تفسیر مجمع البیان
مجمع البيان في تفسير القرآن - الجزء1
اصناف
(1) - والمفعول الثاني مضمر محذوف لعلم المخاطب به فكأنه قال الذين يظنون ملاقاة ربهم واقعة وحذفت النون من ملاقوا ربهم تخفيفا عند البصريين والمعنى على إثباتها فإن المضاف إليه هنا وإن كان مجرورا في اللفظ فهو منصوب في المعنى فهي إضافة لفظية غير حقيقية ومثله قوله «إنا مرسلوا الناقة» و «كل نفس ذائقة الموت» وقال الشاعر:
هل أنت باعث دينار لحاجتنا # أو عبد رب أخا عون بن مخراق
ولو أردت معنى الماضي لتعرف الاسم بالإضافة لم يجز فيه إظهار النون البتة وقوله «وأنهم إليه راجعون» في موضع النصب عطفا على الأول.
المعنى
لما تقدم ذكر الخاشعين بين صفتهم فقال «الذين يظنون» أي يوقنون «أنهم ملاقوا» ما وعدهم «ربهم» عن الحسن ومجاهد وغيرهما ونظيره قوله «إني ظننت أني ملاق حسابيه» وقيل أنه بمعنى الظن غير اليقين والمعنى أنهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم بذنوبهم لشدة إشفاقهم من الإقامة على معصية الله قال الرماني وفيه بعد لكثرة الحذف وقيل الذين يظنون انقضاء آجالهم وسرعة موتهم فيكونون أبدا على حذر ووجل ولا يركنون إلى الدنيا كما يقال لمن مات لقي الله ويدل على أن المراد بقوله «ملاقوا ربهم» ملاقون جزاء ربهم قوله تعالى في صفة المنافقين «فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه» ولا خلاف في أن المنافق لا يجوز أن يرى ربه وكذلك قوله «ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» و جاء في الحديث من حلف على مال امرئ مسلم كاذبا لقي الله وهو عليه غضبان وليس اللقاء من الرؤية في شيء يقال لقاك الله محابك ولا يراد به أن يرى أشخاصا وإنما يراد به لقاء ما يسره وقوله «وأنهم إليه راجعون» يسأل هنا فيقال ما معنى الرجوع في الآية وهم ما كانوا قط في الآخرة فيعودوا إليها وجوابه من وجوه. (أحدها) أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة عن أبي العالية (وثانيها) أنهم يرجعون بالموت كما كانوا في الحال المتقدمة لأنهم كانوا أمواتا فأحيوا ثم يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا (وثالثها) أنهم يرجعون إلى موضع لا يملك أحد لهم ضرا ولا نفعا غيره تعالى كما كانوا في بدء الخلق لأنهم في أيام حياتهم قد يملك غيرهم الحكم عليهم والتدبير لنفعهم وضرهم يبين ذلك قوله «مالك يوم الدين» وتحقيق معنى الآية أنه يقرون بالنشأة الثانية فجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر رجوعا إليه.
صفحہ 220