التاج المنظوم من درر المنهاج المعلوم لعبد العزيز الثميني مج1 من المخطوط
التاج المنظوم
من درر المنهاج المعلوم
تأليف الشيخ
عبد العزيز بن الحاج بن إبراهيم بن عبد العزيز الثميني
(ت: 1223ه / 1808م)
ضبط النص
محمد بن موسى باباعمي
مصطفى بن محمد شريفي
القرارة 1416 ه / 1996 م
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على محمد خير البرية، وبعد:
فإن التراث الإسلامي بحر عميق يزخر بمختلف المؤلفات والوثائق في مختلف الفنون والعلوم، وهو مجال لا يزال يحتاج إلى المزيد من سبر أغواره، والبحث في أعماقه، لاستخراج لآلئه، والكشف عن درره وأصدافه، بهدف الاستفادة منه فيما يصلح البلاد والعباد. ولعل من أولى الخطوات في هذا المضمار، إبراز ما يزال مغمورا منه في رفوف الخزائن والمكتبات، ووضعه في متناول الدارسين والباحثين، لتحقيقه وطبعه وتمحيصه وتحليله.
ولعل المدرسة الإباضية من أولى المدارس الإسلامية التي لم تنل حظها من إبراز ما أنتجه أعلامها في مجالات العقيدة والفقه على الخصوص، بالرغم مما تميزوا به من غزارة في الإنتاج، ولا أدل على ذلك من الموسوعات الفقهية العظيمة التي تصل إلى العشرات من المجلدات. ونذكر منها على سبيل المثال: كتاب قاموس الشريعة للشيخ جميل بن خميس السعدي في تسعين مجلدا، وبيان الشرع لمحمد بن إبراهيم الكندي في اثنين وسبعين مجلدا، وكذا المصنف لأحمد بن عبد الله الكندي، وديوان المشايخ لجماعة من الأشياخ، وشرح النيل للقطب اطفيش، ومعارج الآمال للسالمي وغيرها كثير...
وكتاب التاج المنظوم من درر المنهاج المعلوم، للشيخ ضياء الدين عبد العزيز بن الحاج بن إبراهيم الثميني يعتبر من أهم تلك المؤلفات. وقد وضعه اختصارا لكتاب منهاج الطالبين للشيخ خميس بن سعيد الرستاقي.
ولتوضيح معالم هذا الكتاب "التاج" ينبغي أن نعطي لمحة وجيزة عن الكتاب الأصل: المنهاج.
صفحہ 1
كتاب منهاج الطالبين:
منهاج الطالبين وبلاغ الراغبين من تأليف للقاضي الشيخ خميس بن سعيد الرستاقي العماني (ق 11ه / 17م)، يعتبر من أهم الموسوعات الفقهية عند الإباضية، وهو مفخرة للمكتبة الإسلامية. وقد تفضلت بطبعه مشكورة وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان، ونعم ما فعلت، لما له من سمات نذكر منها:
1- الجمع: يتميز الكتاب بجمع آراء عدة من المشايخ والعلماء، الذين لولاه لضاع منها الكثير. وقد يورد في كثير من الأحيان المناقشات التي تقع بين أولئك الفطاحل، فيؤيد هذا أو يساند ذاك أو يعارضهما، وهذا مما يبرز تنوع ومرونة الفقه الإسلامي، الأمر الذي نحن في أمس الحاجة إليه اليوم.
2- إيراد الكثير من القضايا الفقهية: ولعل المنصب التي تولاه الشيخ وهو القضاء أكسبه إحاطة بالكثير من القضايا والأمور التي هي من النوازل، فلم يكتف بإيراد الأحكام في عمومها، وإنما قد يورد للحكم الواحد الكثير من الأمثلة الواقعية أو المفترضة.
كتاب التاج المنظوم من درر المنهاج المعلوم:
ونظرا لصعوبة الاطلاع على جملة ما في كتاب المنهاج، فقد انبرى الشيخ الشيخ الثميني بما عرف به من قوة في "تكثيف" الأفكار، وإيراد المعنى الكثير في اللفظ اليسير إلى اختصاره ليضعه في شكل "كبسولات مركزة" يتناولها العلماء في وقت الحاجة إن صح التعبير؛ وهذا من عادة الشيخ في الكثير من مؤلفاته، وقائمة بأهم أعماله كفيلة بأن تعطي لنا فكرة عن نوعية تلك المؤلفات. وكتابه الذي بين أيدينا يمدنا بصورة ولو بسيطة عن طريقته في الاختصار.
وقبل الاستمرار في الحديث عن الكتاب يجدر بنا أن نعرف بمؤلفه وحياته وأهم إنتاجه، فمن هو الشيخ الثميني؟
صفحہ 2
ترجمة المؤلف (¬1)
الشيخ العلامة عبد العزيز بن الحاج بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد العزيز الثميني، ضياء الدين
(و: 1130ه / 1718م - ت: السبت 11 رجب 1223ه / 1808م).
علم من أعظم أعلام الإسلام المحققين، ولد ونشأ ببني يسجن التي تقع بوادي ميزاب جنوب الجزائر الجزائر، وحفظ القرآن ببلدته، ثم سافر إلى وارجلان ليدير أملاك والده بها حتى سن الثلاثين. وبقدوم الشيخ أبي زكرياء يحيى بن صالح الأفضلي (¬2) (ت: 1202ه / 1787م) إلى ميزاب عاود الكرة في سبيل العلم، ولازمه في حلقاته إلى أن نبغ في علوم اللغة العربية والشريعتة والمنطق وغيرها.
خاض مع شيخه معركة الإصلاح في المجتمع، إذ كان الفساد مستشريا، فلاقى من أجل ذلك أذى كثيرا، وكان ذلك العهد بداية للحركة الإصلاحية التغييرية بوادي ميزاب، والتي امتدت إلى ما بعد عهد الشيخ بيوض إبراهيم.
وفي سنة 1201ه أسندت إليه مهمة مشيخة العزابة، فلازم العمل الاجتماعي والإصلاحي، والمهام الدينية ردحا من الزمن، ثم اعتزل الناس ليشتغل بالتدريس والفتوى والتأليف لمدة ثماني سنوات كاملة.
