تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
اصناف
{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } استيناف فى موضع التعليل للنهى، وللعالم السفلى كالعالم العلوى مراتب وكلياتها سبع مراتب والاراضى السبع اشارة اليها وتسمى طبقات ودركات، ولما كان كفر النفاق اسوء اقسام الكفر واقبحها كان سببا لانجرار صاحبه الى الدرك الاسفل من النار { ولن تجد لهم نصيرا } لم يقل لن تجد لهم وليا ولا نصيرا للاشارة الى ان المنافقين وقعوا فى الدرك الاسفل فى الدنيا، والولى لا يكون الا من ولاية محمد (ص) التى تفتح باب رحمة الله على العباد ولا يتصور فتح باب الرحمة لمن كان فى الدرك الاسفل حتى يحتاج الى التصريح بنفيه عنهم، بخلاف النصير فانه من رسالة محمد (ص) والرسالة لما كانت ظهور رحمة الله الرحمانية يتصور تعلقها بكل احد ومع ذلك لا يكون له نصير، وما بقى بين الصوفية من تعاضد نفسين حين التوبة والتلقين، انما هو باعتبار مظهرية الرسالة والولاية وباعتبار النصرة والولاية.
[4.146]
{ إلا الذين تابوا } من نفاقهم { وأصلحوا } ما افسدوا بنفاقهم بنصرة الرسالة والرسول او مظهره { واعتصموا بالله } اى بمظهره الذى هو شيخ الارشاد وهو على (ع) { وأخلصوا دينهم لله } الدين هو الولاية، واخلاصها بان لا تكون باشراك ولاية من ليس لها باهل وبان لا تكون مشوبة بالاغراض الكاسدة { فأولئك مع المؤمنين } لانهم بتوبتهم على يد على (ع) واعتصامهم ببيعتهم الخاصة الولوية صاروا مؤمنين بعد نفاقهم وطهروا عن دنسه بالتوبة ولذلك قبلهم على (ع) { وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما } فيساهمونهم.
[4.147]
{ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم } قد يفسر الشكر بتعظيم المنعم لاجل النعمة وعلى هذا فالمراد ههنا تعظيم الله لاجل النعمة التى هى على (ع) فانه اصل النعم بل فرعها ايضا، فلا نعمة غيره وقرينة التخصيص تعقيبه بقوله تعالى { وآمنتم } فانه قد علمت ان الايمان لا يحصل الا بالبيعة الخاصة الولوية على يدل على (ع) على ان الكلام فى آل محمد (ص) واعدائهم، وقد يفسر الشكر بصرف النعمة فيما خلقت لاجله، وعلى هذا فالمراد بالنعمة المأخوذة فى الشكر استعداد قبول الولاية والبيعة الولوية والتهيؤ للعروج الى الملكوت، ولا نعمة اعظم منها فى العالم الصغير، كما انه لا نعمة اعظم من على (ع) فى العالم الكبير، وصرف تلك النعمة فى وجهها بان يسلمها الى على (ع) حتى يعطيه ما يتستحقه والقرينة ايضا قوله تعالى: وآمنتم وتقديم الشكر لتقدمة على حصول الايمان فان البيعة وقبول الولاية لا تكون الا بعد التعظيم والتسليم، وتعميم الآية لكل شكر ونعمة غير مخفى على ذوى الدارية { وكان الله شاكرا } يجزى الشكر زيادة فى النعمة فكيف يعذب الشاكر { عليما } لا يفوت عنه شكركم فيعذبكم لعدم العلم بشكركم.
[4.148]
{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } استثناء من المفعول بتقدير الا جهر من ظلم او استثناء مفرغ بتقدير لا يحب الله الجهر بالسوء من احد الا ممن ظلم وعليهما يكون الجهر بالسوء من المظلوم محبوبا لكن هو محبوب من كل المظلومين او من بعضهم، وفى كل اقسام الظلم او بعضها، وبكل سوء او بسوء مخصوص ومجمل محتاج الى البيان، او المستثنى منقطع والتقدير لا يحب الله الجهر بالسوء لكن من ظلم يجهر بالسوء او يباح له الجهر بالسوء وهذا اوفق بقراءة ظلم مبنيا للفاعل وبيان نظم الآية بحيث يظهر القيود فيها هكذا لا يحب الله الشيء المقول المجهور السوء، يعنى لا الشيء الصادر من غير اللسان من الاعضاء ولا الشيء الصادر من اللسان غير المجهور كالمخفت ولا الشيء الصادر من اللسان المجهور غير السيء، ولما لم يكن مفهوم المخالفة من الوصف والقيد معتبرا لا يلزم ان يكون هذه محبوبة بل مسكوتا عنها، وبيانها بالآيات الاخر واخبار الاحكام وهذه الآية فى بيان حكم القول الجهر السوء من احكام القالب واحكام ظاهر الشريعة، واما الخطرات والخيالات فانها وان كانت اقوال النفس وسيئها سيء وحسنها حسن لكن لا مؤاخذة عليها فى الشريعة ورفعت عن الامة المرحومة وكانت عليها مؤاخذة فى الطريقة كما اشاروا اليها بقولهم، فى جواب من سئل عن الخطرات، هل ريح المنتن وريح الطيب سواء، يعنى لطيبها مجازاة وعلى منتنها مؤاخذة، وسوء القول اعم من كونه كذبا وافتراء، او صدقا وغيبة بما لا يجوز، او صدقا وغيبة بما يجوز، او صدقا من غير اسماع لغير من ينسب السوء اليه حتى لا يكون غيبة او مع اسماع الغير فى حضور من ينسب السوء اليه والكل غير محبوب لله الا قول الجهر السوء ممن ظلم، لكن هذا مجمل محتاج الى البيان لانه لا يجوز بجميع شقوقه قطعا فبينوا المجوز منه لنا مثل موارد جواز الغيبة ومثل ذكر الضيف مساوى مضيفه فى ضيافته اذا لم يحسن ضيافته، ومثل تكذيب من يمدحك بما ليس فيك، وقد نسب الى على (ع) انه قال استاههم الحفر وقال لخالد: انما يفعل ذلك من كان استه اضيق من استك، لكن بقى هل هو محبوب كما هو ظاهر الاستثناء او ليس بمذموم فنقول: انه ليس بمحبوب لله على الاطلاق فانه علق محبته على الاحسان فى مقابل الاساءة فى قوله
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين
[آل عمران:134] ويدل عليه الآيات الآخر الامرة بالصبر عند الاساءة بل يكون محبوبا او غير مبغوض على بعض الوجوه. فان للانسان من اول اسلامه الى كمال ايمانه مراتب ودرجات ولكل مرتبة حكم ليس لما فوقها ولا لما دونها فلا يجرى حكم مرتبة فى مرتبة اخرى، وهذا احد معنيى النسخ فى الآيات والاخبار، فصاحب المرتبة الاولى من الاسلام الذى لا يقنع نفسه من الاساءة الواحدة بالعشرة ولا يكسر سورة غضبه الا بالمائة فاذا ائتمر بأمر الله واكتقى من الواحدة بالواحدة كان ذلك منه محبوبا ولصاحب هذه المرتبة قال الله تعالى،
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
نامعلوم صفحہ