[تكملة البحر الرائق للطوري]
[كتاب الإجارة]
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإجارة.
لما فرغ من بيان تمليك الأعيان بغير عوض وهو الهبة شرع في بيان تمليك المنافع بعوض وهو الإجارة وقدم الأول على الثاني؛ لأن الأعيان مقدمة على المنافع؛ ولأن الأولى فيها عدم العوض، والثانية فيها العوض والعدم مقدم على الوجود، ثم لعقد الإجارة مناسبة خاصة بفعل الصدقة من حيث إنهما يقعان لازمين فلذلك أورد
كتاب الإجارة
متصلا بفعل الصدقة، وقال صاحب العناية وإنما جمعها إشارة إلى أنها حقيقة وذات أفراد فإن لها نوعين: نوع يرد على الأعيان كاستئجار الدور والأراضي، ونوع يرد على العمل كاستئجار المحترفين للأعمال نحو الخياطة والقصارة اه.
وسيبين المؤلف أن المنفعة تارة تصير معلومة ببيان المدة، وتارة تصير معلومة بالتسمية وتارة تصير معلومة بالتعيين والإشارة، ولو قال المؤلف كتاب الإيجار لكان أولى؛ لأن الذي يعرف هو الإيجار الذي هو بيع المنافع لا الإجارة التي هي الأجرة قال - رحمه الله تعالى -.
(هي بيع منفعة معلومة بأجرة معلومة) فقوله بيع جنس يشمل بيع العين والمنفعة وهو وإن كان جنسا كما يكون مدخلا يكون مخرجا كما تقرر في المعقولات فخرج به العارية؛ لأنها تمليك المنافع والنكاح؛ لأنه تمليك البضع ليس بمنفعة وخرج بقوله منفعة بيع العين وقوله بأجرة معلومة تمام التعريف ولا يخفى أن بيع مصدر باع والمصدر هو المعنى القائم بالذات وجاز أن يراد به اسم المفعول وهو المبيع. وسواء أريد المصدر أو اسم المفعول لا يصلح ما ذكر تعريفا للإيجاب؛ لأن الإيجاب والقبول والارتباط غير المعنى المصدري واسم المفعول فهذا تعريف ببعض الخواص، ولو أراد التعريف بالحقيقة لقال هو عقد يرد على بيع إلى آخره، واحترز بذكر المعلوم عما إذا اشتمل العقد على بيع معلوم وأجرة معلومة وشيء مجهول بأن استأجر عبدا مائة معلومة بأجرة معلومة وطعامه وكسوته، وهذا لا يجوز للجهالة كذا في الخلاصة وإنما لا يصح البيع من غير أن يملك الرقبة، ولو ملك المنفعة
صفحہ 2
قال في الذخيرة وقف على قوم معينين فأجرهم القيم الوقف جاز؛ لأنهم لا حق لهم في الرقبة وإنما حقهم في الغلة فصاروا في حق الرقبة كالأجانب إلا أنه يسقط حصة المستأجر من الأجرة؛ لأنه لو أخذ منه يسترد له وفي القنية لو أجر القيم نفسه للعمل في الوقف فعمل يستحق الأجرة وبه يفتى، ولو عمل من غير عقد يستحق الأجرة وعليه العمل والكلام في الإجارة في مواضع: الأول في معناها لغة قيل هي بيع المنافع قال العيني وفيه نظر قال قاضي زاده، قولهم الإجارة في اللغة بيع المنافع قال الشارح العيني فيه نظر؛ لأن الإجارة اسم للأجرة وهي ما أعطيت من كراء الأجير كما صرحوا به قال قاضي زاده والنظر المذكور وارد؛ لأن المذكور في كتب اللغة إنما هو الإجارة التي هي اسم الأجرة والذي هو بيع المنافع الإيجار لا الأجرة، قال العيني وتجوز أن تكون الإجارة مصدرا قال قاضي زاده ولم يسمع في اللغة أن الإجارة مصدر وفي المضمرات يقال: أجره إذا أعطاه أجرته والأجرة ما يستحق على عمل الخير ولهذا يدعى به يقال آجرك الله وعظم الله أجرك، وفي كتاب العيني أجره مملوكي وآجره إيجارا فهو مؤجر وفي الأساس أجرني داره فاستأجرتها وهو مؤجر ولا يقل مؤاجر فإنه خطأ وقبيح قال وليس آجر هذا فاعل، بل هو أفعل. اه. .
وأما دليلها من الكتاب فهو قوله تعالى حكاية عن شعيب: {على أن تأجرني ثماني حجج} [القصص: 27] . وشريعة من قبلنا شريعة لنا إذا قصها الله علينا من غير إنكار ومن السنة قوله - عليه الصلاة والسلام -: «أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه» ، ومن الإجماع فإن الأمة أجمعت على جوازها، وسبب المشروعية الحاجة؛ لأن كل إنسان لا يجد ما يشتري به العين فجوزت للضرورة، وأما ركنها فهو الإيجاب والقبول والارتباط بينهما، وأما شرط جوازها فثلاثة أشياء: أجر معلوم، وعين معلوم، وبدل معلوم، ومحاسنها دفع الحاجة بقليل المنفعة، وأما حكمها فوقوع الملك في البدلين ساعة فساعة، وأما ألفاظها فتنعقد بلفظين ماضيين أو يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل كقوله أجرتك وأعرتك منفعة داري سنة بكذا وتنعقد بالتعاطي كما في البيع وفي التتارخانية وتنعقد الإجارة بغير لفظ كما لو استأجر دارا سنة، فلما انقضت المدة قال ربها للمستأجر فرغها لي اليوم وإلا فعليك كل شهر بألف درهم فتجعل في قدر ما ينقل متاعه بأجرة المثل فإن سكن شهرا فهي بما قال المالك إلى آخر ما ذكر.
وصفتها أنها عقد لازم وفي العناية ويثبت في الإجارة خيار الشرط والرؤية والعيب كما في البيع اه.
وأفاد المؤلف أن عقد الإجارة ينعقد بإقامة العين مقام المنفعة ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع فلا تجوز بأن قال أجرتك منافع داري بكذا شهر وإنما يصح إضافته إلى العين، والمراد من المنفعة أن تكون مقصودة من العين فلو استأجر ثيابا ليبسطها ولا يجلس عليها ولا ينام أو دابة ليربطها في داره ويظن الناس أنها له أو ليجعلها جنيبة بين يديه أو آنية يضعها في بيته يتجمل بها ولا يستعملها فالإجارة في جميع ذلك فاسدة ولا أجرة له؛ لأن هذه المنفعة غير مقصودة. كذا في الخلاصة في الجنس الثالث من الدواب كما في البيع اه.
قال - رحمه الله - (وما صح ثمنا صح أجرة) لأن الأجرة ثمن المنفعة فتعتبر بثمن المبيع، ثم إن كانت الأجرة عينا جاز أن يكون كل عين بدلا عن المبيع ولا ينعكس حتى صح أجرة ما لا يصح ثمنا كالمنفعة فإنها لا تصح ثمنا وتصح أجرة إذا كانا مختلفي الجنس كما سيأتي وفي الجوهرة ولو كان عبد بين اثنين فأجر أحدهما نصيبه من شريكه على أن يخيط معه شهرا على أن يخدم الآخر في الشهر الثاني لم يجز من جهة أن النصيبين في العبد الواحد متفقان في الصفقة، ولو كان في العبدين جاز اه.
وإن كانت الأجرة دراهم أو دنانير لا بد من بيان القدر والصفة وأنه جيد أو رديء وإن كانت النقود مختلفة انصرفت إلى غالب نقد البلد وإن كانت الأجرة مكيلا أو موزونا يحتاج إلى بيان القدر والصفة ومكان الإيفاء هذا إذا كان له حمل ومؤنة عند الإمام وإلا فلا يحتاج إلى بيان مكان الإيفاء وإن كانت ثيابا أو عروضا فالشرط بيان القدر والأجل والصفة؛ لأنه لا يثبت في الذمة إلا بهذا، هذا إذا لم يكن مشارا إليه وفي الهداية وما لا يصلح ثمنا يصلح أجرة أيضا كالأعيان التي ليست من ذوات الأمثال كالحيوان والثياب مثلا فإنها إذا كانت معينة تصلح أجرة ولا تصلح ثمنا كما إذا استأجر دارا بثوب معين فإنه لا يصلح ثمنا لما تقرر في كتاب البيوع، إذ الأموال ثلاثة ثمن محض كالدراهم والدنانير، ومبيع محض كالأعيان
صفحہ 3
التي ليست من ذوات الأمثال وما كان بينهما كالمكيل والموزون قال في العناية: وفيه نظر؛ لأن المقايضة بيع وليس فيها إلا العين من الجانبين فإذا لم تصلح ثمنا كان بيعا بلا ثمن وهو باطل وأجيب بأن المراد بالثمن ما ثبت في الذمة، وإذا كانت الأجرة فلسا فغلا أو رخص قبل القبض فالأجرة الفلس لا غير، وإن كسدت فعليه قيمة المنفعة كذا عن أبي يوسف، وكذا إذا كان الثمن مكيلا أو موزونا فانقطع عن أيدي الناس. اه.
وأما إذا كانت حيوانا لا يجوز إلا إذا كان معينا.
قال - رحمه الله - (والمنفعة تعلم ببيان المدة كالسكنى والزراعة فتصح على مدة معلومة) أي مدة كانت؛ لأن المدة إذا كانت معلومة كانت المنفعة معلومة فيجوز طالت المدة أو قصرت أو تأخرت بأن كانت مضافة أو تقدمت بأن كانت متصلة بوقت العقد؛ ولأن المنافع لا تصير معلومة إلا بضرب المدة، وقال بعضهم لا يجوز أن يضرب إلى مدة لا يعيش إليها عادة؛ لأن الغالب كالمتحقق في حق الأحكام فصار كالثابت بعد فلا تجوز وبه كان يفتي القاضي أبو عصمة وبعض العلماء فيجوز ضرب المدة التي لا يعيش إلى مثلها ومنهم الخصاف قال في الخانية: رجل قال لآخر أجرتك دابتي غدا بدرهم، ثم أجرها اليوم وغدا وبعد غد من غيره ثلاثة أيام فجاء الغد وأراد المستأجر الأول أن يفسخ الإجارة الثانية اختلف أصحابنا، في رواية يفسخ الإجارة الثانية وبه أخذ نصير وفي رواية ليس له أن يفسخ وبه أخذ الفقيه أبو جعفر والفقيه أبو الليث وشمس الأئمة الحلواني وعليه الفتوى فيستوفي الأول مدته والثاني ما بقي له، وفي الولوالجية أجر داره إجارة مضافة بأن قال أجرتك داري مدة شوال وهما في رمضان، ثم باعها من آخر فالبيع موقوف على إجارة المستأجر وفي الخلاصة أجرتك داري غدا فللمؤجر بيعها اليوم وتنتقض الإجارة.
قال - رحمه الله - (ولم تزد في الأوقاف على ثلاث سنين) يعني لا يزاد على هذه المدة
خوفا من دعوى المستأجر أنها ملكه
إذا تطاولت المدة وذكر بعضهم الحيلة في جواز الزيادة على ثلاث سنين أن يعقد عقودا كل عقد على سنة ويكتب في الكتاب أن فلان بن فلان استأجر وقف كذا كذا سنة في كذا كذا عقدا وذكر صدر الإسلام أن الحيلة فيه أن يرفع الأمر إلى الحاكم حتى يجيزه هذا إذا لم ينص الواقف على مدة فلو نص الواقف على مدة فهو على ما شرط قصرت المدة أو طالت؛ لأن شرط الواقف يراعى، كذا نقله الشارح وفي الخانية وإن كان الواقف شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة يجب مراعاة شرطه ولا يفتى بجواز هذه الإجارة أكثر من سنة، زاد في الذخيرة إلا إذا كانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فحينئذ تؤجر أكثر من سنة إن لم يشترط الواقف شيئا قال الفقيه أبو جعفر أجوزها في الثلاثة ولا أجوزها في أكثر من ذلك والصدر الشهيد حسام الدين كان يقول يفتى في الضياع بالجواز في ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز وفي غير الضياع يفتى بعدم الجواز فيما زاد على سنة إلا إذا كانت المصلحة في الجواز، وهذا أمر يختلف باختلاف الزمان والمواضع.
والمراد بعدم الجواز عدم الصحة، وقيل تصح وتفسخ ذكره النسفي وإجارة الوقف ومال اليتيم لا يجوز إلا بأجر المثل فلو أجر بدون أجرة المثل يلزم المستأجر تمام الأجرة وعليه الفتوى كذا في قاضي خان، وإذا استأجر الوقف فرخصت الأجرة لا تفسخ الإجارة وإن زادت أجرة مثلها بعد مضي بعض المدة ذكر في فتاوى أهل سمرقند أنه لا يفسخ العقد، وذكر في شرح الطحاوي أنه يفسخ العقد ويحدد على ما زاد، ولو كانت الأرض بحال لا يمكن فسخها بأن كانت مزروعة لم تحصد، فمن وقت الزيادة تجب إلى انتهاء المدة هذا إذا زادت عند الكل قال في شرح الطحاوي أما في الأملاك لا يفسخ العقد برخص أجرة المثل ولا بزيادته باتفاق الروايات، وفي التتارخانية في باب من يجب الأجر الجاري سئل عمن آجر منزلا لرجل والمنزل وقف على الآخر وعلى أولاده فأنفق المستأجر في عمارة المنزل بأمر المؤجر قال إن كان للمؤجر ولاية على الوقف كان على المستأجر أجرة مثله ولا يرجع بما أنفق وإن لم يكن له ولاية على الوقف كان متطوعا ولا يرجع بشيء. اه.
وقد وقعت حادثة الفتوى في واقف شرط في كتاب وقفه أن لا يؤاجر وقفه من متجر ولا من ظالم ولا من حاكم فأجر الناظر الوقف منهم وعجلوا الأجرة قدر أجرة المثل هل يجوز هذا العقد؛ لأن الواقف إنما منع خوفا على الأجرة من الضياع وعدم حصول النفع للفقراء أو لا يجوز؟ فأجيب بالجواز أخذا من قول صاحب الوجيز إذا شرط الواقف مدة وإن كان نفع الفقراء في غيره يخالف
صفحہ 4
شرط الواقف ويؤجر بخلافه.
