بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدّمَة الطبْعَة الثَّانيَة
هذه هى الطبعة الثانية من كتاب التكملة لأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي المعروف بالفارسي المتوفى سنة ٣٧٧ هـ.
وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت عام ١٩٨١ من دار الكتب بجامعة الموصل، وكنت في وقتها موفدًا للتدريس في جامعة محمد الأول/ بوجدة في المغرب الشقيق مما حال بيني وبين الإشراف القريب على مسودات الطباعة. وهذه مناسبة طيّبة لأن أنوّه بالشكر الجزيل للصديقين الدكتور محمد مجيد السعيد رئيس جامعة الموصل -في حينه- والدكتور سعيد الزبيدي التدريسي فيها آنذاك، لما قاما به من متابعة إخراج الطبعة الأولى، ذلك أنني لم أتمكن من شكرهما في وقت ظهورها.
غير أن كتابًا مثل كتاب التكملة، على أية حال، لن تسد الحاجة إليه طبعة واحدة وفي زمن بعينه. بل هو كتاب لا غنى لدارس اللغة العربية ومدرّسها من الرجوع إليه بنفس القدر الذي لا غنى فيه للمكتبة العربية بأنْ يُرفد إليها بين الآونة والأخرى.
وهذا الأمر يصح أيضًا على غير التكملة من شوامخ المصادر والمراجع التي كانت قد ظهرت مرة وعلى الأخص ما كان منها قد طبع قبل أنْ تحقق حركة التحقيق العلمي للمخطوطات هذا الحضور الراسخ في حياتنا الثقافية المعاصرة.
إن قضيّة تحقيق المخطوطات قد توطدت أصولها وأدواتها المعرفية والتقنية
1 / 5
إلى حد بعيد لدرجة لم يعد بالإِمكان أنْ تتيح حيّزًا لغير ذوي المعرفة الرصينة من الإِضرار بها سواء أكان ذلك من دور النشر أم الافراد الذين يلجون ساحتها دون امتلاك أدواتها المتممة لنجاحها.
وأخيرًا فإن هذه الطبعة التي أصدرتها دار عالم الكتب العامرة تتدارك ما قد يكون في الطبعة الأولى من هنات غير مقصودة ولهذا فإنني أتقدم بالشكر الوافر لصاحبها الصديق نزيه بعلبكي لإخراج هذه الطبعة لهذا الكتاب النفيس، جزاه الله خيرًا عن العلم والمشتغلين به.
بغداد ١٩/ ٩/ ١٩٩٥
الدكتور كاظم بحر المرجان
كلية التربية/ جامعة بغداد
1 / 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدّمَة
من الأمور الداعية للتفاؤل في الحقبة الراهنة من تطورنا أن يعطي فريق من الدارسين انتباههم لتراث أمتنا اللغوي فيقوموا بنشره وتحقيقه. ذلك أن حجم التيار الفكري وإيجابيته وتنوعه يوضح مدى رقي أية أمة لأن النشاط الثقافي معيار صادق لنهج تقدم الأمم.
لكن دواعي الوفاء لمفكري الأمة الأسلاف توجب على من يتصدر لمهام التحقيق أن يولي تراثهم حقه من العناية والجهد؛ إذ إنَّ العبث بالتراث أو التسرع في إخراجه بلا ترو وتؤدة أشد وبالًا من بقائه دفين خزائن المخطوطات.
بهذا الإِدراك توجهت لتحقيق كتاب التكملة لأبي علي الفارسي بعد أن هداني أستاذي الفاضل الدكتور حسين نصار إلى القيمة اللغوية الفريدة لهذا الكتاب. وكان الكتاب كما قدر الأستاذ الكريم مخزونًا ضخمًا من القواعد الأصول للغتنا السمحاء، وهو أيضًا كتاب في الصرف، وكتب الصرف حقها من اهتمام المحققين ضئيل، يضاف إلى ذلك أن صعوبة هذا الكتاب ووعورة مداخله ثم تعدد نسخه وتناثرها في مكتبات العالم أمور حالت بين الكتاب ومحاولة تحقيقه. لكني رأيت أن حظوة إخراجه علميًا تفوق كل عقبات تعوقها، ولهذا بذلت ما وسعني الجهد وتحملت الكثير من متاعب السفر ومشاقه لأجمع نسخه، ثم تفرغت للعمل المتواصل فيه زمنًا طويلًا، وأقرُّ أن
1 / 7
كل ما عملته من أجل الكتاب لن يرقى إلى مبلغ منزلته، ولذا فإني آمل بعودة متأنية إلى الكتاب، غير أني ازعم أيضًا أن الكتاب غدا نصًا موثقًا لكل ذي رغبة وموهبة أن قراءة أو إفادة بأية صورة.
