389

وهو أيضا ممن خلط على ما نبينه، فاما قول الأخفش ففيه الفصل بين ذي الحال والحال بجملة غير اعتراضية بل هي منشئة أحكاما وذلك لا يجوز وفيه تقييد الإيفاء بالعقود بانتفاء إحلال الموفين الصيد وهم حرم وهم مأمورون بإيفاء العقود بغير قيد، ويصير التقدير أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم فإذا لم توجد هذه الحال فلا توفوا بالعقود. واما قول الجمهور فهو مردود من هذا الوجه الأخير إذ يصير المعنى أحلت لكم بهيمة الانعام في حال انتفاء كونكم تحلون الصيد وأنتم حرم وهم قد أحلت لهم بهيمة الانعام في هذه الحال وفي غيرها من الأحوال إذا أريد ببهيمة الانعام أنفسها وإن أريد بها الظباء وبقر الوحش وحمرة. فيكون المعنى وأحل لكم هذه في حال انتفاء كونكم تحلون الصيد وأنتم حرم، وهذا تركيب قلق معقد ينزه القرآن أن يأتي فيه مثل هذا، ولو أريد بالآية هذا المعنى لجاء على أفصح تركيب وأحسنه. وأما قول من جعله حالا من الفاعل وقدره وأحل الله لكم بهيمة الانعام غير محل لكم الصيد وأنتم حرم قال كما تقول: أحل لكم كذا غير مبيحة لك يوم الجمعة وهو فاسد لأنهم نصوا على أن الفاعل المحذوف في مثل هذا التركيب يصير نسيا منسيا فلا يجوز وقوع الحال منه.

لو قلت: أنزل المطر للناس مجيبا لدعائهم إذ الأصل أنزل الله المطر مجيبا لدعائهم لم يجز وخصوصا على مذهب الكوفيين ومن وافقهم من البصريين لأن صيغة الفعل المبني للمفعول صيغة وضعت أصلا كما وضعت صيغته مبنيا للفاعل وليست مغيرة من صيغة بنيت للفاعل ولأنه بتقييد إحلاله تعالى بهيمة الانعام إذا أريد بها ثمانية الا الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصيد وهم حرم وهو تعالى قد أحلها في هذه الحال وفي غيرها. وأما قول من جعله حالا من الضمير في عليكم فالذي يتلى لا يتقيد بحال انتفاء إحلالهم الصيد وهم حرم بل هو ما يتلى عليهم في هذه الحال وفي غيرها. وأما ما نقله القرطبي عن البصريين فإن كان النقل صحيحا فهو يتخرج على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى فنقول: إنما عرض الإشكال في الآية من جعلهم غير محلي الصيد حالا من المأمورين بإيفاء العقود أو من المحلل لهم أو من المحلل وهو الله أو من المتلو عليهم وغرهم في ذلك كونه كتب محلي بالياء وقدروه هم انه اسم فاعل من أحل وأنه مضاف إلى الصيد إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول وأنه جمع حذف منه النون للإضافة وأصله غير محلين الصيد وأنتم حرم إلا في قول من جعله حالا من الفاعل المحذوف فلا يقدر فيه حذف النون بل حذف التنوين وإنما يزول الاشكال ويتضح المعنى بأن يكون قول: محلي الصيد من باب قولهم: حسان النساء، والمعنى النساء الحسان، فكذلك هذا أصله غير الصيد المحل والمحل، صفة للصيد لا للناس ولا للفاعل المحذوف ووصف الصيد بأنه محل على وجهين، أحدهما: أن يكون معناه دخل في الحل كما تقول: أحل الرجل، أي دخل في الحل، وأحرم دخل في الحرم.

والوجه الثاني: أن يكون معناه صار ذا حل أي حلالا بتحليل الله، وذلك أن الصيد على قسمين حلال وحرام ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال ألا ترى إلى قول بعضهم أنه ليصيد الأرانب حتى الثعالب لكنه يختص به شرعا وقد تجوزت العرب وأطلقت الصيد على ما لا يوصف بحل ولا حرمة نحو قول الشاعر:

ليث بعثر يصطاد الرجال إذا

ما كذب الليث عن أقرانه صدقا

وعثر اسم موضع. وقال آخر:

وقد ذهبت سلمى بعقلك كله

فهل غير صيد أحرزته حبائله

وقال امرؤ القيس:

وهو نضيد قلوب الرجال

نامعلوم صفحہ