قال - رحمه الله - (أو بالتسمية كالاستئجار على صبغ الثوب وخياطته) يعني المنفعة تعلم بالتسمية فيما ذكر من الصبغ والخياطة كما ذكر المؤلف، وكذلك استئجار الدابة للحمل والركوب؛ ولأنه إذا بين المصبوغ والصبغ، وقدر ما يصبغ به وجنسه وجنس الخياطة والمخيط ومن يركب على الدابة والقدر المحمول عليها والمسافة صارت المنفعة معلومة بلا شبهة فصح العقد ومن هذا النوع الاستئجار على العمل كالقصارة ونحوه وبه يعلم فساد إجارة دواب العلافين في ديارنا لعدم بيان الوقت والموضع.
قال - رحمه الله - (أو بالإشارة كالاستئجار على نقل هذا الطعام إلى كذا) يعني تكون المنفعة معلومة بالإشارة كما ذكر؛ لأنه إذا علم المنقول والمكان المنقول إليه صارت المنفعة معلومة، وهذا النوع قريب من النوع الأول.
قال - رحمه الله - (والأجرة لا تملك بالعقد، بل بالتعجيل أو بشرطه أو بالاستيفاء أو بالتمكن منه) يعني الأجرة لا تملك بنفس العقد، سواء كانت عينا أو دينا وإنما تملك بالتعجيل أو بشرطه أو باستيفاء المعقود عليه وهي المنفعة أو بالتمكن من الاستيفاء بتسليم العين المستأجرة في المدة اه. كلام الشارح.
والظاهر من إطلاق الماتن والشارح أن الأجرة تملك بالتمكن من الاستيفاء في المدة، سواء استعملها في المدة أو لا ويخالفه ما في الخلاصة حيث قال استأجر دابة ليركبها إلى مكان كذا مثلا فحبسها في بيته لم تجب الأجرة. اه.
والظاهر من إطلاق المؤلف - رحمه الله تعالى - أن الأجرة تجب باستيفاء المنفعة سواء كان ذلك في مدة الإجارة أو بعد مدة الإجارة وسواء استأجرها ليركبها في المصر أو خارجه، ويخالفه ما ذكره بعض العلماء حيث قال: ولو ذكر مدة ومسافة فركبها إلى ذلك المكان بعد مضي المدة لم تجب الأجرة. اه. وفي العتابية هذا إذا استأجرها ليركبها خارج المصر، ولو كان ليركبها في المصر وحبسها في بيته تجب الأجرة، قال في المحيط: والتمكن من الاستيفاء في غير المدة المضاف إليها لا يكفي لوجوب الأجرة، وكذا التمكن في غير المكان لا يكفي لوجوب الأجرة، فلو قال - رحمه الله تعالى - أو بالتمكن منه في المدة واستوفى لكان أولى، وقال الإمام الشافعي تملك بنفس العقد ويجب تسليمها عند تسليم العين المستأجرة؛ لأنها عقد معاوضة ولنا أنه عقد معاوضة فيقتضي المساواة بينهما وذلك بتقابل البدلين في الملك والتسليم وأحد البدلين وهو المنفعة لم يصر مملوكا بنفس العقد لاستحالة ثبوت الملك في المعدوم، ولو ملك الأجرة لملكها من غير بدل وهو ليس من قضية المعاوضة فتأخر الملك فيه ضرورة جواز العقد؛ لأن المنفعة عوض لا يبقى زمانين والمنفعة إنما جعلت موجودة في حق الإيجاب والقبول وما ثبت للضرورة يتقدر بقدرها، لا يقال لو لم يجعل المعدوم موجودا في حق العقد والأجرة لما جاز الإيجار بالدين؛ لأنا نقول إنما جاز الإيجار بالدين؛ لأن العقد لم ينعقد في حق المنفعة فلم يصر دينا في المدة وإنما ينعقد في حق الارتباط، وعند انعقاد العقد وهو زمان حدوثها تصير هي مقبوضة فلا يكون دينا بدين أصلا، ولو كان العقد ينعقد في حق المنفعة لما جازت الإجارة بالدين المؤجل أصلا كما لا يجوز السلم به، ولو جاز أن يجعل المعدوم كالمستوفى لجاز ذلك في السلم أيضا، وإذا عجلها أو اشترط تعجيلها فقد التزمه بنفسه وأبطل المساواة التي اقتضاها العقد.
قال في العناية: واعترض بأن شرط التعجيل فاسد؛ لأنه يخالف مقتضى العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين وله مطالب فيفسد العقد.
والجواب أن كونه مخالفا إما أن يكون من حيث كونه إجارة أو من حيث كونه معاوضة، والأول مسلم وليس شرط التعجيل باعتباره، والثاني ممنوع فإن تعجيل البدل واشتراطه لا يخالف من حيث المعاوضة، وفي المحيط وحينئذ فللمؤجر حبس المنافع حتى يستوفي الأجرة ويطالبه بها ويحبسه وحقه الفسخ أن الحاكم يعجل اه.
ولو أجر إجارة مضافة واشترط تعجيل الأجرة حيث يكون الشرط باطلا ولا يلزم للحال شيء؛ لأن امتناع وجوب الأجرة ليس بمقتضى العقد، بل بالتصريح بالإضافة إلى وقت في المستقبل، والمضاف إلى وقت لا يكون موجودا قبل ذلك الوقت فلا يتغير هذا المعنى بالشرط وفيما نحن فيه إنما لا يجب لاقتضاء العقد المساواة، وقد بطل بالتصريح لا يقال يصح الإبراء عن الأجرة بعد العقد، ولو لم يملكها لما صح، وكذا يصح الارتهان والكفالة بها، وكذا لو تزوج امرأة بسكنى داره سنة وسلم ليس لها أن تمنع نفسها، ولو لم تملك المنفعة لمنعت نفسها؛ لأنا نقول لا يصح الإبراء عن الثاني لعدم وجوبه كالمضاف بخلاف الدين المؤجل؛ لأنه ثابت في
صفحہ 5
الذمة فجاز الإبراء عنه والجواب على قول محمد أنه وجد سببه فجاز الإبراء عنه كالإبراء عن القصاص بعد الجرح والرهن والكفالة للوثيقة فلا يشترط فيه حقيقة الوجوب، ألا ترى أنهما جائزان في البيع المشروط فيه الخيار وبالدين الموعود وجازت الكفالة بالدرك وإنما لم يكن للمرأة أن تحبس نفسها بعد تسليم الدار إليها؛ لأنه أوفى ما سمى لها برضاها وفي المحيط ولو وهب المؤجر أجرة رمضان هل يجوز؟ قال محمد إن استأجره سنة لا يجوز وإن استأجره مشاهرة يجوز إذا دخل رمضان ولا يجوز قبله، وعن أبي يوسف لا يجوز إلا بعد مضي المدة، ولو مضى من السنة نصفها، ثم أبرأه عن الجميع أو وهبها منه فإنه يبرأ عن الكل في قول محمد، وعند أبي يوسف برئ عن النصف ولا يبرأ عن النصف اه.
وعبر المؤلف بقوله لا تملك؛ لأن لفظ محمد في الجامع الأجرة لا تملك بنفس العقد، قال صاحب النهاية: الأجرة لا تجب بالعقد معناه لا يجب تسليمها وأداؤها بمجرد العقد وليس بواضح؛ لأن نفي وجوب التسليم لا يستلزم نفي الملك كالمبيع فإنه يملكه المشتري بمجرد العقد ولا يجب تسليمه ما لم يقبض الثمن، والصواب أن يقال معناه لا تملك؛ لأن محمدا ذكر في الجامع الصغير أن الأجرة لا تملك وما لا يملك لا يجب إيفاؤه، فإن قلت فإذا لم يستلزم نفي الوجوب نفي الملك كان أعم منه، وذكر العام وإرادة الخاص ليس بمجاز شائع لعدم دلالة الأعم على الأخص أصلا، وقال صاحب الهداية: الأجرة لا تجب بالعقد قال تاج الشريعة أي وجوب الأداء أما نفس الوجوب فيثبت بنفس العقد، وقال صاحب الكفالة المراد نفس الوجوب لا وجوب الأداء وبيان ذلك إجمالا وتفصيلا أما إجمالا؛ فلأن الأجرة لو كانت عبدا فأعتقه المؤجر قبل وجود أحد المعاني الثلاثة لا يعتق فلو كان نفس الوجوب ثابتا لصح الإعتاق كما في البيع. اه.
وإذا لم يتملك بنفس العقد ليس له أن يطالبه بالأجرة وفي المحيط لو طالبه بالأجرة عينا وقبض جاز لتضمينه تعجيل الأجرة، وقال أيضا وإذا لم يوجد أحد هذه الأمور يأخذ الأجرة يوما فيوما في العقار وفي المسافات كل مرحلة وفي المنتقى رجل استأجر دابة بالكوفة إلى الري بدراهم أي النقدين يجب على المستأجر قال نقد الكوفة؛ لأنه مكان العقد فينصرف مطلق الدراهم إلى المتعارف فيها، وفي العتابية وإذا عجل الأجرة إلى ربها لا يملك الاسترداد، ولو كانت الأجرة عينا فأعارها، ثم أودعها إلى رب الدار فهو كالتعجيل. اه.
وفي شرح الطحاوي الأجرة لا تخلو إما أن تكون معجلة أو مؤجلة أو منجمة أو مسكوتا عنها فإن كانت معجلة فإن له أن يتملكها وله أن يطالب بها وإن كانت مؤجلة، فليس له أن يطالب إلا بعد الأجل وإن كانت منجمة فله أن يطالب عند كل نجم وإن كانت مسكوتا عنها تقدم بيان ذلك في العقار وفي المسافة إذا امتنع من الحمل فيما بقي يجبر عليه اه.
بالمعنى، وفي النسفية استأجر حانوتا مدة معلومة بأجرة معلومة وسكن فخرب الحانوت في بعض المدة وتعطل وكان يمكنه الانتقال فلم يفعل وسكن المدة نلزمه جميع الأجرة، ولو استأجره ليحمل هذا إلى موضع كذا فحمل نصف الطريق وأعاده إلى مكانه الأول فلا أجر له استأجر دابة إلى مكة فلم يركبها ومضى راجلا إن كان بغير عذر في الدابة فعليه الأجرة وإن كان لعذر في الدابة لا أجر عليه طالبه بالأجرة بعد المدة فقال قصرت في العمل فلك بعض الأجرة، وقال لم أقصر فله الأجرة كاملة استأجره ليحمل له العصير فحمله فإذا هو خمر قال أبو يوسف: لا أجر له، وقال محمد إن علم أنه خمر فلا أجر له وإن لم يعلم فله الأجر، وفي الذخيرة من الفصل السابع والعشرين في الاختلاف لو اختلف المستأجر والآجر بعد شهر والمفتاح مع المستأجر، وقال لم أقدر على فتحه، وقال المؤجر، بل قدرت على فتحه وسكنت ولا بينة لهما يحكم الحال، وإن أقاما بينة فالبينة بينة رب المنزل. اه.
وفي القنية تسليم المفتاح في المصر مع التخلية قبض وفي السواد ليس بقبض وفي فتاوى الولوالجي ولو استأجر دارا على عبد بعينه، ثم وهب العبد من المستأجر قبل القبض، وقال المستأجر قبلت كان ذلك إقالة، ومراد المصنف الإجارة المنجزة؛ لأن المضافة لا تملك الأجرة فيها بشرط التعجيل وقوله أو بالاستيفاء أو بالتمكن منه يعني يجب بالاستيفاء للمنفعة أو بالتمكن وإن لم يستوف، وفي الهداية وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكن قال في النهاية: وهذه مقيدة بقيود، أحدها: التمكن فإذا لم يتمكن بأن منعه المالك أو الأجنبي أو سلم
صفحہ 6
الدار مشغولة بمتاعه لا تجب الأجرة. الثاني: أن تكون الإجارة صحيحة فإن كانت فاسدة فلا بد من حقيقة الانتفاع. والثالث: إن التمكن إنما يجب أن يكون في مكان العقد حتى لو استأجرها للكوفة فسلمها في بغداد حين مضت المدة فلا أجر عليه. والرابع: أن يكون متمكنا من الاستيفاء في المدة فلو استأجر دابة إلى الكوفة في هذا اليوم وذهب بعد مضي اليوم بالدابة ولم يركب لم يجب الأجر؛ لأنه إنما تمكن بعد مضي المدة وفي المحيط أمر رجلا أن يستأجر له دارا سنة كاملة فاستأجرها وتسلمها الوكيل وسكنها هو سنة، قال أبو يوسف لا أجر على المؤجر والأجرة على المأمور، وقال محمد الأجر على الموكل؛ لأن قبض وكيله كقبض نفسه والمأمور غاصب للسكنى فلا يجب عليه أجر.
قال - رحمه الله - (فإن غصبها غاصب منه سقطت الأجرة) يعني إذا غصب العين المستأجرة في جميع المدة غاصب سقطت الأجرة، ولو في بعضها فبقدره لزوال التمكن من الانتفاع وهو شرط لوجوب الأجرة كما بين، وهل تنفسخ بالغصب؟ قال صاحب الهداية تنفسخ، وقال فخر الإسلام في فتاويه والفضلي لا تنفسخ فإذا أراد المستأجر أن يسكن بقية المدة ليس للمؤجر منعه اه.
وفي قاضي خان أيضا جاء المغصوب منه إلى الغاصب، وقال الدار داري إن لم تخرج منها فهي عليك كل شهر بمائة درهم، قال محمد إن كان الغاصب منكرا ويقول الدار لي ويسكن مدة فأقام المغصوب منه البينة أنها داره فقضي له بها لا أجر عليه وإن كان مقرا يلزمه المسمى. اه.
وفي الولوالجية رجل دفع ثوبا إلى قصار ليقصره بأجرة معلومة فجحد القصار الثوب، ثم جاء به مقصورا وأقر قال هذا على وجهين إن قصره قبل الجحود له الأجر وإن قصره بعد الجحود لا أجر له، ولو كان صباغا والمسألة بحالها إن صبغه قبل الجحود فله الأجر وإن صبغه بعده فرب الثوب بالخيار إن شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة ما زاد فيه وإن شاء ترك الثوب وضمنه قيمة ثوب أبيض اه.
