تحقيقات وأنظار
في القُرآنِ والسُّنَّةِ
تَأليفُ
فضِيْلَةِ الشيَّخِ محَّمد الَّطاهرِ ابْنِ عاشوُرِ
1 / 1
تمهيد
تنبيه ونصيحة
إن واجب النصح في الدين والتنبيه إلى ما يغفل عنه المسلمون مما يحسبونه هيَّنَّا وهو عند الله عظيم قضى عليَّ أن أنبه إخواننا إلى خطر أمر تفسير كتاب الله والقول فيه دون مستند من نقل صحيح عن أساطين المفسرين، أو من إبداء تفسير أو تأويل من قائله إلا إذا كان القائل قد توفرت فيه شروط المفسر من الضلاعة في علوم الشريعة وعلوم العربية ولا سيما علمي المعاني والبيان اللذين بدونهما لا يأمن المرء من تكرر الخطأ في فهم معاني القرآن فيضل المقدم على ذلك ويضل غيره، وقد قال العلامة الزمخشري في خطبة الكشاف: «إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح ... علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم.
فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن بزَّ أهل الدنيا في صناعة الكلام ... والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ، جامعًا بين أمرين تحقيق وحفظ، كثير المطالعات، طويل المراجعات، قد رجع زمانًا ورجع إليه ورد عليه فارسًا في علم الإعراب، مقدمًا في جملة الكتاب (يعني كتاب سيبويه) وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتعل القريحة وقادها، يقظان النفس، دراكًا للمحة وإن لطف شأنها، منبهًا على الرَّمزَة وإن خفي مكانها) ا. هـ.
وقال العلامة السكاكي في المفتاح: «وفيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى وتقدَّس من كلامه مفتقر إلى هذين العملين المعاني والبيان أشد الافتقار، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل» ا. هـ.
1 / 7
وقد ذكر القرطبي في مقدمة التفسير: «إن من فسَّر شيئًا من القرآن بدون مستند من نقل صحيح أو دليل اقتضته قوانين العلم؛ كالنحو، والأصول، والبلاغة فهو متبع لهواه ورأيه المجرد، واقع في الوعيد الوارد فيمن فسر القرآن بهواه ورأيه».
وبرغم هذا ونحوه قد رأينا تهافت كثير من الناس على الخوض في تفسير آيات من القرآن. فمنهم من يتصدى لبيان معاني الآيات على طريقة كتب التفسير، ومنهم من يضع الآية ثم يركض في مجالات من أساليب المقالات تاركًا معنى الآية جانبًا، جالبًا من معاني الدعوة والموعظة ما كان جالبًا، وقد دلَّت شواهد الحال على ضعف كفاءة البعض لهذا العمل العلمي الجليل، فيجب على العاقل أن يعرف قدره، وأن لا يتعدى طوره، وأن يرد الأشياء إلى أربابها، ويأتي البيوت من أبوابها. وعلى من لا يأنس من نفسه الكفاءة وهو يرغب في إفادة العموم بمعاني القرآن أن يقتصر على نقل كلام المفسرين في التفاسير المشتهرة عازيًا ذلك إلى مواقعه مع التحفظ على عباراته. وفي الناس طبقة ترتقي كفاءتها إلى درجة تخولها التصرف في جمع كلام المفسرين وترتيبه واختصاره. والواجب على كل راغب في التحلي بذلك أن يدقق النظر في ميزان نفسه ليقف عند الحد الذي يثق به عندها حتى لا يختلط الخاثر بالزباد، ولا يكون كحاطب في حالك سواد، وبذلك تحصل الفائدة والاستبراء للدين والعرض. وإن سكوت العلماء على زيادة في الورطة، وإفحاش لأهل هذه الغلطة، فمن يركب متن عمياء، ويخبط خبط عشواء، فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه، وتمييز حلوه من أجابه، تحذيرًا للمطالع، وتنزيلًا في البرج والطالع.
محمد الطاهر ابن عاشوُر
* * *
1 / 8
تحقيْقات وأنظار
في القُرآنِ والسُّنَّةِ
القسم الأول
في القرآن
1 / 9
﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
«كتب إليَّ أحد الفضلاء من بلد طولقة من عمالة قسنطينة يسألني عن قوله تعالى في سورة طه: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، وذكر أنه عجز عن فهم المراد منها وأنه تطلب كشف الإشكال فلم يحظ بكشفه، ولما رأيت من حذقه وسُمُوَّ همته أحببت أن أتحفه بتفسير هذه الآية على وجه أرجو أن يزيل إشكاله ويزيد على مثل هذا اللمم الشريف إقباله.
هذه الآية تندرج تحت القسم الثاني من أقسام المتشابه العشرة التي تعرضت لتأصيلها وفرعتها في تفسير سورة آل عمران ونشرت خلاصة ما كتبته فيها في مجلة الهداية الإسلامية في (ج ١٢) من المجلد (٢) لسنة (١٣٤٨ هـ) وحاصله أن هذا القسم هو من المتشابه الذي نشأ التشابه فيه من القصد إلى إعلام الأمة بمعانٍ من شؤون عظمة الله تعالى تعين إيرادها مجملة لتعظيم وقعها في نفوس السامعين حتى يستحضر كل لبٍّ مقدارًا من مدلولها على مقدار تفاوت القرائح والأفهام مع الاعتماد على إيمان المخاطبين بها أن لا يحملوها على ما يظهر بادئ الرأي من معانٍ لا تليق بجلال الله تعالى، وهذه الآية ونحوها كقوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤، يونس: ٣، الرعد: ٢، الفرقان: ٥٩، السَّجدة: ٤، الحديد: ٤]، لكونها من المتشابه كانت طرائق علماء الإسلام في الكلام عليها مختلفة متفاوتة.