وممن تخرج على يديه: العالم إبراهيم بن بيحمان، والشيخ يوسف بن حمو بن عدون، وقد مرت عليه سلسلة نسب الدين. غير أن التأليف استوعب معظم انشغاله فأثرى بذلك المكتبة الإسلامية بكثير من أمهات الكتب في مختلف الفنون، وهي كالتالي:
? أرجوزة في الفلك ومنازل البروج (مخ).
? الأسرار النورانية في شرح رائية أبي نصر في الصلاة (مخ).
¬__________
(¬1) - الترجمة مقتبسة من معجم أعلام الإباضية (النسخة التجريبية)، إنجاز جمعية التراث، الترجمة رقم620. (والمعجم إشراف الأساتذة: بحاز إبراهيم، باباعمي محمد، باجو مصطفى، شريفي مصطفى).
(¬2) - وانظر دليل مكتبة آل افضل - نسبة إلى الشيخ الأفضلي -، إنجاز جمعية التراث، دليل مخطوطات وادي ميزاب، رقم 5.
صفحہ 3
? التاج على المنهاج في ستة وعشرين جزءا. وهو اختصار لمنهاج الطالبين وبلاغ الراغبين للشيخ خميس بن سعيد الرستاقي العماني.
? التاج في حقوق الأزواج (مخ).
? تعاظم الموجين، شرح مرج البحرين للشيخ أبي يعقوب يوسف الوارجلاني في المنطق.
? التكميل لما أخل به كتاب النيل، (ط. حجرية).
? عقد الجواهر في بحر القناطرن في جزءين (مخ).
? كتاب النيل وشفاء العليل، عمدة المذهب في الفقه، وقد لخصه ثلاث مرات، وتوجد منه ثلاث نسخ مخطوطة حققه الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي وطبع في ثلاث مجلدات، وشرحه القطب الشيخ امحمد بن يوسف اطفيش، وطبع في 17 مجلدا.
? مختصر حواشي ترتيب مسند الربيع بن حبيب في الحديث (مخ).
? المصباح: مختصر أبي مسألة والألواح، لأبي العبلس أحمد بن محمد بن بكر.
? معالم الدين في علم الكلام، طبع بعمان، وهو بصدد الدراسة والتحقيق من طرف الطالب عمر بن إسماعيل لإعداد رسالة ماجستير في معهد أصول الدين بالجزائر.
? النور: شرح نونية أبي نصر في العقيدة، مطبوع طبعة حجرية.
? الورد البسام في رياض الأحكام، مطبوع.
? مراسلات عديدة منها ما هو مع أهل عمان، خاصة الإمام سليمان بن ناصر، وهي مخطوطة يرجع تاريخها إلى عام 1205ه.
? فتاو عديدة متناثرة في كثير من المصادر.
? وترك مكتبة ثرية انتقلت إلى حفيده عبد الله بن محمد الثميني، وهي الآن ببني يسجن باسم مكتبة الاستقامة.
المصادر:
? الثميني: كتاب النيل وشفاء العليل، مقدمة الشيخ عبد الرحمن بكلي، 12-16.
? الثميني: معالم الدين، 1/14-15.
? الثميني: التكميل لما أخل به كتاب النيل، مقدمة محمد الثميني.
? الثميني: تعاظم الموجين في شرح مرج البحرين (مخ) مقدمة.
? القطب امحمد بن يوسف اطفيش: شرح كتاب النيل، مقدمة.
? القطب امحمد بن يوسف اطفيش: حاشية معالم الدين (مخ).
? إبراهيم بن بيحمان: مجموع مؤلفات (مخ) 85و.
صفحہ 4
? إبراهيم بن بكير حفار: السلاسل الذهبية (مخ) 14، 38.
? مجهول: تقييد ما وقعت من فتنة (مخ) 2-5.
? محمد علي دبوز: نهضة الجزائرالحديثة.
? إبراهيم أبو اليقظان: ملحق السير (مخ) 75.
? علي يحيى معمر: الإباضية في موكب التاريخ، الحلقة الرابعة: الإباضية في الجزائر، 237.
? خير الدين الزركلي: الأعلام، 4/135.
? أبو القاسم سعد الله: تارخ الجزائر الثقافي: 2/72-85.
? فرحات بن علي الجعبيري: البعد الحضاري للعقيدة عند الإباضية: 162.
? يوسف الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب، 82، 84.
? عدون جهلان: الفكر السياسي، 254.
? بكير بن سعيد أعوشت: قطب الأيمة، 87.
? صالح خرفي: من أعماق الصحراء، 54.
? الجابري: النشاط العلمي، 38.
? حمو عيسى النوري: نبذة من حياة الميزابيين، 1/76.
? الحاج سعيد: الإمام اطفيش (مخ) 5.
? عمرو مسعود: قطب الأيمة (مخ) 6-8.
? محمد عيسى وموسى: بيبليوغرافية أعمال ليفيكي، مجلة عالم الكتب، مج5، ع.1 86.
? أبو اليقظان: جريدة وادي ميزاب، ع.9 بتاريخ 20 جمادى الأولى 1345ه/ 26 نوفمبر 1926م ص2.
? وثيقة بيان التعيين والمراسلات، وثيقة6.
? جمعية التراث: دليل مخطوطات وادي ميزاب: فهرس مكتبة الإستقامة، فهرس مكتبة آل افضل، فهرس مكتبة آل يدر، فهرس مكتبة القطب، فهرس مكتبة الحاج سعيد محمد، فهرس مكتبة الإصلاح، فهرس مكتبة دار التلاميذ بالعطف، فهرس مكتبة الشيخ بلحاج، فهرس مكتبة حمو باباوموسى، فهرس مكتبة متياز، فهرس مكتبة البكري، فهرس مكتبة ابن ادريسو...
??Motylinsky: Encyclopedie de l' Islam, 2em ed. vol. 1, 58-59.
??smogorzewscki: Abdelaziz ses ecrits et ses sources, M,S.
??smogorzewski: etude sur le waqf abadhite, 16.
??Zeys: legislation mozabite, 46.
??Louis david: Les mechaikhs, 24.
