تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
اصناف
[3.177-178]
{ إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان } تأكيد للاول او تعليل له وتعميم للحكم لجميع الكفار بعد تخصيصه بالقاعدين المنافقين { لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ولا يحسبن الذين كفروا } قرئ { تحسبن } بالخطاب وبالغيبة { أنما نملي } ان الذى نملى او ان الاملاء { لهم خير لأنفسهم } لهم متعلق بنملى وانما نملى مفعول ثان ليحسبن او بدل من المفعول الاول مغن عن المفعول الثانى وعلى كون الذين كفروا فاعلا فهو قائم مقام المفعولين والاملاء الامهال او اطاعة العمر { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } جواب لسؤال مقدر وما كافة او مصدرية او موصولة { ولهم عذاب مهين } فى الدنيا والآخرة من حين التكلم ولما كان المقام مقام السخط والغضب ناسبه البسط والتغليظ والتكرير ولذلك كرر نفى الضرر وثبوت العذاب باوصاف مختلفة واتى فى الاول بوصف العظيم للعذاب للاشعار بان عذاب المنافق اشد واعظم من عذاب سائر الكفار.
[3.179]
{ ما كان الله ليذر المؤمنين على مآ أنتم عليه } اى على الحال التى انتم عليها من اختلاط المخلص بالمنافق والمحقق بالمنتحل بل كان شيمته القديمة الابتلاء والامتحان بالتكاليف المخالفة للأهواء { حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله } كأنه قيل: ان اطلعنا الله على ما فى القلوب من الاخلاص والنفاق اجتنبنا عن المنافق فقال: وما كان الله { ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشآء } من بيانية والظرف حال من { من يشاء } يعنى ان الله يختار { من يشاء } حال كونه عبارة من رسله للاطلاع على المغيبات عنكم بارائتها لهم او اخبارهم بها بتوسط الملائكة او بلا واسطة فلا تقولوا برأيكم فيما هو غيب عنكم من قولكم لو كان كذا لكان كذا، ومن نسبة الخير والشر الى العباد { فآمنوا } اذعنوا او اسلموا حقيقة كما اسلمتم ظاهرا، او آمنوا بالايمان الخاص والبيعة الخاصة وقبول الدعوة الباطنة { بالله ورسله } اى خلفائه من الرسل واوصيائهم { وإن تؤمنوا } تذعنوا او تسلموا بالبيعة العامة او تؤمنوا بالبيعة الخاصة { وتتقوا } سخط الله باتباع خلفائه فيما أمروا به ونهوا عنه؛ او تتقوا الانحراف عن الطريق بالبيعة الخاصة، او تتقوا الخروج عن الطريق بعد البيعة الخاصة والدخول فيه { فلكم أجر عظيم } لما كان عظم الاجر خاصا بمن قبل ولاية على (ع) بالبيعة الخاصة وقبول الدعوة الباطنة فالشرط لا بد وان يفسر بما يشمل الايمان الخاص.
