177

Tafsir Ibn Kathir

تفسير ابن كثير

ایڈیٹر

سامي بن محمد السلامة

ناشر

دار طيبة للنشر والتوزيع

ایڈیشن نمبر

الثانية

اشاعت کا سال

1420 ہجری

اصناف

تفسیر
قَالَ (١) ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زُفَر، سَمِعْتُ العَرْزَميّ يَقُولُ: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، قَالَ: الرَّحْمَنُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، الرَّحِيمُ، قَالَ: بِالْمُؤْمِنِينَ. قَالُوا: وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾ [الْفُرْقَانِ: ٥٩] وَقَالَ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] فَذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنِ لِيَعُمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِرَحْمَتِهِ، وَقَالَ: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٤٣] فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ، قَالُوا: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَنَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي الرَّحْمَةِ لِعُمُومِهَا فِي الدَّارَيْنِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، وَالرَّحِيمُ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا.
وَاسْمُهُ تَعَالَى الرَّحْمَنُ خَاصٌّ بِهِ لَمْ يُسم بِهِ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ وَلَمَّا تَجَهْرَمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابِ وَتَسَمَّى بِرَحْمَنِ الْيَمَامَةِ كَسَاهُ اللَّهُ جِلْبَابَ الْكَذِبِ وَشُهِرَ بِهِ؛ فَلَا يُقَالُ إِلَّا مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، فَصَارَ يُضرب بِهِ الْمَثَلُ فِي الْكَذِبِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَضَرِ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ، وَأَهْلِ الْوَبَرِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالْأَعْرَابِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرَّحِيمَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَكَّدَ بِهِ، وَالتَّأْكِيدُ (٢) لَا يَكُونُ إِلَّا أَقْوَى مِنَ المؤكَّد، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ (٣)، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ النَّعْتِ [بَعْدَ النَّعْتِ] (٤) وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ تَقْدِيرَ اسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَوَصْفَهُ أَوَّلًا بِالرَّحْمَنِ الَّذِي مَنَعَ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِهِ لِغَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١١٠] . وَإِنَّمَا تَجَهْرَمَ مُسَيْلِمَةُ الْيَمَامَةِ فِي التَّسَمِّي بِهِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الضَّلَالَةِ. وَأَمَّا الرَّحِيمُ فَإِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ بِهِ غَيْرَهُ حَيْثُ قَالَ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٢٨] كَمَا وَصَفَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الْإِنْسَانِ: ٢] .
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَمِنْهَا مَا لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، كَاسْمِ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالْخَالِقِ وَالرَّزَّاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَلِهَذَا بَدَأَ بِاسْمِ اللَّهِ، وَوَصَفَهُ بِالرَّحْمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَأَعْرَفُ مِنَ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَوَّلًا إِنَّمَا تَكُونُ بِأَشْرَفِ (٥) الْأَسْمَاءِ، فَلِهَذَا ابْتَدَأَ بِالْأَخَصِّ فَالْأَخَصِّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الرَّحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً؛ فَهَلَّا اكْتُفِيَ بِهِ عَنِ الرَّحِيمِ؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَمَّا تَسَمَّى غَيْرُهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ، جِيءَ بِلَفْظِ الرَّحِيمِ لِيَقْطَعَ التَّوَهُّمَ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ. وَوَجَّهَهُ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، حَتَّى رَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١١٠]؛ وَلِهَذَا قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لعَلي: "اكْتُبْ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ "، فَقَالُوا: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ وَلَا الرَّحِيمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (٦)، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ [الفرقان: ٦٠] .

(١) في جـ، ط، ب: "وقال".
(٢) في جـ، ط: "والمؤكد".
(٣) في جـ، ط، ب: "التأكيد".
(٤) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٥) في جـ، ط، ب: "بأشهر".
(٦) صحيح البخاري برقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢) .

1 / 126