وقامت محاولتي في الكتاب على قسمين: الأول دراسته، والثاني تحقيقه. وجزأت القسم الأول إلى تمهيد وفصلين، عرّفْتُ باقتضاب في التمهيد بالمصنف إذ أشرت إلى حياته وأساتذته وتلامذته وآثاره، وذكرت عددًا غير قليل من مراجع ترجمته. وعقدت الفصل الأول لدراسة الكتاب وقسمته إلى أربعة أقسام، بحثت في الأول منها سبب التأليف، وقمت بمحاولة لتحديد تاريخه. وفي الثاني تعرضت لمصادر التكملة، وفي الثالث عرضت موضوعات الكتاب وأبوابه، وفي الرابع ذكرت كتب الشروح وشروح الشواهد ومؤلفيها.
وخصصت الفصل الثاني لمنهج الكتاب، وقسمت هذا الفصل إلى أربعة أقسام أيضًا تحدثت في القسم الأول عن طريقة عرض المادة، وفي الثاني عن القياس وما يرتبط به من موضوعات مثل التعليل، والاحتجاج، والأصول والفروع، والتخريج والتأويل. وتحدثت في الثالث عن السماع ويدخل فيه موضوع الاستشهاد وأشرت إلى مصادره في الاستشهاد وهي القرآن وقراءاته، والشعر، والأمثال والأقوال، وذكرت موقفه من الاستشهاد بالحديث النبوي. وفي القسم الرابع من هذا الفصل تكلمت عن موقفه من المدارس النحوية المختلفة وشيوخها، وأنهيته بالكلام عن شخصية أبي علي اللغوية في الكتاب.
وعملت خاتمة للدراسة تحدثت فيها عن أثر الكتاب فيما بعده من المصنفات وركزت على تتبع هذا الأثر في بعض مصنفات ابن جني، وفي المخصص، والأمالي الشجرية.
1 / 8
أما القسم الثاني من الدراسة، فخصصته للكتاب محققًا وقدمت له مع وصف للنسخ، وذكرت منهج التحقيق الذي بينت فيه الأسس والقواعد التي ألزمت نفسي بها، ثم عملت فهرسًا مقارنًا لأبواب الموضوعات في النسخ المختلفة.
وأود أن أوضح أني لم أبخل بشيء من أجل أن أوفي عملي حقه، وإنْ بدا فيه ما يوجب الاعتذار عنه، فما لي إلا التذرع بأمرين: باكورة التجربة، والصعوبة في متابعة أفكار هذا العالم الفذ، وكلاهما واقع لا قبل لي بتجاوزه، وقد يفهم عذري ويغتفر لي من عانى التحقيق ومشاكله فهو يقدر المنهج الذي ألزمت نفسي به وحاولت السير بما يمليه.
وأوكد أني وطدت النفس بالصبر على المشقة طويلًا، وأخلصت النية وبذلت ما وسع الجهد، ولولا رعاية تفوق المعتاد اولانيها أستاذي الكريم، وعناء منه وحدب يجاوزان ما كنت آمل، لما قدر لي أن أصل إلى ما وصلت إليه في هذا الموضوع، وتحدوني الموضوعية التي أخذتها عنه فيما أخذت من أمور عدة أن أقرر أن ما يلاحظ في عملي من هفوات تتركز في المواطن التي بعدت فيها عن توجيهاته السديدة لظروف شتى، جزاه الله عني وعن طلبة علمه أفضل الجزاء، والله الموفق.
القاهرة ١٩٧٢
كاظم بحر المرجان
1 / 9
تمهيد
كتاب التكملة من الكتب الأصول التي لقيت اهتمامًا كبيرًا من دارسي اللغة الأقدمين، وتبرز أهميته في كونه كتابًا خصصه مؤلفه لبحث قواعد اللغة والصرف وأقيستها.
ومؤلفه الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان الفارسي النحوي، وكنيته التي اشتهر بها "أبو علي".
