فهل تعرف الله قط تبارك وتعالى ، إلى أحد من خلقه بحلية من الحلى ، كلا لن يوجد ذلك من الله أبدا ، ولن يعرف الله من عرفه إلا أحدا واحدا ، غير ذي نواح وأطراف ، ولا مختلف في الأوصاف ، بل تدل أوصافه كلها على واحد أحد ، غير معروف بصورة ولا حلية ولا عدد ، ليس له ند يساويه ، ولا ضد يناويه ، يستدل عليه تبارك وتعالى وعلى جلاله ، بدلائل لا يحصيها غيره من صنعه وفعاله ، فهل يعمى ويصم عما يرى ، إلا من لا يسمع بقلب ولا يرى ، فنحمد الله على ما من به في ذلك من الهدى ، وعلى ما بصر برحمته في ذلك من ضلال أهل الهلكة والردى.
[معنى العرش والكرسي]
وبعد فافهم نفعني الله ونفعك ، بما أسمعني من البيان وأسمعك ، مسألتك عن تأويل ما ذكر الله من كرسيه وعرشه ، فما تأويل ذلك عند من يؤمن بالله إلا كتأويل قبضته وبطشه ، وما ذلك كله ، وفرع ذلك وأصله ، إلا ملكه واقتهاره ، وسلطانه واقتداره ، الذي لا شرك لأحد معه فيه ، ولا ملك ولا سلطان لسواه عليه!
ألا تسمع كيف يقول سبحانه : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما ) [البقرة : 255]. وتأويل يؤده : هو يثقله ، فهو لا يثقله حفظ ما هو من السماوات والأرض مالك (1) له.
وكذلك تأويل : ( إن بطش ربك لشديد (12) إنه هو يبدئ ويعيد (13)) [البروج : 12 13]. و ( يوم نبطش البطشة الكبرى ) [الدخان : 16]. وليس يتوهم في كبرها ، طول ولا عرض في ذرعها ولا قدرها ، ولا يتوهم أن القبضة والبطش (2) من الله على ما يعرف من الآدميين ببنان ولا كف ، وكذلك لا يتوهم أن الكرسي والعرش ذو قوائم ووسط وطرف ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : ( وكان عرشه على الماء )
صفحہ 663