وأخص الأشياء كلها بهذا العلم البحث عما قال همفدوقلس: هل يوجد فى النبات إناث وذكور، أو نوع جامع للذكر والأنثى — على ما زعم؟ لأن من شأن الذكر أن يولد الولد فى غيره، ومن شأن الأنثى أن تلد من غيرها، وأن يكون [فى] كل واحد منهما معتزلا عن صاحبه. وليس يوجد فى النبات شىء من هذا، لأن كل نوع من النبات الذكر منه ما كان خشنا صلبا، والأنثى كثيرة الثمر. وينبغى أن نبحث: هل يوجد الصنفان فى نبات واحد بعينه كما زعم همفدوقلس؟ أما أنا فما أحسب أن هذا شىء يكون، لأن الشىء الذى يختلط ينبغى أولا أن يكون مفردا فى ذاته، وكل ما كان منه ذكرا وأنثى ثم اختلط، واختلاط الشىء إنما يكون من أجل كونه. فقد كان النبات موجودا قبل اختلاطه؛ وما ينبغى أن يكون الفاعل والمنفعل فى وقت واحد معا. — وأيضا إنه ليس يوجد جوهر من الجواهر إناثه وذكوره فى شىء واحد معا. ولو كان هذا هكذا، لكان النبات أكمل من الحيوان، لأنه كان لا يحتاج فى توليده إلى شىء من خارج، بل هو محتاج إلى أزمنة السنة وإلى الشمس والاعتدال أكثر من كل شىء. ونجده يحتاج إلى ذلك فى وقت إبراز الثمر. ومبتدأ غذاء النبات من الأرض، ومبتدأ توليده من الشمس. إلا أن أنكساغورس زعم أن بزره من الهواء، ولذلك قال رجل يقال له ألقماون إن الأرض أم النبات، والشمس أبوه. وأما اختلاط ذكور النبات باناثه فلنا أن نتخيله على جهة أخرى، لأن بزر النبات شبيه بالحبل، وهو اختلاط الذكر بالأنثى؛ وكما أن فى البيضة قوة تولد الفروج ومادة غذائه إلى وقت نمائه وخروجه منها، والأنثى تبيض البيضة فى وقت واحد، فكذلك النبات أيضا. وقد جود همفلدوقلس فى قوله إن الشجر الطوال لا تولد فراخا، لأن الشىء النابت إنما ينبت فى جزء البزر، ويصير ما فيه فى بدء الأمر غذاء الأصل والسبب؛ والنابتة تتحرك على المكان. ولذلك ينبغى لنا أن نفكر فى اختلاط ذكور النبات باناثه. ومن الحيوان ما يشبه النبات فى حالة من الحالات، لأن الحيوان إذا واقع ذكوره باناثه اختلطت قوتهما بعد ما كانا مفترقين. فان كانت الطبيعة خلطت ذكور النبات باناثه فقد فعلت الصواب؛ وما نجد النبات فعالا سوى توليد الثمار؛ وإنما صار الحيوان منفردا معتزلا فى الأوقات التى لا يجامع فيها لكثرة أفعاله.
ومن الناس من يظن أن النبات تام كامل من أجل القوتين اللتين له ومن أجل غذائه المعد ولطول بقائه ومدته. وأنه إذا أورق وولد دامت له حياته وعاد إليه شبابه؛ ولم يتولد فيه شىء من الفضول. والنبات مستغن عن النوم لأسباب كثيرة، وذلك لأن النبات منتصب مغروس فى الأرض مربوط بها وليس له حركة من ذاته، ولا لأجزائه حد محدود، ولا له حس، ولا حركة إرادية ولا له نفس كاملة، بل إنما له جزٗ من أجزائها. والنبات إنما خلق من أجل الحيوان، ولم يخلق الحيوان من أجل النبات. وإن قلت إن النبات محتاج إلى غذاء خسيس ردىء، فانه يحتاج منه إلى شىء كثير قائم متصل غير منقطع. وإن صح أن للنبات على الحيوان فضلا، وجب أن تكون الأشياء الغير متنفسة أكرم من الأشياء المتنفسة؛ وفعل من أفعال الحيوان أفضل وأشرف من النبات. وقد نجد للحيوان جميع فضائل النبات وفضائل كثيرة معها. وقد أصاب همفدوقلس فى زعمه أن النبات تولد والعالم ناقص لم يستتم كاملا؛ فلما كمل وتم، تولد الحيوان. غير أنه ما قال قولا مستقيما، لأن العالم بكليته أزلى دائم، لم يزل يولد الحيوان والنبات وكل نوع من أنواعها. وفى كل نوع من أنواع النبات رطوبة وحرارة غريزية، فاذا فقدها مرض وهرم وفسد وجف. ومن الناس من سمى هذا فسادا، ومنهم من لا يسميه ذلك.
[chapter 3]
صفحہ 250