وعلى الرغم من أنَّ جده البعيد "أبان" اسم عربي مصروف (^١) فقد ذهب أكثر من ترجم له إلى أن أباه فارسي الأصل. وربما كان الأمر أن جدّه هذا عربي الأصل استوطن بلاد فارس في أثناء الفتوحات الإِسلامية، أو لعله فارسي أسلم آباؤه فسموه باسم عربي، ولقب الفارسي -كما يقول الدكتور عبد الفتاح شلبي- لا ينهض دليلًا على فارسيته إذ كثيرًا ما تلقب بعض المشهورين من العرب بألقاب فارسية كأبي إسحاق الشيرازي والفيروزابادي، والترمذي صاحب السنن، والأصبهاني صاحب الأغاني (^٢).
وأم أبي علي سدوسية -بفتح السين- نسبة لسدوس وهي قبيلة عربية ترجع
_________
(^١) انظر اللسان (ابن) ١٦/ ١٤٣.
(^٢) انظر: أبو علي الفارسي، ص ٤٦.
1 / 11
إلى شيبان من بكر بن وائل، ثم إلى جديلة، ثم إلى أسد، ثم إلى ربيعة، ثم إلى نزار بن معد بن عدنان. وهذا مما يثير الشك في الجزم بفارسيته.
ومولده مدينة "فسا" التي ينسب إليها أحيانًا، وهي أكبر مدينة في كورة درابجرد، وتقارب في الكبر مدينة شيراز، وقد وصفت بأنها أنزه مدن فارس (^١).
اختلف مؤرخوه في عام مولده، لكنهم اتفقوا على أن وفاته سنة ٣٧٧ هجرية، وأرجح الروايات على أنه عاش تسعًا وثمانين عامًا، وعلى هذا يكون مولده عام ٢٨٦ هجرية.
غادر مدينة "فسا" إلى بغداد سنة ٣٠٧ هـ، وهو دون العشرين، طلبًا للشهرة والعلم والمنزلة، وتشبهًا بآخرين من ذوي الطموح والنباهة.
وقضى في العراق ما بين ٣٠٧ - ٣٤١ هـ متنقلًا في مدنها المهمة، ومتصدرًا للإِقراء، والتدريس، والتأليف، تاركًا في أغلب هذه المدن أثرًا لغويًا يحمل أسماءها. فله البغداديات، والبصريات، والهيتيات (^٢)، والقصريات (^٣)، وقد ذكر ابن جني أنه التقى بالفارسي سنة ٣٤١ هـ في جامع الموصل وسمع منه (^٤) عندما كان قاصدًا حلب يطلب فيها الحظوة عند سيف
_________
(^١) معجم البلدان ٦/ ٣٧٦.
(^٢) صحف الدكتور شلبي قراءتها إلى "الهيثيات" في كل المواضع التي وردت فيها في كتابه، انظر مثلًا الصفحة ١٤٨.
والصواب ما أثبته؛ لأنها منسوبة إلى مدينة "هيت" شمال غرب بغداد، وتتبع محافظة الأنبار حاليًا. وروى ابن جني في الخصائص ١/ ٩٢: (وحدثني أبو علي ﵀ قال: دخلت "هيتًا" وأنا أريد الانحدار منها إلى بغداد فسمعت أهلها ينطقون بفتحة غريبة لم أسمعها، فعجبت منها وأقمنا أيامًا إلى أن صلح الطريق للمسير … الخ).
(^٣) نسبة إلى قصر ابن هبيرة بمدينة الكوفة، وفيها قول آخر هو أنها نسبة إلى تلميذ له أملاها عليه أبو علي، واسمه محمد بن طويس القصري. انظر معجم البلدان ٧/ ١١٣.
(^٤) الخصائص ١/ ٧٤، والمحتسب ١/ ٣٤٠.
1 / 12
الدولة غير أن منزلة ابن خالويه في بلاط سيف الدولة حالت بين الفارسي وما آمل، فأخذ يطوف مدن الشام، وظهرت أسماء بعض هذه المدن على كتبه أيضًا، كالمسائل الحلبية، والدمشقية.