فأما السلف من الصحابة فلم يخض منهم فيه سائل ولا مسؤول، ولا تطلبوا بيانه من الرسول، وتلك سنتهم في أمثالها حين كانت عقائد الأمة سالمة من الدَّغل، وحين كان معظم انصرافها إلى حسن العمل، ثم حدث التشوف إلى الغوص على المعاني في عصر التابعين، وربما ظنت بكذابهم أسئلة السائلين، فأخذوا يسدون باب الخوض في مثل هذا، ويبتعدون عنه لِوَاذًا، وألحقوه بالمتشابه فقضوا بالإمساك عن تأويله، ويقولون آمنا به، ويتأولون لطريقتهم بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧]، ثم بقوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: ٧]؛ ولذلك نقل عن جماعة منهم أنهم قالوا في آيات المتشابه: «نمرها
1 / 11
إمرارًا كما جاءت بلا كيف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل».
ودرج على ذلك معظم أئمة العصر الذي بعد عصر التابعين مثل: مالك، وأبي حنيفة، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة ومن تبع طريقتهم من أصحابهم والطبقة التي تليهم مثل: الشافعي، وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، ونعيم بن حماد شيخ البخاري، وأحمد بن حنبل، والبخاري.
وقد سئل مالك ﵀ عن هذه الآية، فقال للسائل: «الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، وفي رواية: (الكيف غير معقول)، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك رجل سوء أخرجوه عني». وعن سفيان الثوري أنه سئل عن الآية، فقال: «فعل فعلًا في العرش سماه استواء». ثم طلع الشك بقرنه في نفوس مَنْ لم يزنوا الإيمان حق وزنه، فاضطر المتكلمون من أئمة الإسلام فيما اضطروا إليه من تبيين حقائق الصفات وتعلقاتها، إلى أن يخوضوا في الآيات وتأويل متشابهاتها؛ إقناعًا للمرتاب وإقماعًا لمن جاء يفتح لإلحاده الباب. ولم يروا عملهم هذا مخالفًا لما درج عليه السلف ولكنهم رأوا السلف سلكوا التأويل بإجمال، ورأوا أنفسهم في حاجة إلى تفصيل التأويل ورأوا أن كلتا الطريقتين تأويل. وفسروا قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧]، بمعنى عطف قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ﴾ على اسم الجلالة. ولقد أبدع إمام الحرمين في بيان وجه عدم الإمساك عن تفصيل التأويل؛ إذ قال: «إن كل مؤمن مجمع على أن لفظة الاستواء ليست على عرفها في الكلام العربي فإذا فعل ذلك فهو قد فسر لا محالة (يعني حيث لم يحمل اللفظ على ظاهر معناه) فلا فائدة في تأخيره عن طلب الوجه والمخرج البين، بل في تأخره عن ذلك إلباس على الناس وإيهام للعوام، وقال الغزالي: «لا خلاف في وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به» ا. هـ. وتسمَّى هذه الطريقة طريقة الخلف وهي الطريقة المثلى المناسبة لما عدا القرون الثلاثة الأولى، ومن ثمَّ قال بعض العلماء: «طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم».
ومعنى هذا الكلام فيما أفهم أنا: أن السلف أرشدوا إلى تطلب السلامة من الخوض في مثله خشية قصور الأفهام والتورط في الشك، فلما لم ينصع الناس إلى نصحهم وأبوا إلا السؤال وإدخال الشك تعين سلوك طريقة الخلف فهي أعلم، أي: أدخل في العلم، أي: أكثر علمًا؛ لأن بيان التأويل وتفصيله يكثر فيه الاحتياج إلى الاستدلال بالعلم والقواعد.
1 / 12
وكلتا الطريقتين طريقة هدي يسع المسلم سلوكها. قال ابن السبكي في خاتمة جمع الجوامع: «وما صح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهر المعنى، وننزه عند سماع المشكل. ثم اختلف أئمتنا أنؤول أم نفوض منزهين مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح».
فعلى طريقة الخلف تأولوا قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] بتأويلات ثلاثة: التأويل الأول: قال جمهور الأشاعرة وفي مقدمتهم إمام الحرمين: إن معنى الاستواء القهر والغلبة والاستيلاء، كما في قول الأخطل:
قد استوى بِشْرٌ على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
وقول الآخر:
فلما علونا واستوينا عليهم ... جعلناهم مرعى لنسر وطائر
وهذا هو التأويل الشائع بين طلبة العلم. وعندي أن معناه ضعيف؛ إذ لا مناسبة لأن تستعمل غلبة العرش في معنى عظمة الله تعالى؛ إذ ليس العرش بمتوهم فيه خالقية ولا تعاص حتى يعبر بغلبته عن عظمة الغالب وعلى هذا التأويل. فالمراد بالعرش: العرش الذي هو من عالم السماوات.
التأويل الثاني: للإمام الرازي قال: الاستواء الاقتدار، وزعم أنه أحسن تأويل. والحق عندي أنه تأويل ضعيف؛ إذ لا كبير معنى للاقتدار هنا، والمراد بالعرش على هذا مثل المراد به على التأويل الأول.
التأويل الثالث: قال صاحب الكشاف: «لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك (بكسر اللام) يرادف المُلْك (بضم الميم وسكون اللام) عرفًا (أي: يلازم وصف الملك جعله العرب كناية عن المُلْك (بضم الميم)، فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون مَلِك وإن لم يقعد على السرير ألبتة» ا. هـ، «يريد أن ذلك من الكناية باللازم المتعارف عن الملزوم، ومعلوم أن اللفظ المستعمل كناية عن لازم معناه لا يلزم فيه صحة إرادة الملزوم؛ فلذلك زاد صاحب الكشاف قوله: «وإن لم يقعد على السرير ألبتة»، فالمراد بالاستواء فيه هو معنى الجلوس، والمراد بالعرش
1 / 13
كرسي الملك فحصلت الكناية بذلك عن الملك ولا استواء ولا عرش.