صفحہ 5
ملاحظات حول ضبط النص ورموزه بادئ ذي بدء لا بد قبل أن نشير إلى أن عملنا في هذا الكتاب يتمثل في جانبين أساسيين: وهما ضبط النص، وتخريج الآيات. وقد تم العمل عير المراحل التالية:
مراحل العمل:
1- ... البحث عن النسخ المخطوطة للكتاب وتصويرها، وقد تمكنا من الحصول على ثلاث نسخ: فالأولى: النسخة الأم المنقحة بخط المؤلف من مكتبة الاستقامة ببني يسجن. والثانية: نسخة بخط الشيخ الحاج بن كاسي من مكتبة الشيخ بلحاج بالقرارة. والأخرى بنسخ حديث.
2- ... رقن النص بالكمبيوتر من نسخة الحاج بن كاسي، لأنها أسهل للقراءة.
3- ... مقارنة المرقون بالمخطوط.
4- ... المقارنة بين النسختين " أ " (نسخة المؤلف) و "ب" (نسخة الحاج بن كاسي).
5- ... تخريج الآيات.
6- ... طباعة أولية في الورق.
ضبط النص والترقيم والرموز:
الضبط: حاولنا أن نضبط النص حسب المستطاع حتى نقلل أكبر قدر ممكن من الأخطاء المطبعية، خاصة إذا علمنا أن أسلوب الشيخ دقيق، يحتاج إلى الانتباه وقوة التركيز، إذ أن أي تغيير في أي حرف مهما يكن بسيطا قد يبدل المعنى رأسا. مع الإشارة إلى أن خط النسختين المعتمدتين صعب المراس، فكثيرا ما يقع الإشكال بين الأحرف المتماثلة رسما كالهمزة والمد، مثل: إن، إن، أن، آن، بان، بأن، فإن، فإن... أو كالباء والياء والتاء والثاء والنون، مثل: يثبت، ثبتت، تثبت، نثبت، نبتت... ومثل: قبل، وقبل، وقيل، وقد تأخذ كلمة واحدة منا كثيرا من الوقت لتقرير كتابتها بهذا الشكل أو ذاك!، وذلك بالمقارنة مع سباقها ولحاقها.
صفحہ 6
الترقيم: كما أننا اجتهدنا أن نضع كل أنواع الترقيم من فواصل، وقواطع، ونقط، وعلامات التنصيص وغيرها... حتى نسهل على القارئ فهم النص، مع العلم أن أي تقديم أو تأخير أو وضع رقم مكان آخر قد يغير من المعنى؛ وهذا لم يكن بالأمر الهين، نظرا لأسلوب الشيخ المعقد في كثير من الأحيان، فقد يمر القارئ بعدة عبارات دون أن يفهمها، إلا بتكرار وتركيز، ووضع الفواصل في موضعها.
وتسهيلا للباحث كتبنا الآيات والأحاديث المستشهد بها بالخط العريض، وكذا أسماء الأعلام والكتب المذكورة.
الرموز المستعملة في المقارنة:
أ : نسخة مكتبة الاستقامة ببني يسجن، وهي النسخة الأم للمؤلف: الشيخ الثميني.
ب : نسخة مكتبة الشيخ بلحاج بالقرارة، لناسخها الشيخ الحاج بن كاسي.
+ : زيادة كلمة أو عبارة.
- : نقص أو سقط كلمة أو عبارة.
[...] : إضافة في المتن من وضعنا أو من إحدى النسختين.
نسخ الكتاب:
توجد للكتاب عدة نسخ في كثير من مكتبات وادي ميزاب، نذكر منها ما يلي:
1- نسخة مكتبة الاستقامة ببني يسجن:
... وهي النسخة الأم، بخط المؤلف وتقع مجلدين كبيرين وقد اعتمدناها أساسا ورمزنا إليها بحرف أ. والملاحظة الجديرة بالذكر هنا أن خط هذه النسخة صعب القراءة بشكل جعلنا نعدل عن الرقن منها مباشرة، وإنما فضلنا الرقن من نسخة الحاج بن كاسي لأنها أوضح.
... وهذه بعض أوصافها:
... تاريخ الانتهاء من التبييض: عند الظهر من يوم الخميس لأربع عشر خلت من جمادى الأخرى من سنة 1192ه.
... المقاس: ... ... ... عدد الأسطر: ... ... عدد الأوراق:
... الخط: مغربي غير واضح.
2- نسخة مكتبة آل افضل:
... وهي كذلك بخط المؤلف، إلا أننا لم نعتمدها في الضبط، لأن المؤلف اعتبرها مسودة، وقال في أول الكتاب (ق6ظ): «الحمد لله وحده، هذا تلخيص من المنهاج وللكن [كذا] يؤخذ بما في هذا المجلد ولا ينسخ منه، إذ لم يحرر للنسخ منه». وهذه بعض أوصافها:
صفحہ 7
... تاريخ االنسخ: غير مذكور (لا شك أنه قبل 1192ه)
... المقاس: 231×175 مم ... ... عدد الأسطر:34-39
... عدد الأوراق: 277 ... ... عدد الأجزاء: 7.
... رقمها في الفهرس: 82 ... ... رقمها في المكتبة: [خ.م. 010/ه 19]
3- نسخة مكتبة الشيخ بلحاج بالقرارة:
... وهي نسخة بخط الناسخ العالم المعروف باسم الشيخ بلحاج (¬1) .
¬__________
(¬1) - وهذه ترجمته المقتبسة من معجم أعلام الإباضية، من إنجاز جمعية التراث بالقرارة. ترجمة رقم 247:
... بلحاج بن كاسي بن محمد القراري المعروف بالشيخ بلحاج (ت: 1243ه / 1827م)
... من علماء القرارة، يعتبر ثالث شيخ قراري تولى المشيخة العامة للوادي باتفاق حلقات جميع القصور.
... أخذ العلم عن أبيه كاسي بن محمد، وعن الشيخين الحاج يوسف بن حمو، والحاج عبد الله بن عيسى في بني يسجن، كما اعتبر تلميذا للشيخ عبد العزيز الثميني وأبي يعقوب يوسف بن عدون.
... كان شيخ القرارة ومحييها، تصدى للتدريس ونشر العلم، ومن أشهر تلامذته: عمر بن سليمان اليسجني، وبلحاج بن عيسى العطفاوي ، وإبراهيم بن داود بن يامي البرياني.