وعاد إلى بغداد سنة ٣٤٦ هـ، ومكث فيها حتى عام ٣٤٨ هـ، ثم انتقل إلى شيراز، ليلحق بعضد الدولة، وبقي فيها مقربًا إليه يسايره ويحضره مجلسه ويتباحث معه في النحو واللغة، إلى أن حدث النزاع بين عضد الدولة وابن عمة عز الدولة بختيار بن معز الدولة، الذي انتصر فيه عضد الدولة، ودخل بغداد، وبلغ فيها أوج سلطانه.
ولحق أبو علي بعضد الدولة في بغداد، وارتفع شأنه عند عضد الدولة حتى كان الوكيل عنه في عقد زواج ابنته على الخليفة الطائع سنة ٣٦٩ هـ (^١)، فقصدت أبا علي الوفود من جميع الأقطار، واشتهر ذكره في الآفاق.
وتوفي في بغداد في ربيع الأول سنة ٣٧٧ هـ، ودفن في الجانب الغربي منها.
وكان ميسور الحال في آخر أيام عمره حتى قيل: أنه أوصى بثلث ماله لنحاة بغداد، فكان ثلاثين ألف دينار (^٢).
ووصفه المؤرخون بأنه كان قوي البنية، نظيفًا في مظهره ولهذا فقد أزرى على المتنبي قبح زيه، وما أخذ به نفسه من الكبر (^٣).
وقد وصف أيضًا بأنه كان صادقًا في نفسه، مترفعًا عن الكذب (^٤)، رفيقًا
_________
(^١) النجوم الزاهرة ٤/ ١٣٥.
(^٢) إنباه الرواة ٢/ ١١٩.
(^٣) الصبح المنبي ٢١٠.
(^٤) انظر: لسان الميزان ٢/ ١٩٥، ويتيمة الدهر ٤/ ٢٧٠.
1 / 13
بذي قرباه؛ إذ أوصى الصاحب بن عباد خيرًا بابن أخته أبي الحسين (^١).
وقد كان ذا موضوعية في تقرير الحقائق العلمية واللغوية والنحوية، وسوف نرى ذلك بينا في أثناء الحديث عن آرائه عند دراسة الكتاب.
وعقيدته تجمع بين التشيع والاعتزال، ودليل تشيعه العلاقة الوثيقة التي ربطته بالصاحب بن عباد، وهو معروف بشيعيته، وكذلك تقريب عضد الدولة البويهي له، وطابع الدولة البويهية العام هو التشيع.
أما عن اعتزاله فكثيرًا ما تنعكس مصطلحات المعتزلة في كتبه كالحسن والقبح، والقديم وغيرها. والمعتزلة يقولون كما ذكر الشهرستاني (^٢) بأن الحسن والقبح تجب معرفتهما بالعقل، وهم يدعون إلى النظر والتفكير والاستدلال على الحسن والقبح بأعمال العقل. وهذا ما يقرره أبو علي في كثير من أقواله في الكتاب (^٣).
أساتذته وتلاميذه وآثاره:
عند الحديث عن أساتذة أبي علي لا بد من الإِشارة إلى أنه تلقى علومه عن طريقين:
الأول: عن قدماء النحويين واللغويين الذين أخذ عنهم بشكل غير مباشر حيث درس كتبهم أو كتب تلامذتهم الذين أخذوا عنهم، وسنعرض لذكر هؤلاء عند الحديث عن مصادر كتابه.
الثاني: عن العلماء والشيوخ الذين أخذ عنهم مباشرة وهؤلاء:
_________
(^١) معجم الأدباء ٧/ ٣٤٩ وما بعدها.
(^٢) الملل والنحل، ص ٦٣.
(^٣) انظر ورود الحسن بالاستدلال العقلي في التكملة في الصفحات ٢٢٧، ٢٩٣ - ٢٩٤، ٢٩٨، وورود القبح في الصفحة ٢٩٨، وورود القديم في الصفحة ٢٦٠.
1 / 14
١ - أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج، المتوفى سنة ٣١١ هـ وقد ورد ذكر الزجاج في التكملة ثلاث مرات نص فيها أبو علي على حضوره مجلس الزجاج.
٢ - أبو الحسن علي بن سليمان المعروف بالأخفش الصغير، المتوفى سنة ٣١٥ هـ. وقد كان حافظًا للأخبار فانتفع أبو علي منه بذلك، وهو ينص في التكملة على أخذه منه أيضًا.