وفي التتارخانية رجل استأجر دابة إلى مكان معلوم، فلما بلغ نصف المدة أنكر الإجارة لزمه من الأجرة ما قبل الإنكار ولا يلزم ما بعده وهو قول الثاني، وقال محمد لا تسقط عنه الأجرة بنفس الإنكار، ولو كان عبدا والمسألة بحالها وقيمة العبد يوم العقد ألفان ويوم الجحود ألف فهلك العبد في يده بعدما مضت السنة فالأجرة لازمة وتجب كل الأجرة ويجب عليه قيمة العبد وينبغي أن يكون هذا على قول محمد وعلى قول الثاني لما جحد فقد أسقط الأجر، وفي المحيط لو غرقت الأرض أو انقطع عنها الشرب أو مرض العبد سقط من الأجر بقدره لفوات التمكن من الانتفاع في المدة، ولو استأجر دارا سنة فلم يسلمها الآجر حتى مضى شهر لم يكن لأحدهما الامتناع عن التسليم في الثاني؛ لأن الإجارة وإن كانت عقدا واحدا حقيقة لكنها عقود متفرقة مضافة إلى ما يوجد من المنفعة، ومن المشايخ من قال هذا إذا لم يكن في مدة الإجارة وقت يرغب في الإجارة لأجله، فإن كان وقت يرغب في الإجارة لأجله زيادة رغبة كحانوت في سوق رواجه في بعض السنة أو دار بمكة تستأجر سنة لأجل الموسم فلم تسلم في الوقت الذي يرغب لأجله فإنه يخير في بعض الباقي دفعا للضرر عنه. اه.
قال - رحمه الله - (ولرب الدار والأرض طلب الأجرة كل يوم وللجمال كل مرحلة) يعني إذا وقعت الإجارة مطلقة ولم يتعرض فيها لوقت وجوب الأجرة فللمؤجر ما ذكره والأصل فيه أن الإجارة معاوضة والملك في المنافع يمتنع ثبوته زمان العقد فكذا الملك في الأجرة على ما بينا وكان الإمام أولا يقول في جميع أنواع الإجارة لا تجب الأجرة حتى يستوفي المنفعة، ثم رجع لما ذكر هنا وكان القياس أن تجب الأجرة ساعة فساعة إلا أنه يفضي إلى الحرج فتركناه لهذا، وفي الخلاصة امرأة أجرت دارها من زوجها، ثم أسكنها فيها لا تجب الأجرة، ولو استأجر دارا شهرا وسكن فيها مع صاحب الدار إلى آخر الشهر فقال المستأجر لا أدفع الأجرة لعدم التخلية فعليه من الأجرة بقدر ما في يده لوجود التخلية فيها. اه.
ولو عبر بالفاء التفريعية لكان أولى ليفيد أنه متفرع على الاستيفاء والتمكن.
قال - رحمه الله - (وللخياط والقصار بعد الفراغ من عمله) يعني إذا وقعت الإجارة مطلقة عن وقت وجوب الأجرة فللعامل أن يطالب بعدما ذكر المؤلف وأطلق في قوله بعد الفراغ فأفاد أنه لا فرق بينهما إذا عمل في بيت نفسه أو في بيت المستأجر كما ذكره صاحب الهداية وصاحب التجريد وذكر في المبسوط والفوائد الظهيرية والذخيرة ومبسوط شيخ الإسلام وشرح الجامع الصغير لفخر الإسلام وقاضي خان والتمرتاشي إذا خاط في
صفحہ 7
بيت المستأجر تجب الأجرة له بحسابه حتى إذا سرق الثوب بعدما خاط بعضه يستحق الأجرة بحسابه واستشهد في الأصل لهذا بما إذا استأجر إنسانا ليبني له حائطا فبنى بعضه، ثم انهدم فله أجر ما بنى فهذا يدل على أنه يستحق الأجرة ببعض العمل إلا أن يشترط فيه التسليم إلى المستأجر ونقل هذا عن الكرخي وجزم به في غاية البيان فكان هو المذهب ففي سكنى الدار وقطع المسافة صار مسلما له بمجرد تسليم الدار وقطع المسافة وفي الخياطة ونحوها لا يكون مسلما إليه إلا إذا سلمه إلى صاحبه حقيقة وفي الخياطة في منزل المستأجر يحصل التسليم بمجرد العمل إذ هو في منزله والمنزل في يده فلا يحتاج إلى تسليم ليده ويعرف توزيع الأجرة بقول أهل الخبرة بها والخيط والإبرة على الخياط حيث كان العرف ذلك.
قال - رحمه الله - (وللخباز بعد إخراج الخبز من التنور) يعني إذا أطلق الأجرة ولم يبين وقتها فللخباز أن يطالب بها بعد إخراج الخبز من التنور؛ لأنه بإخراجه قد فرغ من عمله فيملك المطالبة كالخياط إذا فرغ من العمل حتى إذا خبزه في بيت المستأجر؛ لأنه صار مسلما إليه بمجرد الإخراج فيستحق الأجرة وإن كان في منزل الخباز لم يكن مسلما بمجرد الإخراج من التنور فلا بد من التسليم إلى يده، وفي المحيط استأجر دابة ليطحن عليها كل يوم عشرة أقفزة فوجدها لا تطيق إلا خمسة فله الخيار وعليه الأجر بحساب ما عمل من الأيام ولا يحط من الأجر شيئا؛ لأن الإجارة وقعت على الوقت لا على العمل فلا توزع الأجرة على العمل، وفي المسألة إشكال على قول الإمام؛ لأنه إذا استأجر خبازا ليخبز له اليوم بدرهم يكون فاسدا، والفرق أن مقدار العمل في باب الطحن في العرف والعادة لا يذكر لتعليق العقد بالعمل، وإنما يذكر لبيان قوة الدابة فبقيت الإجارة على الوقت وفي الخبز يذكر مقدار العمل لتعليق العقد بالعمل لا لبيان قوة الخباز فيصير العقد مجهولا فيفسد.
قال - رحمه الله - (فإن أخرجه فاحترق فله الأجر ولا ضمان عليه) يعني إذا أخرج الخبز من التنور، ثم احترق هذا إذا خبز في منزل المستأجر؛ لأنه بمجرد الإخراج صار مسلما ولا يجب عليه الضمان إذا هلك بعد ذلك بالإجماع؛ لأنه هلك بعد التسليم، ولو احترق في التنور قبل الإخراج قال في النهاية يضمن؛ لأنه جناية يده وإن كان الخباز يخبز في منزل نفسه لا يستحق الأجر بالإخراج ولا يجب عليه الضمان عند الإمام، وعندهما يجب الضمان، وإذا صار ضامنا فالمالك بالخيار، إن شاء ضمنه دقيقا مثل دقيقه ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمة الخبز وأعطاه الأجر ولا يجب عليه ضمان الحطب والملح؛ لأن ذلك صار مستهلكا قبل وجوب الضمان عليه وحين ما وجب عليه الضمان كان رمادا.
قال - رحمه الله - (وللطباخ بعد الغرف) يعني للطباخ أن يطالب بالأجرة بعد الغرف؛ لأن الغرف عليه، وهذا إذا طبخ للوليمة أو للعرس فإن كان يطبخ قدرا خاصا، فليس عليه الغرف؛ لأن العادة لم تجر به والمعتبر هو العرف، وفي التتارخانية وإن استأجر دابة للحمل ففي الإكاف والجوالق يعتبر العرف، ولو للركوب ففي اللجام والسرج يعتبر العرف وفي إدخال الطعام المنزل وإخراج الحمل يعتبر العرف وإحثاء التراب على القبر على الحفار وحمل الثوب على القصار.
قال - رحمه الله - (وللبان بعد الإقامة) يعني إذا استأجره ليضرب له لبنا في أرضه يستحق الأجرة إذا أقامه عند الإمام، وقالا لا يستحق حتى يشرجه؛ لأن التشريج من تمام عمله؛ لأنه لا يؤمن عليه الفساد إلا به؛ ولأنه هو الذي يتولاه عادة والمعتاد كالمشروط، وقولهما استحسان وللإمام أن العمل قد تم بالإقامة والانتفاع به ممكن وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا أفسده المطر ونحوه بعد الإقامة فعنده تجب الأجرة، وعندهما لا تجب هذا إذا لبن في أرض المستأجر؛ لأنه يصير مسلما إليه بالإقامة أو بالتشريج على اختلاف الأصلين، ولو لبن في أرض نفسه لا تستحق الأجرة حتى يسلمه إليه، وفي الجوهرة وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا تلف اللبن قبل التشريج فعند الإمام هلك من مال المستأجر، وعندهما من مال الأجير والتشريج أن يركب بعضه على بعض بعد الجفاف.
قال - رحمه الله - (ومن لعمله أثر في العين كالصباغ والقصار يحبسها للأجر) يعني لمن ذكر أن يحبس العين إذا عمل حتى يستوفي الأجر؛ لأن المعقود عليه وصف في المحل فكان له حق الحبس لاستيفاء البدل كما في البيع، قال في النهاية: القصار إذا ظهر عمله باستعمال النشا كان له حق الحبس وإن لم يكن لعمله إلا إزالة الدرن اختلفوا فيه والأصح أن له الحبس على كل حال؛ لأن البياض كان مستترا، وقد ظهر بفعله
صفحہ 8
بعد أن كان هالكا، وقال زفر: ليس له الحبس؛ لأنه صار متصلا بملك الآخر كما لو أمر شخصا بأن يزرع له أرضه ببذر من عنده قرضا فزرعها المأمور صار قابضا باتصاله بملكه فصار كما إذا صبغ في بيت المستأجر قلنا اتصال العمل بالمحل ضرورة إقامة العمل، فلم يكن راضيا بهذا الاتصال من حيث إنه تسليم، بل رضاه في تحقيق عمل الصبغ ونحوه من الأثر في المحل إذ لا وجود للعمل إلا به فكان مضطرا إليه وليس هذا كصبغه في بيت المستأجر؛ لأن العين في يد المستأجر فيكون راضيا بالتسليم؛ لأنه كان يمكنه التحرز عنه بأن يعمل في غير بيته وفي الخلاصة إلا إذا كانت الأجرة مؤجلة وقبل العمل، فليس له الحبس. اه.
والمراد بالأثر أن يكون الأثر متصلا بمحل العمل كالنشاء والصبغ وقبل أن يرى ويعاين في محل العمل وثمرة الخلاف تظهر في كسر الحطب وحلق رأس العبد، فليس له الحبس على الأول وله الحبس على الثاني.
قال - رحمه الله - (وإن حبس فضاع فلا ضمان عليه ولا أجر) أما عدم الضمان؛ فلأن العين أمانة في يده وله حبس العين شرعا فلم يكن به متعديا فلا يجب عليه الضمان ولا يجب الأجر؛ لأن المعقود عليه هلك قبل التسليم وهو يوجب سقوط البدل كما في البيع وهو قول الإمام أحمد، وعندهما يضمن العين؛ لأنها كانت مضمونة عليه قبل الحبس فلا يسقط ذلك بالحبس وصاحب العين بالخيار إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر له؛ لأن العمل لم يسلم إليه وإن شاء ضمنه قيمته معمولا وله الأجر؛ لأن العمل صار مسلما إليه بتسليم بدله، ولو أتلف الأجير الثوب ويتخير صاحب الثوب في التضمين كما تقدم وفي المضمرات فإن حبس العين من ليس له حق الحبس فهلكت ضمنها ضمان الغاصب، والمؤاجر يخير إن شاء ضمنه قيمتها معمولا وأعطاه الأجير أجرته وإن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا يعطي الأجير اه.
وفي فتاوى أبي الليث نساج نسج ثوبا فجاء به ليأخذ الأجرة، فقال له صاحب الثوب اذهب به إلى منزلك فإذا فرغنا من الجمعة دفعت لك الأجرة فاختلس الثوب من يد النساج في المزاحمة قال إن كان الحائك دفع الثوب لربه فدفعه للحائك على وجه الرهن وهلك الثوب هلك بالأجرة وإن دفعه إليه على وجه الوديعة فهلك هلك على الأمانة والأجر على حاله؛ لأنه سلم العمل إلى صاحبه فيقرر عليه الأجر وفي المنتقى حائك عمل ثوبا بالآخر فتعلق الأمر فيه ليأخذه فأبى الحائك أن يدفعه حتى يأخذ الأجرة فتخرق من يد صاحبه لا ضمان على الحائك وإن تخرق من يدهما فعلى الحائك نصف ضمان الخرق. اه.
وفي الخانية ولو جاء الحائك بالثوب إلى صاحبه فقال له رب الثوب امسك حتى أفرغ من العمل وأعطيك الأجر فسرق منه لا يضمن. اه.
وفي الخانية السمسار إذا باع شيئا من الثياب بأمر ربها وأمسك الثمن حتى ينقد الأجرة فسرق منه الثمن لا يضمن اه.
وفي الحاوي رجل أقرض آخر دراهم فاستأجر منه داره مدة معلومة بأجرة معلومة وجعل الأجر ببعض الدين قصاصا ومضت مدة الإجارة هل للمقرض أن يحبس العين بعد انقضاء المدة، قال ليس له المنع وفي السغناقي لو تزوج امرأة على سكنى دار سنة فسلم الدار إليها ليس لها أن تحبس نفسها عنه. اه.
وفي الولوالجية إذا أجر داره سنة وعجل الأجرة ولم يسلم إلى المستأجر حتى مات الآجر وانفسخ العقد لا يكون للمستأجر ولاية الحبس في الأجرة المعجلة، ولو كانت الإجارة فاسدة وفسخا العقد بسبب الفساد ليس للمستأجر أن يحبس العين بالدين السابق وفي الخلاصة وفي الإجارة الفاسدة للمستأجر حق الحبس لاستيفاء الأجرة المعجلة.
قال - رحمه الله - (ومن لا أثر لعمله كالحمال والملاح لا يحبس للأجر) يعني ليس له أن يحبس للأجر؛ لأن المعقود عليه نفس العمل وهو عرض يفنى ولا يتصور بقاؤه واختلفوا في غسل الثوب حسب اختلافهم في القصار بلا نشاء كما تقدم وفي شرح القدوري قال أبو يوسف في الحمال إذا طلب الأجرة ما بلغ المنزل قبل أن يضعه ليس له ذلك. اه.