... جازت عليه سلسلة نسبة الدين من أستاذه الثميني ومرت بتلميذه بلحاج العطفاوي.
... تولى بنفسه نسخ مؤلفات الشيخ عبدالعزيز الثميني الذي وصفه ب"العلامة".
... كان رحمه الله لسخائه ملجأ للمفطرين، وكان لحكمته وحسن تدبيره وسياسته ملجأ آمنا لما وقعت في بلدته الفتنة الأولى؛ فقد آوى إليه كثيرا من الأبرياء رجالا ونساء، فجعل النساء في دوره، والرجال بالمسجد وتكفل بكل ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب.
... حيكت ضده المؤامرات، إلا أنه نجا من القتل بأعجوبة، ولكن المجرمين أحرقوا كتبه وانتهبوه.
... يعد أول من رفع راية الإصلاح والنهضة الحديثة في القرارة، فتعرض نتيجة لذلك لبعض المضايقات والتهديدات من الحكام الاستعماريين وأذيالهم، الأمر الذي دفعه للهروب إلى غرداية ثم إلى العطف حيث توفي سنة 1243ه/1827م في رواية، وفي رواية أخرى للشيخ حفار أنه توفي سنة 1235ه/1819م.
المصادر:
... *حفار: السلاسل الذهبية (مخ) 29-32 *أبواليقظان:ملحق السير (مخ) 1/83-84 *أبو اليقظان: الثميني كما أعرفه (مخ) 20 *مجهول: رسالة زيارة مشاهد مزاب (مخ) 24 *دبوز: نهضة الجزائر،1/282؛ 2/157 *النوري: نبذة، 1/97.
صفحہ 8
وقد رمزنا إليها بحرف "ب" واعتمدناها في أمرين: الرقن والمقارنة:
... 1- الرقن: اضطررنا إلى الرقن منها بدل الرقن مباشرة من النسخة أ. لعدة اعتبارات، منها:
... ... أ) أنها أوضح خطا، وأسهل قراءة، ففي كثير من الحالات نجد كلمات غير مقروءة البتة في نسخة أ. أو يشكل علينا قراءتها بهذه الصيغة أو تلك، فنجد الحل للإشكال والتوضيح للغموض فيها.
... ... ب) أنها قليلة الأخطاء، إذا قارناها بما سواها من المخطوطات.
... 2- المقارنة: رغم وجود نسخ أخرى للكتاب إلا أننا فضلنا المقارنة مع هذه النسخة فقط، لأمور نذكر منها:
... ... أ) أن عملنا الأساسي في هذا الكتاب هو ضبط النص ضبطا دقيقا، حتى يكون المتن أقرب ما يكون إلى ما كتبه المؤلف. وتبقى الأعمال الأخرى على الكتاب من دراسة حوله وتحقيق الاستشهادات من أحاديث ونصوص، وتحقيق المسائل الأصولية والفقهية... من عمل فرقة بحث كاملة من مختلف التخصصات.
... ... ب) أن النسخة "ب" كتبت بخط أكبر تلامذة المؤلف، ومن غير المستبعد أن يكون قد عرضها على أستاذه، مما يعطيها قيمة علمية ليست لسواها.
... ... ج) أنها نسخت من الأصل مباشرة. وهذا ما يفسر لنا انتقال نظره عند النسخ بين كلمتين أو عبارتين متشابهتين وفي سطرين متتابعين في النسخة " أ ".
... ... د) ولأننا لم نجد فيما بين أيدينا نسخة أقرب إلى النسخة الأم منها؛ فالنسخة الأم نسخت سنة 1192ه بينما انتهى الناسخ منها بعد عشر سنوات فقط أي سنة 1202ه.
4- نسخة كاملة في أربع مجلدات:
... وقد صورناها من إحدى مكتبات وادي ميزاب، إلا أنها رغم وضوحها من نسخ حديث، يحتمل أنها نسخت في أواسط القرن الرابع عشر الهجري، أي أوائل القرن العشرين الميلادي. أي أنها غير ذات قيمة علمية كبيرة عند وجود الأصل، ونسخة تلميذ المؤلف.
5- نسخة مكتبة عشيرة آل يدر ببني يسجن:
صفحہ 9
... وهي برقم: [134] في الفهرس، وبرقم: [236/ه27] في المكتبة. وليس يها غير وريقات قليلة من أول الكتاب. وهذه أوصافها:
... آخر المخطوط: «...فقد أجزاه على هذه النية والصفة، وإن أداه على غير قصد لأداء ما لزمه أو على...»
... الناسخ: غير مذكور [لعله صالح بن محمد بن سليمان ابن ادريسو: أوائل القرن14ه]
... عدد الأوراق: 20ق ... ... عدد الأسطر: 21
... المقاس: 245×178 مم ... ... مخروم الآخر (لم يتمم نسخه).
... الخط: مغربي واضح.
... كتبت التمليكة في 1و بمداد أزرق: «الحاج بن الحاج محمد بن عيسى الشريف».
خاتمة:
وفي الأخير نهيب بكل الباحثين في العلوم الشرعية من أصول وفقه، أن يدرسوا بجدية مثل هذا التراث الإسلامي الضخم، ويستخرجوا منه ما يحتاج إليه المسلمون والعالم ككل في الوقت الحاضر، ليقدموا لهم بديلا إسلاميا في مختلف مجالات الحياة، ويكون في مستوى الصراع الفكري والحضاري.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل هذا العمل خالصا مخلصا لوجهه الكريم، وأن يغفر لنا ما قد يقع فيه من السهو أو الخطأ من غير قصد. و الكمال لله، وله الحمد من قبل ومن بعد.
محمد بن موسى باباعمي
مصطفى بن محمد شريفي
القرارة في 1 محرم 1417ه 18 ماي 1996م
المجلد الأول من مختصر المنهاج، محبسا على من يقرأ فيه من أقاربي قبل غيرهم، في سبيل الله سبحانه وتعالى
[1]بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم(1)
الحمد لله الذي من علينا بمعرفة شيء من أحكامه الشرعية، وخصنا(2) بالاطلاع على بعض الخبايا من أصولها وفروعها العلمية والعملية، وأفاض علينا سجالا من بحور علومه الغير المتناهية(3)، وأعلانا بروجا مشيدة من مؤسسات القواعد المتعالية المتباهية، وأنالنا من مواهبه ما لا وصول لنا إليه لولا أن تفضل به علينا؛ فكان لدي الحاجة إليه عتيدا مستحضرا لدينا.