٣ - أبو بكر بن السري بن سهل، البغدادي، المعروف بابن السراج المتوفى سنة ٣١٦ هـ، وهو صاحب الأصول وتأثر أبو علي به في القراءات لأن ابن السراج احتج للقراءات التي ذكرها ابن مجاهد، وهذا من أساتذة أبي علي، وقد قرأ أبو علي على ابن السراج كتاب سيبويه.
وترجمت لهؤلاء الثلاثة ترجمات مختصرة عند ورود أسمائهم في الكتاب (^١).
٤ - أبو بكر محمد بن أحمد بن منصور المعروف بابن الخياط، المتوفى سنة ٣٢٠ هـ، كان يجمع بين نحو البصريين والكوفيين، وذكر ياقوت أنه رأي بخط أبي علي ما يفيد قراءته على ابن الخياط (^٢).
٥ - أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، المتوفى سنة ٣٢١ هـ، بصري رحل إلى بغداد، وبقي فيها حتى أصبح عالمًا باللغة وأشعار العرب، من كتبه: الجمهرة، والاشتقاق، وقد تأثر أبو علي بمسائله وكتبه اللغوية (^٣).
٦ - أبو بكر بن مجاهد، المتوفى سنة ٣٢٤ هـ، وهوأحمد بن موسى، كان
_________
(^١) انظر الصفحات ٢٨٣، ٢٣٠، ٥٤١ على الترتيب.
(^٢) معجم الأدباء ١٧/ ١٤٢، نزهة الألباء ٣١٢.
(^٣) ترجمته في نزهة الألباء ٣٢٢ - ٣٢٦، إنباه الرواة ٣/ ٩٢ - ١٠٠، معجم الأدباء ١٨/ ١٢٧ - ١٤٥.
1 / 15
فاضلًا عالمًا ذا معرفة بالقراءات وعلوم القرآن، وتأثر أبو علي به في كتاب الحجة (^١).
٧ - أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل العسكري، المتوفى سنة ٣٤٥ هـ، المعروف بـ "مبرمان". كانت له عناية بكتاب سيبويه فشرحه وشرح شواهده، أخذ عنه السيرافي وأبو علي، ويقال إن الذي لقبه بهذا اللقب "مبرمان" هو المبرد، لكثرة سؤال أبي بكر له (^٢).
وعن تلامذته، فقد أخذ عنه خلق كثير؛ لأنه ارتحل في بلاد عدة، ومن هؤلاء من لازمه طويلًا منتفعًا بعلمه كابن جني الذي بقي معه إلى أن توفي أبو علي، وعلي بن عيسى الربعي، الذي أخذ عنه مباشرة لعشرين عامًا لا يبرح مجلسه في أثناء إقامة أبي علي في شيراز (^٣).
ومن المشهورين من تلامذته غير ابن جني والربعي، وأبو بكر أحمد بن بكر العبدي (^٤).
وذكر له تلامذة آخرون في مختلف علوم اللغة والحديث والقراءات منهم: عبد الملك بن أبي بكر النهرواني، وأبو القاسم التنوخي، وعبد الله بن أحمد الفزاري، وهلال بن الحسن بن إبراهيم بن هلال الصابي، وإبراهيم بن علي الفارسي، ومحمد بن عمر الخلال، وعبد الله بن محمد بن جرو الأسدي، وإسماعيل بن حماد الجوهري، وعلي بن عبد الله السمسمي، وعلي بن عبد الله الدقيقي النحوي، وصاعد بن الحسن بن عيسى الربعي، وأحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي، والحسين بن محمد بن جعفر
_________
(^١) انظر ترجمته في طبقات القراء ١/ ١٣٩ - ١٤٢.
(^٢) انظر ترجمته في بغية الوعاة ص ٧٥، معجم الأدباء ١٨/ ٢٥٦، إنباه الرواة ١٨٩ - ١٩٠.
(^٣) إنباه الرواة ٢/ ٢٩٧.
(^٤) ترجمت له في وصف النسخ وعند الكلام عن نسخة الأصل.
1 / 16
النحوي المعروف بالخالع، وعلي بن طلحة بن كردان النحوي، وأبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الوارث الفارسي النحوي (ابن أخت أبي علي)، ومحمد بن محمد بن عيسى المعروف بالخيشي، وأبو القاسم زيد بن علي النحوي الفارسي، وعالي بن حسان بن جني (^١).
أما آثاره فهي كثيرة، وقد أجملها الذين ترجموا له فيما يأتي:
١ - أبيات الأعراب.
