Tafsir of Surah Al-Maidah (1-3) - Within 'Athar Al-Mualimi'
تفسير أول المائدة (١ - ٣) - ضمن «آثار المعلمي»
تحقیق کنندہ
محمد أجمل الإصلاحي
ناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٤ هـ
اصناف
الرسالة السابعة
في تفسير أول سورة المائدة (١ - ٣)
7 / 211
[ص ١٩] سورة المائدة [١ - ٣]
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ بينكم وبين الله والناس. ومما بينكم وبين الله إحلالُ ما أحَلَّ وتحريمُ ما حرَّم، وهاكم إيضاح ما أحلَّ وحرَّم من البهائم: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ وهي الإبل والبقر والغنم ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ في قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ﴾ وغيرها من الآيات، وذلك: الميتة والدم المسفوح وما أهل لغير الله به ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ حال من ضمير "أوفوا" فيما يظهر. ثم رأيت الزمخشري (^١) نقله عن الأخفش (^٢). ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)﴾.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ﴾ من إحرامكم ﴿فَاصْطَادُوا﴾ كلَّ ما يسمَّى أخْذُه في اللغه صيدًا ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢)﴾
ثم رجع إلى بقية إيضاح المحرمات، فقال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ المراد بها ما يقال لها في اللغة: "ميتة" وأهل اللغة يطلقون الميتة على ما مات بغير ذكاة، فيدخل فيها المنخنقة وما يأتي معها. وإنما عُطِفن على الميتة من باب
_________
(^١) انظر: "الكشاف" (١/ ٦٠١) و"معاني القرآن" للأخفش (١/ ٢٧١).
(^٢) عبارة "ثم رأيت ... الأخفش" ألحقها في الحاشية.
7 / 213
عطف الخاص
على العام دفعًا لما يتوهم من قياس الخنق ونحوه على الذبح.
قال: ﴿وَالدَّمُ﴾ المسفوح ﴿وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ واللحم يتناول الشحم كما بُيِّن في موضعه ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ في "القاموس" (^١): "وأهَلَّ: نظر إلى الهلال. والسيفُ بفلان: قطع منه". وعليه فقوله في الآية: "أُهِلَّ به" معناه: ذُبِحَ أو نُحِرَ، وليس من الإهلال الذي هو رفع الصوت. وهكذا في سائر الآيات التي في هذه الجملة.
وقوله: ﴿لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ يتناول كلَّ ما لم يُذبَح له. وقد بيَّن الشرع معنى الذبح لله بأنه ما لم يُذكر عليه اسمُه (^٢). قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا [ص ٢١] لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١].
﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ أي صاده. هذه داخلة في الميتة كما تقدَّم، وأعيدت على سبيل عطف الخاص على العام دفعًا لتوهم أنها كالمذكَّاة لأنها لم تمت حتف أنفها.
نعم، قوله: ﴿مَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ يتناول لفظًا ما أدرك حيًّا فذُكِّيَ، وما كان أكل السبعُ منه ذكاةً، وسيأتي تفصيله. وهذان ليسا داخلين في الميتة، فقال: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾. وفيه إجمال سيأتي تفصيله.
﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ وإن ذُكِر اسمُ الله عليه ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا
_________
(^١) انظر: "تاج العروس" (٣١/ ١٥٠).
(^٢) كذا في الأصل، وهو معنى الذبح لغير الله.
7 / 214
بِالْأَزْلَامِ﴾ على ذبح بهيمة أو صيد، فإنَّ تلك البهيمة أو الصيد لا تحلُّ لكم وإن ذكَّيتموها، أو اصطدتموها، أو ذكرتم اسم الله عليها؛ لأن استقسامكم بالأزلام فيها شركٌ كالذبح على النصب. ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ شرك.
﴿الْيَوْمَ﴾ وهو يوم الجمعة يوم عرفة من حجة الودراع ﴿يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص ٢٢] ... مِنْ دِينِكُمْ﴾ أن يبطلوه، أو يُحلُّوا بعضَ ما حُرِّم أو يحرِّموا بعضَ ما أُحِلَّ ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ الإكمالَ المطلقَ بحيث بيَّنتُ لكم جميع الأحكام التي تحتاجون إليها في دينكم إلى يوم القيامة في شأن الحلال والحرام من اللحوم وغيره من جميع الأحكام ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ بإكمال الدين وإظهاره حتى لم يحجَّ (^١) مشرك وغير ذلك. ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ لا أرضى غيره في الحلال أو الحرام أو غيره.
﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ إلى تناول شيء مما حرَّمتُه عليه ﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾ أي جوع. وربما كان التقييد بها لإخراج المضطر للتداوي وغيره، فتأمَّلْ ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ﴾ مائل ﴿لِإِثْمٍ﴾ معصيةٍ بأن تكون المعصية هي سبب اضطراره ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)﴾ لا يعاقبه إن أكل.
