تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
اصناف
[4.58]
{ إن الله يأمركم } ايها الناس المحسودون الذين اتاكم الله من فضله واتاكم الكتاب والحكمة والملك العظيم { أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } شكرا لما انعم به عليكم اى: لا تعطوها غير اهلها فتظلموها، ولا تمنعوها اهلها فتظلموهم، والخطاب خاص بهم لكن يعم الامر غيرهم ايضا لكونهم مأمورين بالتأسى بهم ولذلك عمموا الآية فى الاخبار.
تحقيق معنى الامانات
والامانة ما يودع عند الامين قصدا الى حفظه ونمائه ان كان له نماء، وامانات الله عند الانسان كثيرة منها الامانة التى عرضها الله على السماوات والارض وهى اصلها واساسها واشرفها وانماها وهى اللطيفة السيارة الانسانية التى لا جوهر اشرف منها فى خزائنه تعالى، ولما اراد اخراجها من خزائنه وكان لها لنفاستها اعداء كثيرة طلب لها مأمنا من سماوات الارواح فلم يكن فيها مأمن لايداعها، ثم عرضها على اراضى الاشباح من الملكوتين وجملة عالم الطبع فلم يجد لها مأمنا، ثم عرضها على المواليد الجماد والنبات والحيوان فلم تكن لها باهل، ثم عرضها على عالم الانسان فوجده اهلا لها فاودعها فيه وقبلها الانسان؛ فلما اودعها الانسان وكانت لشرافتها ونفاستها كثيرة الطلاب والسراق من اهل العالم السفلى ولم يمكنه المدافعة من دون امداد من صاحب الامانة جعل الله تعالى له جنودا من اهل العالم العلوى وامره بحفظها وانمائها حتى اذا طالبها سلمها سالما ناميا زاكيا، فمن امتثل امره تعالى وجاهد مع طلابها وسراقها وحفظها عن ايدى السراق وانماها وزكاها صار مستحقا للخلع الفاخرة البهية والمنصب العالى الولاية والنبوة والرسالة والخلافة والجلوس فى مقعد الصدق عند المليك المقتدر، ومن اهمل رعايتها حتى اختطفها سراقها صار مستحقا للسجن والعقوبات، ثم بعد تلك الامانة الامانات التى اودعها الله الانسان لحفظ تلك الامانة سوى الجنود العلوية التى عدها لامداد الانسان فى حفظها وهى المدارك والقوى والاعضاء الظاهرة والباطنة وامره بحفظها لان لها ايضا طلابا وسراقا من العالم السفلى، وامره بان يؤديها الى اهلها الذى هو العقل ثم قوة قبول التكاليف وامره ان يؤديها الى اهلها الذى هو العقل فى مظاهره البشرية بان عرضها عليه وسلمها لامره ونهيه ثم التكاليف القالبية النبوية الحاصلة له بالبيعة العامة، وامره ان يؤديها بعد حفظها واستنمائها الى اهلها الذى هو صاحب التكاليف القلبية بان عرضها عليه سالمة نامية، ثم التكاليف القلبية الباطنة التى اخذها من صاحب الدعوة الباطنة بالبيعة الخاصة الولوية وقبول الدعوة الخاصة، وامره ان يؤديها الى اهلها الذى هو صاحب الدعوة التامة والولاية المطلقة اعنى عليا (ع) فاذا استكمل له هذه الامانات وحفظها انماها وسلمها الى اهلها وارتضاها منه ورضى عنه اودعها امانات شريفة نفيسة هى ودائع الخلافة الآلهية فى العالم الكبير فى لباس النبوة او الرسالة او الخلافة او الامامة وتلك اشرف الامانات بعد الامانة الاولى؛ وهى مختلفة فمنها ما هى من قبيل التكاليف ولها اهل وهم المستعدون لقبولها والعمل بها، وبعضها من قبيل الخلافة ولها اهل وهم المستعدون لاصلاح الخلق والتبليغ لهم كالمشايخ والنواب الذين كانوا خلفاء الانبياء (ع) والاولياء (ع)، وبعضها هو اصل الخلافة الآلهية ولها اهل وهم الذين يقومون مقام الانبياء (ع) والاولياء (ع) بعد رحلتهم ويصدق على امانات الناس التى هى من الاعراض الدنيوية ايضا انها امانات ولها اهل وهم صاحبو الامانات { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } يعنى لم يكن الحكومة حتما عليكم وانتم فيها بالخيار لكن اذا حكمتم يأمركم ان تحكموا بالعدل اى بسبب العدل الذى فى ايديكم مما نزل على محمد (ص) من السياسات، او بآلة العدل التى هو السياسات الآلهية او ملتبسين بالعدل والتسوية بين الخصمين او بالعدل والاستقامة خارجين عن الاعوجاج الذى هو من مداخلة الشيطان او حالكون حكمكم متلبسا بالعدل والتسوية، والعدل بين الخصمين هو التسوية بينهما فى المجلس والتخاطب والشروع فى الخطاب والتوجه والبشر بل فى ميل القلب، فان التسوية فى ذلك خروج عن الاعوجاج اذا كانا مسلمين فانهما ان كانا مسلمين وما سويت بينهما كنت جائرا، وكذا اذا لم تسو بينهما فى الميل القلبى من جهة الحكومة كنت معوجا بتصرف الشيطان { إن الله نعما يعظكم به } فتقبلوا عظته، هذه جملة معترضة { إن الله كان سميعا بصيرا } تعليل لاداء الامانة الى اهلها والحكم بالعدل وتحذير عن المخالفة.
[4.59]
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله } فيما انزل ولا سيما عمدة ما انزل وهى ما به صلاحكم ورفع نزاعكم ورد خلافكم وهو تعيين من ترجعون اليه فى جملة اموركم الدنيوية والاخروية وفيما اشتبه عليكم وهى قوله
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
[المائدة:55] (الى آخرها) فانه لا خلاف بينهم انه فى على (ع) { وأطيعوا الرسول } فيما آتاكم وفيما نهاكم عنه
ومآ آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
[الحشر:7] ولا سيما عمدة ما آتاكم وهى قوله بعد ما قال: الست اولى بكم من انفسكم، الا ومن كنت مولاه فهذا على (ع) مولاه؛ ولا خلاف بينهم انه من الرسول (ص).
نامعلوم صفحہ