تقلبت سوزي تاتشر في السرير تئن مضطربة. أولئك الأشخاص البغيضون لا يمنحونني لحظة هدوء. أتت من الأسفل صلصلة صندوق موسيقى بموسيقى أوبريت «الأرملة الطروب». يا إلهي! لم لم يرجع إد إلى المنزل؟ إنه لمن القسوة أن يتركوا امرأة مريضة وحدها هكذا. يا لها من أنانية! لوت فمها لأعلى وأجهشت بالبكاء. ثم استلقت هادئة مرة أخرى، محدقة في السقف تشاهد الذباب وهو يطن طنينه المستفز حول مصباح الإنارة الكهربائية. أحدثت عربة في الشارع صوت جلبة. كان بإمكانها سماع أصوات صياح الأطفال. ومر فتى يصيح بصدور طبعة ثانية لإحدى الصحف. ماذا لو نشب حريق؟ كذلك الحريق المروع في مسرح شيكاغو. أوه، سيصيبني الجنون! تقلبت في السرير، وأظافرها المدببة تغرز في راحتي يديها. سأتناول قرصا آخر. ربما أستطيع أن أحظى ببعض النوم. رفعت نفسها مستندة إلى مرفقها وتناولت القرص الأخير من علبة معدنية صغيرة. كانت جرعة الماء التي تبلع بها القرص تسكن حلقها. أغلقت عينيها واستلقت في هدوء.
نهضت مجفلة. كانت إلين تقفز في أنحاء الغرفة، وكانت قبعتها الخضراء تسقط من مؤخرة رأسها، وكانت تجعدات شعرها النحاسية اللون تندفع في جموح. «أوه يا أمي، أريد أن أكون فتى .» «اهدئي يا عزيزتي. فأمك تشعر بالتعب بعض الشيء.» «أريد أن أكون فتى.» «عجبا يا إد، ماذا فعلت للفتاة؟ إنها منزعجة للغاية.» «إننا لسنا سوى متحمسين سوزي. فقد كنا نشاهد المسرحية الأروع على الإطلاق. لقد أحببناها كثيرا، إنها شديدة الشاعرية وكل تلك الأشياء البديعة. وقد كانت مود آدامز رائعة. أحبت إيلي كل دقيقة فيها.» «يبدو من السخف، كما سبق وقلت، أن تأخذ طفلة صغيرة ...» «أوه يا أبي، أريد أن أكون فتى.» «إنني أحب فتاتي الصغيرة كما هي. يجب أن نذهب مرة أخرى يا سوزي ونصطحبك معنا.» «أنت تعلم جيدا يا إد أنني لن أكون على ما يرام.» اعتدلت جافلة في جلستها، وشعرها يتدلى أصفر باهتا ومستقيما أسفل ظهرها. «أوه، ليتني أموت ... ليتني أموت ولا أكون عبئا عليكما أكثر من ذلك ... أنتما تكرهاني. إن لم تكونا تكرهاني لم تركتماني وحدي هكذا؟» أصيبت بغصة ووضعت وجهها بين راحتيها. شبكت بين أصابعها، وقالت: «أوه، ليتني أموت.» «أرجوك يا سوزي، من السيئ أن تقولي ذلك.» وضع ذراعه حولها وجلس على السرير بجوارها.
بكت بهدوء وأسقطت رأسها فوق كتفه. وقفت إلين محدقة فيهما بعينيها الرماديتين المستديرتين. ثم استأنفت القفز هنا وهناك، مغنية لنفسها: «إيلي ستصبح فتى، إيلي ستصبح فتى.» •••
بخطوات بطيئة وطويلة، وعرجة بسيطة في قدميه المتقرحتين، مشى بود في شارع برودواي، مارا بأراض فارغة حيث كانت العلب المعدنية تومض وسط العشب وشجيرات السماق والرجيد، وبين صفوف لوحات الإعلانات ولافتات سجائر بول دورهام، ومارا بأكواخ وعشش سكنية مهجورة، وبأودية عميقة ضيقة متراكمة بكومات من القمامة المحمولة على العجلات حيث تلقي عربات القمامة بالرماد والآجر، وبكتل من الصخور الرمادية حيث حفارات البخار الطارقة والقاضمة بلا انقطاع، وبأنقاب تشق طريقها بصعوبة عبرها عربات مليئة بالصخور والطمي على ممرات من ألواح إلى الشارع، حتى وجد نفسه يمشي على أرصفة جديدة بمحاذاة صف من المنازل ذات شقق مبنية بالطوب الأصفر، ونظر إلى نوافذ متاجر البقالة، حيث المغاسل الصينية، والمطاعم السريعة، ومتاجر الزهور والخضراوات، والخياطون، ومتاجر الأطعمة المستوردة والجاهزة. بمروره أسفل سقالة أمام مبنى جديد، التقت عيناه بعيني رجل هرم كان يجلس على حافة الرصيف يعتني بمصابيح زيتية. وقف بود بجواره، رافعا بنطاله، وتنحنح ثم قال: «ألا أخبرتني يا سيدي أين يجد المرء مكانا جيدا ليبحث فيه عن عمل؟» «لا يوجد مكان جيد للبحث عن عمل أيها الشاب ... هناك أعمال لا بأس بها ... سأتم عامي الخامس والستين بعد شهر وأربعة أيام، وقد كنت أعمل منذ أن كنت في الخامسة حسب تقديري، ولم أجد عملا جيدا بعد.» «يمكنني العمل في أي شيء.» «هل لديك بطاقة نقابة؟» «ليس لدي شيء.»
