وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه أما بعد حمد الله الْعَزِيز بباهر كَمَاله الْقَدِير بقاهر جَلَاله الْجواد بجزيل نواله الْحَكِيم بجميل فعاله وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وَآله صَلَاة تبلغ قَائِلهَا نِهَايَة آماله فَإِن مَسْأَلَة إقتضاء النَّهْي الْفساد من مهمات الْفَوَائِد وَأُمَّهَات الْقَوَاعِد لرجوع كثير من الْمسَائِل الفرعية إِلَيْهَا وَتَخْرِيج خلاف الْأَئِمَّة فِي مآخذهم عَلَيْهَا فعلقتها فِي هَذِه الأوراق مبسوطة وَذكرت من المباحث مَا هِيَ بِهِ منوطة وَالله تَعَالَى الْهَادِي إِلَى سَوَاء السَّبِيل وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل وَالْكَلَام عَلَيْهَا يَتَرَتَّب فِي فُصُول

1 / 60

الْفَصْل الأول فِي مُقَدمَات وتقسيمات يَتَرَتَّب الْكَلَام عَلَيْهَا وفيهَا مبَاحث الْبَحْث الأول أَن صِيغَة لَا تفعل حصر إستعمالها جمَاعَة من الْأَئِمَّة فِي عدَّة وُجُوه أَحدهَا التَّحْرِيم كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَلَا تقربُوا الزِّنَى﴾ وَأَمْثَاله وَثَانِيها الْكَرَاهَة كَقَوْلِه ﷺ إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فِي الْإِنَاء الحَدِيث وَثَالِثهَا التحقير كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك﴾ الْآيَة وَرَابِعهَا الْإِرْشَاد كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿لَا تسألوا عَن أَشْيَاء﴾

1 / 61

وخامسها التحذير كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ﴾ وسادسها بَيَان الْعَاقِبَة كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَلَا تحسبن الله غافلا عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ﴾ وسابعها الْيَأْس كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿لَا تعتذروا الْيَوْم﴾ الْآيَة وثامنها الدُّعَاء كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا﴾ وَنَحْوه وتاسعها التَّسْوِيَة كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿فَاصْبِرُوا أَو لَا تصبروا﴾

1 / 62

وعاشرها التهديد كَقَوْل السَّيِّد لعَبْدِهِ لَا تمتثل أَمْرِي يهدده بذلك وَزَاد بعض الْحَنَفِيَّة وَجها آخر وَهُوَ الشَّفَقَة كَمَا فِي قَوْله ﷺ لَا تَتَّخِذُوا الدَّوَابّ كراسي وَيُمكن رده إِلَى وَجه الْكَرَاهَة وَكَذَلِكَ التحقير وَبَيَان الْعَاقِبَة بِخِلَاف بَقِيَّة الْوُجُوه ثمَّ الْخلاف بَين الْأَئِمَّة مَشْهُور فِي التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة هَل اللَّفْظ حَقِيقَة فِي أَحدهمَا مجَاز فِي الآخر أَو هُوَ مُشْتَرك لَفْظِي أَو للقدر الْمُشْتَرك أَو يُقَال بِالْوَقْفِ على مَا هُوَ مَعْرُوف فِي مَوْضِعه وَالْمُخْتَار أَنه حَقِيقَة فِي التَّحْرِيم مجَاز فِيمَا عداهُ وَالْكَلَام فِي أَن النَّهْي هَل يَقْتَضِي الْفساد أم لَا إِنَّمَا هُوَ مُفَرع على أَنه للتَّحْرِيم وَأما نهي الْكَرَاهَة فَالَّذِي يشْعر بِهِ كَلَام الْأَكْثَرين وَصرح بِهِ جمَاعَة أَنه

1 / 63

لَا خلاف فِيهِ وَذَلِكَ ظَاهر إِذْ لَا مَانع من الِاعْتِدَاد بالشَّيْء مَعَ كَونه مَكْرُوها وَلذَلِك قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيرهم بِصِحَّة الصَّلَاة فِي الْحمام وأعطان الْإِبِل وَنَحْوهمَا مَعَ القَوْل بكراهتها وَقد وَقع فى كَلَام الشَّيْخ أبي عَمْرو بن الصّلاح رَحمَه الله تَعَالَى مَا يُنَافِي هَذَا فَإِن أَصْحَابنَا اخْتلفُوا فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْخَمْسَة هَل هُوَ للتَّحْرِيم أَو للتنزيه وَالأَصَح عِنْد الْجُمْهُور أَنه للتَّحْرِيم ثمَّ ذكرُوا وَجْهَيْن فِي أَنَّهَا إِذا أحرم بهَا فِي هَذِه الْأَوْقَات هَل تَنْعَقِد أم لَا وَالأَصَح أَنَّهَا لَا تَنْعَقِد كَالصَّوْمِ فِي يَوْم الْعِيد فَالَّذِي يظْهر أَن هذَيْن الْوَجْهَيْنِ مفرعان على أَن النَّهْي للتَّحْرِيم أَو للتنزيه وَلذَلِك اتّفق التَّصْحِيح على أَنه للتَّحْرِيم وَأَنَّهَا لَا تَنْعَقِد

1 / 64