٢ - أبيات المعاني.
٣ - الأغفال.
٤ - أقسام الأخبار في المعاني.
٥ - الأهوازيات.
٦ - الإيضاح.
٧ - الإيضاح الشعري.
٨ - التتبع لكلام أبي علي الجبائي في التفسير.
٩ - التذكرة.
١٠ - الترجمة.
١١ - التعليق على كتاب سيبويه.
١٢ - تفسير قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾
١٣ - التكملة.
١٤ - جواهر الأدب.
١٥ - الحجة.
١٦ - شرح أبيات الإِيضاح.
١٧ - العوامل المائة.
_________
(^١) ترجم لتلامذته المذكورين الدكتور عبد الفتاح شلبي. انظر كتابه ص ١٣٢ - ١٣٨.
1 / 17
١٨ - مختصر الأعراب.
١٩ - المسائل البصرية.
٢٠ - المسائل البغدادية.
٢١ - المسائل الحلبيات.
٢٢ - المسائل الدمشقية.
٢٣ - المسائل الذهبيات.
٢٤ - المسائل الشيرازية.
٢٥ - المسائل العسكرية.
٢٦ - المسائل القصرية.
٢٧ - المسائل الكرمانية.
٢٨ - المسائل المجلسيات.
٢٩ - المسائل المشكلة.
٣٠ - المسائل المصلحة من كتاب ابن السراج.
٣١ - المسائل المنثورة.
٣٢ - المقصور والممدود.
٣٣ - نقص الهاذور.
٣٤ - الهيتيات.
ووجدت إشارات لكتب أخرى لأبي علي في تراجم غيره من النحاة أو في الفهارس، ومن ذلك:
١ - ذكر في مقدمة معجم الأدباء، أن لياقوت كتابًا اسمه "مجموع كلام أبي علي الفارسي" (^١).
_________
(^١) معجم الأدباء ١/ ٢٢.
1 / 18
٢ - ذكر في مصنفات ابن جني كتاب "القد" وقيل في وصفه وهو: ما استملاه من أبي علي (^١).
٣ - ذكر في فهرس مخطوطات الجامعة العربية: "مسألة لأبي علي في الأخبار" أولها الأخبار تنقسم على ثمانية أقسام (^٢).
٤ - ذكر في مصنفات الرماني كتاب اسمه "شرح الأسماء والصفات لأبي علي (^٣) ".
ولم يطبع من آثار أبي علي سوى كتاب الحجة (^٤)، وكتاب الإِيضاح (^٥).
هذه إلمامة قصيرة بحياة أبي علي الذي كان موضع إعجاب دارسيه وغيرهم ممن عرفوا علمه ومنزلته على مر العصور، وقد وصفه الخطيب البغدادي بقوله: "أبو علي فوق المبرد واعلم منه" (^٦). وقال عنه تلميذه أبو طالب العبدي: "ما كان بين سيبويه وأبي علي أفضل منه" (^٧)، وكان عضد الدولة يفخر بقوله: "أنا غلام أبي علي في النحو (^٨) "، وامتدحه أبو العلاء المعري بقوله:
"أنه رجل يمت بكتابه في (القرآن) المعروف بكتاب الحجة (^٩) "،
_________
(^١) إنباه الرواة ٢/ ٣٣٧.
(^٢) مصورة من داماد إبراهيم ٧٧٥/ ١ (وهي من صفحة ٥٠ - ١٧١).
(^٣) إنباه الرواة ٢/ ٢٩٦.
(^٤) حقق الجزء الأول منه علي النجدي وجماعة.
(^٥) نشره الدكتور فرهود شاذلى.
(^٦) تاريخ بغداد ٧/ ٢٧٥.
(^٧) نزهة الألباء ٣٨٧.
(^٨) المصدر السابق، وانظر أيضًا معجم البلدان ٧/ ٢٣٤، والنجوم الزاهرة ٤/ ١٥١.
(^٩) رسالة الغفران ١٥٤.
1 / 19
وقال عنه دارسهُ الدكتور شلبي: "ويكفيه ما انتهى إليه حكم أبي العلاء، وهو حكم ترضى حكومته (^١) ".
ترجم لأبي علي كثير من الأقدمين والمعاصرين، ومن شاء التوسع في معرفة هذا العالم الكبير فليراجع على سبيل المثال لا الحصر:
١ - أبو علي الفارسي (رسالة دكتوراه) تأليف الدكتور عبد الفتاح شلبي.
