تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
اصناف
{ والمطلقات } لما انجر الكلام الى ذكر الطلاق ذكر تعالى بعض أحكامه ولفظ المطلقات يشمل جميع اقسام الطلاق وجميع المطلقات المدخول بهن يائسات وغير يائسات حاملات وغير حاملات ذوات اقراء وغير ذوات الاقراء وهن فى سن ذوات الاقراء، والغير المدخول بهن لكن المراد ذوات الاقراء المدخول بهن الغير الحوامل فالآية مثل سائر الآيات من المجملات المحتاجة الى البيان { يتربصن } اخبار فى معنى الامر واشعار بان هذا ديدنهن لا حاجة لهن الى الامر به ولا يمكنهن غيره والمقصود التأكيد فى التربص { بأنفسهن } الباء للتعدية اى يحملن انفسهن على انتظار رجوع الازواج او للسببية مثل ضرب الامير بنفسه يعنى لا بواسطة غلامه فانه ليس للدلالة على وساطة النفس بل على نفى وساطة الغير وكلاهما يدلان على المبالغة وان النساء كان انفسهن لا تطيعهن فى التربص او لفظ الباء مثله فى قولهم ربص بفلان وتربص به خيرا او شرا يعنى انتظر الخير او الشر له فهو للالصاق كأن التربص من المتربص ملصق بالمتربص به والمعنى ان المطلقات يتربصن رجوع ازواجهن { ثلاثة قروء } القرء من الاضداد للطهر والحيض والمشهور من الاخبار والفتوى ان المراد به هاهنا الطهر { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } يعنى انهن مصدقات فى كونهن طاهرات وفى انقضاء العدة وفى الحمل وعدمه ولا يحل لهن ان يكتمن ما فى ارحامهن من الدم والحمل لتعجيل العدة او لتعجيل الطلاق او لعدم رد الولد على والده { إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر } شرط تهييج { وبعولتهن أحق بردهن } بارجاعهن الى النكاح من غير عقد كما بين لنا { في ذلك } الزمان واما بعد ذلك الزمان يعنى زمان العدة فالبعولة وغيرهم سواء بحسب الحكم الشرعى وان كانوا بحسب بعض الدواعى اولى بنكاحهن بعقد جديد مثل ان يكون بينهما اولاد صغار لم يكن احد يتكفل تربيتهم وغير ذلك { إن أرادوا إصلاحا } اشارة الى ان من لم يرد اصلاحا لم يكن اولى فى نفس الامر ولم يكن له رجوع فى نفس الامر وان كان الحكم كليا فى ظاهر الشرع وكان له الرجوع ولا يخفى ان هذه الآية مثل سابقتها مطلقة مجملة ولكن المراد المعتدة بالعدة الرجعية لا الباينة { ولهن مثل الذي عليهن } يعنى فى مدة العدة كما هو الظاهر يعنى كما ان للزوج حق الرجوع فى العدة من غير رضى منها فلها عليه النفقة والمسكن فى تلك المدة، او المراد ان للنساء حين بقاء الزوجية وعدم الطلاق مثل الحق الذى عليهن من الرجال فيكون بيانا لحقوق الطرفين فى زمن الزوجية يعنى ان حق الزوج على المرأة ان تطيعه ولا تمنعه من تمتعاته ولا تخرج من بيتها ولا تدخل فى بيتها احدا ولا تتصرف فى ماله ولا تتصدق من بيته ولا تصوم تطوعا ولا تزور حيا او ميتا الا باذنه، وتحفظه فى نفسها وماله كذلك لها عليه ان ينفق عليها ويكسوها ويسكنها ويوفى حق قسامتها كل ذلك بحسب حالها واستطاعته { بالمعروف } بما لم يكن فيه ضرر واضرار يمنعه الشرع { وللرجال عليهن درجة } بما فضلهم الله بزيادة العقل وبما كفلهم الله القيام بامرهن، عن الباقر (ع) انها جاءت امرأة الى رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ - فقال لها ان
" تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيته بشيء الا باذنه ولا تصوم تطوعا الا باذنه ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها الا باذنه فان خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الارض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع الى بيتها، فقالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقا على الرجل؟ - قال: والداه، قالت: فمن أعظم الناس حقا على المرأة؟ - قال: زوجها قالت: فمالى من الحق عليه مثل ما له على؟ - قال: ولا من كل مائة واحد، فقالت: والذى بعثك بالحق نبيا لا يملك رقبتى رجل ابدا "
{ والله عزيز } يعنى لا ينبغى للرجال ان يؤاخذوا النساء بجهالاتهن وقصورهن فى الافعال بعد ان فضلهم الله على النساء فان الله عزيز لا يمنعه مانع من ارادته ولا يؤاخذكم بقصوركم وتقصيركم { حكيم } لا يجعل فى جبلة الرجال الفضيلة على النساء ولا يأمر بقيامهم بأمرهن ولا فى جبلتهن المحكومية الا لحكم ومصالح فلا تخرج المحكومات عن طريق محكوميتهن ولا يتعد الحاكمون فى حكومتهم.