وفي الفتاوى استأجر جمالا ليحمل له إلى بلدة كذا بكذا فحمله، فقال له صاحب الجمل أمسكه عندك فهلك فلا ضمان عليه بلا خلاف.
قال - رحمه الله - (ولا يستعمل غيره إن شرط عمله بنفسه) يعني ليس للأجير أن يستعمل غيره إذا شرط عليه أن يعمل بنفسه؛ لأن المعقود عليه العمل من محل معين فلا يقوم غيره مقامه كما إذا كان المعقود عليه المنفعة كما إذا استأجر رجلا للخدمة شهرا لا يقوم غيره مقامه في الخدمة ولا يستحق به الأجر.
قال - رحمه الله - (وإن أطلق له أن يستأجر غيره) لأن الواجب عليه عمل مطلق في ذمته ويمكن الإيفاء بنفسه وبغيره
صفحہ 9
كالمأمور بقضاء الدين.
قال - رحمه الله - (وإن استأجره ليجيء بعياله فمات بعضهم فجاء بمن بقي فله الأجر بحسابه) لأنه أوفى ببعض المعقود عليه فيستحق الأجر بحسابه قال الفقيه أبو جعفر الهندواني هذا إذا كانوا معلومين حتى يكون الأجر مقابلا لجملتهم وإن كانوا غير معلومين يجب الأجر. اه.
وفي الخلاصة وإذا كانوا غير معلومين فالإجارة فاسدة وفي النهاية نقلا عن الفضلي إذا استأجره في المصر ليحمل له الحنطة من القرية فذهب فلم يجد الحنطة فعاد إن كان قال استأجرت منك من المصر حتى أحمل الحنطة من القرية يجب نصف الأجر بالذهاب، وإن قال استأجرت منك حتى أحمل الحنطة من القرية لا يجب شيء؛ لأن الإجارة على الحمل لا غير، وفي الأول على الذهاب والحمل وعزاه إلى الذخيرة، وروى هشام عن محمد لا أجر ومثله في السفينة اه. كلام الشارح.
وفي التتارخانية من باب ما يستحق الفارس استأجره ليحمل له كذا كذا من المطمورة فذهب فلم يجد المطمورة استحق نصف الأجرة. اه. فظهر أنه لا فرق كما ذكره الشارح.
قال - رحمه الله - (ولا أجر لحامل الكتاب للجواب ولا لحامل الطعام إن رده للموت) يعني إذا استأجره ليذهب بطعامه إلى فلان بمكة أو ليذهب بكتابه إليه ويجيء بجوابه فذهب ووجد فلانا ميتا ورده فلا أجر له؛ لأنه نقض المعقود عليه بالرد فصار كأنه لم يفعل فلا يستحق الأجر، وقال زفر له الأجر في الطعام؛ لأن الأجرة بمقابلة حمل الطعام إلى مكة، وقد وفى بالمشروط عليه فاستحقت الأجرة، وقال محمد له الأجر للذهاب في نقل الكتاب؛ لأنه أوفى ببعض المعقود عليه، قلنا الأجرة مقابلة بالجواب والنقل ولم يوجد ولم يأت بالمعقود عليه فلا أجر له كما لو نقض الخياط الخياطة بعد الفراغ من العمل فلو وجده غائبا فهو كما لو وجده ميتا لتعذر الوصول إليه، ولو ترك الكتاب هناك ليوصله إليه أو إلى ورثته فله الأجر في الذهاب؛ لأنه أتى بأقصى ما في وسعه قال في المحيط، ولو استأجر رسولا ليبلغ رسالته إلى فلان ببغداد فلم يجد فلانا وعاد فله الأجر؛ لأن الأجر بقطع المسافة؛ لأنه أتى بما في وسعه، وأما الاجتماع، فليس في وسعه فلا يقابله الأجر وفي الخلاصة ولو استأجره ليبلغ الرسالة إلى فلان بالبصرة فذهب الرجل فلم يجد المرسل إليه أو وجده، لكن لم يبلغ الرسالة ورجع فله الأجر اه.
أقول: لعله لم يبلغ الرسالة لعدم تمكنه من التبليغ فعذره، قال في الخلاصة: والفرق بين الرسالة والكتاب أن الرسالة قد تكون سرا لا برضى المرسل أن يطلع عليها غيره أما الكتاب فمختوم قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني: لا نسلم الفرق، بل هما سواء في الحكم اه.
وفي المحيط استأجر خياطا ليخيط قميصا فخاطه ففتقه رجل قبل أن يقبضه رب الثوب فلا أجر له؛ لأنه تلف قبل التسليم ولا يجبر الخياط على أن يعيده، فإن كان الخياط فتقه يجبر على عوده، استأجر ملاحا لحمل طعام إلى موضع كذا فرد السفينة إنسان فلا أجر للملاح وليس له أن يعيد السفينة وإن ردها الملاح بنفسه لزمه الرد، ولو استأجر سفينة مدة معلومة فانقضت المدة في أثناء البحر تترك السفينة في يده إلى بلوغ ذلك المكان، ولو استأجر سفينة لحمل طعام إلى موضع كذا، فلما بلغت السفينة الموضع أو بعضه ردها الريح إلى الموضع الذي اكتراها منه قال محمد إن كان صاحب الطعام معه فعليه الأجر كله أو بعضه بقدر ما بلغ وإن لم يكن صاحب الطعام معه فلا أجر عليه؛ لأنه انتقض الحمل بالرد فلم يستوف المعقود عليه، وكذا لو اكترى بغلا إلى موضع كذا، فلما سار بعض الطريق جمع فرده إلى الموضع الذي خرج منه فعليه من الكراء بقدر ما سار؛ لأنه صار مستوفيا للمنفعة بنفسه فلا يسقط عنه البدل بعد التسليم، قيد بقوله للجواب؛ لأنه لو لم يشترط الرد للجواب.
قال الحدادي، ولو تركه حتى يوصله إليه حيث كان غائبا أو إلى قريبه حيث كان ميتا استحق الأجر كاملا قال فلو شرط عليه الجواب فدفعه إليه فلم يقرأه حتى عاد من غير جواب له الأجر كاملا؛ لأنه أتى بما في وسعه، ولو لم يجده أو وجده ولم يدفع له، بل رد الكتاب فلا أجر له، ولو نسي الكتاب هناك لا يستحق أجرة الذهاب. اه. والله تعالى أعلم.
[باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها]
(باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها)
قال في النهاية لما ذكر مقدمات الإجارة ذكر في هذا الباب ما هو المقصود منها وهو بيان ما يجوز من عقود الإجارة وما لا يجوز وفي غاية البيان لما فرغ من ذكر الإجارة وشرطها ووقت استحقاق الأجرة ذكر ما يجوز من الإجارة بإطلاق اللفظ
صفحہ 10
وتقيده وذكر أيضا من الأفعال ما يعد خلافا من الأجير للمؤجر وما لا يعد خلافا. قال - رحمه الله - (صح إجارة الدور والحوانيت بلا بيان ما يعمل فيها) والقياس أن لا تجوز هذه الإجارة حتى يبين ما يعمل فيها؛ لأن الدار تصلح للسكنى ولغيرها، وكذا الحوانيت تصلح لأشياء مختلفة فينبغي أن لا تجوز حتى يبين ما يعمل فيها كاستئجار الأرض للزراعة والثياب للبس، وجه الاستحسان أن العمل المتعارف فيها السكنى والمتعارف كالمشروط؛ ولأن إجارتها لا تختلف باختلاف العامل والعمل فجاز إجارتها مطلقا بخلاف الأراضي والثياب؛ لأنهما يختلفان وعبارة المؤلف أحسن من عبارة صاحب الهداية حيث زاد للسكنى لسلامته عما أورد على هذا اللفظ قال تاج الشريعة قوله للسكنى صلة الدور والحوانيت لا صلة الاستئجار يعني ويجوز استئجار الدور والحوانيت المعدة للسكنى لا أن يقول زمان العقد استأجرت هذه الدار للسكنى؛ لأنه لو نص على هذا وقت العقد لا يكون له أن يعمل فيها غير السكنى اه. كلامه.
قال صاحب غاية البيان ويجوز أن يتعلق قوله للسكنى بالاستئجار أي يجوز استئجار الدور والحوانيت للسكنى وله أن يعمل فيها كل شيء لا يوهن البناء ولا يفسده، وهو الظاهر من كلام القدوري اه.
وقول تاج الشريعة لو نص على السكنى ليس له أن يعمل غيرها كما سيأتي ليس بظاهر؛ لأنه لو عمل غيرها بما هو أنفع من السكنى بأن خزن فيها برا أو غيره يجوز؛ لأن التقييد فيما لا يتفاوت لا يعتبر، ولو استحق المستأجر من يد المستأجر، وقد هلك عنده وضمنه يرجع على الذي أجره ولا أجر عليه فيما استعمله؛ لأن الأجرة والضمان لا يجتمعان.
قال - رحمه الله - (وله أن يعمل فيها كل شيء) لما ذكرنا من أنها لا تختلف باختلاف العامل والعمل فجاز له أن يعمل فيها ما شاء عند الإطلاق وله أن يسكن غيره معه أو ينفرد؛ ولأن كثرة السكان لا يضر بها، بل يزيد في عمارتها؛ لأن خراب المسكن بترك السكان وله أن يضع فيها ما بدا له حتى الحيوان وله أن يعمل فيها ما بدا له من العمل كالوضوء والاغتسال وغسل الثياب وكسر الحطب؛ لأن ذلك كله من توابع السكنى وذكر في النهاية أنه لا يدخل الحيوان في عرفنا؛ لأن المنازل ضيقة. اه.
وبربطها على الباب فإن أجره صحن الدار ربطها في الصحن وليس للمؤجر أن يدخل دابته الدار بعدما أجرها، ولو كان فيها بئر أو بالوعة فسدت لا يجبر على إصلاحها، ولو بنى المستأجر التنور في الدار المستأجرة فاحترق شيء من الدار لم يضمن، كذا في الخلاصة وفي المحيط وله أن يربط الدابة إن كان في الدار سعة أما إن كانت ضيقة فلا، ولو استأجر دارا على أن يسكنها وحده فله أن يترك امرأته معه؛ لأنه شرط لا فائدة فيه. اه.
وفي الخلاصة وإذا ربط الدابة فضربت إنسانا أو هدمت الحائط لم يضمن اه.
قال - رحمه الله - (إلا أنه لا يسكن حدادا أو قصارا أو طحانا) لأن في نصب الرحى واستعمالها في هذه الأشياء ضررا ظاهرا؛ لأنه يوهن البناء فيتقيد العقد بما وراءها دلالة، والمراد بالرحى رحى الماء والثور، وأما رحى اليد فلا يمنع منها؛ لأنها لا تضر بالبناء وفي الحدادي رحى اليد إذا بنيت في الحائط يمنع منها وله أن يكسر فيها الحطب الكسر المعتاد وله أن يطبخ فيها الطبخ المعتاد وإن زاد على العادة بحيث يوهن البناء، فليس له ذلك إلا برضا صاحب الدار وينبغي أن يكون الدق على هذا التفصيل فظهر أن الحاصل كل ما يوهن البناء أو فيه ضرر ليس له أن يعمل فيها إلا بإذن، وكل ما لا ضرر فيه جاز بمطلق العقد واستحقه به ولم يتعرض المؤلف لبيان ما يجب عليه إذا فعل ذلك ونحن نبينه فلو أقعد حدادا فهدم البناء بعمله وجب الضمان؛ لأنه متعدي ولا أجر؛ لأن الضمان والأجر لا يجتمعان، ولو لم ينهدم وجب عليه الأجر استحسانا والقياس أن لا يجب؛ لأن هذا العمل غير داخل تحت العقد، ووجه الاستحسان أن المعقود عليه هو السكنى وفي الحدادة وأخواتها السكنى وزيادة فيصير مستوفيا للمعقود عليه فيجب عليه الأجر بشرط السلامة فصار نظير ما لو استأجر دابة ليحمل عليها قدرا معلوما فزاد عليها وسلمت الدابة فإنه يجب عليه الأجر، ولو اختلف المؤجر والمستأجر في اشتراط ذلك كان القول للمؤجر؛ لأنه أنكر الإجارة، ولو أقاما البينة كانت بينة المستأجر أولى وفي الخلاصة ولو استأجر ليقعد قصارا فله أن يقعد حدادا إن كان ضررهما واحدا، وفي المحيط أو كان ضرر الحداد أقل وإن كان أكثر، فليس له ذلك وكذلك الرحى اه.
قيد بالدور؛ لأن استئجار البناء وحده لا يجوز في ظاهر الرواية؛ لأنه لا ينتفع به وحده
صفحہ 11
وفي القنية ويفتى بجواز استئجار البناء وحده إذا كان ينتفع به كالجدار للسقف، ولو أجره المستأجر من المؤجر لم يجز والأصح أن العقد ينفسخ بالإجارة.
قال - رحمه الله - (والأراضي للزراعة إن بين ما يزرع فيها أو قال على أن يزرع ما شاء) يعني يجوز استئجار الأرض للزراعة إن بين ما يزرع فيها أو قال على أن يزرع فيها ما يشاء؛ لأن منفعة الأرض مختلفة باختلاف ما يزرع فيها؛ لأنه منه ما ينفع كالبرسيم في ديارنا وما يضر كالقمح مثلا فلا بد من بيانه أو يقول له ازرع فيها ما شئت كي لا يفضي إلى المنازعة، ولو لم يبين ولم يقل له ازرع فيها ما شئت فسدت الإجارة للجهالة، ولو زرعها لا تعود صحيحة في القياس وفي الاستحسان يجب المسمى وتنقلب صحيحة؛ لأن المعقود صار صحيحا معلوما بالاستعمال وصار كما لو استأجر ثوبا ولم يبين اللابس، ثم ألبس إنسانا عادت صحيحة لما ذكرنا، وفي القنية استأجر أرضا سنة على أن يزرع فيها ما شاء فله أن يزرع فيها زرعين ربيعيا وخريفيا وفي الجوهرة ولا بأس باستئجار الأرض للزراعة قبل ريها إن كانت معتادة للري في مثل هذه المدة التي عقد الإجارة عليها وإن جاء من الماء ما يزرع به البعض فالمستأجر بالخيار إن شاء نقض الإجارة كلها وإن شاء لم ينقض وكان عليه من الأجر بحساب ما روى منها. اه.
