تفسیر مجمع البیان
مجمع البيان في تفسير القرآن - الجزء1
اصناف
(1) - حصول الفعل ولهذا لا يقال فيمن أعان غيره وفقه لأنه لا يقدر أن يجمع بين جميع الأسباب التي يحتاج إليها في حصول الفعل وأما تكرار قوله «إياك» فلأنه لو اقتصر على واحد ربما توهم متوهم أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالجمع بينهما ولا يمكنه أن يفصل بينهما وهو إذا تفكر في عظمة الله تعالى كان عبادة وإن لم يستعن بهوقيل أنه جمع بينهما للتأكيد كما يقال الدار بين زيد وبين عمرو ولو اقتصر على واحد فقيل بين زيد وعمرو كان جائزا قال عدي بن زيد :
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به # بين النهار وبين الليل قد فصلا
وقال أعشى همدان :
بين الأشج وبين قيس باذخ # بخ بخ لوالده وللمولود
وهذا القول فيه نظر لأن التكرير إنما يكون تأكيدا إذا لم يكن محمولا على فعل ثان و «إياك» الثاني في الآية محمول على «نستعين» ومفعول له فكيف يكون تأكيدا وقيل أيضا أنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة فإن قيل أن عبادة الله تعالى لا تتأتى بغير إعانة منه فكان يجب أن يقدم الاستعانة على العبادة فالجواب أنه قدم العبادة على الاستعانة لا على الإعانة وقد تأتي بغير استعانة وأيضا فإن أحدهما إذا كان مرتبطا بالآخر لم يختلف التقديم والتأخير كما يقال قضيت حقي فأحسنت إلي وأحسنت إلي فقضيت حقي وقيل أن السؤال للمعونة إنما يقع على عبادة مستأنفة لا على عبادة واقعة منهم وإنما حسن طلب المعونة وإن كان لا بد منها مع التكليف على وجه الانقطاع إليه تعالى كقوله رب احكم بالحق ولأنه ربما لا يكون اللطف في إدامة التكليف ولا في فعل المعونة به إلا بعد تقديم الدعاء من العبد وقد أخطأ من استدل بهذه الآية على أن القدرة مع الفعل من حيث أن القدرة لو كانت متقدمة لما كان لطلب المعونة وجه لأن للرغبة إلى الله تعالى في طلب المعونة وجهين أحدهما أن يسأل الله تعالى من ألطافه وما يقوي دواعيه ويسهل الفعل عليه ما ليس بحاصل ومتى لطف له بأن يعلمه أن له في فعله الثواب العظيم زاد ذلك في نشاطه ورغبته والثاني أن يطلب بقاء كونه قادرا على طاعته المستقبلة بأن تجدد له القدرة حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها وأن لا يفعل ما يضادها وينفيها عند من قال ببقائها وأما العدول عن الخبر إلى الخطاب في قوله «إياك نعبد» إلى آخر السورة فعلى عادة العرب المشهورة وأشعارهم من ذلك مملوءة قال لبيد :
باتت تشكي إلي النفس مجهشة # وقد حملتك سبعا بعد سبعينا
صفحہ 102