Tafsir of Al-Baqarah (1-5) - Within 'Athar Al-Mu'allimi'
تفسير أول البقرة (١ - ٥) - ضمن «آثار المعلمي»
تحقیق کنندہ
محمد أجمل الإصلاحي
ناشر
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤٣٤ هـ
اصناف
الرسالة الثالثة
في تفسير أول سورة البقرة (١ - ٥)
7 / 131
[١/ب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾: الريبُ ــ والله أعلم ــ شكٌّ في صدق الخبر ونحوه، فإذا شككت في صدق مخبر فذاك ريب، وكذا إذا شككت في عفة مَن يتظاهر بالعفة؛ حتى لقد يقال فيما إذا شككت في نزول المطر، وقد ظهرت أماراته من تراكم السحاب والرعد والبرق.
﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾: أي هدى لهم بالفعل، به اهتدوا، وبه يهتدون. فلا ينافي أن يكون هدى لغيرهم بالقوة، لأنّ المتقين قد كانوا غير متقين، وإنّما استفادوا التقوى والهدى منه. فإن لم تستفد منه التقوى والهدى فذاك نقصٌ فيك. ثم يتفاوت الهدى بتفاوت التقوى.
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ...﴾: صفات كاشفة. وللصفة الكاشفة فوائد:
الأولى: إحضار المعنى في ذهن السامع مفصَّلًا، إذ قد لا يتدبر المجملَ، كقول الأم لولدها: أنا أمُّك التي حملتك تسعة أشهر ثقلًا، ووضعتك كرهًا، وفعلت، وفعلت؛ فإنّها لو اقتصرت على قولها: أنا أمك، لم يؤثّر كلامها فيه كما يؤثر التفصيل؛ فتدبر.
الثانية: النصُّ على صفة قد يجهل المخاطب، أو يجحد، أو يشك أنَّها ملازمة للموصوف؛ كقوله في الآيات: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ فإنَّ أهل الكتاب يجحدون [٢/أ] التلازم بينها وبين التقوى.
7 / 133
الثالثة: إخراج صفة قد يزعم المخاطب أو يجوِّز وجودها في الموصوف.
﴿بِالْغَيْبِ﴾: قيل: إنَّ الباء بمعنى (في)، أي: يؤمنون غائبين. وقيل: إنها للاستعانة، أي: يؤمنون بالقلوب. وكلا القولين ضعيف، والصواب أنّ الباء هي التي يوصف بها الإيمان في نحو: آمنت بالله. وعليه فإن حُملت (ال) على الجنس لزم أن يكون الظاهر أنَّه يكفي الإيمان بشيءٍ ما من الغيب وهو باطل، وإن حُملت على الاستغراق لزم اشتراط الإيمان بكل غيب؛ وهو غير صحيح. فالصواب أنّها للعهد أي: بالغيب الذي دعت الرسل إلى الإيمان به، وذلك الإيمان بالله وملائكته واليوم الآخر وسائر ما عُلِم أنّ الرسل أخبرت به.
﴿... وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾: هذا كالتفسير للغيب، ولذلك ــ والله أعلم ــ أعاد لفظ "والذين"، فإن الإيمان بما أُنزل إليه وما أُنزل من قبل يتضمن الإيمان بكل ما يجب الإيمان به من الغيب.
وقوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ يحتمل أن يكون خاصًّا بالقرآن وتدخل السنة بما في القرآن من الشهادة لها، ويحتمل أن يعمَّ القرآن والسنة بالنظر إلى معانيها، فإنَّ معانيها منزَّلة. ونحوه يقال في قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾.
[٢/ب] ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾: إنما نصَّ عليها مع دخولها في جملة ما أُنزل إليه وما أُنزل من قبله لأهميتها، فإن الانقياد للشريعة يتوقف على الرغبة والرهبة، وإنما يحصل ما يعتدُّ به منهما لمن آمن بالآخرة. فإنَّ الرغبة والرهبة لما في الدنيا ضعيفتان، لما يُشاهد كثيرًا من ابتلاء المؤمن وتنعيم الكافر.
7 / 134
وفي قوله: ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ قَصرٌ للإيمان بالآخرة عليهم، فأفاد أن غيرهم كاليهود والنصارى لا يوقنون بالآخرة، وإن زعموا ذلك.
وجاء هنا بقوله: ﴿يُوقِنُونَ﴾ إشارة إلى أن غيرهم قد يمكن أنه يؤمن بها ولكنه لا يوقن، وإلى أن المطلوب في حق الآخرة الإيقان بها. ولا يكفي التصديق الخالي عن اليقين، لأنه لا يكفي لحصول الرغبة والرهبة اللتين يدور عليهما الانقياد للشرع.
﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى﴾: أتى باسم الإشارة ليلتفت المخاطب إلى الصفات السابقة، فيستحضرها مُفصَّلة ــ وقد تقدَّم ما في ذلك من الفائدة ــ وليعلم أن الموجِب لكونهم على هدًى هو اتصافهم بتلك الصفات، وليشهد بأنهم إذا اتصفوا بها حقيقون بأن يقال: إنهم على هدى.
وقوله: ﴿عَلَى هُدًى﴾ أرى أنّ فيه استعارة بالكناية، حيث شبَّه الهدى بالسراط، وطوى ذكر المشبَّه به، ورمز له بشيءٍ من لوازمه، وهو "على".
[٣/أ] وأرى أن الهدى هنا غير الهدى السابق في قوله: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾. فالأول بمعنى الدلالة، وهذا بمعنى التوفيق والإرشاد. وكلاهما قد تضمنهما قوله في الفاتحة: ﴿اهْدِنَا السِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. والآيات من البقرة كأنها إجابة لذاك الدعاء في الفاتحة ببيان السراط المستقيم، وبيان المنعَم عليهم من غيرهم.
﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ فيه فوائد:
7 / 135
الأولى: الإشارة إلى أن هذا الهدى من الله تعالى محضًا، أي: بخلاف الهدى السابق في قوله: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، فإنه وإن كان منه تعالى لكن اختيارهم فيه كان أقوى من اختيارهم في الثاني، فإن من اختار الهدى بقدر إمكانه فتح الله تعالى له من الهدى أضعاف ذلك.
الثانية: الإشارة إلى أن هذا الهدى حصل لهم بمقتضى الربوبية، فيفهم من ذلك أن هذا الهدى متوجِّه إلى كل مربوب، وإنَّما يمتنع حصوله للكفار لقصورٍ فيهم.
الثالثة: الإشارة إلى أن هذا الهدى داخل في إجابة قوله: ﴿اهْدِنَا السِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ لأن هذا الدعاء مبنيٌّ على قوله في الفاتحة: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾؛ لأنها أول الصفات العليا فيها، إذ لم يتقدمها بعد البسملة إلا اسم الجلالة، وهو عَلَم لا يشعر البناء عليه بالعلة.
الرابعة: الإشارة إلى أنّ العناية التي تُفهم من لفظ "الرب" لها مزيدُ اختصاص بمن اتصف بالصفات السابقة، فهو سبحانه رب العالمين، وعنايته شاملة لهم جميعًا، ولكن حظ هؤلاء من العناية أتم. ولنقتصر على هذا.
[٣/ب] ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾: أعاد اسم الإشارة ليعود المخاطب فيلتفت إلى الصفات السابقة، فيستحضرها تفصيلًا لنحو ما تقدَّم.
7 / 136