صفحہ 10
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد: المبعوث رحمة للعالمين، المنعوت بأوصاف الكمالات، من بين إخوته الأنبياء المرسلين؛ وعلى آله وأصحابه المهتدين، القامعين للمردة الضالين المضلين.
وبعد، فإني لما ظفرت بما ظفرت به من أجزاء منهاج الطالبين وبلاغ الراغبين، للشيخ ضياء الدين خميس بن سعيد العماني عفى الله عنا وعنه، وعن جميع المسلمين؛ على يد بعض الأفاضل، أكرمه الله آمين؛ فوجدته كتابا فائقا، جامعا لكثير من المهمات رائقا، ولغليل الصدور شافيا، ولمؤنة الملمات كافيا.
ولكنه لما فيه من التطويل والتكرار، قابل للتجريد والاختصار، صرفت عنان العناية نحو تحصيله، وشمرت عن ساق الجد في تلخيصه، واستنهضت الخيل والرجل إلى مقاصده، ووجهت ركاب النظر تلقاء مراصده، وسريت بها في ظلم الليالي، حتى ظفرت منه بتلك المطالب، وفزت بعون الله سبحانه بنيل هاتيك المآرب، فطفقت أقتنص الدر من بحور معانيه، وأستعطف المخدرات المحتجبة في قصور مبانيه؛ فكانت تشير إلي بالوصال في الحال، وبإدامته بفضل الله عز وعلا فيه وفي المآل؛ مع ما أنا أكابده من الأمراض وتراكم البلبال [3]، وأعانيه من تفاقم المحن وتكاثر الأشغال، ومع الكبر وجمود القريحة، وخمود الفطنة، بعد توقد الطبيعة.
وقد تعطلت من العلوم مواردها، وانسدت في وجوه الطالبين مصادرها، واندرست أطلالها ومعالمها، وانطمست آثارها ومراسمها؛ وكنت في ذلك متى وجدت فرصة انتهزتها، وإذا بهرني(4) ما أنا فيه استكنت دونها؛ حتى جاء بحمد الله ما طلبته يروق الناظرين، ويعجب الطالبين والمحصلين، مسميا له ب التاج المنظوم من درر المنهاج المعلوم، مضيفا إليه من غيره بعض الفوائد، موشحا له بغرر الفرائد، طالبا من الله أن يصونه من تصحيف المصحفين، ومسخ الضعفاء الماسخين، كما وقع لغالب مصنفات المذهب لقلة تعاطيها بالتدريس والمطلب.
صفحہ 11
وينحصر في ستة وعشرين جزءا:
الجزء الأول: في العلم وفضله، وأصناف العلماء، وفي العقل وأصول(5) الدين، وتشبيه المسائل والفتيا، والحجة وقيامها في قبول الفتيا، والجائز فتياه، والتقليد، ولزوم العلم والمعلم والتعليم، والرد على الفرق الملحدة في القرآن، لما فيه من المحكم والمتشابه وغيرهما، ومخاطبة الله(6) لعباده، والتكليف، وما يسع وما لا يسع، والإيمان ورديفه، والشرك وغيره، والجائز من الكلام، والملائكة(7) وغيرهم، ورفع المذهب؛ وفيه أربعة وعشرون بابا.
الجزء الثاني: في الولاية والبراءة وما يتعلق بهما، وفي السؤال ووجوبه، والشهادة للمحدث بالتوبة، وفيها، وفي الذنوب والتهذيب منها، والخواطر، والاستقامة، والإخلاص، والشكر ووجوبه، وذنوب الأنبياء والملائكة، وفضل النبيء صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وذكر الأبدال، والذكر والفكر، والدعاء والرجاء، وسوء الظن، والبعث والحساب، والجنة والنار وموجبهما، والدارين وحالهما، والطيب ونحوه، وسنن الأبدان والنوم، والأكل والشرب ونحوهما، والتداوي والرقيا، والمستحب من القول، والجائز من التقية، والعتب، والعذر ونحو ذلك، والأهل والجار ونحوهما، وصلة الرحم، والاستئذان، والسلام ورده، والمصافحة، وما للرجال مع النساء وعكسه، وفي حق الولد على الوالد كعكسه، وفي الفرائض والسنن والنيات ووجوبها والشك [4] وعروضه، وأسباب البحر والجبابرة؛ وفيه ثمانية وأربعون بابا.
الجزء الثالث: في حكم الحدث والخبث والطهارة منهما، وفي الميت وما يتعلق بأحواله؛ وفيه أحد وستون بابا.
الجزء الرابع: في الصلاة وما يتعلق بها؛ وفيه اثنان وستون بابا.
الجزء الخامس: في الزكاة ووجوبها وما يتعلق بها، وفيما يؤخذ من أهل الذمة ونصارى العرب، وفي الركاز والمعادن ونحوهما، وفي المسألة والاسترفاد والصدقة، والحمد والشكر، والصوافي وأحكامها؛ وفيه خمسون بابا.
صفحہ 12
الجزء السادس: في الصوم وفرضه وما يتعلق به، وفي النذر والاعتكاف، واليمين، والعتق، والذبائح، والصيد، وما يتعلق بها، وفي الخمر وتحريمها؛ وفيه ستون بابا.
الجزء السابع: في الحج والعمرة ووظائفهما، وما يتعلق بهما؛ وفيه خمسة وثلاثون بابا.
الجزء الثامن: في القسمة وما يتعلق بها؛ وفيه ثلاثة وعشرون بابا.
الجزء التاسع: في الشفعة وأحكامها وموجباتها؛ وفيه ثمانية وعشرون بابا.
الجزء العاشر: في الإجارات وأحكامها، والعمل، والاشتراك، وأهل الصناعات، ونحو ذلك؛ وفيه اثنان وثلاثون بابا.
الجزء الحادي عشر: في الأفلاج وما يتعلق بها؛ وفيه تسعة وعشرون بابا.
الجزء الثاني عشر: في ما يحل من الأموال، وما لا يحل منها، والمباحات(8)، والضمانات، والحل والخلاص منها، وفي ركوب البحر، ونحو ذلك؛ وفيه عشرون بابا.
