واعلم أنهم لم يستندوا في عذرهم ذلك إلى دليل، ولا إلى أحد من علماء العترة "، وما ذاك إلا لأن الأدلة قاضية ببطلان ما تمسكوا به كما رأيت؛ ولأن العترة " مجمعون على أن ذلك غير رخصة كما حكاه علي بن العباس فيما مضى، وقال بإفساد الغلات، وخراب القرى لئلا ينتفع بها العدو، وكذلك قد صح لنا من عيون العترة " والجمهور من علماء الأمة أن الخشية على المال لا تكون رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تقدم ذكره، فكيف تكون رخصة في عماد المنكر وأساسه! وهو تسليم المال إلى الجبارين، فافهم ذلك. وأيضا لو غلب بعض الجبارين على بعض المسلمين، وقال لا عذر لك من أحد أمرين:
إما الاستمرار على ترك الصلاة، أو إفساد جميع ما تملك، وهو يعلم أنه لو أفسد أملاكه أنه يعيش بأن ينتقل في الأرض لطلب المعاش، لعلمنا أنه إن اختار الاستمرار على ترك الصلاة لصيانة دنياه، فقد آثر الحياة الدنيا على الآخرة، وكان من جملة من ذكره الله تعالى في قوله: {فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى}[النازعات:37-39]، ولا يخرج من هذا ممن ابتلي بذلك إلا من لم يصنع كذلك، والإجماع المعلوم على ذلك، وكذلك والله أهل زماننا فإنهم تركوا نهي الجبارين عن المنكر، وهم يقدرون عليه، لولا تخاذلهم بل أمدوهم بالأموال الجليلة التي تقووا بها على فعل المنكر صيانة لدنياهم وإيثارا لها، وأنه لولا تخاذلهم لم يكن شيء من ذلك، ولعاشوا فلا يخرج من حكمهم هذا إلا من باينهم ولم يصنع كما صنعوا وإلا كان مشاركا لهم في ذلك ضرورة.
صفحہ 363