تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
اصناف
وروى عن امير المؤمنين (ع) فى عباد العامة وجهالهم الذين سماهم أشباه الناس عالمين انه قال: ان من أبغض الخلق الى الله تعالى لرجلين، رجل وكله الله تعالى الى نفسه وهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به فى حياته وبعد موته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته، ورجل قمش جهلا فى جهال الناس عان بأغباش الفتنة قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما، بكر فاستكثر ما قل منه خير مما كثر حتى اذا ارتوى من ماء آجن واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، وان خالف قاضيا سبقه لم يأمن ان ينقض حكمه من يأتى بعده لفعله بمن كان قبله، وان نزلت به احدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات فى مثل غزل العنكبوت لا يدرى أصاب ام أخطأ، لا يحسب العلم فى شيء مما أنكر، ولا يرى ان وراء ما بلغ فيه مذهبا، ان قاس شيئا بشيء لم يكذب نظره وان اظلم عليه امر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له: لا يعلم، ثم جسر فقضى فهو مفتاح عشوات ركاب شبهات خباط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعض فى العلم بضرس قاطع فيغنم، يذرى الروايات ذرو الريح الهشيم، تبكى منه المواريث وتصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا مليء باصدار ما عليه ورد، ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه علم الحق. والاول من الرجلين اشارة الى من لم يدخل فى باب الهدى ولم يأخذ علمه من أهله الذين أمر الله العباد بالأخذ منهم، فصار حريصا على الصوم والصلاة فافتتن الناس بهم من حيث انهم رأوهم متعبدين فظنوا أنهم من خواص أهل الله فاقتدوا بهم، والثانى اشارة الى علمائهم الذين لم يدخلوا فى باب الولاية ولم يأخذوا علمهم من أهله بل جمعوه من الصحف وأخذوه من الرجال فهم جمعوا سواقط خيالات الناس ولذا استعمل فيه القمش الذى هو جمع القماش التى هى ما سقط على وجه الارض، وسمى سواقط خيالات الناس مما سموه مسائل علمية بالجهل فقال: قمش جهلا فى جهال الناس اى جمع ما سموه علما فى بين علماء الناس الذين سماهم أشباه الناس علما، فمعنى الآية على ما عرفت من معنى العلم وإطلاقاته، { ولقد علموا } اى أدركوا ادراكا يسمى فى عرف أهل الله بالجهل { لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } حقيقتة لامتنعوا.
[2.103]
{ ولو أنهم آمنوا } ولو ان اليهود ومن يليهم من النواصب آمنوا بالايمان العام او بالايمان الخاص او أقروا وأذعنوا بالكتاب الذى نبذوه وراء ظهورهم وهو عطف على لمن اشتراه، او على سائر الجمل السابقة لكن عطفه على قوله { لمن اشتراه } أوفق بحسب أجزاء ما بعده { واتقوا } مخالفة من بايعوا معه او اتباع ما تتلو الشياطين { لمثوبة } لهم { من عند الله خير } ونكر المثوبة للاشعار بان ما يصدق عليه المثوبة أى شيء كان يسيرا او كثيرا خير ولم يأت بالجملة الفعلية للاشعار بأن لزوم المثوبة أمر مفروغ عنه والمحتاج الى البيان لزوم خيرية المثوبة لا نفس المثوبة، ولم يأت بالمفضل عليه لعدم الاعتداد به وليذهب ذهن السامع كل مذهب { لو كانوا يعلمون } لو للتمنى او للشرط.
