تجربہ انثویہ
التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي
اصناف
غيرت كيبوني موضوع الحديث مرة أخرى: «أنا أحب طعام الغداء. إنه أفضل وجبات اليوم. جريش ذرة ولحم وخضراوات.»
هكذا انقضى اليوم بين الثرثرة والعمل، وعند الغروب أقتيدت النسوة من جديد إلى الزنزانة بعد أن حان موعد إغلاقها. فبسطن البطاطين، وأعدت كل واحدة فراشها، ثم واصلن الحديث قليلا في ضوء الشمعة. وعندما أوشكن على الرقاد، أومأت ديكيليدي برأسها في رقة لصديقتها الجديدة كيبوني وقالت: «أشكرك. فقد كنت جد لطيفة معي.»
أجابت كيبوني بابتسامتها الساخرة المتفكهة: «لا بد وأن نساعد بعضنا البعض. فهذا عالم فظيع. ليس هنا غير البؤس.»
هكذا استهلت المرأة ديكيليدي المرحلة الثالثة من حياة أحالتها الوحدة والمرارة إلى رماد. لكنها كانت تجد الذهب دائما وسط الرماد، فيصل الحب بين قلبها وقلوب الغير. ابتسمت لكيبوني في حنان؛ لأنها أدركت أنها عثرت على حب مشابه. فقد كانت تهوى جمع هذه الكنوز. •••
هناك نوعان من الرجال في المجتمع. أحدهما هو الذي يخلق التعاسة والفوضى، فيوصم أمام الكافة بالشر. فإذا ما راقب المرء كلاب القرية تطارد إحدى إناثها الهائجة، تجدها تتحرك في مجموعات من أربعة أو خمسة. وعندما يبدأ الجماع، يحاول أحد الكلاب السيطرة على الموقف، ويبعد الآخرين عن فرج الأنثى. وتقف بقية الكلاب، سيئة الحظ، على مقربة وهي تنبح وتطبق فكيها، بينما ينهمك الكلب المتسيد في فيض متواصل من الأورجازمات، نهارا وليلا، حتى يصاب بالإنهاك. ولا بد أنه، خلال هذا الإنجاز الهرقلي، سيتصور أنه القضيب الوحيد في العالم، وأن هناك تدافعا بالمناكب من أجله. هذا النوع من الرجال يعيش قرب المستوى الحيواني، وسلوكه على نفس الشاكلة. ومثل الكلاب والثيران والحمير، لا يتقبل أي مسئولية عن الصغار التي ينجبها. ومثل الكلاب والثيران والحمير، يدفع الإناث إلى الإجهاض. ولما كان هذا النوع من الرجال يمثل الأغلبية في المجتمع فإنه يحتاج إلى قليل من التحليل؛ لأنه مسئول عن الانهيار التام للحياة الأسرية.
يمكن تحليله طبقا لثلاث فترات زمنية. في العصور القديمة، قبل الغزو الاستعماري، كان يعيش حسب التقاليد والتابوهات التي حددها أسلاف القبيلة للكافة. لم يكن يملك من الحرية الفردية ما يعينه على تقويم هذه التقاليد؛ لأنها كانت تتطلب الطاعة العمياء. فهي نظم فضفاضة، تستهدف صالح المجتمع ككل، ولا تراعي إلا قليلا الميول والاحتياجات الفردية. لقد ارتكب الأسلاف أخطاء كثيرة، أكثرها مرارة أنهم أعطوا للرجل مركز المتسيد في القبيلة، بينما اعتبروا المرأة، بالمعنى الخلقي، شكلا ناقصا من أشكال الحياة الإنسانية. وما زالت المرأة حتى يومنا هذا تعاني من كافة الكوارث التي تتعرض لها أدنى أشكال الحياة الإنسانية.
ويمثل العصر الاستعماري، وفترة العمالة التعدينية النازحة إلى جنوب إفريقيا، بلوى أخرى أصابت هذا الرجل. فقد تحطمت سيطرة الأسلاف. تحطم الشكل القديم التقليدي للحياة العائلية، واضطر الرجل للافتراق عن زوجته وأطفاله لفترات طويلة، يعمل خلالها من أجل الفتات في أرض أخرى كي يجمع من النقود ما يكفي لتسديد ضريبة الرأس الاستعمارية البريطانية. فلم يتمخض هذا الاستعمار عن إثراء حياته إلا في أقل القليل. عندئذ أصبح مجرد «صبي» للرجل الأبيض، وأداة من أدوات مناجم جنوب إفريقيا.
وبدا الاستقلال الإفريقي مجرد بلوى جديدة فوق البلاوي التي نزلت بحياته. فقد غير الاستقلال نسق التبعية الاستعمارية تغييرا مفاجئا ودراميا. سنحت فرص أكثر للعمل في ظل برنامج المحليات الذي تبنته الحكومة الجديدة، وارتفعت الرواتب ارتفاعا صاروخيا في الوقت نفسه. وتهيأت بذلك الفرصة الأولى لحياة أسرية من نوع جديد أرقى من نظام العادات الطفولي، ومهانة الاستعمار. وكان على الرجال والنساء، في سبيل البقاء، أن يتحولوا إلى الداخل، إلى طاقاتهم الكامنة. وكان الرجل هو الذي وصل إلى نقطة التحول هذه، حطاما هشا، دون أي طاقات داخلية. وكأنه استبشع صورته، فحاول أن يهرب من فراغه الداخلي، ولهذا أخذ يدور مبتعدا عن نفسه، فسقط في دوامة من التبديد والتدمير، أقرب إلى رقصة الموت.
هكذا كان شأن جاريسيجو مكوبي، زوج ديكيليدي. فطوال أربع سنوات قبل الاستقلال، عمل كاتبا في إدارة الناحية، بمرتب ثابت مقداره خمسون روبية في الشهر. وبعد الاستقلال قفز راتبه إلى مائتي روبية. كان يميل، حتى في أيام فقره، إلى النساء والشراب، فصارت لديه الآن الإمكانيات للانغماس في الملذات. لم يعد أحد يراه في منزله، إذ أصبح يعيش وينام متنقلا من امرأة إلى أخرى. ترك زوجته وثلاثة أبناء - بانوبوثي، الأكبر وعمره أربع سنوات، إينالامي وعمره ثلاث، والأصغر، موتسومي الذي لم يتجاوز العام - يدبرون أمورهم بأنفسهم. ولعل السبب في سلوكه هذا، يرجع إلى أن زوجته كانت من النوع التقليدي، نصف الأمي، الذي يبعث على السأم، بينما وجدت، بكثرة، أخريات، جديدات، مثيرات. فقد صنع الاستقلال الأعاجيب.
وكان ثمة نوع آخر من الرجال في المجتمع، يمتلك القوة على إعادة خلق نفسه من جديد. وجه هذا النوع كل قواه، العاطفية والمادية، نحو حياته العائلية، ومضى في طريقه بإيقاع هادئ كنهر. إنه قصيد من الحنان.
نامعلوم صفحہ