»: الممرضين مضربين هم كمان. بياخدوا أربعة ولا خمسة جنيه. يعملوا إيه دول؟ - أهم بيكملوا من العيانين. تقول «صباح» إن زوج أختها أصيب في رأسه عندما اقتحم البوليس مستشفى القصر العيني. - وبعدين؟ - ولا قبلين. اتفصل فوق ألف ممرض. وعينوا ممرضات بدلهم.
تزيح عنها الأغطية. تغادر الفراش. عليها جلباب كستور بكمين طويلين. القماش أبيض تتخلله ورود صغيرة. تنحني فوق موقد «بريموس» بجوار الحائط. تشعله وتضع فوقه كنكة القهوة. تنظر إلي: أبعت أجيبلك كازوزة؟ تقول «ماما تحية»: لأ إحنا ماشيين على طول. تعطيني بومبونة. تقول «ماما تحية»: سمعت إنهم ناويين يقفلوا البيوت. قال مخالفة للشرع. - وكانوا فين من زمان؟ - حتعملي إيه؟
تقول «صباح»: العمل عمل ربنا. مبيسيبش حد من عبيده. تصب القهوة في فنجانين. يرتشفانها في صمت. تشعل «صباح» سيجارة «هوليوود». تعطي واحدة ل «ماما تحية». تسألها: ناوي يتجوزك؟ تجيب «ماما تحية» وهي تنفث دخان السيجارة: مش عارفة.
5
أبلغ الميدان فأتجه يمينا. أتخطى شارعي «قمر» و«أحمد سعيد». أمضي مع الترام في شارع «الظاهر» حتى منتصفه. أعبر الشارع جريا أمام مقلة اليهودي. أشتري بمليمين لب «جرنة». أصغر حجما من اللب الأسمر لكنه مشقوق وله طعم مميز. أضع القرطاس في جيب البيجامة.
نامعلوم صفحہ