[2.229]
{ الطلاق مرتان } هذه العبارة من المتشابهات المحتاجة الى البيان فانها بظاهرها تدل على انها لا تحل للزوج بعد الطلقتين او لا يجوز طلاقها بعد الطلقتين بل يجب امساكها او لا يقع الطلاق دفعة الا مرتين ولو قال: زوجتى طالق ثلاثا او كرر الصيغة ثلاثا وليس شيء منها مقصودا والمقصود ان الطلاق الجارى على سنة الطلاق وهى ان يكون للزوج رجعة فى العده مرتين { فإمساك بمعروف } بعدهما بان لا يطلق ويمسك المرأة بشيء من المعروف لا بجهة الاضرار { أو } تطليق { تسريح بإحسان } اى متلبس بشيء من الاحسان وهذا الذى فسر الآية فى الاخبار به { ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ آتيتموهن } من المهر وغيره { شيئا } حق العبارة ان يقول: لا يحل لهم اى لبعولتهن المذكورين سابقا لكن لما كان الغالب ان اخذ المهر او ازيد او اقل من النساء لا يكون الا بمعونة المصلحين او الحكام اتى بخطاب الجمع لئلا يتوهم من ضمير الغائب ان المراد البعولة فقط وان الحرمة خاصة بهم وليجبر كراهة ترك المهر بلذة المخاطبة ونسبة الايتاء الى الجميع مع ان المؤتى الزوج فقط من باب التغليب ولان الايتاء ايضا فى الاغلب يكون بمعونة الغير واصلاحه { إلا أن يخافآ } اى الزوجان وللاشارة الى ان المخاطبين الازواج والحكام والمصلحون لا النساء والبعولة، نسب الخوف الى الزوجين هاهنا بطريق الغيبة ولان الاصل فى ظن عدم اقامة الحدود الزوجان واما الحكام والمصلحون فانهم يظنون ذلك بعد ما ظناه { ألا يقيما حدود الله } بالنشوز من الطرفين وعدم امتثال الزوج الامر بالقيام بحقوقها وقسامتها والزوجة الامر بتحصنها وتمكينه وحفظه فى غيبته فى نفسها وماله { فإن خفتم } خاطب الجماعة دون الزوجين لان المصلحين والحكام يظنون ذلك ايضا ولان خطاب الحرمة كان معهم فخطاب نفى الحرج ينبغى ان يكون معهم { ألا يقيما } نسب عدم الاقامة هاهنا الى الزوجين بطريق الغيبة بعد نسبة الخوف الى الجماعة بطريق الخطاب اشعارا بان الخوف وان كان يشمل الحكام والمصلحين تبعا للازواج لكن اقامة حدود الزوجية ليست الا من الازواج { حدود الله فلا جناح عليهما } حق العبارة بعد نسبة عدم الاحلال الى الجماعة ونسبة الخوف اليهم بطريق الخطاب ان يقول: فلا جناح عليكم حتى ينفى الحرج عمن نسب عدم الاحلال اليهم لكنه نفى الحرج عن الزوجين للاشارة الى ان المتحرج بالاصالة هما الزوجان وحرج غيرهما انما هو تابع لحرجهما { فيما افتدت به تلك } الاحكام المذكورة من احكام القصاص وما بعده او ما قبله وما بعده او من احكام الزوجية فقط { حدود الله } حدود حمى الله { فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } لا ظلم خارجا من التعدى فان الظلم الذى هو منع الحق عن المستحق واعطاؤه لغير المستحق تجاوز عن حد الله كما ان التجاوز عن كل حد منع عن الحق واعطاء لغير المستحق.