٢ - إشارة التعيين (مخطوط بدار الكتب) ورقة ١٣.
٣ - الأعلام للزركلي ٢/ ١٩٣ - ١٩٤.
٤ - الامتاع والمؤانسة ١/ ١٣١.
٥ - إنباه الرواة ١/ ٢٧٣ - ٢٧٥.
٦ - بغية الوعاة ٢١٦ - ٢١٧.
٧ - تاريخ بروكلمان ١/ ١١٣ - ١١٧.
٨ - تاريخ بغداد ٧/ ٢٧٥.
٩ - طبقات الزبيدي ١٣٠.
١٠ - طبقات القراء ١/ ٢٠٦ - ٢٠٧.
١١ - طبقات النحويين لابن قاضي شهبة (مخطوط بدار الكتب) ص ٢٩٥.
١٢ - الفهرست لابن النديم ٦٤.
١٣ - كشف الظنون ١/ ٥١١ - ٥١٥.
١٤ - المزهر ٢/ ٢٦٤.
١٥ - معجم الأدباء ٧/ ٢٣٢ - ٢٦١.
_________
(^١) أبو علي الفارسي ١٤٦.
1 / 20
١٦ - معجم البلدان ٦/ ٣٧٦.
١٧ - مفتاح السعادة ١/ ١٧١ - ١٧٢.
١٨ - ميزان الاعتدال ١/ ٢٢٣.
١٩ - النجوم الزاهرة ٤/ ١٥١.
٢٥ - نزهة الألباء ٣٨٧ - ٣٨٩.
٢١ - وفيات الأعيان لابن خلكان ١/ ١٦٣ - ١٦٤.
1 / 21
الفصل الأول
دراسة فِي الكتاب
تتضمن:
١ - سبب التأليف وتاريخه.
٢ - مصادر التكملة:
(أ) البصريون.
(ب) الكوفيون.
(ج) آخرون.
٣ - موضوعات الكتاب وأبوابه.
٤ - كتب الشروح وشروح الشواهد ومؤلفوها.
1 / 23
١ - سبب التأليف وتاريخه
يتطلب الحديث عن كتاب "التكملة" ومحاولة تحديد تأليفه، وأسباب هذا التأليف، بالضرورة الحديث عن كتاب "الإيضاح". فكثيرًا ما عدهما المؤرخون كتابًا واحدًا، أطلقوا عليه كتاب الإيضاح. وإن كَانَ عدد غير قليل منهم ينص على ذكر اسميهما مستقلين، فالقفطي مثلًا قَالَ فِي ترجمة عبد القاهر الجرجاني:
"فمن تصانيفه كتاب المقتصد فِي شرح الإِيضاح، وهو مقتصد من مثله على ما سماه، لم يأت فِي "الإيضاح" بشيء له مقدار، ولَمَّا تبرع فِي "التكملة"، لم يقصر بنسبته إلى ما عهد منه، فلو شاء لأطال" (^١)، وابن كثير يعرف أبا علي بأنه "صاحب المصنفات منها الإِيضاح، والتكملة" (^٢)، وذكر صاحب كشف الظنون أن أبا العباس أحمد بن علي الحمصي المتوفى سنة ٦٤٤ هـ نظم الإِيضاح والتكملة شعرًا (^٣)، وكذلك نص على ذكرهما ابن الجزري (^٤)، وذكر بروكلمان عندما عدد مواضع نسخ الكتابين شرح الإِيضاح والتكملة لعبد القاهر الجرجاني (^٥)، وأفرد العاملي كتاب التكملة مستقلًا
_________
(^١) إنباه الرواة ٢/ ١٨٨، وانظر منه أيضًا ١/ ٢٧٥ إذ نص كذلك على التكملة حين عدد مصنفات الفارسي.
(^٢) البداية والنهاية ١١/ ٧٥٢.
(^٣) كشف الظنون ١/ ٥١٥.
(^٤) طبقات القراء ١/ ٢٠٧.
(^٥) بروكلمان ١/ ١١٤.
1 / 25
فيقول: "من مؤلفات أبي علي التكملة فِي التصريف" (^١). وسوف نرى عند الكلام على أثر التكملة فيما بعده من المصنفات أن ابن الشجري نص على الأخذ من كتاب التكملة، كما نصت بعض النسخ الأصول على اسم التكملة عند ابتدائها (^٢).