[3.180]
{ ولا يحسبن الذين يبخلون } قرئ بالغيبة فالفاعل ضمير راجع الى الرسول او الى من يتأتى منه الحسبان والمفعول الاول الذين يبخلون بتقدير مضاف ليطابق المفعول الثانى او الفاعل الذين يبخلون والمفعول الاول محذوف وقرئ بالخطاب خطابا للرسول (ص) او لكل من يتأتى منه الخطاب والذين يبخلون مفعوله الاول بتقدير مضاف اى لا تحسبن بخل الذين يبخلون { بمآ آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم } لان البخل يستجلب العقاب عليهم وليس الامساك يبقى المال ولا الانفاق يفنيه { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } عن الصادقين (ع): ما من احد يمنع زكاة ماله شيئا الا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا فى عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله تعالى: { سيطوقون ما بخلوا }: وعن الصادق (ع) عن رسول الله (ص): ما من ذى زكاة مال نخل او زرع او كرم يمنع زكاة ماله الا قلده الله تعالى تربة ارضه يطوق بها من سبع ارضين الى يوم القيامة، اعلم ان البخل لا يكون الا لتعلق القلب بما يبخل البخيل به وكلما تعلق القلب به يكون بملكوته حاضرا فى القلب وثابتا فيه وكلما كان ثابتا فى القلب يتمثل عند القلب يوم تبلى السرائر، وبتفاوت التعلق يكون حضوره متفاوتا بنحو الطوق او بنحو اللباس مشتملا على جميع البدن، او بنحو البيت وغير ذلك من انواع الحضور سواء كان ذلك الذى يبخل به من الاموال او القوى والابدان، او العلوم النفسانية التى بخلوا بها ولم يظهروها لاهلها مثل اليهود والنصارى بخلوا بما علموا من اوصاف محمد (ص) وعلى (ع) التى كانت فى كتبهم واخبار اسلافهم، ومثل المنافقين من الامة بخلوا بما علموا من حقية محمد (ص) ومن بعده بما علموا من حقية على (ع) فان من كتم علما ألجمه الله تعالى يوم القيامة بلجام من النار { ولله ميراث السماوات والأرض } يعنى له ما فى السماوات والارض واداه بلفظ الميراث للاشعار بان ما فيها يبقى من بعض ويرثه بعض آخر، وهكذا كان حاله وما كان حاله هكذا فلا ينبغى للعاقل ان يبخل به ولا يعطيه بيده وقال الله للاشارة الى ان الكل ملكه فلا ينبغى للعاقل ان يبخل بملك الغير ولا يعطيه بأمره او المعنى لله ميراث هى السماوات وما فيها والارض وما فيها من العالم الكبير والصغير يعنى يفنى الكل ويبقى الله الواحد القهار وارثا لها ولما فيها؛ فما بال متروك به المرء يبخل؟! { والله بما تعملون } من البخل والاعطاء { خبير } وعد ووعيد وقرئ بالخطاب بطريق الالتفات من الغيبة الى الخطاب.
[3.181]
{ لقد سمع الله } لما ذم البخل والمنع توهم ان الله يحتاج فى اصلاح حال الفقراء الى الاغنياء وكأنه قيل: هل له حاجة الى انفاق المنفق؟ - فقال تعالى ردا لهذا الوهم وسدا لهذا الخيال: لقد سمع الله { قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنيآء } قالت اليهود ذلك لما سمعوا:
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
[البقرة: 245] وقيل كتب النبى (ص) مع أبى بكر الى يهود بنى قينقاع يدعوهم الى الاسلام وما عليه المسلمون من اقام الصلاة وايتاء الزكاة وان يقرضوا الله قرضا حسنا، فدخل ابو بكر بيت مدارستهم فوجد ناسا كثيرا منهم اجتمعوا الى رجل منهم، فدعاهم الى الاسلام والصلاة والزكاة وان يقرضوا الله قرضا حسنا فقال ذلك الرجل: فان الله فقير والا لما استقرضنا اموالنا فلطمه ابو بكر ونزلت الآية { سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق } قرئ سنكتب بالتكلم وبالغيبة على صيغة المجهول وقتلهم بالنصب وبالرفع { ونقول } قرئ بالتكلم وبالغيبة { ذوقوا عذاب الحريق } وفيه تأكيد فى التهديد من حيث اقتران ما قالوه بقتل الانبياء (ع) وكتابته وضبطه بنفسه ثم ذكر الجزاء بالعذاب الحريق والاخبار باستهزائه بهم حين العذاب، والذوق ادراك المطعوم ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل ادراك ملذ او مولم، وانما اختار الذوق الذى يكون فى المطعوم هاهنا لان العذاب مرتب على قولهم وهذا القول ناشئ عن البخل والتهالك على المال وغالب حاجة الانسان الى المال تكون لتحصيل المطاعم ولذلك كثر ذكر الاكل مع المال.
نامعلوم صفحہ