الجزء الثالث عشر: في المساجد، والرموم، والموات، والجبال، والأودية، ومال السبيل والفقراء، ومال الغائب، ومالا يعرف له رب، وأحكام ذلك؛ وفيه سبعة عشر بابا.
الجزء الرابع عشر: في البيوع ومعانيها، والجائز منها وغيره، وفي الرهن وأحكامه وما يتعلق به؛ وفيه مائة باب.
الجزء الخامس عشر: في النكاح والتسري، والظهار، والإحصان، والطلاق، والفداء، والإيلاء، والمراجعة، والتحريم، والنفقة، والعدالة، والحمل [5] ووضعه، وأحكام ذلك وما يتعلق به؛ وفيه مائة باب وعشرة أبوبة.
الجزء السادس عشر: في الوصايا وأحكامها وما يتعلق بها؛ وفيه اثنان وتسعون بابا.
الجزء السابع عشر: في الفرائض وموجبات الإرث والموانع منه، وما يتعلق بذلك؛ وفيه ثلاثة وعشرون بابا.
الجزء الثامن عشر: في الإقرار والعطية، ومن يجوز ذلك منه، ومن لا يجوز، وقبول ذلك، وفي العمرى والرقبا ومعناهما وأحكامهما، ونحو ذلك؛ وفيه ثلاثون بابا.
الجزء التاسع عشر: في الأولاد وتربيتهم وما يتعلق بذلك؛ وفيه ثمانية وثلاثون بابا.
صفحہ 13
الجزء الذي هو العشرون: في العبيد وفيما لهم وما(9) عليهم، وفي العتق والتدبير، وأحكام ذلك؛ وفيه اثنان وثلاثون بابا.
الجزء الحادي والعشرون: في الأمانة، والوديعة، والعارية، والهدية، واللقطة، ومعاني ذلك وأحكامه؛ وفيه اثنى عشر بابا.
الجزء الثاني والعشرون: في المضار وصرفها، واحداث الدواب والعبيد، وأحكام ذلك؛ وفيه عشرة أبواب(10).
الجزء الثالث والعشرون: في الدماء وأسبابها وأحكامها، وما يتعلق بها؛ وفيه أحد وثلاثون بابا.
الجزء الرابع والعشرون: في الشهادات وقبولها وردها؛ وفيه تسعة وثلاثون بابا.
الجزء الخامس والعشرون: في الأحكام والقاضي، ومن يصلح للقضاء، والواجب عليه، وآدابه، وما يتعلق بذلك؛ وفيه أربعة وخمسون بابا.
الجزء السادس والعشرون: في الديون وما يتعلق بها من الأداء، والإبراء منها، والإقرار بها، والحوالة، والكفالة، وغير ذلك؛ وفيه خمسة وعشرون بابا.
ويفهم غالب تفصيل كل باب وترتيبه مما أجملناه في الأجزاء. وليكن نظرك أيها الأخ الناظر فيه بعين التأمل والرضى؛ لتكون بذلك عند الله أنت المرتضى؛ فما وجدت(11) فيه من صواب فخذه، أو من خطأ فتجنبه، أو من فساد فأصلحه أو من تحريف فبدله؛ فقلما يخلص مصنف من الهفوات، أو ينجو مؤلف من العثرات.
وأنا أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى العمل بما فيه، وأن ينفع به كل من تعاطى النظر فيه، والقصد إليه؛ إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
هوامش مقدمة المؤلف
(1) - ب: + هذا مختصر المنهاج من كتب إخواننا المشارقة، للعلامة الشيخ عمنا: عبد العزيز بن الحاج اليزجني رحمه الله آمين.
(2) - ب: خصصنا.
(3) - كذا في النسختين، والصواب: غير المتناهية.
(4) - ب: أبهرني.
(5) - ب: أحوال.
(6) - ب: + تعالى.
(7) - ب: - الملائكة.
(8) - ب: وفي المباحات.
(9) - ب: فيما.
(10) - ب: أبوبة.
(11) - ب: وجدته.
الجزء الأول
في العلم
الباب الأول من الجزء الأول في العلم [6]
صفحہ 14
وهو لغة: المعرفة.
وعرفا: هو صفة يتجلى بها المدركون(1) لمن قامت هي به.
وفيه تعريفات تطلب من محلها.
وهو إما بديهي أو مكتسب بالعلم، وسمي علما لأنه علامة بها يمتاز العالم من الجاهل، وبها يهتدي العالم، وهذا في علم الخلق؛ وأما علم الله تعالى، فلا يتصف بكونه ضروريا ولا كسبيا.
وللعلم فنون كثيرة، وضروب مختلفة، وكلها شريفة؛ والإحاطة بجميعها محال؛ لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: «العلم أكثر من أن يحصى، فخذوا منه بأحسنه». ومن ظن أن له غاية فقد بخسه حقه، ووضعه في غير منزلة وصفه الله بها.
وقد قيل: لو كنا نتعلم العلم لنبلغ غايته لكنا بدأنا بتنقيصه، ولكنا نطلبه لننقص كل يوم من الجهل، ونزداد فيه من العلم.
وله ثلاث درجات، فمن بلغ الأولى استكثر ما علمه، فإذا بلغ الثانية استقل ما علمه، ولا يبلغ الثالثة غير الله.
والعلم إما ديني أو دنيوي: فالديني قسط المريدين به النجاة، والدنيوي قسط المريدين به المراتب.
* والديني ظاهر عام، كالعلم بأحكام الشرائع، وباطن خاص، كعلم الأنبياء والصديقين.
* والدنيوي أيضا روحاني، كالنحو والكلام وغيرهما؛ وجسماني، كعلم الصنائع والحرف.
وروي: «العلم إما بالقلب وهو النافع، وإما باللسان وهو حجة الله على عباده».
وقيل: العلم علم الأديان، وعلم الأبدان، ولولاه ما كان علم الأديان.
فصل
قد جعل الله بحكمته لكل فن من يحميه ويقوم به؛ لتعذر القيام به كل القيام، ولتفاضل أهل كل عصر في كل فن؛ كما روي في تفاضل الصحابة رضوان الله عنهم في العلوم، وكذا التابعون ومن بعدهم، فكل منهم صرف همته إلى فن وبرع فيه؛ وأجلها قدرا وأنفعها: معرفة الله تعالى فإنها أول الواجبات، وبعدها معرفة حدوده.