وفي القنية ولو استأجرها ولا يمكنه الزراعة في الحال لاحتياجها إلى السقي وكري الأنهار أو مجيء الماء فإن كان بحال تمكنه الزراعة في مدة العقد جاز وإلا فلا كما لو استأجرها في الشتاء تسعة أشهر ويمكن زراعتها في الشتاء جاز لما أمكن من المدة أما إذا لم يمكن الانتفاع بها أصلا بأن كانت سبخة فالإجارة فاسدة وفي مسألة الاستئجار في الشتاء يكون الأجر مقابلا بكل المدة لا بما ينتفع به فحسب، وقيل بما ينتفع به. اه.
واعلم أن الأرض لا ينحصر استئجارها للزراعة والبناء والغرس كما توهمه المتون فقد صرح في الهداية بأن الأرض تستأجر للزراعة وغيرها، وقال في غاية البيان أراد بغير الزراعة البناء والغرس وطبخ الآجر والخزف ونحو ذلك من سائر الانتفاعات بالأرض. اه.
فإذا عرفت ذلك ظهر لك صحة الإجارات الواقعة في زماننا من أنه يستأجر الأرض مقيلا ومراحا قاصدا بذلك إلزام الأجرة بالتمكن منها مطلقا سواء شملها الماء وأمكن زراعتها أو لا ولا شك في صحته؛ لأنه لم يستأجرها للزراعة بخصوصها حتى يكون عدم ريها عيبا تنفسخ به، وفي الولوالجية استأجر أرضا ليلبن فيها فالإجارة فاسدة، ثم هي على وجهين إن كان للتراب قيمة ضمن قيمته ويكون اللبن له وإن لم يكن له قيمة فلا شيء عليه واللبن له وضمن نقصان الأرض إن نقصت وفي فتاوى قارئ الهداية أن إجارة الأرض المشغولة بزرع الغير إن كان الزرع بحق بأن كان بأجرة لا يجوز أن يؤجر ما لم يستحصد الزرع إلا أن يؤجرها مضافة إلى المستقبل وإن كان الزرع بغير مستند شرعي صحت الإجارة؛ لأن الزرع في هذه الصورة واجب القلع فإن المؤجر في هذه الصورة قادر على تسليم ما أجره ويجبر صاحب الزرع على قلعه سواء أدرك أم لا؛ لأنه لا حق لصاحبه في إبقائه. اه.
، والدار المشغولة بمتاع الساكن الذي ليس بمستأجر تصح إجارتها وابتداء المدة من حين تسليمها فارغة كذا في القنية وفي الخلاصة ولو أجر الأرض المزروعة، ثم سلمه بعدما فرغ وحصد ينقلب جائزا، ولو قال المستأجر أجرت منك الأرض وهي فارغة، وقال المؤجر لا، بل هي مشغولة بزرعي يحكم الحال كذا في المنتقى وفي فتاوى الفضلي القول قول الآجر. اه.
وللمستأجر الشرب والطريق؛ لأنه لا ينتفع بعقد الإجارة إلا بهما بخلاف المبيع؛ لأن المقصود ملك الرقبة لا الانتفاع ولهذا صح بيع الجحش الصغير والأرض السبخة.
وفي شرح الطحاوي وإن أجر المستأجر بأكثر مما استأجر فإن كانت الأجرة من جنس ما استأجر به ولم يزد في الدار شيئا لا تطيب له الزيادة ويتصدق بها فإن زاد شيئا آخر طابت له الزيادة أو أجر بخلاف جنس ما استأجر به والكنس ليس بزيادة.
قال - رحمه الله - (وللبناء والغرس إن بين مدة) يعني جاز استئجار الأرض للبناء والغرس إن بين مدة؛ لأن المنفعة معلومة والمدة معلومة فتصح كما لو استأجرها للزراعة وفي المحيط دفع أرضه لرجل ليغرس أشجارا على أن تكون الأرض والشجر بينهما نصفين لم يجز والشجر لرب الأرض وعليه قيمة الشجر وله أجر ما عمل ولا يؤمر بقلعه وهذه إجارة فاسدة؛ لأنه جعل أجرة ما يخرج من العمل وعلى رب الأرض قيمة الأشجار؛ لأنه صار مستقرضا للأشجار منه وتقايضا لها حكما
صفحہ 12
واستقراض الأشجار لا يجوز فيكون قرضا فاسدا فيوجب الملك إذا اتصل به القبض وفي القنية من الوقف ولا يجوز استئجار السبيل ليبني به غرفة لنفسه إلا أن يزيد في الأجرة ولا يضر بالبناء وإن كان لا يرغب المستأجر إلا على هذا الوقف جاز من غير زيادة في الأجرة إذا قال القيم أو المالك أذنت له في عمارتها فعمر بإذنه يرجع عليه وعلى الوقف هذا إذا كان يرجع نفعه إلى الوقف والمالك وإن كان يرجع إلى المستأجر وفيه ضرر كالبالوعة والتنور فإنه لا يرجع إلا إذا شرط الرجوع.
قال - رحمه الله - (فإن مضت المدة قلعهما وسلمها فارغة) يعني إذا مضت مدة الإجارة قلع البناء والغرس وسلم الأرض إلى المؤجر فارغة؛ لأنه يجب عليه تفريغها وتسليمها إلى صاحبها فارغة وذلك بقلعها في الحال؛ لأنه ليس له غاية تعلم بخلاف ما إذا كانت للزراعة وانقضت المدة والزرع لم يدرك حيث يترك على حاله إلى الحصاد بأجر المثل؛ لأن له غاية معلومة فأمكن مراعاة الجانبين وبخلاف ما إذا مات أحد المتعاقدين في المدة والزرع لم يدرك بحيث يترك بالأجرة على حاله إلى الحصاد وإن بطلت الإجارة فكان تركه بالمسمى، وإبقاء العقد على ما كان أولى من النقض وإعادته وبخلاف ما إذا غصب أرضا وزرعها حيث يؤمر بالقلع وإن كان له نهاية؛ لأن ابتداء فعله وقع ظلما والظلم يجب إعدامه لا تقريره، والقياس أن يقلع في الأمور كلها؛ لأن الأرض ملكه فلا تؤجر بغير إذنه، ووجه الاستحسان وهو الفرق بين البناء والغرس والزرع ما تقدم وفي القنية والخصاف استأجر أرضا وقفا ليبني فيها أو يغرس، ثم مضت مدة الإجارة للمستأجر أن يستبقيها بأجرة المثل إذا لم يكن في ذلك ضرر، ولو أبى الموقوف عليه إلا القلع، فليس له ذلك اه.
ومن هنا علم حكم الاستحكار، وهذا وارد على إطلاق المؤلف وفي المحيط، وإذا انقضت المدة وفي الأرض غراس أو رطبة يؤمر بالقلع؛ لأنه ليس لها نهاية قال - رحمه الله - (إلا أن يغرم المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه) يعني إذا مضت المدة يجب عليه قلع البناء والغرس إلا أن يغرم المؤجر قيمة ذلك إلى آخره هذا إذا كانت الأرض تنتقص بالقلع؛ لأن الواجب دفع الضرر عنهما فيدفع الضرر عن صاحب الغرس والبناء بدفع القيمة له، وعن صاحب الأرض بالتملك بالقيمة وإن كانت لا تنتقص ، فليس له ذلك إلا برضا صاحبه لاستوائهما في ثبوت الملك وعدم المرجح وليس لرب الأرض أن يتملك الغراس جبرا على صاحبه إذا لم يكن في قلعهما ضرر فاحش قال - رحمه الله - (أو يرضى بتركه فيكون البناء والغرس لهذا والأرض لهذا) لأن الحق لرب الأرض فيترك ذلك بأجرة أو بغير أجرة فإن تركها عارية فله أن يؤاجرها لأجنبي، وفي القنية من الوقف بنى في الدار بغير إذن القيم، ونزع البناء يضر بالوقف يجبر القيم على دفع القيمة للباني ويجوز لمستأجر الوقف غرس الأشجار والكرم بغير إذن إذا لم يكن يضر بأرض الوقف ويجوز للمتولي الإذن في أرض الوقف فيما يزيد فيها خيرا.
قال - رحمه الله - (والرطبة كالشجر) وقد تقدم بيانه. قال - رحمه الله - (والزرع يترك بأجرة المثل إلى أن يدرك) وقد تقدم بيانه بخلاف موت أحدهما قبل إدراك الزرع فإنه يترك بالمسمى على حاله إلى الحصاد والمستعير كالمستأجر وفي القنية والمراد بقول الفقهاء يترك بأجرة المثل إلى الحصاد بعقد أو بقضاء فلا يجب الأجر إلا بأحدهما، وهذا يجب حفظه. اه.
قال - رحمه الله - (والدابة للركوب والحمل والثوب للبس) يعني يجوز استئجار هذه الأشياء لما ذكر إذا عين الراكب والحمل أو أطلق؛ لأن لها منافع معلومة قيد بالركوب ليحترز عما إذا استأجرها كما تقدم وباللبس ليحترز عما إذا استأجر الثوب ليزين به دكانه كما تقدم، وفي الذخيرة استأجر دابة ليحمل عليها حنطة من موضع كذا إلى منزله وكان كلما رجع يركبها فعطبت الدابة، قال أبو بكر الرازي يضمن؛ لأنه استأجرها للحمل دون الركوب فكان غاصبا بالركوب، وقال الفقيه أبو الليث في الاستحسان لا يضمن؛ لأن العادة جرت بين الناس بذلك فصار مأذونا فيه، ثم شرع يبين أنها تارة تكون مطلقة وتارة تكون مقيدة.
قال - رحمه الله - (فإن أطلق أركب وألبس من شاء) يعني إذا أطلق له الركوب واللبس جاز له أن يركب الدابة ويلبس الثوب من شاء والمراد بالإطلاق أن يقول على أن تركب من تشاء وتلبس من تشاء اه.
كلام الشارح وفسر الإطلاق بهذا تاج الشريعة وصاحب العناية والغاية وفسر صاحب النهاية والكفاية ومعراج الدراية الإطلاق بأن يقول استأجرتها للركوب ولم يزد عليه أو اللبس ولم يزد عليه
صفحہ 13
اعلم أن استئجار الدابة والثوب على ثلاثة أضرب: الأول أن يقول عند العقد استأجرتها للركوب أو للبس ولم يزد عليه. والثاني أن يزيد في قوله على أن أركب من أشاء وألبس من أشاء. والثالث أن يقول على أن أركب أنا أو فلان أو ألبس أنا أو فلان، ففي الوجه الأول يفسد العقد؛ لأن الركوب واللبس مختلفان اختلافا فاحشا فإن أركب شخصا ومضت المدة تنقلب صحيحة ويجب المسمى استحسانا؛ لأنه ارتفع الموجب للفساد وهو الجهالة ولا ضمان عليه إن هلكت؛ لأنه غير متعدد وفي الوجه الثاني يصح العقد ويجب المسمى ويتعين أول من يركب سواء كان المستأجر أو غيره؛ لأنه تعين من الأصل فصار كأنه نص عليه ابتداء وفي الثالث ليس له أن يتعداه؛ لأن التعيين مفيد فإذا تعدى صار ضامنا وحكم الحمل حكم الركوب في جميع ما ذكرنا وفي قاضي خان استأجرت المرأة درعا لتلبسه ثلاثة أيام إن كان الثوب بدله كان لها أن تلبسه في الأيام والليالي وإن كانت صيانة تلبسه في النهار وفي أول الليل وآخره وليس لها أن تلبسه كل الليل فإن لبسته كل الليل وباتت فيه حتى جاء النهار برئت من الضمان إن لم يتخرق اه.
وفي البقالي استأجر دابة ليحمل عليها فحمل عليها رجلا لا يضمن، ولو استأجر دابة ليطحن عليها وما بين مقدار ما يعمل به فإنه يجوز وله أن يعمل عليها مقدار ما تحمل، وفي المحيط ينعقد فاسدا فإذا عمل عليها مقدار ما يحمل يعود جائزا ويجب المسمى استحسانا فظهر أن المشيئة في قوله ما شاء مقيدة بقدر حملها وفي المحيط استأجر ثوبا ليلبسه ليذهب إلى مكان كذا فلم يذهب إلى ذلك الموضع ولبسه في غير ذلك الموضع يكون مخالفا ولا أجر عليه، وقال الفقيه أبو الليث عندي أنه غير مخالف ويجب الأجر؛ لأن هذا خلاف إلى خير وليس هذا كمن استأجر دابة ليذهب إلى موضع كذا فركبها في المصر في حوائجه فهو مخالف؛ لأن الدابة لا يجوز إيجارها إلا إذا بين المكان وفي الثوب لا يحتاج إلى بيان المكان اه.
وفي الخلاصة وإذا تكارى قوم مشاة إبلا على أن المكاري يحمل عليها من مرض منهم أو من أغمي عليه منهم فهذا فاسد.
قال - رحمه الله - (وإن قيد براكب ولابس فخالف ضمن) يعني إذا عطبت؛ لأن التقييد مقيد فتعين فإذا خالف صار ضامنا بالتعدي؛ لأن الناس يتفاوتون في الركوب واللبس ولا أجر عليه؛ لأن الأجر والضمان لا يجتمعان، وكذا الأجرة عليه إن سلم بخلاف ما إذا استأجر حانوتا وأقعد فيه قصارا أو حدادا حيث يجب الأجر؛ لأنه لما سلم تبين أنه لم يخالف، كذا في غاية البيان واستفيد من كلامه أنه إذا قيد ليس له الإجارة والإعارة كما إذا عمم وليس له الإيداع في الأول ولا ضرورة دون الثاني، كذا في فصول العمادي كما إذا عمي الحمار في الطريق.
قال - رحمه الله - (ومثله ما يختلف بالمستعمل) يعني يضمن مثله في كل شيء يختلف باختلاف المستعمل إذا كان مقيدا وخالف لما ذكرنا من المعنى قال - رحمه الله - (وفيما لا يختلف بطل تقييده كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره) يعني فيما لا يختلف باختلاف المستعمل كالدور للسكنى لا يعتبر تقييده حتى إذا شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره؛ لأن التقييد لا يفيد لعدم التفاوت وما يضر بالبناء كالحداد والقصار والطحان خارج كما مر والفسطاط كالدار عند محمد، وعند أبي يوسف مثل اللبس لاختلاف الناس في نصبه وضرب أوتاده واختيار مكانه.
