Tafsir and the Exegetes
التفسير والمفسرون
ناشر
مكتبة وهبة
پبلشر کا مقام
القاهرة
اصناف
يقف من السند أحيانًا موقف الناقد البصير، فيُعَدِّل مَنْ يُعَدِّل مِن رجال الإسناد، ويُجرِّح مَنْ يُجَرِّح منهم، ويرد الرواية التى لا يثق بصحتها، ويُصرِّح برأيه فيها بما يناسبها، فمثلًا نجده عنده تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٩٤] من سورة الكهف: ﴿... فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ .. يقول ما نصه: "رُوِى عن عكرمة فى ذلك - يعنى فى ضم سين " سدًا" وفتحها - ما حدَّثنا به أحمد بن يوسف.
قال: حدَّثنا القاسم، قال: حدَّثنا حجاج، عن هارون، عن أيوب، عن عِكرمة قال: ما كان من صنعة بنى آدم فهو السَّد - يعنى بفتح السين، وما كان من صنع الله فهو السُّد، ثم يعقب على هذا السند فيقول: وأما ما ذكره عن عِكرمة فى ذلك، فإنَّ الذى نقلَ عن أيوب: "هارون"، وفى نقله نظر، ولا نعرف ذلك عن أيوب من رواية ثقاة أصحابه".
* *
* تقديره للإجماع:
كذلك نجد ابن جرير فى تفسيره يُقَدِّر إجماع الأُمَّة، ويعطيه سلطانًا كبيرًا فى اختيار ما يذهب إليه من التفسير، فمثلًا عند قوله تعالى فى الآية [٢٣٠] من سورة البقرة: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ .. يقول ما نصه: "فإن قال قائل: فأى النكاحين عَنِىَ الله بقوله: ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾؟ النكاح الذى هو جِماع؟ أم النكاح الذى هو عقد تزويج؟ قيل: كلاهما، وذلك أن المرأة إذا نكحت زوجًا نكاح تزويج ثم لم يطأها فى ذلك النكاح ناكحها ولم يجامعها حتى يُطلِّقها لم تحل للأول، وكذلك إن وطئها واطئ بغير نكاح لم تحل للأول، لإجماع الأُمَّة جميعًا، فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن تأويل قوله: ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾، نكاحًا صحيحًا، ثم يجامعها فيه، ثم يُطلِّقها، فإن قال: فإن ذكر الجِماع غير موجود فى كتاب الله تعالى ذكره، فما الدلالة على أن معناه ما قلت؟ قيل: الدلالة على ذلك إجماع الأُمَّة جميعًا على أن ذلك معناه".
* موقفه من القراءات:
كذلك نجد ابن جرير يعنى بذكر القراءات وينزلها على المعانى المختلفة، وكثيرًا ما يرد القراءات التى لا تعتمد على الأئمة الذين يعتُبرون عنده وعند علماء القراءت حُجَّة، والتى تقوم على أُصول مضطربة مما يكون فيه تغيير وتبديل لكتاب الله، ثم يتبع ذلك برأيه فى آخر الأمر مع توجيه رأيه بالأسباب، فمثلًا عند قوله تعالى فى الآية [٨١] من سورة الأنبياء: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً﴾ .. يذكر أن عامة قُرَّاء الأمصار قرأوا "الريحَ"
1 / 153