وثمرة العلم العمل به، وهو قدر النية.
وقيل أصل العلوم القرآن؛ لما روي أن فيه علوم الأولين والآخرين.
صفحہ 15
الباب الثاني
في فضل العلم
قال الله سبحانه: {ولقد يسرنا القرآن للذكر...} الآية (سورة القمر: 22)، ومعناه قيل: هل من طالب علم فيعان عليه ؟
وروي: «طلب العلم فريضة على كل بالغ عاقل»؛ وأيضا: «اطلبوا العلم ولو بالصين»؛ وأيضا: «عليكم بالعلم؛ فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه».
وعن عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا؛ أبو الدرداء(2): تعلم العلم؛ فإنك أن تموت عالما خير لك أن تموت جاهلا.
وأوحي إلى داوود عليه السلام: «أن اتخذ نعلين من حديد، وعصا من حديد، واطلب العلم» الحديث.
وروي: «اطلبوا العلم فإن فيه حياة القلوب، ومصابيح الأبصار، وقوة الأبدان؛ فإنه يبلغ العبيد منازل الأحرار، والأحرار منازل الملوك، والدرجات العلى دنيا وأخرى؟»
وروي: «من مشى في تعلم كتب له بكل خطوة عبادة ألف سنة، قائما ليلها، صائما نهارها». و: «حفظ مسألة [7] خير من عبادة ستين سنة؟».
وأيضا: «صحبة العلماء دين، ومجالستهم كرم، والنظر إليهم عبادة، والمشي معهم فخر، ومخالطتهم عز، والأكل معهم شفاء...» الحديث.
فقد سوى الله بين قلوبهم واللوح المحفوظ، فقال: {بل هو قرآن مجيد...} الآية (سورة البروج: 21)؛ {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (سورة العنكبوت: 49).
وروي: «جلوس ساعة مع العلماء أحب إلى الله من عبادة ألف سنة، لا يعصى فيها طرفة عين...» الحديث(3).
وأيضا: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين...» الحديث.
وأيضا: «العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والرفق أخوه، والبر والده، والصبر أمير جنوده؛ وما قرن شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم، فمن أوتيه أنار الله به قلبه، فعليه أن لا يطفئه بالذنوب؛ فيكون في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بما آتاهم الله؛ ولا يحبه إلا من أحبه الله وبالعكس، ولا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلا».
صفحہ 16
وروي: «باض العلم بمكة، وفرخ بالمدينة، وانتشر بالبصرة، ونهض إلى عمان».
والناقلون له منها عن أبي عبيدة إلى عمان خمسة: موسى بن أبي جابر الأزكوي، وبشير بن المنذر النزواني، ومحمد بن المعلا الكندي، ومنير بن النير العجلاني، ومحبوب بن الرحيل القرشي؛ وفي رواية بدله(4) هاشم بن غيلان.كما أن حملته عنه أيضا إلى المغرب خمسة مشهورون في السير.
وفضائل(5) العلم، والأحاديث فيه والآثار أكثر من أن تحصى، وليس ذلك من غرضنا هنا.
فصل
نقيض العلم الجهل وهو داء والعلم دواؤه، والجهل عورة تستر، والعلم زينة تظهر؛ والجهل أقبح ما في الإنسان، والعلم أصلح ما فيه. ومن جهل شيئا فقد عاداه؛ فالأمم لما جهلوا فضل أنبيائهم عادوهم، إلا من صدق بهم.
ومن علامات الجاهل: معاداته للعالم، وازدراؤه عليه، وانصرافه عنه، وهو مشاهد.
والجاهل ميت ولو كان حيا، ومعدوم ولو كان موجودا، وفقير وإن كان غنيا.
وقيل لبعض الحكماء: ما لكم لا تعاتبون الجهال ؟ فقال: إنا لا نكلف العمي أن يبصروا، ولا الصم أن يسمعوا، ولا البكم أن ينطقوا؛ فهم كما ذكرهم الله عز وعلا(6): {صم بكم عمي} الآية (سورة البقرة: 18)
وينبغي للعاقل أن يخاطب الجاهل مخاطبة المتطبب للمريض، فإن الجهل طبع الإنس، والعلم حادث فيهم.
وروي: «من لم يتعلم عذب على الجهل، فلا أفضل عند الله من العلم، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد».
وندب للمتعلم أن يقصد في تعلمه وجه الله، ونفي الجهل عن نفسه، وأن يرغب في كل فن إن أمكنه؛ وإلا فبعد أصول الدين العلم بالأحكام الفرعية، لعموم الجهل وكثرة البلوى.
وكفى بالعلم شرفا أن كل أحد يدعيه وإن لم يتأهل له(7)، وبالجهل قبحا أن كل أحد عن نفسه ينفيه، ولو كان به موسوما. فالملوك حكام والعلم حاكم عليهم، وقد خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال، فاختار العلم، فأعطيه والملك أيضا.
صفحہ 17
[ 8] ومداد العلماء يوازن قيل دم الشهداء غدا؛ ومن لم يحزن على موت عالم فهو منافق؛ وتبكي لموته إن كان صالحا سكان السماوات سبعين يوما، فلا مصيبة أعظم من موته؛ وما من مؤمن يحزن على موته إلا كتب له ثواب ألف ألف عالم، وألف ألف شهيد، ورفع له عمل ألف ألف شهيد؛ كذا جاءت الروايات، قلت: ولعله عابد بدل شهيد الأخير.
ويروى: «من حقر العالم فقد حقرني، ومن حقرني فله النار».
ويرفع الله بالعلم أقواما، ويجعلهم في الخير قادة، تقتص آثارهم، وترفع أعمالهم، وترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وكل رطب ويابس يستغفر لهم: حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها، والأرض ونخومها(8).
