تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
اصناف
[2.110]
{ وأقيموا الصلاة } يعنى بعد ما سلم مدارككم وجوارحكم عن المعارضة وقلوبكم عن الحقد يتأتى لكم اقامة الصلاة فأقيموها، او المقصود وأقيموا الصلاة حتى يتأتى لكم العفو والصفح { وآتوا الزكاة } قد مضى فى اول السورة بيان اقامة الصلاة وايتاء الزكاة { وما تقدموا لأنفسكم من خير } عطف باعتبار المعنى كأنه قال: وقدموا لانفسكم اذ المقصود من مثله التعريض بالأمر والايجاب على المخاطب والمراد بالخير اما الاحسان الى المسيئين كأنه قال: فاعفوا واصفحوا وأحسنوا، او المراد منه كل فعل حسن فيكون ذكرا للعام بعد الخاص ويكون، الاحسان المطلوب بعد مقام الصفح مشارا اليه بذكر اقامة الصلاة وايتاء الزكاة فان الاحسان لا يكون الا بكسر سورة انانية النفس والتسليم الخالص لأمر الله وليسا الا الزكاة والصلاة { تجدوه عند الله } مدخرا لكم بنفسه على تجسم الأعمال او بحقيقته او جزائه { إن الله بما تعملون بصير } فلا يشذ عنه شيء لا يدخر عنده.
[2.111]
{ وقالوا } اى اهل الكتاب من اليهود والنصارى وهو عطف على ود { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا } اسم جمع بمعنى اليهود ابتداء، او كان فى الاصل جمعا لهائد بمعنى التائب، او بمعنى الراجع الى الحق، او بمعنى الداخل فى اليهودية، على ان يكون من المشتقات الجعلية كالتهويد والتهود كعوذ جمع عائذ من دون تغيير، او كان اصله هوود بواوين ثم خفف فصار هودا { أو نصارى } لفظة او للتفصيل اى كان قولهم هذا وذاك وقد مضى وجه تسمية النصارى { تلك أمانيهم } المشار اليه مجموع ما سبق من عدم ودادهم نزول خير على المؤمنين، وودادهم ارتدادهم عن الايمان، وادعائهم ان الجنة ليست الا لأهل ملتهم، والامانى جمع الامنية مغير الامنوية كالاضحوكة بمعنى التمنى وترقب حصول امر من دون تهيؤ أسبابه وادعائه من دون حجة ولذا قال: يا محمد (ص) { قل } لهم ان لم يكن مدعاكم محض تمنى النفس فاثبتوه بالحجة { هاتوا برهانكم } على دعواكم { إن كنتم صادقين } فى دعواكم.
[2.112]
{ بلى } اثبات لما نفوه بقولهم: لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى { من أسلم } اخلص { وجهه } الوجه العضو المخصوص وما يتوجه الشيء به ونفس الشيء والمعنى من أخلص جهة توجهه او ذاته { لله وهو محسن } فى أفعاله او محسن الى خلقه { فله أجره } اللائق به الذى لا يمكن تعيينه الا بالاضافة اليه { عند ربه } كأنه للاهتمام به لم يكل أجره الى غيره { ولا خوف عليهم } جمع الضمير مع الافراد فى الضمائر السابقة باعتبار لفظ من ومعناه { ولا هم يحزنون } قد مضى بيان هذه الآية فى اول السورة.
[2.113]
{ وقالت اليهود } عطف على قالوا، او على ما عطف هو عليه وهو اظهار لدعوى باطلة أخرى لهم من غير حجة تفضيحا لهم بغرورهم وحمقهم وان ما قالوا فى انكار رسالة رسول الله (ص) من هذا القبيل ولا يقولون قولا عن حجة { ليست النصارى على شيء } من الدين { وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب } يعنى قالوا ذلك والحال أنهم علماء تابعون للشرائع او علماء قارؤن الكتب الالهية والعالم لا يبرز دعوى بلا حجة وفى الكتب الالهية تأديبات وتعليمات لكيفية اظهار الدعوى فالعاقل العالم القارئ للكتاب التابع للشرائع لا يظهر دعوى بلا حجة وليس المقصود تكذيبهم فى اصل ادعائهم بل كلا الفريقين مصدقان فى اصل الدعوى بعد نسخ أديانهما بدين محمد (ص)، او المقصود تكذيبهم فى اصل الدعوى وتثريبهم فى طريق اظهاره فان كلا بانكار كون صاحبه على دين حق ينكر كون نبى صاحبه ودينه وشريعته وكتابه على الحق وهذا دعوى باطلة فى نفسها باطلة من حيث عدم الاتيان بالبرهان عليها، ولما كان عامة الناس بل عامة الحيوان ديدنهم ان ينكروا ما وراء معتادهم وما وراء ما رأوه من آبائهم، ويحسبوا ان الحق هو ما اعتادوه من غير حجة عليه سوى قولهم انا وجدنا آباءنا على امة قال تعالى: { كذلك } اى مثل قولهم { قال الذين لا يعلمون } اى لا يكون لهم علم { مثل قولهم } فهو تأكيد لقوله تعالى { كذلك } والمقصود تفضيح آخر لهم بان تشبهوا بالجهال يعنى ان اتباعهم للشرائع وقراءتهم للكتب لم يكن يورثهم علما بل كان ذلك ايضا محض التقليد والاعتياد والا فما قالوا شيئا يشبه قول الجهال وكأن الامة المرحومة أخذوا هذه الشيمة من اليهود والنصارى فأخذ كل فى انكار صاحبه من غير سلطان كبر مقتا عند الله ان يقولوا ما لا يعلمون لكن بما كان كل حزب بما لديهم فرحين لا يتركون انكار ما لا يعلمون { فالله يحكم بينهم } بين الجماعتين او بين المختلفين من اليهود والنصارى والذين يحذو حذوهم فى هذا القول { يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من غير حجة وعلم. وذكر فى نزول الآية انها نزلت فى طائفتين من اليهود والنصارى جاؤا الى رسول الله (ص) وعرضوا عليه هذين القولين وقالوا يا محمد اقض بيننا.
[2.114-115]
{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } عطف على جملة كذلك قال الذين لا يعلمون فانها تشعر بأنهم يمنعون عباد الله عن الاسلام وعن مساجدهم الصورية وعن مساجدهم الحقيقية الذين هم الرسول وخلفاؤه، { ومن أظلم } استفهام انكارى فى معنى النفى فكأنه قال كذلك يمنع الذين لا يعلمون مساجد الله ولا اظلم ممن منع مساجد الله، ومنع ضد أعطى وهو يتعدى الى المفعولين بنفسه، والى الاول بمن والى الثانى بنفسه، والى الاول بنفسه والى الثانى بعن او بمن، ومساجد الله هاهنا مفعول اول وان يذكر مفعول ثان او مساجد الله مفعول ثان وان يذكر بدل منه بدل الاشتمال والمفعول الاول محذوف والتقدير: من اظلم ممن منع الناس عن مساجد الله عن الذكر فيها.
نامعلوم صفحہ