قال - رحمه الله - (وإن سمى نوعا، وقدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا أضر كالملح) يعني لو سمى النوع والقدر فله أن يحمل على الدابة ما هو مثله وأخف كما لو استأجر ليحمل هذه الحنطة وهي قدر معلوم فحمل مثل قدرها وما هو أخف منه كالشعير والسمسم وليس له أن يحمل عليها ما هو أضر منه كالملح؛ لأن الرضا بالشيء يكون رضا بما هو مثله أو دونه عادة لا بما هو أضر منه؛ لأنه لا فائدة في إجازة كر حنطة ومنع كر شعير، بل الشعير أخف منه فكان أولى بالجواز حتى لو سمى قدرا من الحنطة فحمل عليها من الشعير مثله وزنا ضمن؛ لأن الشعير يأخذ من ظهر الدابة أكثر ما تأخذ الحنطة فصار كما لو حمل عليها قربة ماء أو حطب، كذا في النهاية، وقال شيخ الإسلام في شرحه لا يضمن استحسانا.
وقال وهو الأصح؛ لأن ضرر الشعير عند استوائهما في الوزن أخف من ضرر الحنطة؛ لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما تأخذ الحنطة فكان أخف عليها بالانبساط وبه كان يفتي الصدر الشهيد، ولو حمل عليها مثل وزنه حديدا أو ملحا يضمن؛ لأنه يجتمع في مكان واحد من ظهر الدابة فيضر بها أكثر، وكذا لا يضمن إذا حمل عليها مثل وزنها قطنا؛ لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر وفيه حرارة
صفحہ 14
وما ذكرناه وجه الاستحسان والقياس أنه يضمن في الشعير ونحوه.
والحاصل أن الشيئين متى كان في كل واحد منهما ضرر فوق ضرر الآخر من وجه لا يستفاد من الإذن في أحدهما الإذن في الآخر وإن كان هو أخف ضررا من وجه آخر وفي الأصل إذا تكارى من رجل إبلا مسماة بغير عينها إلى مكة فالإجارة جائزة قال شيخ الإسلام ليس تفسير المسألة ما ذكرنا، بل تفسيرها استأجر المكاري على الحمل فالمقصود عليه الحمل في ذمة المكاري وأنه معلوم والإبل آلة، وجهالة الآلة لا توجب فساد الإجارة كما في الخياط والقصار وما أشبهه.
واستدل على تفسير المسألة بما ذكر أنه لو استأجر عبدا للخدمة لا بعينه لا يجوز قال الصدر الشهيد ونحن نفتي بالجواز كما ذكر في الكتاب من غير تأويل، وفي الذخيرة استأجر دابة إلى كذا ودفع له الدابة لا يجبر رب الدابة أن يرسل غلامه معها قال محمد يؤمر بأن يرسل غلامه معها، قال شيخ الإسلام إن شاء؛ لأنه لا يجبر عليه وفي الصيرفية استأجر دابة بعينها للحمل فحمل المكاري على غيرها لا يستحق الأجرة ويكون متبرعا وفي الفتاوى تكارى دابة إلى موضع معلوم بأربعة دراهم على أن يرجع في يومه فلم يرجع إلى خمسة أيام قال يجب درهمان أجرة الذهاب؛ لأنه مخالف في الرجوع، ولو استأجر دابة إلى مكة فهو على الذهاب وفي الغاية على الذهاب والرجوع وفي فتاوى هو استأجر دابة ليحمل عليها مائة من الحنطة فمرضت فلم تطق إلا خمسين فحمل عليها هل يرجع على المكاري بحصة ذلك قال القاضي بديع الدين لا يرجع؛ لأنه رضي بذلك وفي جامع الفتاوى استأجر دابة يوما وانتفع بها فأمسكها، وقد ورم بطنها أو اعتلت فتركت في الدار الذي هو فيها فماتت غرم، وفي العتابية تكارى قوم مشاة إبلا على أن المكاري يحمل من مرض منهم أو من أعيا منهم فالإجارة فاسدة وفي الأصل ولو شرطوا عليه أن يركب واحد منهم فيه، ثم يركب الآخر وهكذا فذلك جائز وفي الخلاصة تكارى على دخول عشرين يوما إلى موضع كذا فما دخل إلا في خمسة وعشرين يوما قال يحط عنه من الأجرة بحساب ذلك ويستقيم على قول أبي يوسف ومحمد. اه.
وفي الخلاصة رجل اكترى إبلا للحج، ثم اختلفوا في وقت الخروج فالقول في ذلك قول من يريد الخروج في الوقت المعروف للخروج. اه.
وفي المحيط تكارى دابة بغير عينها إلى موضع كذا لم يجز؛ لأن هذا عقد واحد والمعقود عليه في كل مجهول جهالة تؤدي إلى النزاع استأجر دابة إلى موضع كذا وضعفت قبل الوصول فعليه أن يأتي بغيرها؛ لأن العقد لا ينفسخ في هذه الحالة وإن كانت بعينها، فليس عليه أن يأتي بغيرها فيفسخ العقد، ولو استأجر رجل دابتين بعشرة صفقة واحدة ليحمل عليها عشرين قفيزا فحمل على كل دابة عشرة يقسم الأجر على أجر مثل كل دابة اه.
قال - رحمه الله - (وإن عطبت بالإرداف ضمن النصف) يعني إذا استأجر دابة فأردف عليها غيره ضمن نصف القيمة ولا يعتبر بالثقل؛ لأن الدابة يعقرها الراكب الخفيف ويخف عليها ركوب الثقيل لعلمه بالفروسية؛ ولأن الآدمي غير موزون فلا يمكن معرفته بالوزن فيتعلق الحكم بالعدد كالجناية في باب الجناية هذا إذا كانت الدابة تطيق حمل الاثنين وإن كانت لا تطيق ضمن جميع قيمتها ذكره في الكافي، قالوا هذا إذا كان الرديف يستمسك بنفسه وإن كان صغيرا لا يستمسك بنفسه يضمن بقدر ثقله قال في النهاية قيد بالرديف احترازا عما إذا حمله على عاتقه فإنه يضمن جميع القيمة؛ لأن ثقله مع الذي حمله يجتمعان في مكان واحد فيكون أشق على الدابة، وقال الحدادي الرديف مثال وليس بقيد حتى لو جعل المستأجر نفسه رديفا وغيره أصيلا فالحكم واحد وفي غاية البيان قيد بكونه رديفا؛ لأنه لو أقعد الأجنبي في السرج صار غاصبا ولم يجب عليه شيء من الأجرة.
قال قاضي خان استأجر دابة ليركبها إلى موضع كذا فحمل عليها صبيا صغيرا فعطبت ضمن قيمتها كما لو حمل عليها حملا وأطلق في ضمان النصف فشمل ما إذا هلكت قبل الوصول أو بعده قال وعليه جميع الأجرة إذا هلكت بعدما بلغ مقصده ونصف القيمة إذا هلكت قبله وفي المحيط إذا عطبت بعد البلوغ من الركوب فعليه الأجر كاملا ونصف القيمة كان الرديف أخف أو أثقل أما الأجرة؛ فلأنه استوفى المعقود عليه، وأما الضمان؛ فلأن التلف حصل بركوبهما ولم يبين من عليه الضمان فالمالك بالخيار إن شاء ضمن الرديف وإن شاء ضمن المستأجر فإن ضمن المستأجر لا يرجع بما ضمن وإن ضمن الرديف
صفحہ 15
يرجع إن كان مستأجرا وإلا فلا وفي الخانية فإذا أراد صاحب الدابة أن يضمن الرديف نصف القيمة كان له ذلك وفي التتارخانية استأجر دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة فأجرها من غيره فحمل عليها عشرين فتلفت يخير المالك في التضمين إن شاء ضمن الثاني ويرجع على الأول؛ لأنه غره وإن ضمن الأول لا يرجع على الثاني. اه.
وأقول: ينبغي أن يفصل بأنه إن علم أنه مستأجر لما ذكر ينبغي أن لا يرجع على الأول وإن علم أنه مالك أو لم يعلم ينبغي أن يرجع وأطلق المؤلف في الإرداف فشمل ما إذا أردف في كل المدة أو بعضها، وفي المحيط استأجر دابة ذاهبا وراجعا بعلفها فركبها ذاهبا وحمل عليها متاعا وأردف آخر راجعا فعليه أجرة مثلها في الذهاب؛ لأن الإجارة وقعت فاسدة لجهالة العلف وفي الرجوع ركبها اثنان فهلكت فعليه نصف القيمة ولما زاد من الحمل ويعرف ذلك بالرجوع إلى أهل الخبرة، وهذا إذا لم يركب على الحمل أما إذا ركب عليه يضمن جميع قيمتها؛ لأنه يحتمل ثقله وثقل الحمل عليها، ولو استأجر محمل الولد معها فتلفت ضمن بقدر الولد، وكذا لو ولدت الناقة فحمل ولدها عليها وقيد بالعطب؛ لأنها لو سلمت يجب عليه الأجر تماما.
قال - رحمه الله - (وبالزيادة على الحمل المسمى ما زاد) يعني إذا استأجر دابة ليحمل عليها قدرا فحمل عليها أكثر منه فعطبت يضمن ما زاد بالثقل؛ لأنها هلكت بمأذون وغيره فانقسم عليهما هذا إذا كانت الدابة تطيق ذلك فلو كانت لا تطيق مثله يضمن جميع القيمة لعدم الإذن فيه هذا إذا حمل المسمى وزاد عليه وإن حمل عليها غيره فهلكت وجب عليه جميع القيمة لعدم الإذن، قال الأكمل ونوقض بما إذا استأجر ثورا ليطحن عليه مقدارا فزاد فهلك يضمن جميع القيمة وإن كانت الزيادة من جنسه وفرق بينهما بأن الطحن يكون شيئا فشيئا فإذا طحن القدر المسمى فقد انتهى الإذن وبطحن غيره معه فقد تعدى فيضمن جميع القيمة قيد بكونه زاد على المعتاد؛ لأنه إن زاد على المسافة فهلكت يضمن جميع القيمة لعدم الإذن في الزيادة وقيد بكونه حمل عليها؛ لأن رب الدابة لو كان هو الذي حمل عليها فلا ضمان على المستأجر، قال في الذخيرة استأجر دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم من الحنطة فجعل في الجوالق عشرين من الحنطة وأمر المكاري أن يحمل هو عليها فحمل هو ولم يشاركه المستكري فهلكت لا ضمان عليه أصلا.
ولو حمل ذلك عليها رب الدابة والمستكري جميعا ووضعاه على ظهر الدابة فهلكت الدابة ضمن المستكري ربع القيمة هذا إذا كان في جولق واحد، ولو جعلها في جولقين وحمل كل واحد منهما جولقا ووضعا على الدابة جميعا لا يضمن المستأجر شيئا ويجعل حمل المستأجر ما كان مستحقا له بالعقد. اه. وفي الخلاصة هذا إذا حمل المستأجر أولا وإن حمل رب الدابة أولا، ثم المستأجر فهلكت ضمن نصف القيمة، وفي الأصل إذا استأجر دابة ليركبها، فليس من الثياب أكثر مما كان يلبس وركب الدابة فهلكت إن لبس ما يلبس الناس فلا ضمان عليها وإن لبس ما لا يلبسه الناس ضمن ما زاد بحسابه، وفي الخانية استأجر دابة ليركبها إنسانا فأركبها امرأة بآلة أو رجلا بسرج فهلكت لا ضمان عليه ولا على الراكب إلا أن يعلم أن مثل الدابة لا تطيق ذلك فيضمن جميع القيمة، وفي الأصل استأجر حمارا بسرج فأسرجه بسرج لا يسرج به مثله فهو ضامن مقدار ما زاد باتفاق الروايات وإن كان أخف من الأول أو مثله فلا ضمان عليه هذا إذا كانت الدابة توكف بمثله وإن كانت لا توكف بمثله يضمن جميع القيمة، وفي قاضي خان وإن تلفت فله الأجرة تماما، ولو علم أنها تطيق فبلغ فله تمام الأجرة، وإذا هلكت يضمن ولا تجب الأجرة هذا إذا جعل الأقل والزيادة في جولق واحد، ولو جعل الزيادة في جولق منفردة وحملها ضمن القيمة وفي المحيط استأجر دابة ليحمل عليها امرأة فولدت فحمل ولدها معها عليها يضمن بقدر الولد.
قال - رحمه الله - (وبالضرب والكبح) أي يضمن إذا هلكت منها وفي المغرب الكبح ضرب الدابة باللجام وهو أن يجذبها إلى نفسه، وهذا عند الإمام، وقالا لا يضمن إذا فعل فعلا معتادا؛ لأن المطلق يدخل تحت المتعارف فكان هالكا بالمأذون به وللإمام أن المتعارف مقيد بشرط السلامة؛ لأن السوق يتحقق بدونه وإنما تضرب للمبالغة، وهذا بخلاف ما إذا ضرب العبد المستأجر للخدمة حيث يضمن بالإجماع، والفرق لهما أنه يؤمر وينهى لفهمه فلا ضرورة إلى ضربه وظاهر ما في الهداية أن للمستأجر الضرب ولا إثم عليه، وفي غاية البيان إن ضرب الدابة يكون معتديا للضمان وفيها موجبا أن الإمام رجع إلى
صفحہ 16
قولهما، وأما ضرب دابة نفسه فقال في القنية لا يضربها أصلا وإن كانت ملكه، ثم قال لا يخاصم ضارب الحيوان فيما يحتاج إليه للتأديب ويخاصم فيما زاد عليه وعلى هذا الخلاف المذكور ضرب الأب أو الوصي للصغير إذا لم يجاوز ضرب مثله للتأديب حيث تجب الدية والكفارة عنده، وعندهما لا تجب الدية؛ لأن الضرب لإصلاح الصغير متعارف وفيه منفعة له فكان كضرب المعلم، بل أولى بخلاف ضرب الزوج؛ لأنه لمنفعة نفسه فيشترط فيه السلامة وللإمام أن منفعة الصغير كالواقع له لقيام البعضية بينهما ألا ترى أن الشهادة له جعلت كشهادته لنفسه وبخلاف ضرب المعلم بإذن الأب؛ لأن الإذن من الأب صحيح لما له من الولاية، وإذا صح كان الأب معينا ولا ضمان على المعين وليس له أن يضرب أخيه الصغير على ترك الصلاة وأطلق في الضرب والكبح وهو محمول على ما إذا كان بغير إذن صاحبها، ففي التتارخانية استأجرها ليركبها فضربها فماتت فإن كان بإذن صاحبها وأصاب الموضع لا يضمن بالإجماع، وفي العتابية فإن عنف في السير ضمن إجماعا والمعلم والمؤدب وأستاذ الحرفة يضمن بالضرب فإن كان يأذن لم يضمن. اه.