[2.104-105]
{ ياأيها الذين آمنوا } بالايمان العام والبيعة العامة روى أنه ليس فى القرآن { ياأيها الذين آمنوا } الا وهى فى التوراة يا أيها المساكين { لا تقولوا راعنا } كانوا يقولون للنبى (ص): راعنا اى لاحظنا محسنا الينا، او استمع لمقالنا، وكان تلك الكلمة سبا فى لغة اليهود بمعنى اسمع لا سمعت كما فى الصافى فكان اليهود يتوسلون بتلك الكلمة الى شتم رسول الله (ص) فنهى الله المؤمنين عن تلك الكلمة { و } قال: { قولوا انظرنا } فانها ليست شتما فى لغتهم حتى يتوسلوا بها الى شتم الرسول (ص) { واسمعوا } اذ قال لكم رسول الله (ص) قولا وأطيعوا، او المعنى: واسمعوا نهيه لكم عن هذا القول، وأمرى لكم بهذا القول، { وللكافرين } يعنى اليهود الشاتمين { عذاب أليم ما يود الذين كفروا } ابتداء كلام لبيان مرام آخر ولذا قطعه عما قبله { من أهل الكتاب } اليهود والنصارى { ولا المشركين } ولا من المشركين الذين منهم النواصب والمنافقون بمحمد (ص) وعلى (ع) او منافقوا الامة داخلون فى اهل الكتاب { أن ينزل عليكم من خير من ربكم } من الآيات المزيدات فى شرف محمد (ص) وعلى (ع) وآلهما الطيبين (ع) او من نعمة من نعم الدنيا، او من غلبة وغنيمة من الخصم { والله يختص } يميز { برحمته } اى ولاية على (ع) فانها رحمته تعالى او نبوته او تصديق نبيه او ولايته وامامته { من يشآء } ودوا ذلك او كرهوا { والله ذو الفضل العظيم } على من يختصه برحمته.
[2.106]
بيان النسخ واقسامه
{ ما ننسخ من آية } النسخ لغة الازالة والتغيير والابطال واقامة شيء آخر مقام المبطل والمسخ، ونسخ الكتاب وانتسخه واستنسخه كتبه، وشرعا رفع حكم ثابت فى الشريعة بعد العمل به سواء كان الناسخ والمنسوخ من شريعتين أو من شريعة واحد، وسواء كان بالنسبة الى عامة الخلق او بالنسبة الى أشخاص مخصوصين، او بالنسبة الى شخص واحد بحسب أحواله المختلفة؛ والاول هو النسخ الكلى والثانى والثالث النسخ الجزئى والنسخ فى الكتاب هو النسخ الكلى والنسخ فى الاخبار الولوية نسخ جزئى بحسب الاشخاص، او بحسب أحوال شخص واحد، والنسخ فى الاخبار النبوية يجوز فيه الامران لان الكتاب الالهى مشرع كل الامة وأحكامه المنصوصة مشرع للكل، ومنسوخه منسوخ عن الكل وناسخه ناسخ للكل، وما يجرى فيه النسخ الجزئى من الآيات فهو لا يعد من الناسخ والمنسوخ بل يعد من المتشابهات، واما الاخبار الولوية فالنسخ المذكور فيها لا يجوز ان يكون نسخا بالنسبة الى كل الأمة والا لزم ان يكون الائمة مؤسسين للشريعة لا حافظين لشريعة محمد (ص) والحال أنهم حافظون للشريعة، والنسخ الجزئى عبارة عن رفع حكم عن شخص كان ذلك الحكم ثابتا له بأمر شرعى، او رفع حكم ثابت بالامر الشرعى من الحافظين للشريعة او من الشارع لشخص او لجمع عن شخص آخر او عن جماعة أخرى.
وفى الاخبار اشارات وتصريحات بذلك ونذكر شطرا منها لمزيد الاستبصار؛ فنقول: روى فى الكافى عن سليم بن قيس الهلالى انه قال، قلت لامير المؤمنين (ع): انى سمعت من سلمان والمقداد وأبى ذر رحمهم الله شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبى الله (ص) غير ما فى أيدى الناس ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت فى أيدى الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن وأحاديث عن نبى الله (ص) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كله باطل أفترى الناس يكذبون على رسول الله (ص) متعمدين؟ ويفسرون القرآن بآرائهم؟ - قال: فاقبل على فقال: قد سألت فافهم الجواب؛ ان فى ايدى الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام خطيبا فقال:
" ايها الناس قد كثرت على الكذابة فمن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "
نامعلوم صفحہ