تفسیر بحر محیط

ابو حیان غرناطی d. 745 AH
70

تفسیر بحر محیط

البحر المحيط في التفسير

تحقیق کنندہ

صدقي محمد جميل

ناشر

دار الفكر

ایڈیشن نمبر

١٤٢٠ هـ

پبلشر کا مقام

بيروت

الْمَذْكُورَةِ فِي وَصْفِ الْهُدَى بِأَنَّهُ مِنْ رَبِّهِمْ، أَيْ كَائِنٌ مِنْ رَبِّهِمْ، تَعْظِيمٌ لِلْهُدَى الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الرَّبِّ هُنَا وَاضِحَةٌ، أَيْ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ رَبَّهُمْ بِأَيِّ تَفَاسِيرِهِ فَسَّرْتَ نَاسَبَ أَنْ يُهَيِّئَ لَهُمْ أَسْبَابَ السَّعَادَتَيْنِ: الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، فَجَعَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى هُدًى، وَفِي الْآخِرَةِ هُمُ مفلحون. وَقَدْ تَكُونُ ثَمَّ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ أَيْ عَلَى هُدًى، وَحَذْفُ الصِّفَةِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى جَائِزٌ، وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي مُطْلَقُ الْهُدَى المنسوب إلى الله تعالى. وَمِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَوْ لِلتَّبْعِيضِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مِنْ هُدَى رَبِّهِمْ. وَقَرَأَ ابْنُ هُرْمُزَ: مِنْ رَبِّهُمْ بِضَمِّ الْهَاءِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا آتٍ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَاعَى فِيهَا سَبْقُ كَسْرٍ أَوْ يَاءٍ، وَلَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِخَبَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَرَّرَ أُولَئِكَ لِيَقَعَ كُلُّ خَبَرٍ مِنْهُمَا فِي جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَهُوَ آكَدُ فِي الْمَدْحِ إِذْ صَارَ الْخَبَرُ مَبْنِيًّا عَلَى مُبْتَدَأٍ. وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ هُمَا نَتِيجَتَا الْأَوْصَافِ السَّابِقَةِ إِذْ كَانَتِ الْأَوْصَافُ مِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقُهُ أَمْرُ الدُّنْيَا، وَمِنْهَا مَا مُتَعَلِّقُهُ أَمْرُ الْآخِرَةِ، فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الْهُدَى فِي الدُّنْيَا وَبِالْفَوْزِ فِي الْآخِرَةِ. وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْخَبَرَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، أَتَى بِحَرْفِ الْعَطْفِ فِي الْمُبْتَدَأِ، وَلَوْ كَانَ الْخَبَرُ الثَّانِي فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ، لَمْ يُدْخِلِ الْعَاطِفَ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ «١» بَعْدَ قَوْلِهِ: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ «٢» كَيْفَ جَاءَ بِغَيْرِ عَاطِفٍ لِاتِّفَاقِ الْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ لِلْمُبْتَدَأَيْنِ فِي الْمَعْنَى؟ وَيُحْتَمَلُ هُمْ أَنْ يَكُونَ فَصْلًا أَوْ بدلا فيكون المفلحون خيرا عَنْ أُولَئِكَ، أَوِ الْمُبْتَدَأِ وَالْمُفْلِحُونَ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: هُمُ الْمُفْلِحُونَ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ أُولَئِكَ، وَأَحْكَامُ الْفَصْلِ وَحِكْمَةُ الْمَجِيءِ بِهِ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ. وَقَدْ جُمِعَتْ أَحْكَامُ الْفَصْلِ مُجَرَّدَةً مِنْ غَيْرِ دَلَائِلَ فِي نَحْوٍ مِنْ سِتِّ وَرَقَاتٍ، وَإِدْخَالُ هُوَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ أَحْسَنُ، لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَأْكِيدٍ وَرَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَتَشَكَّكُ فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْخَبَرُ أَوْ يُنَازِعُ فِيهِ، أَوْ مَنْ يَتَوَهَّمُ التَّشْرِيكَ فِيهِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى، وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا «٣»، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى «٤»، وَقَوْلِهِ: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «٥»، وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى «٦»، كَيْفَ أَثْبَتَ هُوَ دَلَالَةً عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فِي نِسْبَةِ خَلْقِ الزَّوْجَيْنِ وَإِهْلَاكِ عَادٍ، إِذْ لَا يُتَوَهَّمُ إِسْنَادُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الله تعالى ولا

(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٧٩. (٢) سورة الأعراف: ٧/ ١٧٩. [.....] (٣) سورة النجم: ٥٣/ ٤٣- ٤٤. (٤) سورة النجم: ٥٣/ ٤٨. (٥) سورة النجم: ٥٣/ ٤٥. (٦) سورة النجم: ٥٣/ ٥٠.

1 / 73