إن الشيوعيين حين يدافعون عن رأيهم يجدون نظرية مهما تكن فاسدة سفاحة قاتلة للإنسان في الإنسان، إلا أنها على كل حال نظرية اعتنقها سفاكون وفرضوها على دول. وهكذا كان حامد يستطيع أن يقول ويجد ما يقول. أما حسن فعن أي شيء يدافع؟ ليس في يده إلا وقائع كلها عسف وبطش وجبروت واعتداء على كل ما هو إنساني، جسما كان أو روحا أو كرامة.
ووجد حسن مدخله إلى الحديث من باب ضيق حشر نفسه فيه فلم يخرج، فقد راح يدافع عن الهزيمة ويبين أنها أمر لا يمكن تلافيه، وأن التفكير في حرب أخرى إنما هو الخراب الآخذ الشامل الذي لا خراب مثله. ويقرأ الجيش هذا الكلام فيزداد سخطا على حسن، ويقرأ العرب هذا الحديث فيزدادون اشمئزازا من الكاتب ورفضا له.
فقد كانت الحرب هي الأمل الوحيد الذي يتحدثون به، وقد كنت أنا بعد الهزيمة واثقا أنه لا حرب هناك. وكيف تكون الحرب مع جيش هزم الجيش المصري في ساعات والجيش السوري في دقائق؟!
ولكنني مع ذلك كنت لا أميت الأمل في نفس محدثي، وأذكر بيت الشعر:
إذا تمنيت نمت الليل مغتبطا
إن المنى رأس أموال المفاليس
وقد كنت أعتقد اعتقادا راسخا أننا أصبحنا أكثر هوانا من كل مفاليس العالم.
أما أنا فلست كاتبا، وأنا لا أنشر رأيي على الناس، فمن حقي أن أظن ما أشاء، وأعتقد ما أريد أن أعتقد، ما دام هذا الظن وذلك الاعتقاد حبيسين في نفسي لا يخرجان منها إلى كلام منشور في صحف.
أما الكاتب، فإنه وإن كان واجبه أن يكون إنذارا للناس ونورا لهم ومصباحا على غدهم، وكشفا لأمسهم، إلا أنه لا يجوز أن يكون لهم حسرة وبأسا. فإذا توجس وجب عليه أن يذكر مكان الأمن، وإذا حذر تحتم عليه أن يبين طريق الرشاد. أما أن يكون ارتكاسة مع الحكام ومعولا مع الخراب وهزيمة مع الهزيمة، فهذا ما لا يرضاه أحد من كاتب ولا يرضاه أحد له.
وقد كان حسن ارتكاسة وحطاما ومعولا وخرابا وهزيمة في وقت معا.
نامعلوم صفحہ