قال الرجل الهرم: «لا يمكنك الحصول على عمل في البناء دون أن يكون معك بطاقة نقابة.» حك شعيرات ذقنه الرمادية بظهر يده ومال فوق المصابيح مرة أخرى. وقف بود محدقا في غابة من عوارض المباني الجديدة يفوح منها الغبار حتى لمح عيني رجل يرتدي قبعة دربية عبر نافذة مأوى لحارس. مسح نعله في اضطراب ودخل. لو كان بإمكاني أن أمضي قدما إلى مركز كل شيء ...
عند الناصية التالية، كان ثمة حشد مجتمع حول سيارة بيضاء عالية. تدفقت سحب من البخار من طرفها الخلفي. وكان هناك رجل شرطة يرفع عاليا فتى صغيرا من إبطيه. خرج من السيارة رجل أحمر الوجه ذو شارب أبيض كثيف يمشي غاضبا. «قلت لك أيها الضابط إنه رمى حجرا ... يجب أن تتوقف مثل هذه الأشياء. لأن معاونة ضابط للأشرار والمشاغبين ...»
كانت هناك امرأة ذات شعر مرفوع في ربطة ضيقة أعلى رأسها، وكانت تهز قبضتها أمام الرجل في السيارة، وتصرخ قائلة: «كاد يدهسني أيها الضابط، كاد يدهسني.»
شق بود طريقه بجوار شاب يرتدي مئزر جزار وقبعة بيسبول بالمقلوب. «ما الأمر؟» «تبا، لا أعلم ... أظنه شجارا من تلك المشاجرات التي يحدثها راكبو السيارات. ألا تقرأ الصحف؟ لا لوم عليهم، ألا توافقني؟ بأي حق تنطلق تلك السيارات اللعينة في أرجاء المدينة مكتسحة النساء والأطفال؟» «يا للهول، أيفعلون ذلك؟» «بالطبع يفعلون ذلك.» «اسمع ... امم ... أيمكنك يا سيدي أن تخبرني بمكان جيد أبحث فيه عن عمل؟» أرجع صبي الجزار رأسه للوراء وضحك. «يا إلهي، لقد ظننت أنك ستطلب صدقة ... أظنك لست من نيويورك ... سأخبرك بما عليك فعله. ستستمر في السير في برودواي حتى تصل إلى دار البلدية ...» «هل مركز كل شيء هناك؟» «بالطبع ... ثم ستصعد الدرج وتسأل عن الحاكم ... لقد سمعت أن هناك بعض المقاعد الشاغرة في مجلس البلدية ...»
دمدم بود، وهو يمشي مسرعا: «اللعنة، بالطبع لديهم مقاعد فارغة.» ••• «تدحرجي يا عزيزتي ... تدحرجي يا أحجار النرد اللعينة.» «أنت تعرف لغتها يا سلاتس.» «هيا، فليأت الرقم سبعة!» ألقى سلاتس بالنرد من يده مطقطقا، وإبهامه في محاذاة أصابعه المتعرقة. «مرحى.» «أشهد لك بأنك لاعب محترف يا سلاتس.»
وضع كل منهم بيده المتسخة نيكلا على كومة النقود التي تتوسط دائرة من ركبهم المرقعة الملتصقة كل منها في الأخرى من الأمام. كان الفتيان الخمسة يجلسون على أعقابهم أسفل مصباح في شارع ساوث ستريت. «هيا يا فتياتي، إننا ننتظر ... تدحرجي أيتها الأحجار الصغيرة الملعونة، تبا، هيا، تدحرجي.» «توقفوا يا رجال! هذا بيج ليونارد وعصابته يتوجهون ناحية المربع السكني.» «سأبرحه ضربا ل ...»
نامعلوم صفحہ