وسئل أبو سعيد عن طلب المعيشة والتعليم(9) أيهما أفضل ؟ فقال: هذا مما يختلف فيه، وكله فضيلة، ولا أعلم أفضل من طلب العلم، وإن فرض طلب المعيشة، وإن كان طلب العلم فضيلة(10) فالفرض أولى؛ فمن له قوت يجري عليه ولو يوما بعد يوم(11) فطلب العلم أولى له، وإن خاف عدمه، فطلبه أولى من العلم، ويعتقد السؤال عما يلزمه في الدين والطلب متى قدر عليه.
الباب الثالث
في أصناف العلماء وما يتعلق بذلك
قال عز وعلا: {يرفع الله الذين آمنوا منكم...} (سورة المجادلة: 11) الآية، {نرفع درجات من نشاء...} الآية (سورة الأنعام: 83)، {وما يستوي الأحياء} وهم العلماء {ولا الأموات} (سورة فاطر: 22) وهم الجهال، وقيل المؤمنون والكافرون.
وروي: «الناس موتى إلا العالمون...» الحديث.
وأيضا: «أعلم الناس أبصرهم للحق إذا اختلف الناس، وإن قصر في العمل».
وأيضا: يبعث الله العباد ثم يميز منهم العلماء، فيقول لهم: «إني لم أضع فيكم علمي لأعذبكم به، إنطلقوا فإني قد غفرت لكم »؟
ومن وقر عالما فقد وقر ربه، ولا يزال الناس بخير ما عظموا الأشراف، وفضلوا العلماء، وأجلوا الشيوخ.
صفحہ 18
وروي: «أقرب الناس درجة من الأنبياء: العلماء، والمجاهدون» و«الشفعاء غدا الأنبياء والعلماء والشهداء». وقد حبس الله على العلماء عقولهم وأفهامهم، فلا يسلبها عنهم إلى الموت.
وروي: جالسوا العلماء، وسالموا الكبراء، وخالطوا الحكماء؛ فمن صاحب العلماء وقر، ومن صاحب السفهاء حقر.
واتباع العلماء واجب؛ و«لا تحقرن(12) عالما آتاه الله علما، فإن الله لم يحقره حين آتاه علمه».
فصل
العلماء قيل ثلاثة: عالم لنفسه ولغيره، فهو أفضلهم؛ وعالم لنفسه، فهو(13) حسن؛ وعالم لا لنفسه ولا لغيره، فهو أشر القوم(14).
وعالم، ومتعلم، وهمج رعاع.
معاذ بن جبل: سبعة من العلماء يصلون بأعمالهم النار: عالم يخزن علمه، يرى أنه إن حدث به فقد ضيعه؛ وعالم يتخير به وجوه الناس وأشرافهم، ولا يرى المساكين لعلمه أهلا؛ وعالم يأخذ في علمه كأخذ السلطان، ويغضب إن قصر في شيء من حقه، أو رد عليه شيء من قوله؛ وعالم يتخذ علمه مروءة وعفة؛ وعالم إن وعظ عنف، وإن وعظ أنف؛ وعالم ينصب نفسه للناس، ويقول: إستفتوني فيفتي بما لا يعلم؛ وعالم يتعلم كلام اليهود والنصارى، يعزر به علمه، ويكثر به حديثه.
وندب [9] للعالم أن يوفي لعلمه حقه، بلزوم التقوى، والعمل بعلمه.
وروي: «أشد الناس عذابا غدا عالم لم ينفعه علمه».
وأيضا: «لو أن أهل العلم أخذوه بحقه لأحبهم الله وملائكته والصالحون، وتهابهم الناس؛ ولكن طلبوا الدنيا فمقتهم الله، وهانوا على الناس». وقد شاهدنا ذلك.
ولا كنز قيل أنفع من العلم، ولا مال أربح من الحلم، ولا حسب أرفع من الأدب. ومن تفرد قيل بالعلم لم توحشه خلوة، ومن تسلى بالكتب لم تفته سلوة، ومن آنسته قراءة القرآن لم توحشه مفارقة الإخوان.
صفحہ 19
ومن آداب علمائنا: أن لا يمنعوا طالبا، وأن لا ينفروا راغبا، ولا يؤيسوا متعلما، وأن لا يلبسوا متفهما. وروي: «من لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤيسهم من روح الله فهو الفقيه كل الفقه».
وندب للعالم أن يكون أوسع الناس صدرا، وأكثرهم صبرا، وأجملهم لقاء، وأحسنهم خلقا؛ لأنه يؤخذ منه خلائقه، ويحتذى به طرائقه. وعليه أن يوقر المتعلم كعكسه؛ لما روي: «وقروا من تتعلمون منه، ومن تعلمونه».
ومن طلب العلم بلا تكلف المؤنة واحتمال النصب، فقد التمس ما لايجد. ومن سئل عن علم فكتمه، وهو يعلمه، جيء به غدا ملجما بلجام من النار.
وروي: «تعلموا ما شئتم فلن تكونوا به عالمين حتى تعملوا به».
فصل
روى جابر: ويل لمن لم يعلم مرة، ولمن يعلم ولا يعمل سبع مرات؛ فالجاهل لا يعذر بجهله، والعالم ملعون إن لم يعمل بعلمه وهو مدحوض الحجة، مبخوس النصيب؛ ومن عمل بما علم علمه الله ما جهل.
ابن عباس: علم علمك، وتعلم علم غيرك.
وروي: «نضر الله عبدا سمع منا حديثا، فحفظه حتى يبلغه غيره...»
ولا يدرك قيل العلم من لا يطيل درسه، ولا يكد نفسه، وربما استثقل المتعلم كثرة الدرس والحفظ، واتكل على المراجعة، فهو كمن أطلق صيده ثقة بالقدرة عليه، فأعقبه خجلا وندما؛ وقالت العرب: حرف في قلبك خير من ألف في كتبك.
وروي: «لمذاكرة العلم ساعة أحب إلى الله من عبادة عشرة آلاف سنة».
أبو محمد: لايدرك العلم إلا من أسهر ليله بالتلاوة، وشغل نهاره بالبحث عن الرواية، حتى يحفظ الآيات، ويعرف المحكمات من المتشابهات، والناسخات من المنسوخات. فأما(15) إن نبذ القرآن وراء ظهره، وقطع بالبطالة أيام عمره، ثم تعرض للخوض فيه ولم يقف على معانيه، لم يكن له عدو أعدى من لسانه، ولا ناصح أعدل من شأنه.
صفحہ 20