فإذا عرفت الله سبحانه، ووصفته(1) بهذه الإحاطة التي ذكرت لك، فقد عرفت الله سبحانه حق المعرفة، ألا تسمع إلى قول الله عز وجل: {ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم}[البقرة: 255]؟ يخبر عز وجل أنه أعلى وأعظم من أن تحفظه السموات والأرض. ونحن نقول: إن الله سبحانه هو الحافظ للسماء والأرض.
وسأصف لك السموات الأرض كيف هما، وأصغرهما لك على عظمهما؛ حتى تعلم أنه لا شيء أعظم من الله سبحانه، ولا شيء أوسع من الله سبحانه، فقف على ما أذهب إليه وتدبره.
يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: (( هل تدرون ما هذه التي فوقكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها أرفع سقف محفوظ، وموج مكفوف، هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن بينكم وبينها مسيرة خمسين ومائة عام، وبينها وبين السماء الأخرى مثل ذلك؛ حتى عد سبع سماوات، وغلظ كل سماء مسيرة خمسين ومائة سنة، ثم قال: هل تدرون ما هذه التي تحتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الأرض، وبينها وبين الأرض الأخرى مسيرة خمسين ومائة عام، حتى عد سبع أرضين، وغلظ كل أرض مسيرة خمسين ومائة سنة، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو دليتم أحدكم(2) حتى يصير إلى الأرض السابعة السفلى لكان الله عز وجل معه، ثم تلا هذه الآية: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} [الحديد: 3]. وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: (لو أن ملكا من ملائكة الله عز وجل الذين عظم الله خلقهم هبط إلى الأرض لما وسعته)(3)؛ لأن الله جعل السموات أوسع من الأرض، والسماء العليا من السموات السبع أوسع من السماء السفلى؛ لأن السماءالعليا مشتملة عليها.
فانظر إلى هذه السموات والأرضين ما أوسعها وأعظمها، وسأصغرهما لك الآن في عظمته سبحانه حتى تعلم علما يقينا أنه لا شيء أعظم من الله عز وجل، قال الله في الأرض والسماء: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه}[الزمر: 67]. فمثل الله صغر الأرض في عظمته وقدرته؛ كالقبضة في الكف، فكان في هذا ما يدل على تعظيم الله سبحانه. وكذلك قال: {والسموات مطويات بيمينه} فكان هذان مثلين من أمثال الله عز وجل، يحكيان عن عظم الله تبارك وتعالى وصغر الأشياء، أنها في عظم سعته واقتداره أصغر صغير عنده سبحانه وتعالى.
تم والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
صفحہ 260