ويظهر لي تأويل رابع، وميزانه في سورة الحق ماتع، وهو أن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، مركب دال على هيئة جلوس الملك على العرش، وتلك هيئة عظيمة في عقول السامعين فقد عرف العرب ملوك الفرس وملوك الروم وتبابعة اليمن ودخلت وفودهم إليهم، وتحدَّثوا بعظمتهم في سوامرهم ونواديهم حتى تقرر في أذهان أهل الصناعة اللسانية منهم ما لهؤلاء الملوك عند جلوسهم على عرضهم من العظمة المفرطة والجلالة البالغة، فجاء في هذه الآية تشبيه عظمة الله تعالى التي لا تصل العقول إلى كنه هيئتها، بهيئة عظمة هؤلاء الملوك تشبيهًا مقصودًا به التقريب وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس، واستعمل المركب الدال على الهيئة المشبه بها في معنى الهيئة المشبهة استعمال الاستعارة التمثيلية. وقد تقرر في علم البيان أن التمثيل هو أعلى أنواع الاستعارة؛ لابتنائه على التشبيه المركب الذي هو أبدع من التشبيه البسيط وقد نشأت عنه أمثال العرب كما هو مقرر، وعلى هذا الوجه فالمراد بالاستواء وبالعرش مثل المراد به في التأويل الثالث، وإنما ترجح عندي كون الآية استعارة تمثيلية وليست بكناية وإن كانت الكناية تجيء بالمركب نحو قول زياد الأعجم:
إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج
لوجهين: أحدهما: اعتبار رشاقة المعنى فإن الكناية تنبني على صحة إرادة المعنى الصريح وذلك أصل الفرق بينها وبين المجاز المرسل الذي علاقته اللزوم، فقولهم: طويل النجاد، لا يفهم منه السامع إلا أن له نجادًا طويلًا، وأن ذلك يلزمه طول القامة، وأن المتكلم ما أراد إلا الإخبار عن طول القامة، فالسامع يظن أنه طويل النجاد حقيقة، وكذلك جبان الكلب، ومهزول الفصيل، ألا ترى أن قول عنترة:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم
لا يفهم منه السامع إلا أن الشاعر شبك بالرمح جَسدًا لعلمه بأنه لا يشك ثيابه بالرمح لقصده تخريق ثيابه، بل إنما أراد أنه شك جسده، ولما كان شك الجسد لا يكون إلا مع شك الثياب صح التكني عنه بشك الثياب والمقصود شك الجسد، أي: طعنه، وهنا لا يحصل المعنى الكنائي إلا مع المعنى الأصلي، وقد يكون المتحدث عنه لا نجاد له ولا كلب له ولا فصيل إلا أن ذلك أمر قلما يعلمه السامع.
1 / 14
وأما الآية فلا يصح فيها إرادة المعنى الأصلي لما هو معلوم لكل مؤمن من استحالة جلوس الرحمن على العرش فلا يصح التكني به عن معنى الملك المقصود من الآية. ولا يغني عن ذلك قول صاحب الكشاف: «وإن كان لم يقعد على السرير ألبتة»؛ لأن الذي نظر به تجوز فيه إرادة المعنى الأصلي والآية لا يجوز فيها ذلك، فكيف يصح في الآية الانتقال من المعنى الأصلي إلى المعنى الكنائي مع أن المنتقل منه لا يستقر فيه الذهن فضلًا على أن ينتقل منه، فلزم سلوك طريقة الاستعارة التمثيلية، ونظير الآية قول أبي تمام:
من شاعر وقف الكلام ببابه ... وَاكتنَّ في كنفي ذراه المنطق
فقوله: وقف الكلام ببابه، ليس كناية عن ملازمة صنعة الكلام لهذا الشاعر، بل هو تمثيل لتسخير الكلام حتى صارت هيئة مقدرته على الكلام الذي يريده تشبه هيئة تسخير عبد واقف ببابه لخدمته يتوجه أينما وجهه، أو هيئة عاف واقف ببابه لطلب معروفه، وكذلك قوله: واكتن في كنفي ذراه المنطق، لظهور أن الشاعر لم يثبت لنفسه ذرى يسكنها المنطق، بخلاف بيت زياد الأعجم فإن المروءة والسماحة والندى مشتمل عليها ابن الحشرج فتكون قبة ابن الحشرج مشتملة على السماحة والمروءة والندى لاشتمالها على الموصوف بها.
الوجه الثاني: بقاء لفظ الاستواء ولفظ العرش لمعنييهما الحقيقيين؛ لأن المركب في الاستعارة التمثيلية ليس فيها إطلاق مفرداته على غير ما وضعت له بل مفرداته باقية في معانيها، وإنما الاستعارة في مجموع المركب. وهذا الوجه أحسن تأويلًا، وأقوم قيلًا، وأوضح حجةً ودليلًا.