[2.230]
{ فإن طلقها } هذا ايضا من المجملات لكن المراد ان طلقها بعد الثانية { فلا تحل له من بعد } اى بعد الطلاق الثالث { حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها } الزوج الثانى { فلا جناح عليهمآ } اى على الزوج الاول والزوجة { أن يتراجعآ } بالزواج { إن ظنآ أن يقيما حدود الله وتلك } الاحكام المذكورة من الحرمة بعد الطلاق الثالث وحليتها بعد نكاح الغير لها بشرط ظن اقامة الحدود { حدود الله يبينها لقوم يعلمون } اى يعدون من العلماء لا من البهائم وغير العقلاء وتفصيل الطلاق الموجب للحرمة بعد الثالثة وشروطه مذكورة فى الكتب الفقهية.
[2.231]
{ وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن } اى آخر عدتهن بحيث ما خرجن من العدة ولذا فسره المفسرون بقرب آخر المدة { فأمسكوهن بمعروف } بشيء ما يعرفه الشرع والعقل حسنا يعنى راجعوهن وامسكوهن بنحو امساك الازواج واداء حقوق الزوجية { أو سرحوهن بمعروف } والتسريح بالمعروف ان يخلى سبيلهن ولا يمنعن عما يفعلن فى انفسهن ويعطين ما يسرون به { ولا تمسكوهن ضرارا } لمضارتهن او امساك ضرار او مضارين او مضارات بان تراجعوهن لان تحسبوهن ان ينكحن ولا تقوموا بحقوقهن { لتعتدوا } عليهن بمنعهن عن نكاح الغير وعن حقوق الزوجية او الجائهن الى الافتداء كما هو ديدن اهل الزمان اذا كرهوا الازواج، عن الصادق (ع) انه سئل عن هذه الآية فقال: الرجل يطلق حتى اذا كادت ان يخلو اجلها راجعها ثم طلقها يفعل ذلك ثلاث مرات فنهى الله عن ذلك { ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } فان ظلمه للمرأة يضر المرأة فى دنياها والاغلب انه ينفعها فى عقباها لكن هذا الظالم يضر بدنيا نفسه وعقباها ولا ينتفع فى شيء منهما فهو من الاخسرين اعمالا { ولا تتخذوا آيات الله } احكامه الشرعية القالبية وآياته التدوينية وآياته الآفاقية والانفسية وخصوصا الآيات الكبرى { هزوا واذكروا نعمت الله عليكم } النعمة اما مصدر بمعنى الانعام اى انعام الله عليكم فعليكم متعلق بها او اسم مصدر بمعنى ما ينعم به والمعنى واذكروا نعمة الله وارادة عليكم من الله فالظرف حال وعلى اى تقدير فالمعنى لا تنظروا الى الآيات من حيث انفسها حتى تتخذوها هزوا واذكروا انعام الله بها عليكم وكونها آيات الله حتى تشكروا وجودها، او المعنى واذكروا نعم الله عليكم من غير التفات الى النهى السابق ومن غير اختصاص للنعم بالآيات والنعمة ما يوافق الانسان ويريده لا ما لا يوافقه ويكرهه، ولما كان الانسان ذا مراتب وقد يكون ما يوافق مرتبة منه منافرا لمرتبة اخرى منه كان تحقيق النعمة حقيقا بالبيان فنقول:
تحقيق النعمة ومراتبها بحسب مراتب الانسان
نامعلوم صفحہ