299

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

اصناف

{ وجعلوا لله شركآء الجن } يدل من شركاء او مفعول اول ولله حال من شركاء وذلك لان بعضهم يجعلون ابليس ذا آلهة، وبعضهم قائلون بالظلمة كناية عن دار الجنة والشياطين، وبعضهم يعبدون الارواح الخبيثة التى هى الجنة والشياطين زعما منهم ان تلك الارواح هى الارواح التى كانت واسطة بين الله وبين الخلق وجميع المشركين سواء صرحوا بان معبوديهم الشياطين والجنة او لم يصرحوا بل عبدوا الشجر والصنم والكوكب وغيرها لا يعبدون الا الجن فى عبادتهم المعبودات الباطلة كما قال تعالى:

ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون

[سبأ:40و 41] والسر فى ذلك ان الجن من اتباع ابليس تزين لهم المعبودات الباطلة فيطيعونهم فى ذلك فيعبدون الجن من يحث لا يشعرون { وخلقهم } جملة حالية بتقدير قد او لا حاجة لها الى قد لورود الماضى حالا كثيرا وفصيحا بدون قد يعنى خلق الله الجن والمخلوق لا يكون معبودا كالخالق، ويحتمل ارجاع الضمير الى الجاعلين يعنى والخالق لهم لا يكون كغير الخالق لهم { وخرقوا له } جعلوا لله من عند انفسهم من غير حقيقة وبرهان { بنين وبنات } فقالوا نحن ابناء الله والمسيح ابن الله وعزير ابن الله والملئكة بنات الله وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا { بغير علم } منهم بذلك { سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والأرض } خالقهما من غير سبق مادة ومدة لا من اصل خلق ولا على مثال سبق بدعه انشأه كابتدعه والبديع الحادث لازم ومتعد فسماوات الارواح وأراضى الاشباح كلها مخلوقة { أنى يكون له ولد } كيف يجوز ان يكون له ولد { ولم تكن له صاحبة } على مثاله شريكة له غير مخلوقة { وخلق كل شيء } فلم يلكن شيء صاحبته ولا ولده بل الكل مخلوق له { وهو بكل شيء عليم } فلا يحتاج الى ولد ووكيل فى استعلام حال بعض الاشياء.

[6.102]

{ ذلكم } الموصوف بالاوصاف المذكورة من قوله { إن الله فالق الحب } الى ههنا والاتيان باسم الاشارة البعيدة المشيرة الى الموصوف بتلك الاوصاف للتعظيم ولاحضارها فى الذهن وليكون اشارة الى علة انيته تعالى بطريق برهان الان والتكرار مع سابقه للتمكن فى الاذهان { الله } اى المسمى بالله الدائر على السنتكم والموصوف بهذه الاوصاف حقيقة وجودية فالمسمى بالله حقيقة متحققة { ربكم } اشارة الى قيوميته وربوبيته لخصوص نوع الانسان { لا إله إلا هو } نفى للشريك له فى الآلهة { خالق كل شيء } نفى للثانى عنه تعالى، فان كل ما يسمى شيئا فهو مخلوق له تعالى متعلق الوجود به تعالى وليس ثانيا له { فاعبدوه } يعنى بعد ما ثبت انيته وربوبيته، وان لا ثانى له فينبغى العبادة له فاعبدوه { وهو على كل شيء وكيل } حافظ لا حاجة له فى تدبير الاشياء الى وكيل وواسطة من ولد وغيره لاحاطته بالكل، ولما صار المقام مظنة ان يقال هل يدرك مع احاطته؟ - فقال جوابا: { لا تدركه الأبصار }.

[6.103]

{ لا تدركه الأبصار } لا ابصار العيون ولا ابصار القلوب لاحاطته وقصور المحاط عن ادراك المحيط، ولكن تدركه القلوب بحقيقة الايمان { وهو يدرك الأبصار } لان شأن المحيط ادراك المحاط { وهو اللطيف } لطفا يقصر عن ادراكه الابصار لقصورها { الخبير } بالاشياء ومنها الابصار ومثل هذا يسمى فى البديع بتشابه الاطراف.

[6.104-106]

{ قد جآءكم } جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: اذا لم يدركه الابصار فهل يمكن ادراكه؟ - فقال: قد جاءكم { بصآئر } جمع البصيرة كالابصار جمع البصر والبصيرة للقلب كالبصر للبدن تطلق على قوة بها يدرك المعقولات وعلى ادراكها وعلى الحجج التى بها يكون ذلك الادراك وهذه هى المرادة بالبصائر ههنا، وهى اعم من الانبياء والاولياء ومعجزاتهم وكراماتهم وسيرهم واخلاقهم وكتبهم وشرائعهم، ومن البلايا والواردات والعبر والآيات التى تكون لخصوص الافراد او لعموم العباد، هذا فى الآفاق، واما فى الانفس فهى عبارة عن العقول والزواجر والنفوس والخواطر والالهامات والمنامات خصوصا الصادقات منها، فانها ادل دليل فى العالم الصغير على وجود الآخرة وبقائها ووجود كل جزء من اجزاء عالم الطبع فيها ماضياتها وآتياتها، وهذا هو الدليل الوافى لكل ذى بصيرة على بقاء الانفس بعد فناء الابدان فكل هذه بصائر { من ربكم فمن أبصر } بها من اسماء الله وصفاته ومن امور الآخرة { فلنفسه } ابصر { ومن عمي } عنها { فعليها } عمى { ومآ أنا عليكم بحفيظ } هذه حكاية قول النبى (ص) بتقدير القول او هى من الله لكنها اشارة الى ان حفظه تعالى وتدبيره للعباد موكول الى سبق الاستحقاق والاستعداد حتى لا يحتج عليه العباد { وكذلك } التصريف الذى صرفنا الآيات والحجج فى الالفاظ السهلة التناول بحسب المعنى { نصرف } متتاليات { الآيات } الآفاقية والانفسية فى العالم وفى النفوس وفى الالفاظ ليعمى فرقة وليبصر فرقة اخرى { وليقولوا } اى الفرقة العامية واللام للعاقبة { درست } قرئ درست ودارست معلوما بتاء الخطاب بمعنى قرأت وذاكرت وتعلمت، وقرئ درست بتاء التأنيث بفتح الراء وضمها ودارست بتاء التأنيث ودرست ببناء المجهول وتاء التأنيث ودرسن بنون جمع المؤنث ودارسات بجمع اسم الفاعل والكل من الدروس بمعنى الاندراس، ويجوز ان يكون درست مجهولا بمعنى قرئت، وقرئ درس معلوما بالغيبة بمعنى تعلم محمد هذه الآيات ودرس بكل من معنييه لازم ومتعد { ولنبينه لقوم يعلمون اتبع مآ أوحي إليك من ربك } لا اهواء المشركين { لا إله إلا هو } بيان للموحى او اعتراض للتعليل { وأعرض عن المشركين } ولا تبال بهم ولا تتبع اهواءهم ولا تحزن عليهم لشركهم والمقصود العمدة المشركون بالولاية.

[6.107]

نامعلوم صفحہ