مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم تقديم تعتمد هذه الطبعة –بصورة أساسية- على مخطوطتين كاملتين ورد في كل منهما ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ في تفسير آيات من القرآن الكريم، وهما: (أ) بعنوان (استنباط القرآن) وهي برقم ٥١٦-٨٦ في مكتبة الرياض السعودية بدخنة. (ب) مخطوطة أخرى وجدت عند الشيخ عبد الرحمن بن سحمان رئيس محكمة الدلم، وقد دون فيها التفسير بخط علي بن سلمان، وتم الفراغ من تدوينها في عام ١٢٧٦هـ، وجاء في نهايتها ما نصه: "وقع الفراغ من هذه النسخة المباركة في جماد أول باق منه يوم سنة ١٢٧٦هـ، بقلم علي بن سلمان غفر الله له ولوالديه وللمسلمين والمسلمات آمين". وإلى جانب هاتين المخطوطتين الكاملتين فهناك أجزاء من مخطوطات

1 / 3

أخرى ورد فيها شيء من هذا التفسير، وقد استعين بذلك كله في مراجعة نصوصه. وقد سبق طبع تفسير الشيخ محمد بن عبد الوهاب للقرآن الكريم -أو طبع أجزاء منه- في ثنايا بعض الكتب، بيد أنه اكتفي في هذه الطبعات السابقة بذكر نص تفسير الشيخ للقرآن الكريم مجردا عن نفس الآيات القرآنية التي جاء التفسير لها. وذلك لأن الشيخ –في الأغلب الأعم- كان يكتفي بالإشارة إلى الآيات التي يفسرها عن ذكر نصوصها كاملة، فيقول مثلا: ومن قوله كذا، ثم يبدأ في تفسيره. وأيضا فإن هذه الطبعات السابقة جاءت مجردة عن تخريج الآيات والأحاديث والترجمة للأعلام وتفسير بعض الكلمات التي تحتاج إلى إيضاح لغوي.. وفي هذا نشير إلى طبعات كتاب (تاريخ ابن غنام) غير المحققة، أو التي حققها الدكتور ناصر الدين الأسد. كما نشير أيضا إلى جـ ١٠ من (الدرر السنية) الذي ورد فيه التفسير. ومن أجل مزيد النفع بهذا التفسير –في طبعتنا هذه- فقد تم وضع هوامش له تتضمن نصوص الآيات القرآنية المفسرة، كما تتضمن أيضا تخريج الآيات والأحاديث التي وردت في التفسير، وأيضا تتضمن تعريفا ببعض الأعلام الذين وردت لهم أقوال في التفسير، ممن رأيت أنه يحسن التعريف بهم، وذلك إلى جانب التعليق على بعض الكلمات. وينبغي أن ننبه أيضا على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ قد عرض للكلام عن آيات أخرى كثيرة من القرآن الكريم –غير ما ورد في

1 / 4

هذا التفسير- وذلك في سياق تقريره لبعض مسائل العقيدة وما يتصل بها، ومن ثم جاء كلامه عن هذه الآيات الأخرى في مؤلفاته الأخرى. وبناء على هذا، ولئلا يتكرر نفس الكلام في أكثر من مؤلف – فقد حاولنا قدر الاستطاعة أن لا يرد هنا (تحت عنوان التفسير) إلاّ ما كان منطلقه الأساسي أصلا هو التفسير، وإن توصل به إلى أهداف في العقيدة وتقرير أمور متصلة بها. وفي الهوامش رمزت بحرف (س) للمخطوطة الثانية، أما المخطوطة الأولى فأذكرها برقمها. والله ولي التوفيق وهو حسبنا وإليه المصير ربيع الثاني ١٣٩٨ هـ محمد بلتاجي

1 / 5

سورة الفاتحة ١ قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀ ورضي عنه بمنه وكرمه: اعلم أرشدك الله لطاعته، وأحاطك بحياطته، وتولاك في الدنيا والآخرة، أن مقصود الصلاة وروحها ولبها هو إقبال القلب على الله تعالى فيها، فإذا صليت بلا قلب فهي كالجسد الذي لا روح فيه، ويدل على هذا قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ ٢ ففسر السهو بالسهو عن وقتها - أي إضاعته -، والسهو عمّا يجب فيها، والسهو عن حضور القلب، ويدل على ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ٣") فوصفه بإضاعة الوقت بقوله: " يرقب _________ ١ روي أن الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود كتب إليه - وهو إذ ذاك في العيينة - يسأله أن يكتب إليه تفسير سورة الفاتحة، فكتبها له. ٢ سورة الماعون آية: ٤، ٥. ٣ صحيح مسلم (كتاب المساجد)، وقد رواه أيضا الترمذي (كتاب المواقيت) والنسائي (كتاب المواقيت) .

1 / 7

الشمس " وبإضاعة الأركان بذكره النقر، وبإضاعه حضور القلب بقوله: " لا يذكر الله فيها إلا قليلا ". إذا فهمت ذلك فافهم نوعا واحدا من الصلاة، وهو قراءة الفاتحة لعل الله أن يجعل صلاتك في الصلوات المقبولة المضاعفة المكفرة للذنوب. ومن أحسن ما يفتح لك الباب في فهم الفاتحة حديث أبي هريرة الذي في صحيح مسلم، قال سمعت ١ رسول الله ﷺ يقول: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ٢ قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ٣ قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ٤ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ٥ قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ ٦ قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل " انتهى الحديث. فإذا تأمل العبد هذا، وعلم أنها نصفان: نصف لله وهو أولها إلى قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ٧، ونصف للعبد دعاء يدعو به لنفسه، وتأمل أن الذي علمه هذا هو الله تعالى، وأمره أن يدعو به ويكرره في كل ركعة، وأنه سبحانه من فضله وكرمه ضمن إجابة هذا الدعاء إذا دعاه بإخلاص وحضور قلب، تبين له ما أضاع أكثر الناس. _________ ١ صحيح مسلم (كتاب الصلاة)، وقد رواه أبو داود أيضا (كتاب الصلاة) والترمذي (كتاب التفسير) والنسائي (افتتاح) وابن ماجة (أدب) وهو أيضا في مسند أحمد ٢ - ٢٤١. ٢سورة الفاتحة آية: ٢. ٣سورة الفاتحة آية: ٣. ٤سورة الفاتحة آية: ٤. ٥سورة الفاتحة آية: ٥. ٦سورة الفاتحة آية: ٦ – ٧. ٧ سورة الفاتحة آية: ٥.

1 / 8