* * *
1 / 15
تَفْسير آيّة التَّغَابن
سألني عالم فاضل صديق، اعتاد تأنيسي بزيارته، عن تفسير قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التغابن: ٩]، وما وجه تسمية يوم القيامة في هذه الآية بيوم التغابن غير منثلج لما قاله بعض المفسرين في وجه هذه التسمية من أن التغابن هو أن أهل الجنة يغبنون أهل النار، وذكر أنه راجع تفاسير كثيرة فلم يجد فيها ما يقنعه، وحاورني في ذلك محاورة هزَّت من عطفي إلى أن أفصح في تفسير هذه الآية بما عسى أن يكون فيه مقنع، واللبيب يتبع أحسن القول ويسمع، ذهب الجمهور: إلى أن سورة التغابن مكية إلا الآيات الأخيرة من آخرها التي أولها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾ [التغابن: ١٤] الآيات، وأحسب أن هذه الآيات هي التي بعثت القائلين بأن السورة مدنية، إذن نعلم أن المقصود من الخطاب بالآية هم أهل مكة ابتداء وهم قريش؛ ولذلك جاء فيها: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التغابن ٧ - ٩]، وقد قال أئمة من المفسرين: إن عادة القرآن أنه يريد بالذين كفروا متى ذكر في القرآن المشركين من قريش، وقوله ﴿قُلْ بَلَى﴾ كلمة (بلى) فيه إبطال للنفي الواقع في قوله: ﴿لَنْ يُبْعَثُوا﴾، فإنها حرف يفيد عكس معنى (نعم) ويقع بعد النفي في الاستفهام وفي الخبر، وقوله: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ [التغابن: ٩]، ظرف متعلق بقوله: ﴿لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ ويجوز أن يتعلق بقوله: ﴿لَتُبْعَثُنَّ﴾ باعتبار عطف قوله: ﴿ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ﴾ عليه، أي: يبعثكم فينبؤكم يوم يجمعكم ليوم الجمع؛ لأن البعث حاصل قبل الجمع، وقوله: ﴿فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التغابن: ٧] ... إلخ، جملة معترضة بين الفعل والظرف، و﴿لِيَوْمِ الْجَمْعِ﴾ يوم القيامة، وقوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ جاء فيه اسم الإشارة للبعيد؛ لتهويله ولفت العقول إليه؛ فذلك عدل عن وصفه بيوم بعده، فلم يقل: ليوم الجمع يوم التغابن؛ لئلا يفوت معنى الحصر المقصود، وسيعلم ما فيه من النكبة، وجملة: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ جملة اسمية معرفة الجزأين فكان حقها أن تفيد الحصر، أي: هو يوم التغابن وليس غيره من الأيام يوم تغابن، ومعنى هذا الحصر: أن ذلك اليوم لما حصل فيه التغابن في أهم الفضائل جعل ما عداه من الأيام التي يقع فيها
1 / 16
التغابن؛ كالعدم فحصر جنس يوم التغابن في ذلك اليوم بتنزيل الواقع غيره منزلة العدم.
وهذا من قصر الصفة على الموصوف على وجه المبالغة، وهذا الوجه من الحصر يسمى بالحصر الادعائي؛ لأن المتكلم يدعي أن الوصف بيوم التغابن محصور في ذلك اليوم وهو يوم الجمع؛ كقولهم: أنت الحبيب.
واعلم أن الحصر إنما حصل هنا من صيغة القصر التي هي تعريف المسند والمسند إليه ولم يحصل الحصر من التعريف باللام في قوله: ﴿التَّغَابُنِ﴾ بناء على أن اللام فيه دالة على معنى الكمال؛ لأن معنى الجنس الذي هو أصل معنى اللام صالح هنا فلا يعدل عنه إلى حمل اللام على معنى الكمال؛ إذ لا يحمل عليه إلا عند تعين الحمل عليه بالقرينة وهي منفية هنا لاستقامة الحمل على تعريف الجنس وهو أكثر معاني اللام، ولولا صيغة القصر لما استفيد معنى الحصر، فكيف يكون حاصلًا من معنى الكمال الذي لم ينشأ في هذا المقام إلا من حصول معنى الحصر، فلا يختلط عليك كما اختلط على بعض العلماء.
والتغابن مشتق من الغبن، والغبن: الحط من قيمة المبيع عند شرائه، فكل شراء بأقل من القيمة فهو غبن، ومادة التغابن تفاعل من الغبن، وأصل مادة التفاعل تدل على وقوع الفعل من جانبين فصاعدًا؛ كالتقاتل، والتسابق، فلفظ: ﴿التَّغَابُنِ﴾ يدل على وقوع غبن حاصل بين جوانب في يوم القيامة، وقد اتفق المفسرون على أن المفاعلة غير مقصود منها هنا وقوع الفعل من جوانب ولكنهم اختلفوا في تحصيل المعنى.
فذهب الزمخشري ومن تبعه مثل: الفخر والبيضاوي إلى أن المفاعلة هنا هي أن يغبن أهل السعادة أهل الشقاوة؛ إذ ينزلون منازل الجنة التي كان يمكن لأهل الشقاوة أن ينزلوها لو عملوا عمل السعداء، وهذا يشبه الغبن، فالغبن المستفاد من هذا الجانب استعارة وهذا أحد جانبي الفعل، وأما جانب غبن أهل الشقاوة فجعله الزمخشري تهكمًا؛ لأن نزولهم في منازل النار ليس غبنًا لأهل السعادة، وعلى هذا الوجه يكون اللفظ مستعملًا في مجازين مختلفين على وجه يشبه المشاكلة التقديرية، وهذا المعنى ينحو إلى تفصيل كلام مجمل نقل عن ابن عباس وهو تفسير بعيد جد البعد.
1 / 17
وذهب ابن عطية إلى أن صيغة التفاعل هنا غير مستعملة في معناها الأصلي وهو الدلالة على وقوع الفعل من جانبين فأكثر، بل هنا لحصول الفعل من جانب واحد للمبالغة مثل: التواضع والتمايل، فيكون المعنى: ذلك يوم الغبن، أي: يوم غبن الكافرين، وهو ينحو إلى تفصيل كلام نقل عن مجاهد في تفسير الآية هو أقرب إلى الاستعمال وأبعد عن التعسف ولكنه لا يشفي الغليل؛ لأن الأشقياء والكفار لم يغبنوا فيما لقوه، بل أخذوا حقهم من العذاب فلم يحصل معنى أصل الغبن فضلًا عن المبالغة فيه المستفادة من مادة التفاعل التي لا يحسن ادعاؤها إلا إذا كان أصل الفعل واقعًا، فهذا التفسير وإن خرج من ورطة عدم صحة التفاعل لم يخرج من ورطة عدم وجود أصل مادة الغبن.