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ من صيد السِّباع كما يُعرف من السياق [ص ٢٣] فقد تقدَّم تحريمُ ما أكل السبع، واستثناءُ ما ذُكِّي، وهذا مجمل
ــ كما تقدَّم ــ يُسأل عن بيانه وتفصيله. والبيان والتفصيل الآتي خاصٌّ بذلك، كما سترى إن
_________
(^١) كذا في الأصل.
7 / 215
شاء الله.
ويدلُّ على ذلك سبب نزول الآية. أخرج ابن جرير (^١) من طريق الشعبي أنَّ عدي بن حاتم الطائي قال: أتى رجلٌ رسول الله ﷺ (^٢) يسأله عن صيد الكلاب، فلم يدر ما يقول له، حتى نزلت هذه الآية: ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم (^٣) عن سعيد بن جبير أنَّ عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله ﷺ، فقالا: يا رسول الله، إنَّا قوم نصيد بالكلاب والبُزاة، وإنَّ كلاب آل ذريح تصيد البقر والحمير والظباء، وقد حرَّم الله الميتة، فماذا يحلُّ لنا منها؟ فنزلت: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾.
وأخرج الحاكم (^٤) وقال: صحيح ــ وأقرَّه الذهبي ــ عن أبي رافع قال: أمَرَنا رسولُ الله ﷺ بقتل الكلاب. قالوا: يا رسولَ الله، ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرتَ بقتلها؟ فأنزل الله: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾.
وروى الطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم عن أبي رافع أيضًا نحوه مطوَّلًا (^٥).
_________
(^١) في "تفسيره" ــ شاكر (٩/ ٥٥٣)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ١٩٣) إليه وإلى عبد بن حميد.
(^٢) في الأصل هنا وفيما يأتي حرف الصاد اختصار الصلاة والسلام.
(^٣) انظر: "الدر المنثور" (٥/ ١٩٢).
(^٤) في "المستدرك" (٢/ ٣١١).
(^٥) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٥/ ١٩١) إلى الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي. ورواية الحاكم هي السابقة. وأخرجه الطبراني (٩٦٥) والبيهقي في "السنن" (٩/ ٢٣٥).
7 / 216
وأخرج ابن جرير (^١) عن عكرمة نحوه.
[ص ٢٤] ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ المراد به ــ والله أعلم ــ ما هو داخل تحت المُحَلِّ بما تقدَّم، وذلك غير الخنزير وغير الميتة. والمراد بالميتة ما لم يدرَكْ حيًّا فيُذَكَّى أو كان أخذ السبع له ذكاة. ولما كان في هذا الخبر إجمال بيَّنه الله ﷿ بقوله:
﴿وَمَا﴾ شرطية ﴿عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ مُضَرِّين [ص ٢٥] ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾ من حيل الصيد وآدابه ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ بخلاف ما أمسكن على أنفسهن. وعلامة إمساكها على نفسها أن تأكل منه كما في "الصحيحين" (^٢) ﴿وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ عند الإرسال كما بيَّنتْه السنة الصحيحة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فلا تتعدوا حدوده ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤)﴾.
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ المتقدِّم بيانها. أعاده تأكيدًا، وليبني عليه ما يأتي؛ فإن إحلال المذكَّاة يصدُق بما ذكَّاه المسلم، وما ذكَّاه المشرك، وما ذكَّاه الكتابي.
فأما ما ذكَّاه المسلم، فلا شبهة في حلِّه إذا ذكر اسم الله عليه.
وأما ما ذكَّاه المشرك، فلا شبهة في حرمته لأنه إن لم يكن على نصب أو
_________
(^١) في "تفسيره" ــ شاكر (٩/ ٥٤٦).
(^٢) من حديث عدي بن حاتم. البخاري (٥٤٨٣، ٥٤٨٧) ومسلم (١٩٢٩).
7 / 217
مع
الاستقسام بالأزلام أو مع ذكر اسم إله عليه، فإنه لا يذكر اسم الله. وإنْ ذكَره، فذكرُه له غير معتبر [ص ٢٦]، لأنه مشرك لا عبرة بعبادته.
وأما ما ذكَّاه الكتابي، فهو مفتقر إلى البيات، فبيَّنه الله ﷿ بقوله: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ فكلوا مما بأيديهم من اللحوم المستوفية لشروط الحل المتقدمة بأن لا تكون ميتة ولا لحم خنزير ولا غير ذلك مما تقدَّم بيان حرمته.
﴿وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ فائدة هذا ــ والله أعلم ــ بيان أنه يجوز لنا إطعامهم.
ولما ذكر حكم طعام أهل الكتاب أراد أن يذكر حكم نسائهم، وقدَّم قبلهن المؤمنات إشارةً إلى أنَّ الاختيارَ الاقتصارُ عليهن، فقال (^١):
_________
(^١) انتهت المسودة هنا.
7 / 218