Tahqiq Al-Wisal Bayn Al-Qalb Wal-Qur'an
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
ناشر
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
پبلشر کا مقام
القاهرة
اصناف
وهذا أبو طلحة يقرأ سورة (براءة) فأتى على هذه الآية ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ [التوبة: ٤١] فقال: أرى ربنا استنفرنا شيوخًا وشبابًا جهزوني يا بني، فقال بنوه: يرحمك الله، قد غزوت مع رسول الله ﷺ حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير فدفنوه فيها (١).
زينوا القرآن بالفعال:
ولشحذ همم المسلمين قبل القتال كان الصحابة يقرؤون القرآن، ويذكِّرون بعضهم البعض بأخلاق القرآن.
قال هشام بن عروة كان شعار أصحاب رسول الله ﷺ ورضي عنهم يوم اليمامة: «يا أصحاب سورة البقرة» (٢).
وقال أبو حذيفة يشحذ الهمم في ذلك اليوم المشهود: يا أهل القرآن، زينوا القرآن بالفعال.
وكان الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بطل السحر اليوم (٣).
ولما أخذ سالم مولى أبي حذيفة الراية بعد مقتل زيد بن الخطاب قال له المهاجرون: أتخشى أن نؤتي من قبلك؟ فقال: (بئس حامل القرآن أنا إذًا) (٤).
وفي القادسية وقبل بدء المعركة: صلى سعد بن أبي وقاص بالناس الظهر ثم خطب الناس فوعظهم وحثهم وتلا قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] وقرأ القرَّاء على الناس: آيات الجهاد وسوره (٥).
وبعد انتهاء المعركة وانتصار المسلمين كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب كتابا يخبره فيه بالفتح، فكان مما فيه: .. وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القاري وفلان وفلان، ورجال من المسلمين لا يعلمهم إلا الله، فإنه بهم عالم .. كانوا يُدووّن بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدوي النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود (٦) ..
هذه الأجواء القرآنية جعلتهم يترفعون عن الدنيا وما فيها، وشمخت نفوسهم إلى الرضوان الأكبر لذلك كانوا آسادًا بالنهار لا تشبههم الأسود .. يقول جابر بن عبد الله: والله الذي لا إله إلا هو، ما اطلعنا على أحد من أهل القادسية أنه يريد الدنيا مع الآخرة (٧).
انشغال الصحابة بالقرآن ومحافظتهم على وردهم اليومي:
هذه الأمثلة الرائعة لأثر القرآن على سلوك الصحابة ما كانت لتظهر لولا حرص الصحابة على كثرة قراءة القرآن بتفهم وترتيل، فقد كان للواحد منهم حزب يومي من القرآن - قل أو كثر - لا يتكاسل عن القيام به.
فعن الحسن قال: «قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي علىَّ يوم لا أنظر في المصحف، وما مات عثمان ﵁ حتى خرَّق مصحفه من كثرة ما كان يديم النظر فيه (٨).
وعندما دخل عليه المعتدون ليقتلوه كان المصحف في حجره يقرأ فيه، فمدَّ يده فضُربت، فسال الدم، فقطرت قطرة على قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧] (٩).
وعن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب ﵁ إذا دخل البيت نشر المصحف فقرأ فيه (١٠).
_________
(١) تفسير ابن كثير ٢/ ٣٢٧.
(٢) فضائل القرآن للمستغفري برقم ٧١٣.
(٣) البداية والنهاية لابن كثير ٦/ ٣٦٧.
(٤) المصدر السابق ٦/ ٣٨١.
(٥) البداية والنهاية ٧/ ٤٧.
(٦) المصدر السابق ٧/ ٥٠.
(٧) آيات الخشوع / ٢٢٨، نقلًا عن تاريخ الطبري ٢/ ١٩.
(٨) حياة الصحابة للكاندهلوى ٣/ ١٦٨.
(٩) صحابة رسول الله وجهودهم في تعليم القرآن الكريم ص١٧٩، نقلا عن معرفة الصحابة لأبي نعيم ١/ ٢٥٤.
(١٠) حياة الصحابة ٣/ ١٦٨.
1 / 47