وجميع التفاسير مع رأينا لم يخرج عن هذين المعنيين إما مع ضبط أو مع تخليط، ومنهم من مرَّ بالآية مرًّا ولم يحتلب منها درًّا، أما أنا فأكد ثمادي، وأستهدي بالهادي فأقول
ليس المعنى في الآية حاصلًا من مراعاة معاني المفردات لا على وجه الحقيقة ولا على وجه المجاز، ولكنه معنى عزيز جليل حاصل من مجموع التركيب، وهو قوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ فقد أشار الحصر الادعائي الذي قدمنا بيانه إلى أن المخاطبين يحسبون أيامًا كثيرة أيام تغابن قد عرفوها واشتهرت، وأن المتكلم يحسب أن تلك الأيام التي عرفها الناس ليست بأيام تغابن، وأن هذا اليوم المتحدث عنه هو يوم التغابن لا غيره من الأيام، فبنا أن نتعرَّف الأيام التي يعدها المخاطبون أيام تغابن، وأن نرجع إلى أحوال المخاطبين وهم أهل مكة ومن حولهم ذلك أن ﴿التَّغَابُنِ﴾ هنا قد أضيف إليه ﴿يَوْمُ﴾ فعملنا أن ليس المراد من التغابن تغابن آحاد الناس في بيوعاتهم الخاصة التي تعرض من شاعة إلى أخرى وفي يوم وآخر، بل المراد تغابن يحصل في يوم معين يكثر فيه التبايع فيغبن فيه ناس كثير ويتربص فيه بعض الناس ببعض لإلحاق الغبن والخسارة، ولا نجد أيامًا بهذه الصفة غير أيام الأسواق، وقد كانت قريش أهل تجارة وكانت الأسواق حول مكة في الحج سوق عكاظ، وسوق ذي المجاز، وسوق مجنة، فكل داخل إلى الأسواق يحرص على أن يجلب الربح إلى نفسه ويغبن غيره ويحذر من أن يغبنه غيره، فكل يترقب الربح ويحذر الخسارة ولا يرضى لنفسه أن يكون مغبونًا؛ لأن الغبن يؤذن بغباوة المغبون واستخفاف الناس به وتمشي الحيلة عليه، وكل هذه أوصاف يأباها العربي، فشبه في الآية حال الناس يوم القيامة بحال
1 / 18
الناس يوم السوق في ترقب ما ينفع والإشفاق مما يضر، وهو تشيبه هيئة بهيئة، وليس تشبيه معنى لفظ مفرد بمعنى مفرد آخر، واستعمل المركب الدال على الهيئة المشبه بها فأطلق على الهيئة المشبهة على طريقة الاستعارة التمثيلية وهي أعلى أنواع الاستعارة، والمقصود من ذلك: تذكير الكفار والمؤمنين بتلك الحالة بين الرغبة والرهبة حتى يستحضروا كأنهم قد تلبَّسوا بها فيحذروا سوء عاقبتها من الآن؛ وذلك بأن يسعوا إلى ما يجلب الربح ويتقوا ما يجلب الخسارة الحقة، قال تعالى: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: ٢٩]، وقد تكرر في القرآن تمثيل حال أهل الفوز وأهل الثبور في الآخرة بحال التجارة، كما في قوله تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾ [البقرة: ١٦].
ونظير هذا المعنى قول النبي ﷺ فيما رواه الترمذي، وذكره البخاري تعليقًا في بعض أبواب الأدب: «إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة»، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾ [النبأ: ٣٩]، أي: يوم القيامة هو يوم النصر؛ لأن اليوم إذا أطلق فهو يوم النصر لبعض جيوش العرب أو بعض ملوكهم كما قالوا يوم تحلاف اللمم، وفي الحديث: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» فإنه اشتهر بين الناس الغنيمة الباردة، بمعنى الغنيمة بلا مشقة عمل من شأنه اصعاد مرادة البدن لكن الصيام في الشتاء هو الغنيمة الباردة؛ لأنه غنيمة أجر عظيم حصلت في برودة الجسم وهو الآمن بهذا الوصف الذي هو وصف مدح في عرفهم، ومن هذا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ١٥]، أي: إذا كنتم تعلمون وصف الخاسر فالخاسرون حقَّا هم الذين خسروا أنفسهم ... إلخ.
ولذلك جاء هذا الكلام المجموع في قوله: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ مجيء الدليل والمقدمة، وهو أسلوب عجيب في صناعة التخاطب فهو بمنزلة الدليل، لقوله: ﴿فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ [التغابن: ٨]، وهو أيضًا بمنزلة المقدمة لقوله: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠)﴾ [التغابن: ٩، ١٠]، فلا جرم أن يحصل للسامعين بعد سماع تلك المقدمة وهذه النتيجة روعة الخائف الوجل، فتحملهم على توخي خير العمل.
* * *
1 / 19
مراجعة في تفسير قوله تعالى:
﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]
طالعت في الجزء السادس من المجلة الزيتونية بحثًا نفسيًا دبجه قلم الأستاذ الفاضل المنزل مني منزلة الابن البار الشيخ الناصر الصدام في ما يعول عليه من تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، فرأيته ختم بحثه بالرغبة في إحقاق الحق من معنى الآية، وعلمت أنه يحب مجاذبة البحث مما أكده من الرجاء والحث، فهز عطفي إلى تذكر عهد زمن مديد، بأن أسايره بتكملة وتأييد، وفصل بين قريب وبعيد، أقول:
إن ما استظهره في معنى الآية الأظهر وهو المأثور عن ابن عباس في صحيح البخاري وغيره وتابعه عليه أساطين المفسرين من التابعين مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل وطاوس والشعبي والسدي والضحاك، وهو الذي اقتصر عليه البخاري في كتاب التفسير وعياض في الباب الأول من كتاب الشفاء، وعلى ذلك التفسير تكون ﴿فيِ﴾ من قوله تعالى: ﴿فِي الْقُرْبَى﴾ تعليلية، ومما لا يشك فيه المضطلع بأسرار كلام البلغاء أن التعليل الذي يستفاد بـ ﴿فيِ﴾ غير التعليل الذي يستفاد بلام التعليل؛ لأن التعليل بـ ﴿فيِ﴾ إنما هو معنى عارض لها متفرع عن معنى الظرفية الأصلي فيها، فإن ﴿فيِ﴾ قد تستعار للظرفية المجازية، ومن صور تلك الظرفية المجازية: أن تنزل علة الشيء وسببه منزلة الظرف الواقع الشيء فيه لما في المجاز من الدقة والبيان؛ وذلك مقتضى العدول عن الحقيقة إلى المجاز، فللَّه در الشيخ صاحب البحث من تطرقه إلى بيان موجب العدول عن لام التعليل إلى حرف الظرفية.
