122

تفسیر بحر محیط

البحر المحيط في التفسير

تحقیق کنندہ

صدقي محمد جميل

ناشر

دار الفكر

ایڈیشن نمبر

١٤٢٠ هـ

پبلشر کا مقام

بيروت

غَيَّرُوا اسْمَهُ وَصِفَتَهُ وَبَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَجَحَدُوا أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ نُورَ ذَلِكَ الْإِيمَانِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الَّذِي، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْفَارِسِيِّ فِي أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى مَنْ فِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ، وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ أَنَّهُ مُفْرَدٌ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ مُفْرَدٌ لَفْظًا وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى نَعْتًا لِمَا تَحْتَهُ أَفْرَادٌ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ كَمَثَلِ الْجَمْعِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا كَأَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُفْرَدِ لَفْظًا وَمَعْنًى بِجَمْعِ الضَّمِيرِ فِي ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ، وَجَمْعِهِ فِي دِمَائِهِمْ. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي هُنَا هُوَ الَّذِينَ وَحُذِفَتِ النُّونُ لِطُولِ الصِّلَةِ، فَهُوَ خَطَأٌ لإفراد الضمير في الصلة، وَلَا يَجُوزُ الْإِفْرَادُ لِلضَّمِيرِ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ. أَلَا تَرَى جَمْعَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا «١» عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَجَمْعَهُ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: يَا رَبَّ عَبْسٍ لَا تُبَارِكْ فِي أَحَدْ ... فِي قَائِمٍ مِنْهُمْ وَلَا فِيمَنْ قَعَدْ إِلَّا الَّذِي قَامُوا بِأَطْرَافِ الْمَسَدْ وَأَمَّا قَوْلُ الْفَارِسِيِّ: إِنَّهَا مِثْلُ مَنْ، لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي صِيغَةُ مُفْرَدٍ وَثُنِّيَ وَجُمِعَ بِخِلَافِ مَنْ، فَلَفْظُ مَنْ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ أَبَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الَّذِي، وَقَدْ جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا «٢»، وَأَعَلَّ لِتَسْوِيغِ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ، قَالَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِي لِكَوْنِهِ وَصْلَةً إِلَى وَصْفِ كُلِّ مَعْرِفَةٍ وَاسْتِطَالَتُهُ بِصِلَتِهِ حَقِيقٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَلِذَلِكَ نَهَكُوهُ بِالْحَذْفِ، فَحَذَفُوا يَاءَهُ ثُمَّ كَسْرَتَهُ ثُمَّ اقْتَصَرُوا عَلَى اللَّامِ فِي أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُمْ حَذَفُوهُ حَتَّى اقْتَصَرُوا بِهِ عَلَى اللَّامِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ، خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ اللَّامُ بَقِيَّةَ الَّذِي لَكَانَ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ، كَمَا كَانَ لِلَّذِي، وَلَمَا تَخَطَّى الْعَامِلُ إِلَى أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَفْسِ الصِّلَةِ فَيَرْفَعُهَا وَيَنْصِبُهَا وَيَجُرُّهَا، وَيُجَازُ وَصْلُهَا بِالْجُمَلِ كَمَا يَجُوزُ وَصْلُ الَّذِي إِذَا أُقِرَّتْ يَاؤُهُ أَوْ حُذِفَتْ، قَالَ: وَالثَّانِي: إن جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون، إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَامَةٌ لِزِيَادَةِ الدَّلَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْمَوْصُولَاتِ لَفْظُ الْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ فِيهِنَّ سَوَاءٌ؟ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ جمعه ليس بمنزلة جمع غَيْرِهِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَاقِعًا إِلَّا عَلَى مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ مَا يُجْمَعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ مِنَ الذُّكُورِيَّةِ وَالْعَقْلِ؟ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ وَالْفَاعِلِينَ من جهة أنه

(١- ٢) سورة التوبة: ٩/ ٦٩.

1 / 125