والحد الذي هو بحسب الاسم هو الذي يفسره " هو تفسير - ن " ، والذي بحسب الماهية هو الذي يشتمل على جميع مقوماته من جنسه القريب وفصوله، فإن لم يشتمل فهو ناقص. وربما صار شرح الاسم بعينه بعد الإثبات حدا حقيقيا.
كيف يكتسب الحد
ولا يكتسب الحد بالبرهان لأن المقومات لا يلحق بعلل غير أنفسها، ولذلك تكون واضحة بذواتها، فلا وسط أوضح منها.
بل يتركب الذاتيات المقومة على ترتيبها الطبيعي وإيراد الفصول المحصلة لوجود أجناسها أجمع.
ما يستعان به في تحصيل الحدود
وينتفع في ذلك بتحليل الشيء إلى ذاتياته حتى ينتهي إلى أعلى الأجناس وفصولها المقسمة، وبقسمته إلى جزئياته وأجزائه حتى يعرف ما من شأنه أن يلحقه.
وكل ما له علة مساوية واضحة فحده التام يشتمل عليها. وعندي في أخذ العلل في الحدود نظر.
العلة تقع مبدءا للفصل
وتقع العلل في الفصول بأن تكون مبادئ لها في قولنا: " السيف آلة صناعية من حديد مطاول محدد الأطراف بها أعضاء الحيوان " ، وقد يقتصر على البعض كقولنا: " الخاتم حلية يلبسها الإصبع " .
وقوع المعلولات والعوارض في الفصل
وكذلك المعلولات - كالنطق في فصل الإنسان، وهو الشيء الذي من شأنه النطق - والعوارض - كالأبعاد في فصل الجسم.
ويتشارك البرهان والحد في أجزائهما، كقولنا مبرهنين: " الغيم جرم مائي يطفي فيه النار، وكلما هو كذلك فقد يحدث فيه صوت، فالغيم قد يحدث فيه صوت، وكل صوت يحدث في الغيم فهو رعد، فالغيم قد يرعد " . وقد تم بقياسين على الأوسطين، أحدهما بدء بالبرهان والآخر كماله ويليه الجنس.
فإذا حددنا انعكس الترتيب فقلنا: " الرعد صوت يحدث في الغيم لانطفاء النار فيه " وإن اقتصرنا فيه على المبدأ أو الكمال نقص الحد.
تقدم أجزاء الحد على المحدود
وأجزاء الحدود أقدم بالطبع وأعرف من المحدود
الرسم
والرسوم ما يشتمل على الأعراض الذاتية والخواص البينة ويفيد التميز فقط، وأجودها ما يوضع فيه الجنس؛ والمقومات إذا لم يترتب على الترتيب الطبيعي كان المركب رسما.
حد الأعراض الذاتية مع بذكر معروضاتها
والأعراض الذاتية لا يمكن أن تحد إلا مع ذكر معروضاتها.
حد المضاف يشمل ذكر المضاف إليه
ولا المضافات إلا مع ذكر ما يضاف إليه.
حدود المركبات
ولا المركبات إلا بحدود مركبة من حدود أجزائها.
البسائط لا يمكن أن تحد
والبسائط العقلية لا حدود لها.
الشخص الجزئي لا حد له ولا برهان عليه
والأشخاص الجزئية لا حدود لها ولا براهين عليها إلا بالعرض لامتناع إدراك تشخصاتها بالعقل دون الحس أو ما يجري مجراه كالإشارة لكونها معروضة للاستحالة والفناء، والحدود والبراهين تتألف من كليات لا تستحيل ولا تفنى - بل تدوم صادقة على ما يقال أو يقام عليه.
الفصل السادس
في الجدل
الجدل صناعة علمية يقتدر معها على إقامة الحجة من المقدمات المسلمة على أي مطلوب يراد، على محافظة أي وضع يتفق، على وجه لا يتوجه إليها مناقضة بحسب الإمكان.
السائل والمجيب
وناقض الوضع بإقامة الحجة سائل وغاية سعيه أن يلزم، وخافظه مجيب وغاية سعيه أن لا يلزم.
مبادئ الجدل
ومبادئ الجدل عند السائل هي ما يتسلمه عن المجيب، وعند المجيب
الذيعات وهي المشهورات الحقيقية؛ أما مطلقة يراها الجمهور ويحمدها بحسب العقل العملي، كقولنا: " العدل حسن " - ويسمى آراء محمودة - أو بحسب خلق أو عادة أو قوة من القوى النفسانية كحمية أو رقة، " رأفة - ن " أو بحسب استقراء - وبالجملة بحسب شيء غير بديهية العقل النظري - وأما محدودة يراها جماعة أو أهل صناعة - كامتناع التسلسل عند المتكلمين.
المشهورات
والواجبة قبولها مشهورة بحسب الأغلب، ولا تنعكس، وتستعمل في الجدل لشهرتها لا لوجوب قبولها، وليس كل مشهور صادقا، بل المشهور يقابل الشنيع، كما أن الصادق يقابل الكاذب.
وربما كان المتقابلان مشهورين بحسب آراء مختلفة، كالقول بأن اللذة مؤثرة، أو ليست.
وقد يستعملها الجدلي في وقتين لغرضين.
مادة الجدل وصورته
صفحہ 16