أما ما ارتآه من إشعار حرف الظرفية بأضعف مما يشعر به حرف التعليل في التسبب فلا أشايعه عليه ولا أحسبه مرادًا من استعمال العرب، ألا ترى قول الحماسي وهو سبرة الفقعسي من شعراء الجاهلية:
نحابي بها أكفاءنا ونهينها ... ونشرب في أثمانها ونقامر
وقد كنت ذكرت في شرحي على الحماسة المسمى «فوائد الأمالي التونسية على فرائد اللآلي الحماسية»، أن ﴿فيَ﴾ للظرفية المجازية، أي: تحصل معاقرة الخمر ومعاطاة الميسر بأثمان تلك الإبل، فربما كان الأكثر للشرب، وربما كان الأكثر للقمار، والكل
1 / 20
مظروف في أثمانها فجعلها ظرفًا ليتطرق بذلك إلى إرادة إتلاف جميع أثمانها في ذلك؛ فالظرفية على معنى باء السببية، والمقصود هذا المسبب وهو ما يرضيهم من الشراب والميسر؛ ولذلك لم يأت بـ (من) لئلا يوهم أنهم يشربون ويقامرون ببعض أثمانهم ويستبقون بعضها اكتنازًا فهم يتعيرون بذلك، ونظير الظرفية قوله تعالى: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ [النساء: ٥]، أي: ارزقوهم بها، ولم يقل منها؛ للإشارة إلى عدم التقتير عليهم في أموالهم وإنما هي أسباب لرزقهم وكسوتهم، فالمنظور إليه هو المسبب، والسبب، تبع الحال المسبب، ويكون التعريف في قوله تعالى ﴿الْقُرْبَى﴾ تعريف الأجل، أي: لأجل حقيقة القرابة بيننا، وهذا الوجه في معنى الآية هو الأنسب بالسياق؛ لأن الخطاب مؤجَّه إلى المشركين وكانوا عادوا النبي ﷺ وتداعوا للتألب عليه، فناسب أن يذكروا بوشائج الأرحام والتذكير بها سنة عربية مألوفة، كما قال القتال الكلابي:
نشدتُ زيادًا والمقامةُ بيننا ... وذكرته أرحام سعر وهيتم
وليس من مناسب المقام أن يسألهم مودة أهل بيته وأقاربه؛ لأن ذلك لا غناء له في غرض الآية.
وأما الوجه الثاني في تفسيرها فليس بباطل؛ إذ قد قال به جمع من التابعين، مثل: عمرو بن شعيب، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وذكره صاحب الكشاف ولم يذهب إليه أحد من الصحابة وإني أراه مرجوحًا وضعيفًا، وقد روى البخاري إنكار ابن عباس على سعيد بن جبير تفسير الآية به، ولم يعرج على ذكره عياض في فصل وجوب البر بآل محمد ﷺ من كتاب الشفاء، وعلى هذا الوجه يكون في قوله تعالى: ﴿فِي الْقُرْبَى﴾ حذف مضاف، أي: في ذوي القربى، وتكون ﴿فِي﴾ مستعملة في الظرفية المجازية بأن جعل أهل قرابة الرسول كالمكان لاستقرار لمودة كما صرح به في الكشاف، وقد ذكر بعض المفسر ين في تر جيح كون هذا الوجه هو المراد من الآية حديثًا عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ فقال: «فاطمة وولدها» ا. هـ.
وهذا الحديث شديد الضعف؛ لأن في سنده حسينًا الأشقر وكان مشهورًا بالغلو في التشيع، وكان مع ذلك مجهولًا غير مقبول الحديث، وأما ما يرمي إليه الكميت في أبياته وشريح بن أوفى العبسي في بيته، فإنما هو تقليد لهذا التأويل في معنى الآية.
ثم لا حاجة بنا إلى التخليط الذي وقع فيه بعض المفسرين في ترجيح هذا التأويل
1 / 21
بجلب الأدلة على وجوب مودة أهل قرابة رسول الله ﷺ فإن إبطال كون ذلك مستفادًا من هذه الآية لا يوهم إبطاله في نفسه؛ إذ لم يدع أحد انحصار الدليل في هذه الآية.
وهنالك وجه ثالث في تفسير الآية هو أبعد الوجوه، فقد روي عن ابن عباس والحسن البصري: أن المعنى إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بالطاعة، فيكون المراد القربى المجازية، أي: الموالاة وتطلب الرضا، ويكون التعريف للعهد بقرينة من مقام الخطاب لا وجود لها في لفظ الآية، وقد ذكر أبو بكر بن العربي الوجوه الثلاثة وقال إثرها: «وليس يبعد أن يكون الكل معنيًّا من الآية». ا. هـ. ويتعين أن يكون أراد من نفي الاستبعاد نفي استبعاد يقتضي البطلان بحيق يكون احتمالًا لا يسمح به لفظ الآية، وليس يعني به استواء الوجوه الثلاثة في المتبادر من الآية، وكيف -وهو بصدد شرح الخبر الذي أخرجه الترمذي عن ابن عباس- أنه أنكر على سعيد عن جبير تفسيره الآية بالوجه الثاني وفسرها ابن عباس بالوجه الأول؟ !
