تفسير الميزان
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
اصناف
الأولى: من مراتب الإسلام، القبول لظواهر الأوامر والنواهي بتلقي الشهادتين لسانا، سواء وافقه القلب، أو خالفه، قال تعالى: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم": الحجرات - 14، ويتعقب الإسلام بهذا المعنى أول مراتب الإيمان وهو الإذعان القلبي بمضمون الشهادتين إجمالا ويلزمه العمل في غالب الفروع.
الثانية: ما يلي الإيمان بالمرتبة الأولى، وهو التسليم والانقياد القلبي لجل الاعتقادات الحقة التفصيلية وما يتبعها من الأعمال الصالحة وإن أمكن التخطي في بعض الموارد، قال الله تعالى في وصف المتقين: "الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين": الزخرف - 69، وقال أيضا: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة": البقرة - 208، فمن الإسلام ما يتأخر عن الإيمان محققا فهو غير المرتبة الأولى من الإسلام، ويتعقب هذا الإسلام المرتبة الثانية من الإيمان وهو الاعتقاد التفصيلي بالحقائق الدينية، قال تعالى: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أولئك هم الصادقون": الحجرات - 15، وقال أيضا: "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم": الصف - 11، وفيه إرشاد المؤمنين إلى الإيمان، فالإيمان غير الإيمان.
الثالثة: ما يلي الإيمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست بالإيمان المذكور وتخلقت بأخلاقه تمكنت منها وانقادت لها سائر القوى البهيمية والسبعية، وبالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا وزخارفها الفانية الداثرة، وصار الإنسان يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، ولم يجد في باطنه وسره ما لا ينقاد إلى أمره ونهيه أو يسخط من قضائه وقدره، قال الله سبحانه: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما": النساء - 65، ويتعقب هذه المرتبة من الإسلام المرتبة الثالثة من الإيمان، قال الله تعالى "قد أفلح المؤمنون" إلى أن قال: "والذين هم عن اللغو معرضون": المؤمنون - 3، ومنه قوله تعالى: "إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين" إلى غير ذلك، وربما عدت المرتبتان الثانية والثالثة مرتبة واحدة.
والأخلاق الفاضلة من الرضاء والتسليم، والحسبة والصبر في الله، وتمام الزهد والورع، والحب والبغض في الله، من لوازم هذه المرتبة.
الرابعة: ما يلي، المرتبة الثالثة من الإيمان فإن حال الإنسان وهو في المرتبة السابقة مع ربه حال العبد المملوك مع مولاه، إذ كان قائما بوظيفة عبوديته حق القيام، وهو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبه ويرتضيه، والأمر في ملك رب العالمين لخلقه أعظم من ذلك وأعظم وإنه حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشيء من الأشياء لا ذاتا ولا صفة، ولا فعلا على ما يليق بكبريائه جلت كبرياؤه.
صفحہ 175