ووجدت أن جميع النسخ تفصل بين الإِيضاح والتكملة بنهايات تنص على انتهاء الأول وابتداء الثاني، بل أن أبا علي نفسه وضع مقدمة مستقلة لكلا الكتابين.
إن النظرة المتفحصة فِي أبواب الكتابين توضح جليًا أن كلا منهما مستقل فِي موضوعاته عن الآخر استقلالًا بَيَّنَّا، فجميع أبواب الإِيضاح فِي النحو بينما وضعت جميع أبواب التكملة فِي اللغة والصرف. ولم يتعرض أَبُو. علي للنحو إلَّا مرات ضئيلة وبإشارات عارضة من باب الاستدلال على قضايا صرفية (^٣).
ويدعم القول عن استقلال الكتابين أن كلا منهما يحمل اسمًا خاصًا به، فلا يكفي أن يكونا لمؤلف واحد أو أهديا لشخص واحد دليلًا على كونهما كتابًا واحدًا. وقد تكلم قبل أبي علي فِي الصرف علماء أمثال سيبويه فِي كتابه، والمبرد فِي المقتضب، وابن السراج فِي الأصول، لكن هؤلاء جميعًا لم يقسموا كتبهم أقسامًا مستقلة يحمل كلّ منها اسمًا خاصًا مختلفًا، أو وضعوا أكثر من مقدمة أو خطبة لهذه الأقسام.
ولعلَّ أبا علي أراد أن يؤلف كتابًا مستقلًا يتعرض فِيهِ لآرائه اللغوية
_________
(^١) أعيان الشيعة ٢١/ ٣١.
(^٢) انظر وصف نسخة عاطف أفندي (ع)، ومتن الجرجاني (ج ر) وكذلك التعريف الذي صدرت به نسخة أيا صوفيا (ى).
(^٣) انظر مثلًا التكملة ص ٢٥٤ و٤٩٦.
أ
1 / 26
والصرفية، ويكمل فِيهِ ما فعله حين عرض لطرح آرائه النحوية فِي كتاب الإِيضاح. وليس هذا الأمر جديدًا بالنسبة لعصر أبي علي فقد تقدمه بأكثر من قرن من الزمان من وضع فِي الصرف كتابًا مستقلًا وهوأَبُو عثمان المازني المتوفى سنة ٢٤٩ هـ، ولا بد أن يكون بين الرجلين كثير غيرهم فعل ذلك.
لكن أبا علي رغب فِي أن يعيد إِلَى ذهن عضد الدولة فكرة أَنَّهُ سبق أن قدم له فِي النحو كتابًا، لهذا أطلق على الكتاب الصرفي اسم "التكملة" ليتمم به ما بدأه من التأليف لخزانة عضد الدولة امتنانًا لحدب هذا الملك عليه، وعرفانًا بجميله له. وبالفعل فقد أشار فِي كتاب التكملة إِلَى كتاب الإِيضاح (^١)، وأشار أيضًا إِلَى أَنَّهُ سبق أن قدم لخزانة عضد الدولة كتاب المقصور والممدود (^٢)، والمعروف أن كتاب الحجة قد قدم لعضد الدولة كذلك (^٣).
وسوف يظهر لنا عند الحديث عن زمن التأليف أن الكتابين لم يؤلفا فِي وقت واحد، ولا مدينة واحدة، ويبدو أن وضعهما فِي كتاب واحد هو الإِيضاح قد تم فيما بعد على أيدي طلبة الفارسي نظرًا لكونهما قد ألفًا لحاكم واحد، وارتباط الحديث عنهما بقولين أبداهما عضد الدولة عند قراءة كلّ منهما وسنعرض لمناقشة هذين القولين قريبًا -مِمَّا عزز الاعتقاد بأنهما كتاب واحد يكمل الثاني منهما الأول.
ومهما يكن من أمر، فقد استنسخ الكتابان فِي أغلب الأحيان معًا، وتداولهما النّاس معًا، كما أن ما حفظته لنا مكتبات المخطوطات من نسخهما
_________
(^١) التكملة ص ١٨٢.
(^٢) التكملة ٢٨٥.
(^٣) الحجة ج ١/ ص ٣.
1 / 27