وأما الاستثناء الواقع في قوله: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ﴾ فهو منقطع على جميع الوجوه؛ لأن المودة ليست بأجر، فالاستثناء في المعنى الاستدراك، وقد استعملت أداة الاستثناء في معنى أداة الاستدراك ولذلك جعل العلماء الاستثناء في مثله منقطعًا، ثم فسروه بأنه على ادعاء أنه إن كان أجر فهذا هو أجري، ويسمى هذا الاستعمال في اصطلاح الأدباء تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو معدود في المحسنات البديعة بهذا الاسم وبضده وهو تأكيد الذم يشبه المدح، وقال العلامة التفتازاني: الأجدر أن يسمى تأكيد الشيء بما يشبه نقيضه ا. هـ. وأنا سميته في كتاب موجز البلاغة تأكيد الشيء بما يشبه ضده توسعة في التسمية؛ لئلا يختص بالنقيض ثم أرى أنه يتعين في مثل هذا الاستثناء أنه إن وقع في مقام تعتبر في مثله المحسنات فليسم استثناءً ادعائيًّا، كما سمى البلغاء بعض أنواع القصر قصرًا ادعائيًّا، وإن كان عريًّا عن قصد التحسين سمي استثناءً منقطعًا، وللأديب تتبع فروقه، وتعين صوبه من شيم بروقه.
* * *
1 / 22
شرف الكعْبَة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٦، ٩٧].
الغرض من هذه الآية: بيان شرف الكعبة لوقوع هذه الآية عقب قوله تعالى ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٩٥]، وقبل قوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]، فعلمنا أنها مسوقة مساق الدليل لما قبلها؛ لأن شأن الدليل أن يقع عقب المطلوب ومساق المقدمة لما بعدها، وكلاهما مؤذن بالتعليل، والعلة أوضح دلالة من المعلول، فكان ذلك مؤذنًا بتقرر شرف الكعبة، وكل من الدليل والمقدمة طريق في صناعة الخطابة لإثبات مقصود الخطيب، والاستدلال يكون بطريق التدليل والتعقيب والمقدمة بطريق التصدير والتقديم، فالجمع في موقع هذه الآية بين الطريقتين من بلاغة القرآن وإعجازه الذي لم أر من نبه عليه، وتصدير الآية بحرف التأكيد من دون تقدم إنكار منكر ولا تردد تأكيد مقصود منه الاهتمام بالخبر، ومن شأن ﴿إنَّ﴾ إذا جاءت لمجرد الاهتمام أن تغني غناء فاء العطف وتفيد من التعليل والربط شيئًا عجيبًا، فيكون الكلام بها مستأنفًا غير مستأنف، مقطوعًا موصولًا معًا، كما فصله الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز، ومثله بقول بشار بن برد:
بَكَّرَا صاحِبَيَّ قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير
وذكر قصة خلف الأحمر وأبي عمرو بن العلاء مع بشار في شأن هذا البيت، وإيقاع (إنَّ) في أول هذه الآية أدخل في الإعجاز بحيث نجد وقوعها متعينًا في بلوغ الكلام حد الإعجاز؛ لأنها مفيدة لتعليل ما قبلها؛ إذ هي بمنزلة فاء التفريع كما تقدم، وهي أيضًا مفيدة مفاد أداة الاستفتاح لما فيها من معنى الاهتمام الذي يناسب صدر الكلام؛ ولذلك قال الشيخ عبد القاهر: «فترى الكلام معها مستأنفًا غير مستأنف مقطوعًا موصولًا معًا» ولو وقعت الفاء في أول الآية لما صلحت إلا لتكون
1 / 23
تفريغًا عما قبلها فتفيد التعليل ولا تفيد الاهتمام ولا تصلح الجملة حينئذٍ لأن تكون مقدمة لما بعدها، هذا وجه إفادة شرف الكعبة على وجه الإجمال وسنجيئك بتفصيله من بعد بيان معنى الآية.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ﴾ الأول اسم يدل على السابق في حال من الأحوال، فإذا أطلق فهو الأول المطلق؛ وذلك كما في اسمه تعالى (الأول) وإذا أضيف إلى اسم جنس ظاهر أو مقدر فهو الأول في ذلك الجنس؛ كقوله تعالى: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾، وقول الفرزدق:
ومهلهل الشعراء ذاك الأول
أي: أول الشعراء، وقد يطلق الأول ويراد به السابق في الفضل والكمال في أحوال ما أضيف إليه كقوله ﷺ: «نحن الأولون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا»، والأولية عند العرب من شعار التفضيل فيما يتنافس فيه المتنافسون كما قال حسان في رثاء أبي بكر الصديق:
أول الناس حقًّا صدق الرسلا
ومن ذلك إطلاق العتيق عندهم على الشريف؛ إذ العتيق عندهم في الحقيقة هو القديم، والقديم شيء أول، وقد فسر به قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩]، والبيت محتجر من الأرض بحجارة أو بنسيج من ثياب الشعر يتخذ للإيواء والسكني، فإن كان من أدم فهو القبة، وقد يطلق البيت على المسجد بتقدير: أنه بيت الله أو بيت الصلاة، قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: ٣٦]، وقال حكاية عن إبراهيم ﵇: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: ٣٧]، وسموا المسجد الأقصى بيت المقدس.
ومعنى ﴿وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾: أقيم واتخذ، وأصل الوضع في كلام العرب ضد الرفع، يقولون: وضعت لك الشيء في محل كذا، أي: قربته لك وهيأته، ثم استعمل بمعنى مطلق الجهل والإقامة، والناس: اسم جمع لطائفة من البشر لا واحد له من لفظه في كلام العرب، فإذا دخل عليه حرف التعريف دل غالبًا على الاستغراق الحقيقي نحو: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: ١]، ويكون التعريف فيه للعهد أيضًا نحو قول الخطيب: أيها الناس، يعني: سامعيه، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣]، يعني: قريشًا.
1 / 24
وقوله تعالى: ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦]، جاء بالموصولية دون أن يقول الكعبة الذي هو علم البيت الحرام لزيادة الإيضاح؛ إذ قد اتخذت الحبشة الكعبة اليمانية في صنعاء فحجت إليها خثعم وبعض قبائل العرب.