وفي جامع الفصولين استأجر حمارا لحمل متاع ولم يكن صاحب المتاع معه فمرض الحمار في الطريق فترك الحمار صاحبه وترك المتاع لم يضمن للضرورة والعذر.
قال - رحمه الله - (ونزع السرج والإكاف أو الإسراج بما لا يسرج بمثله) يعني لو استأجر حمارا مسرجا فنزعه وأسرجه بسرج لا يسرج بمثله الحمير أو أوكفه بذلك فتلف يضمن جميع القيمة؛ لأن الإذن يتناول ما يسرج بمثله دون ما لا يسرج بمثله فيكون متعديا فيضمن وإن أسرج بسرج يسرج مثله به لا يضمن وقوله بما لا يسرج بمثله قيد بالسرج لا للإكاف؛ لأنه يضمن مطلقا سواء كان يوكف بمثله أو لا، وهذا قول الإمام، وقالا الإكاف كالسرج مطلقا لا يضمن إذا كان يوكف بمثله إلا إذا كان زائدا على السرج الذي عليه فيضمن بقدر الزيادة كما في السرج؛ لأنه هو والسراج سواء.
والجواب أن الجنس يختلف؛ لأن الإكاف للحمل والسرج للركوب، وكذا ينبسط أحدهما على ظهر الدابة ما لا ينبسط الآخر فصار كاختلاف الحنطة والشعير، قال في النهاية ذكر في الإجارة إنه يضمن بقدر ما زاد وهو قولهما فمن المشايخ من قال ليس في المسألة روايتان عن الإمام ومنهم من قال عن الإمام روايتان في رواية يضمن بقدر ما زاد وفي رواية يضمن جميع القيمة وهو الأصح وتكلموا في معنى قولهما يضمن بحسابه قال بعضهم إذا كان السرج يأخذ من ظهر الدابة قدر شبرين والإكاف قدر أربعة أشبار فيضمن بحسابه، وقيل يعتبر بالوزن قال قاضي خان: وهذا إذا استأجر الحمار مسرجا فلو استأجره عريانا فالمسألة على وجوه إن استأجره من البلد إلى البلد لا يضمن؛ لأن الحمار لا يركب بينهما إلا بسرج أو إكاف فإن استأجره ليركب في المصر فإن كان من ذوات المقامات فكذلك فإنه من عادته أن لا يركب عريانا وإن كان من العوام الذي يركبون في المصر عريانا ففعل يضمن. اه.
أقول: ينبغي أن يقال فيما إذا استأجر من القرية إلى القرية إن كان المستأجر ممن جرت العادة أن يركب من القرية إلى القرية عريانا كما يشاهد في ديارنا فإذا أسرجه يضمن وإلا فلا، وفي المحيط استأجر حمارا بغير لجام فألجمه بلجام مثله لا يضمن؛ لأن اللجام وضع للحفظ فلا بد للراكب منه فيصير مأذونا للجام دلالة إلا إذا كان الحمار لا يلجم بمثله. اه.
وفي التتارخانية ولو هلكت المستأجرة عند المستأجر فاستحقها رجل يضمن المستأجر قيمة ذلك ويرجع على المؤجر كما ضمن اه.
قال - رحمه الله - (وسلوك طريق غير ما عينه وتفاوتا) يعني يجب الضمان إذا عين للمكاري طريقا وسلك هو غيرها وكان بينهما تفاوت بأن كان المسلوك أوعر أو أبعد أو أخوف بحيث لا يسلك؛ لأن التقييد حينئذ مقيد فإذا خالف حينئذ فقد تعدى فيضمن قيمته إن هلك وإن لم يهلك وبلغ فله الأجر استحسانا لارتفاع الخلاف ولا يلزم اجتماع الضمان والأجرة؛ لأنها في حالتين ونظيره العبد المحجور عليه إذا أجر نفسه فإن تلف في العمل يجب على المستأجر الضمان وإن سلم يجب عليه الأجر وإن كان الطريق يسلكه الناس وهلك المتاع فلا ضمان عليه؛ لأن الظاهر فيما يسلكه الناس عدم التفاوت، قال في الهداية والكافي هذا إذا لم يكن بين الطريقين تفاوت؛ لأن عند عدم التفاوت لا يصح التعيين لعدم الفائدة أما إذا كان بينهما تفاوت يضمن لصحة التقييد فجعلاه كالطريق الذي لا يسلكه الناس، فإن قلت ما الفرق بين هذا حيث إذا سلم
صفحہ 17
يجب الأجر وبين ما إذا استأجر دابة لركوب معين فإن ركب غيره وسلمت حيث لا أجر عليه كما في الخلاصة والحدادي والفتاوى العتابية، قلت الفرق أنه هنا وافق من وجه؛ لأن المقصود وصول المتاع إلى ذلك المكان وهناك لم يحصل المقصود؛ لأن المقصود ركوب المعين ولم يحصل ولا يخفى أن قوله وتفاوتا ليس بقيد احترازي؛ لأنه لو ذهب إلى مكان غير ما عينه يضمن، ولو كان أقرب، قال في الينابيع استأجر دابة إلى موضع كذا فركبها إلى مكان أقرب منه فعطبت ضمن قيمتها. اه.
زاد في المحيط في باب الراعي ولو سلم فلا أجر له؛ لأن رب طريق يفسد الدابة السير فيها يوما لصعوبتها وطريق لا يفسد الدابة السير فيها شهرا لسهولتها فاختلف جنس المنفعة فاستوفي جنس آخر فلا يجب الأجر فهذه رواية تخالف ما تقدم وفي الخلاصة، ولو نزل وتهيأ له الارتحال فلم يرتحل حتى أفسد المطر المتاع يضمن إلا إذا كان المطر عاما وفي الخلاصة إذا أفسد المطر المتاع على ظهر الدابة أو سرق لا يضمن.
قال - رحمه الله - (وحمله في البحر الكل وإن بلغ فله الأجر) يعني لو عين عليه أن يحمله في البر فحمله في البحر إن هلك القماش ضمن وإن سلم فله الأجر وفي الخلاصة ولو كان البحر يسلكه الناس ولهذا أطلقه المؤلف، قال الأتقاني السماع بلغ بالتشديد وقوله الكل عائد إلى المسائل التي تقدمت كلها من قوله وبالضرب. اه.
قال - رحمه الله - (وبزرع رطبة وأذن بالبر ما نقص) يعني إذا قيد عليه بأن يزرع حنطة فزرع رطبة يجب عليه ضمان نقصان الأرض؛ لأن الرطبة أكثر ضررا من الحنطة لانتشاب عروقها فيها وكثرة الحاجة إلى سقيها فكان خلافا إلى شر لاختلاف الجنس فيجب عليه النقصان بخلاف ما إذا استأجر دابة للركوب أو الحمل فأردف غيره أو زاد حيث يجب عليه من الضمان بحسابه؛ لأنه تلف بما هو مأذون فيه وبما هو غير مأذون فيه قال - رحمه الله - (ولا أجر) يعني ولا يجب الأجر؛ لأنه لما خالف صار غاصبا واستوفى المنفعة بالغصب فلا تجب الأجرة؛ لأن الضمان والأجرة لا يجتمعان وإن زرع فيها ما هو أقل ضررا من الحنطة لا يجب الضمان وتجب الأجرة؛ لأنه خلاف إلى خير فلا يصير به غاصبا وأقول: ينبغي أن يرجع قوله ولا أجر لجميع المسائل التي قيد فيها والتقييد مقيد إذا خالف.
قال - رحمه الله - (وبخياطة قباء وأمر بقميص فله قيمة ثوبه وله أخذ القباء ودفع أجرة مثله) يعني إذا أمره أن يخيط ثوبه قميصا فخاطه قباء فرب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه وإن شاء أخذه ودفع له أجرة مثله أي مثل القباء القباء القرطف الذي يلبسه الأتراك مكان القميص وهو ذو طاق واحد، قال ظهير الدين القميص إذا قد من قبل كان قباء طاق إذا خيط جانباه كان قميصا قيد بالقباء؛ لأنه لو خاطه غير قباء لا يثبت له خيار، بل يضمنه القيمة حتما، وقيل له الخيار في الكل ووجه ما ذكر أنه قميص من وجه؛ لأنه يمكنه سده والانتفاع به انتفاع القميص فصار موافقا من هذا الوجه وهو مخالف من حيث القطع فيخير كما ذكرنا، وإذا أخذ القباء يدفع أجرة مثله لا يتجاوز به المسمى، ولو خاطه قميصا مخالفا لما وصفه له يخير فإذا أخذه فله أجر مثله لا يتجاوز به المسمى، ولو خاطه سراويل، وقد أمره بالقباء يضمن من غير خيار للتفاوت في المنفعة والهيئة، وقيل يخير وهو الأصح لوجود الاتحاد في أصل المنفعة وهو الستر فصار كما لو دفع لرجل نحاسا وأمره أن يضرب له شيئا من الأواني فضربه له بخلافه فإنه يخير، وفي التتارخانية إذا أمر إنسانا أن ينقش اسمه في فص خاتمه فغلط فنقش اسم غيره ضمن الخاتم وفي الغياثية وإن شاء صاحب الخاتم أخذه وأعطاه مثل أجر عمله لا يزاد على المسمى، ولو دفع إلى نجار بابا وأمره أن ينقشه كذا ففعل غير ما أمره به فله الخيار كما تقدم وإن وافق أمره إلا قليلا فلا وإن أجره أن يحمر له بيتا فخضر فالمالك بالخيار إن شاء أعطاه ما زادت الخضرة فيه ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمته.
ولو دفع ثوبه إلى صباغ ليصبغه بزعفران فصبغه بغير ما سمى فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوب أبيض وسلمه إليه وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجرة مثل عمله لا يتجاوز به المسمى وفي الغياثية لو اختلف في كيفية الصبغ قبل العمل مخالفا ويفسخ العقد وإن بعد العمل فالقول لرب الثوب، ولو دفع إلى حائك غزلا لينسجه كذا فخالف فإما أن يكون الخلاف من حيث القدر أو من حيث الصفة ولا يخلو إما أن يكون إلى زيادة أو نقصان وفي الفصول كلها صاحب الثوب بالخيار إن شاء ترك الثوب وضمنه غزلا وإن شاء ضمنه الثوب وأعطاه أجرة المثل لا يتجاوز به المسمى وفي الخلاصة رجل دفع إلى
صفحہ 18
خياط ثوبا فقال اقطعه حتى يصل القدم وكمه خمسة أشبار وعرضه كذا فجاء به ناقصا فإن كان قدر أصبع ونحوه، فليس بنقصان وإن كان أكثر يضمنه، ولو قال للخياط انظر إلى هذا الثوب إن كفاني قميصا اقطعه وخطه بدرهم فقطعه، ثم قال لا يكفيك يضمن الثوب، ولو قال انظر يكفيني قميصا قال نعم قال اقطعه فقطعه، ثم قال لا يكفيك لا يضمن والله أعلم.
[باب الإجارة الفاسدة]
(باب الإجارة الفاسدة)
لما فرغ من بيان الإجارة الصحيحة شرع في بيان الفاسدة وفي بيان ما يكون مفسدا ولا يخفى أن ذكر الإجارة الفاسدة بعد صحيحها لا يحتاج إلى معذرة فهي في محلها كما لا يخفى وعبر بالفاسد دون الباطل لكثرة فروعه وذكر خلاف ما ترجم له فكان عليه أن يقول: الفاسدة العقد المشتمل على منفعة لأحد المتعاقدين أو جهالة؛ لأن الفقيه نظير للأحكام والفاسد ما كان مشروعا بأصله دون وصفه وبين الفاسد والباطل فرق ها هنا فالباطل ما ليس مشروعا أصلا وحكمه أن لا يجب فيه بالاستعمال أجر بخلاف الفاسد فإنه يجب فيه بالاستعمال الأجر، كذا في الحقائق وفي جامع الفصولين بين البيع الفاسد والإجارة الفاسدة فرق فإن الفاسد من البيع يملك بالقبض والفاسد من الإجارة لا يملك بالقبض حتى إذا قبضها المستأجر لا يملكها، ولو أجرها يجب أجر المثل ولا يكون غاصبا وليس للأول أن ينقض هذا العقد كذا في الخلاصة قال - رحمه الله - (يفسد الإجارة الشرط) قال في المحيط كل جهالة تفسد البيع تفسد الإجارة؛ لأن الجهالة المتمكنة في البدل أو المبدل تفضي إلى المنازعة، وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين يفضي إلى المنازعة فيفسد الإجارة، وفي الغياثية الفساد قد يكون لجهالة قدر العمل بأن لا يعين محل العمل، وقد يكون لجهالة قدر المنفعة بأن لا يبين المدة، وقد يكون لجهالة البدل أو المبدل، وقد يكون لشرط فاسد مخالف لمقتضى العقد، فالفاسد يجب فيه أجرة المثل لا يزاد على المسمى إن سمى وإلا فأجر المثل بالغا ما بلغ وفي الباطل لا تجب الأجرة والعين غير مضمونة في يد المستأجر سواء كانت صحيحة أو فاسدة أو باطلة. اه.
قال الشارح؛ لأنها بمنزلة البيع ألا ترى أنها تقال وتفسخ فتفسد بالشروط وفي الخلاصة رجل استأجر دارا شهرا بعشرة على أنه إن سكن فيها يوما فبعشرة فسدت الإجارة، وكذا لو استأجر دابة إلى بغداد على أنه إن حمل كذا فبأجرة كذا وإن حمل كذا فبأجرة كذا، وكذا لو استأجر أرضا على أنه إن زرع كذا فبأجرة كذا. اه.
