فأما النبات الذى يعرض على وجه الماء فانه يكون مع غلظ الماء، وذلك أن البخار إذا لامس الماء ولم يكن للماء جرية، تحرك الماء فصار عليه شبيه بالسحابة وحصره بستر فتعفنت تلك الرطوبة وجذبتها الحرارة وانبسطت على وجه الماء وليس لها أصل، لأن الأصول تكون فى المواضع الجاسية من الأرض والماء متفرق الأجزاء منبسط، فجذبت الحرارة تلك العفونة المتولدة على وجه الماء، فمن هناك لم يكن له أيضا ورق لبعده عن الاعتدال ولم تكن أجزاؤه متألفة لأن الماء غير متألف الأجزاء، فلذلك صار النبات مثل الخيوط. ولما كانت الأرض منحصرة الأجزاء، كان النبات مجتمع الأجزاء على بعض الأرض وقد يتعفن فى الموضع الندى والرمل عفونات بحصر الهواء، فاذا كثرت الأمطار والرياح أظهرت الشمس تلك العفونة ويبس وجهه بيبس الأرض، أصل ذلك، فكان منه الكمأة وأمثاله. ومن النبات ما يكون فى المواضع الحارة الشديدة الإفراط، وذلك أن الحرارة تطبخ ما فى بطون الأرض وتحقن الشمس فيحدث البخار فيكون منه النبت، وذلك فى جميع المواضع الحارة يعمل بغتة فيها الفعل. وأما المواضع الباردة فيفعل مثل ذلك بالضد، وذلك ا ٔن الهواء البارد تحصره الحرارة إلى أسفل، وتجتمع أجزاؤها فتطبخ الموضع بذلك البلل الحاصر، فينشق الموضع ويخرج منه النبات. فأما المواضع الغدر المقعرة فان الماء لا يكاد يفارقها، فاذا احتقن الهواء الذى انحصر فى الأرض رشح من بلونة الماء فانعقد الهواء فى باطن الماء فخرج النبات، مثل النيلوفر والخيرى وأصناف الحشائش، وهذه تنبت قائمة لا منبسطة لأن أصلها على الأرض. والمواضع التى تجرى فيها المياه الحارة قد يتولد فيها النبات، وذلك أن حرارة الماء تجذب البخارات المحتقنة فى الأرض والرطوبة الباردة، فتجذبها إلى العلو، فينعقد الهواء بتلك الرطوبة وينبطخ بحرارة الماء فيظهر النبات ولا يكاد يظهر إلا فى الدهر الطويل. وأما الحشائش التى تظهر فى المياه الكبريتية فان الريح إذا حاكت الزرنخ، اضطربت وانحقن الهواء الذى فيه فيسخن الموضع فيكون منه النار، ثم يتولد مما فى الزرنيخ ما رشح من ثقل الهواء فتجذبه النار مع عفونة ذلك الزرنيخ فيكون منه النبات، ولا يكاد يكون كثير الورق، كما أعلمنا لبعده من الاعتدال.
وأما غذاء الحيوان من النبات فانه يكون فى المواضع الحارة اللينه العالية، ولا سيما فى الإقليم الرابع والثالث، وما قرب من الغذاء فى المواضع العالية الباردة. ولذلك تكثر العقاقير فى المواضع الباردة العالية بجذب الرطوبات واعتدال حر الشمس فى أيام الربيع. وكذلك الطين الحر يسرع فيه النبات الدهنى لاحتقأنه ورطوبته فى الماء العذب، كما أعلمنا بذلك آنفا.
[chapter 5]
فأما النبات الذى يكون فوف الصخر المصمت فانه يعرض فى الزمان الطويل، وذلك أن الهواء المنحصر فيه يطلب العلو، فاذا لم يجد السبيل لقوة الحجر تراجع ذلك الهواء وحمى وجذب الرطوبة الفاضلة فى الحجر إلى العلو، فخرج البخار مع تلك الرطوبة مع زوايا صغار من الحجر، فلما باين الحجر عقده وأعانته الشمس على طبخه فكان منه النبات، ولا يكاد يعلو إلا أن يقرب من تراب أو رطوبة. فأما باقى النبات فيحتاج إلى التراب والماء والهواء. وننظر إلى النبات: فان كان فى أدنى شمس، فانه يسرع، وإن كان إلى الغرب فأنه يبطىء. والنبات إذ غلبت عليه المياه احتقن الهواء فلم يصعد شيئا فلا يتغذى النبات. وكذلك اليبس إذا غلب صرف الحرارة الغريزية فى الأطراف وحصر المواضع السالكة فيها المياه، فلا يتغذى النبات.
[chapter 6]
صفحہ 272