«وبكة» اسم البلد الذي به الكعبة وهو مكة، فهو بالباء وبالميم في أوله، وقد ورد الاستعمالان معًا في القرآن، قال تعالى: ﴿بَطْنِ مَكَّةَ﴾ [الفتح: ٢٤]، والعرب يبدلون الباء ميمًا وعكسه إبدالًا غير قياسي ولا سيما مازن يقولون: با اسمك، أي ما اسمك، وقد نبه على هذا الإبدال أبو علي القالي في أماليه كقولهم: لازب ولازم، وقولهم: أربد وأرمد، وفي سماع ابن القاسم من العتبية أم مالكًا رحمه الله تعالى قال: بكة بالباء اسم موضع الكعبة، وبالميم اسم بقية البلاد، وقد اقتضت الآية أن الكعبة أول بيت وضع للناس، وظاهر هذا التركيب أنها أول بيت بني للبشر، وقد تناولت أفهام المفسرين هذه الآية بتفاسير مختلفة ونحن نشير إلى مجمل أقوالهم، ثم نتبعها بما نختاره في تفسيرها.
حمل قتادة ومجاهد والسدي وقليل من المفسرين الآية على ظاهرها بجعل الأولية حقيقية والناس على عمومه، فأما مجاهد وغيره فقد أحسوا بأن في بني آدم مباني سابقة الكعبة، فقالوا: إن أول من بنى الكعبة آدم، وكانت تسمى الضُّراح -بضم الضاد المعجمة- وأنه رفع إلى السماء في وقت الطوفان، فصارت الملائكة تطوف به وتسكنه في السماء، ثم بنى إبراهيم الكعبة في موضعه، ولهم في ذلك أحاديث وقصص، قال الشيخ ابن عطية في تفسيره: وقد رويت في ذلك أقاصيص ضعيفة الإسناد تركت ذكرها، وقال الفخر: أنكر ذلك الباقلاني وعلى هذه القصة بنى المعري قوله:
وقد بلغ الضراح وساكنيه ... ثناك وزار من سكن الضريحا
وأما السدي فقال: كانت الكعبة أول بناء في الأرض ولم يلتفت إلى ما كان قبل ذلك من البنيان، وهذا القول غير مستقيم، فقد كانت قبل إبراهيم مبانٍ كثيرة منها صرح بابل بُني بعد الطوفان، ومنها بيت الأصنام في بلد الكلدان، وهو البيت الذي دخله إبراهيم وكسر الأصنام التي فيه كما أشار إليه القرآن وورد بيانه في الحديث الصحيح، وروي عن علي ﵁ أنه سئل عن هذه الآية: أكانت الكعبة أول بيت؟
1 / 25
قال: لا، قد كان قبله بيوت ولكنه كان ﴿أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٦، ٩٧]، فجعل الأولية المقصودة هي المقيدة بالحالين ﴿مُبَارَكًا وَهُدًى﴾ وأنا أستبعد صحة هذه الرواية عنه؛ إذ هو عربي بليغ، وهذه الأحوال غير صالحة لتقييد الأولية؛ إذ ليست هي أحوالًا من المضاف إليه، بل هي أحوال من خبر إن، ولا يجوز جعلها أحوالًا من المضاف إليه؛ لأنه يقتضي الفصل بين الحال وصاحبه؛ وذلك يوجب اللبس بجعل ﴿مُبَارَكًا﴾ حالًا من ﴿بَيْتٍ﴾ تقييدًا للعامل وهو: ﴿أَوَّلَ﴾، وفي رواية عنه: أنه أول بيت وضع لعبادة الله، وهذا أحسن، ومن المفسرين من يجعل ﴿أَوَّلَ﴾ هنا بمعنى الشرف، أي كقوله: ﴿الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ ومنهم من حمل ﴿النَّاسَ﴾ على خصوص العرب، وعن مجاهد ما يقتضي جعله أول بالنسبة إلى خصوص بيت المقدس.
وهذه الأقوال راجعة إلى التأويل إما بتأويل لفظ ﴿أَوَّلَ﴾ أو بتأويل معنى البيت، أو بتأويل معنى الوضع، أو بتأويل المراد بالناس، أو بتأويل نظم الآية ولا حاجة بنا إلى استيعابها استدلالًا وردًّا؛ إذ ليس ذلك من غرضنا.
والذي أراه وأجزم به في معنى الآية: أن القرآن كتاب شريعة وهدى، وليس من أغراضه تاريخ المباني ولا تاريخ أطوار مساكن البشر فلا يعبأ بذكر المباني غير الدينية ولا بذكر الهياكل الدينية الضالة، وأن الآية مسوقة كما بيناه آنفًا للاستدلال على وجوب اتباع ملة إبراهيم معنيَّا بها الإسلام ووجوب الحج؛ فتعين أن يكون المراد من الأول: الأول في نوع، وبالبيوت: بيوت العبادة الحقة والهدى إلى الحق؛ وذلك أن الله تعالى بعث الرسل قبل إبراهيم فدعوا إلى عبادة الله وتوحيده، وكانت الأمم في ضلالتهم إذا أشركوا بالله أقاموا لمعبوداتهم ولشُرَكَائِهم تماثيل وهياكل كما فعل قوم نوح وقوم إبراهيم الكلدانيون، وقامت الرسل تدعو إلى التوحيد بالقول؛ ولكن لم يؤمر أحد منهم بأن يقيم هيكلًا ينادي فيه لعبادة الله ولتوحيده، ويناغي بذلك تماثيل المشركين، ويردد ذلك على مسامع الناس، فلما بعث الله إبراهيم أمره بإقامة هيكل لعبادة الرب الحق الواحد ليدافع بذلك تظاهر المشركين، قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٦، ٢٧]؛ فكان بناء الكعبة رمزًا
1 / 26