وفي المحيط لو استأجر دارا بكذا على أن يعمرها فالإجارة فاسدة ولا يخفى أن المراد بالشرط الفاسد هو الذي لا يلائم العقد كما مر في البيع أما الشرط الملائم فإنه لا يفسد العقد وبهذا ظهر أن الإجارة الواقعة في مصر في الوقف في زماننا على أن المغارم وكلفة الكاشف على المستأجر فاسدة كما لا يخفى.
قال - رحمه الله - (وله أجر مثله لا يتجاوز به المسمى) لا يخفى أن العقد الفاسد في الإجارة له حكمان وجوب الدفع والضمان إذا انتفع ووجوب الدفع مقدم على وجوب أجرة المثل فكان عليه أن يقدم الحكم المتقدم على المتأخر، ولكن اهتم بالضمان فقدمه وترك قيدا وهو أن يقول فإن انتفع فله الأجر وأشار بقوله لا يتجاوز به المسمى إلى أن الفساد ليس لجهالة المسمى أو لعدم التسمية فلو كان الفساد لواحد منهما يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، وكذا إذا كان بعضه معلوما وبعضه مجهولا مثل أن يسمي دابة أو ثوبا أو عشرة دراهم والظاهر من كلام الماتن والشارح أن الفساد إذا كان لغير جهالة المبدل لا يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، بل لا يزاد على المسمى وليس كذلك؛ لأنه إذا كان البدل معلوما وفيه منفعة لأحد المتعاقدين يجب أجر المثل بالغا ما بلغ، كذا في قاضي خان وغيره قالوا لو استأجر حماما أو غيره بمال معلوم بشرط أن يرمه، وكذا إذا استأجر دارا بشرط أن لا يسكنها فالإجارة فاسدة ويجب عليه إن سكنها أجرة المثل بالغا ما بلغ، وقال زفر والشافعي يجب أجر المثل بالغا ما بلغ في الكل إذا كان الفساد لجهالة البدل أو لعدم التسمية ولنا أن المنافع غير متقومة بنفسها؛ لأن التقوم يستدعي سابقة الإحراز وما لا بقاء له لا يمكن إحرازه فلا يتقوم وإنما يتقوم بالعقد الشرعي للضرورة فإذا فسدت الإجارة وجب أن لا تجب الأجرة لعدم العقد الشرعي إلا أن الفاسد من كل عقد ملحق بصحيحه لكونه تبعا له ضرورة فيكون له قيمة في قدر ما وجد فيه شبهة العقد وهو قدر المسمى فيجب فيه المسمى بالغا ما بلغ وفيما زاد على المسمى لم يوجد فيه عقد ولا شبهة عقد فلا يتقوم ويبقى على الأصل.
صفحہ 19
(قوله وله أجر الظاهر من قول المؤلف وله أجر مثله أنه هو الواجب وليس كذلك قال جمهور الشارحين الواجب في الإجارة الفاسدة الأقل من أجرة المثل ومن المسمى وهو في الذخيرة وفتاوى قاضي خان.
قال - رحمه الله - (فإن أجر دارا كل شهر بدرهم صح في شهر واحد إلا أن يسمي الكل) ؛ لأن كلمة كل إذا دخلت على مجهول وأفراده غير معلومة انصرف إلى الواحد لكونه معلوما وفسد في الباقي للجهالة كما إذا باع صبرة من طعام كل قفيز بدرهم فإنه يجوز في قفيز واحد، وهذا قول الإمام ومهما وافقاه في الشهور وأجاز اه.
العقد في الكل في الصبرة والفرق لهما أن الشهور لا نهاية لها والصبرة متناهية فترتفع الجهالة بالكيل، وإذا تم الشهر الأول لكل واحد منهما نقض الإجارة بشرط حضور الآخر وإن كان غائبا لا يجوز بالإجماع، وقيل يجوز عند أبي يوسف قال تاج الشريعة لو كان فاسدا فيما بقي من الشهور لجاز الفسخ في الحال قال قلت الإجارة من العقود المضافة وانعقاد الإجارة في أول الشهر فقيل الانعقاد كيف تفسخ اه.
ولقائل أن يقول أنتم قررتم في الإجارة الصحيحة أنها تنعقد ساعة فساعة وجاز الفسخ فيها بقدر ما بقي من المستقبل ينبغي أن يكون هنا كذلك واختلف المشايخ في كيفية الفسخ لكل واحد منهما في رأس الشهر؛ لأن رأس الشهر في الحقيقة عبارة عن الساعة التي يهل فيها الهلال ولا يمكن الفسخ بعد ذلك لمضي وقت الخيار، والصحيح في هذا أحد الطرق الثلاث أن يقول الذي يريد الفسخ قبل مضي الوقت فسخت الإجارة فيتوقف هذا الفسخ إلى انقضاء الشهر فإذا انقضى الشهر وأهل الهلال عمل الفسخ حينئذ عمله ونفذ؛ لأنه لا يجد نفادا في وقته؛ لأن الفسخ إذا لم يجد نفاذا يتوقف إلى وقته وبه كان يقول أبو النصر محمد بن سلام أو يقول الذي يريد الفسخ في هلال الشهر فسخت العقد رأس الشهر فينفسخ العقد إذا هل الشهر أو يفسخ الذي يريد الفسخ في الليلة التي يهل الهلال في يومها، كذا في النهاية مختصرا وظاهر الرواية أن لكل واحد منهما الخيار في الليلة الأولى ويومها وبه يفتى؛ لأن في اعتبار الساعات حرجا بينا والمقصود هو الفسخ في رأس الشهر وهو عبارة عن الليلة الأولى ويومها؛ لأن محمدا قال لو حلف ليقضي فلانا دينه في رأس الشهر فقضاه في الليلة التي يهل فيها الهلال ويومها لم يحنث استحسانا، وظاهر قوله صح في شهر واحد الفساد في الباقي كما تقدم قال في المحيط: وهذا قول بعضهم والصحيح أن الإجارة كل شهر جائزة وإطلاق محمد يدل على هذا فيجوز العقد في الشهر الأول والثاني والثالث وإنما يثبت خيار الفسخ لكل واحد منهما في أول الشهر الثاني؛ لأن الإجارة في الشهر الثاني مضافة إلى وقت في المستقبل ولكل واحد فسخ الإجارة المضافة إلى وقت في المستقبل وقوله دارا مثال؛ لأنه لو استأجر ثورا ليطحن عليه كل يوم بدرهم فالحكم كذلك.
قال - رحمه الله - (وكل شهر سكن ساعة منه صح فيه) ؛ لأنه صار معلوما فتم العقد فيه بتراضيهما وهو قول بعض المشايخ وهو القياس وعلى ما في الأصل إذا سكن يوما أو يومين صح وليس لواحد منهما الفسخ وهو ظاهر الرواية على ما قدمنا، ولو قدم أجرة شهر أو أكثر وقبض المعجل يوما لا يكون لكل واحد منهما الفسخ فيما عجل؛ لأن بالتقديم زالت الجهالة في ذلك القدر فصار كالمسمى في العقد قال في المحيط الإجارة الطويلة التي تفعل ببخارى صورتها أنهم يؤجرون الدار والأرض سنين مدة معلومة متوالية غير ثلاثة أيام في آخر كل سنة على أن كلا منهما بالخيار في ثلاثة أيام من آخر كل سنة ويجعلون لكل سنة أجرة قليلة ويجعلون بقية الأجرة للسنة الأخيرة، الصحيح أن هذا العقد جائز؛ لأن هذا ليس بشرط الخيار في الإجارة، بل استثناء ثلاثة أيام.
قال - رحمه الله - (وإن استأجرها سنة صح وإن لم يسم أجرة كل شهر) يعني إذا بين الأجرة جملة جاز العقد؛ لأن المنفعة صارت معلومة ببيان المدة، والأجرة معلومة وإن لم يبين القسط كل شهر فإذا صح وجب أن يقسم الأجرة على الشهور على السواء ولا يعتبر تفاوت الأسعار باختلاف الزمان ولما كانت السنة منكرة أفاد أن هذا المنكر يتعين بقرينة الحال.
قال - رحمه الله - (وابتداء المدة وقت العقد) يعني ابتداء أول مدة الإجارة الوقت الذي يلي العقد؛ لأن في مثله يتعين الزمان الذي يلي العقد كالأجل واليمين لا يكلم فلانا شهرا؛ ولأنه لو لم يتعين عقيب العقد لصارت مجهولة وبه تبطل الإجارة والظاهر من حالهما أنهما يعقدان العقد الصحيح فتعين عقيب العقد بخلاف الصوم حيث لا يتعين ابتداؤه عقيب اليمين ولا عقيب النذر؛ لأن
صفحہ 20
الأوقات في حقه ليست سواء فإنه لا يجوز في الليل ولا يصير شارعا فيه إلا بالعزيمة فلا يتعين عقيب التسبب هذا إذا كان العقد مطلقا من غير تعيين المدة وإن بين مدة تعين ذلك وهو ظاهر.
قال - رحمه الله - (فإن كان حين يهل يعتبر بالأهلة وإلا فالأيام) قال صاحب النهاية بضم الياء وفتح الهاء على صيغة البناء للمفعول أي يبصر الهلال، وقال أراد به اليوم الأول اه.
قال ابن قاضي زاده وليس المراد بقوله اليوم الأول تفسير معنى حين يهل إذ قد علم معناه من التفسير السابق قطعا، بل مراده بذلك بيان أثر قوله حين يهل وليس المراد معناه الحقيقي، بل المراد معناه العرفي وهو اليوم الأول من الشهر اه.
يعني إذا وقع عقد الإجارة في ليلة الهلال أو في يومها تعتبر المدة بالأهلة وإن كان بعدما مضى شيء من الشهر يعتبر بالأيام وهو أن يعتبر كل شهر ثلاثون يوما، وهذا قول الإمام وهو رواية عن الثاني، وقال محمد يعتبر الأول بالأيام ويكمل من الأخير ويبقى غيره على الأصل وللإمام أنه لما تعذر اعتبار الشهر الأول بالأهلة فكذا البقية. اه.
[أخذ أجرة الحمام]
قال - رحمه الله - (وصح أخذ أجرة الحمام) لقوله - صلى الله عليه وسلم - «ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن» قال الأكمل وإنما ذكر هذه في الفاسدة مع أنها جائزة؛ لأن بعض العلماء خالف في ذلك قال الشارح وبعض العلماء كره الحمام لما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - «أنه سماه شر بيت» ، وقال عثمان إنه بيت الشيطان ومن العلماء من كرهه للنساء لا للرجال والصحيح أنه لا بأس بالحمامات للرجال والنساء وفي الخلاصة استأجر حماما في قرية فوقع الجلاء في القرية ونفر الناس سقطت الأجرة أو نفر بعض الناس لا تسقط وفي المحيط إذا كان حمام للرجال وحمام للنساء فأجرهما جميعا وسمى حماما جاز استحسانا إذا كان باب الحمامين واحدا وإن كان لكل واحد باب على حدة لا يجوز العقد. اه.
وفي الخلاصة استأجر حماما ببدل على أن عليه الأجرة حال جريان الماء وانقطاعه فالإجارة فاسدة وفي الخانية شيل الرماد والسرقين وتفريغ موضع البالوعة وغيرها على المستأجر فإن شرط على المؤجر فسدت. اه.
وقال في المحيط: ولو امتلأ مسيل ماء الحمام فعلى المستأجر تفريعه، ولو امتلأت البالوعة فعلى الآجر تفريغها والفرق أن تفريغ مسيل الماء يمكن من غير نقض البناء.
وأما البالوعة فلا يمكن تفريغها بنفسه إلا بنقض شيء من البناء ولا يملك المستأجر نقض شيء من البناء وإنما يملكه رب الأرض فجعل تفريغه عليه وفيه أيضا استأجر حمامين سنة فانهدم أحدهما قبل القبض فله ترك الباقي؛ لأن الصفقة تفرقت عليه قبل التمام بخلاف ما لو استأجر حماما سنة فلم يسلمه إلى المستأجر حتى مضى شهران ولم ينتفع وامتنع المستأجر من القبض فإنه يجبر على القبض ولا يخير؛ لأن الصفقة هنا تفرقت في حق المنافع فلا يوجب ثبوت الخيار وهناك في القبض، وإذا انهدم الحمام قبل القبض فله الخيار، ولو انهدم أحد الحمامين بعد القبض فالباقي لازم بحصته؛ لأن الصفقة تفرقت بعد التمام استأجر حماما وعبدا ليقوم عليه فانهدم الحمام بعد قبضهما فله ترك العبد؛ لأنه عجز عن استعمال العبد فيما استأجره له وإن هلك العبد، فليس له ترك الحمام؛ لأن هلاك العبد لا يوجب خللا في منفعة الحمام استأجر الحمام ودخل بنورة أو أخذه من رب الحمام يجوز استحسانا استأجر حماما بغير قدر واستأجر القدر من آخر فانكسر القدر بعد شهر فأجرة الحمام لازمة دون أجرة القدر؛ لأنه يمكنه أن يستأجر قدرا غيره ويستعمله في الحمام استأجر حماما شهرا فعمل فيه من الشهر الثاني فلا أجر عليه في الشهر الثاني وروي عن أصحابنا أن عليه أجرة الشهر الثاني للعرف.
[أخذ أجرة الحجام]
قال - رحمه الله - (والحجام) أي جاز أخذ أجرة الحجام لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - «احتجم وأعطى أجرته» وبه جرى التعارف بين الناس من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا فانعقد إجماعا، وقالت الظاهرية لا يجوز لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - «نهى عن عسب التيس وكسب الحجام وقفيز الطحان» ، قلنا هذا الحديث منسوخ لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - «قال له رجل إن لي عيالا وغلاما حجاما أفأطعم عيالي من كسبه، قال نعم» وإنما فسرنا الصحة بالجواز؛ لأن العادة جارية هنا وفيما بعده لعدم جريان عقد فيه، قال - رحمه الله - (لا أجرة عسب التيس) يعني لا يجوز أخذ أجرة عسب التيس لقوله - عليه الصلاة والسلام - «إن من السحت عسب التيس ومهر البغي» ؛ ولأنه عمل لا يقدر عليه وهو الإحبال فلا يجوز أخذ الأجرة عليه ولا أخذ المال بمقابلة الماء وهو نجس لا قيمة له فلا
صفحہ 21