293

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

اصناف

{ وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } قيل ليس بين النسابين اختلاف فى ان اسم ابى ابراهيم تارخ وهو موافق لما عليه الشيعة من ان آباء الانبياء (ع) مطهرون من الشرك وان ازر كان جده لامه او عمه { أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } يعنى مثل ارائتنا ابراهيم بطلان الاصنام وضلالة قومه اريناه ملكوت السماوات والتعبير بالمستقبل لاحضاره لكونه من الامور الغريبة، والملكوت مبالغة فى المالك كالجبروت فى الجابر، والطاغوت فى الطاغى، ولما كان عالم الطبع لا جهة مالكية له بل ليس فيه الا المملوكية الصرفة لم يسم ملكوتا بل ملكا، وباطن عالم الطبع من عالم المثال فما فوقه يسمى ملكوتا لمالكيته وتصرفه بالنسبة الى ما دونه، وقد يطلق الملك على ما سوى الله وعلى المثال وعلى الرسالة وغير ذلك باعتبار مملوكيتها للحق الاول تعالى، والمراد بالملكوت ههنا عالم المثال او هو وما فوقه ان كان المراد بالاراءة اعم من الكشف الصورى، والمراد بالسماوات والارض هما الطبيعيان { وليكون من الموقنين } اى ليأنس ويقرب منا وليكون من الموقنين، والقمى عن الصادق (ع) كشط عن الارض ومن عليها وعن السماء ومن فيها، والملك الذى يحملها والعرش ومن عليه، وهو يدل على انه لم يكن كشفا صوريا فقط.

[6.76]

{ فلما جن عليه الليل } ستره بظلامه { رأى كوكبا } هو الزهرة كما فى الخبر { قال هذا ربي } هذا الكلام منه يحتمل ان يكون على سبيل المماشاة مع القوم باظهاره الدخول فى دينهم ثم الاستدلال بالافول والزوال على عدم تربيته بالاستقلال ليكون اقرب الى الدعوة والانصاف وابعد عن الشغب والاعتساف، ولا يلزم منه الكذب المحرم لانه كان فى مقام الاصلاح، او قصد تربيته بنحو تربية الكواكب للمواليد باذن الله وورى بحيث يظن انه اراد المعبود، او قصد الانكار وانه لا يصح ان يكون ربا لكنه ورى بصورة الاخبار وكان المقدر فى نفسه الاستفهام الانكارى، ويحتمل ان يكون على سبيل الاستفهام الانكارى للانكار على قومه لانهم كانوا ثلاثة اصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، فأنكر على الثلاثة عبادتهم، ويحتمل ان يكون على سبيل الاخبار الاحتمالى الذى يصح لكل مستدل ان يخبر على سبيل الاحتمال عما أدى اليه دليله فى بادى الامر لانه كان فى اول خروجه من السرب الذى اخفته فيه امه ولما ظهر له بعد امعان النظر ان ما ادى اليه دليله فى بادى النظر لم يكن نتيجة صحيحة انكره وقال: ليس هذا مؤدى الدليل الصحيح، ومثل هذا ممدوح لكل من اراد التحقيق والخروج عن التقليد ولا يكون هذا شركا، وكل هذه مروى عنهم (ع) لان القرآن ذو وجوه والحمل على جملة الوجوه ما لم يؤد الى فساد ورد عنهم (ع) هذا ما يقتضيه التنزيل، واما بحسب التأويل فنقول: ان السالك ما دام يكون فى سرب نفسه المظلم ولم يخرج بالولادة الثانية الى فسحة عالم الملكوت يكون متحيرا لا يدرى من اين والى اين وفى اين، ثم اذا ادركته العناية الآلهية وخرج يسيرا من قعر سربه يطرؤ وعليه حالات واطوار وظلمات وانوار ومنيرات فربما يرى انوارا عجبية متلونة بالوان مختلفة، وربما يرى كواكب واقمارا وشموسا ويذهل عن التفكر واستعمال المقدمات فيظن فى بادى رؤيته كوكبا او قمرا او شمسا انه هو، فيصيح به جبرئيل العقل ويفيق من محوه وينظر الى افول المرئى وتغيره فيعلم انه ليس به، ولا ضير ان يكون حال ابراهيم (ع) فى بادى خروجه من سربه حال سائر السلاك فيحسب فى بادى رؤيته الكوكب انه هو، ثم ينظر بعقله الى زواله وتغيره فيرى انه ليس به ولا يلزم منه شرك ولا كفر لان تلك الانوار ظهورات نور الانوار، وقد يغلب حكم الظاهر على المظهر بحيث يظن ان المظهر هو الظاهر { فلمآ أفل قال لا أحب الآفلين } لما لم يجد فى نفسه داعيا قويا على التبرى ونفى الربوبية وكان غرضه المماشاة مع القوم باظهار الانصاف من نفسه حتى يدخل فى المجادلة الحسنة، نفى حب الآفل عن نفسه كناية خفية عن نفى الربوبية ولذلك لم يؤكده بشيء من المؤكدات.

[6.77]

لما قوى الداعى لنفى الربوبية فى نفسه ونبه القوم بالكناية الخفية على نفى ربوبيته مثل هذا كنى كناية اظهر من الاولى بنسبة الضلال الى نفسه اولا ليكون اقرب الى الانصاف بالكناية بقوله لئن لم يهدنى ربى، ونسبة التمكن فى الضلال صريحا ثانيا بقوله لا كونن من القوم الضالين واكد الحكم بمؤكدات عديدة.

[6.78]

{ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذآ أكبر } تذكير الاشارة باعتبار الخبر ولتنزيه الرب عن سمة التأنيث { فلمآ أفلت قال يقوم إني بريء مما تشركون } بعد ما قوى الداعى وتم الحجة نادى القوم صريحا واظهر التبرى ونفى الربوبية صريحا واكد الحكم بان واسمية الجملة ثم لم يكتف به واظهر ربوبية الله الذى هو خالق الكل باخلاص الوجه له وصرح بنفى الاشراك به مؤكدا فقال: { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا }.

[6.79-80]

{ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا } خالصا { ومآ أنا من المشركين وحآجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان } فلا ينبغى لكم ان تحاجونى لانى على هداية وبينة وانتم على عمى وضلالة { ولا أخاف ما تشركون به } كأنهم كانوا يحاجونه بالتخويف من آلهتهم وبما اراهم الشيطان منهم من بعض ما لا يعتاد { إلا أن يشآء ربي شيئا } وحينئذ لا يكون خوفى منهم بل من ربى { وسع ربي كل شيء علما } فلا أخاف ان يصيبنى مكروه من غير علم ربى به { أفلا تتذكرون } بما اقول لكم من ان ربى خالق آلهتكم وان علمه محيط بالكل ولا قدرة ولا علم لالهتكم كما ان ربى له القدرة الكاملة والعلم الكامل.

[6.81]

نامعلوم صفحہ